هل تتّجه السعودية نحو العلمانية ؟
مولود مدي
2017 / 9 / 27 - 21:36
منذ أيّام قليلة صدر القرار التاريخي الذي طال انتظاره من طرف المرأة السعودية و فيه انتصر لحقّها في القيادة, لتنضم المرأة السعودية أخيرا الى صف نساء البشرية, و رغم أن القرار أصبح لا رجعة فيه, لكن انتشرت في التويتر هاشتقات تستنكر قرار الملك بالسماح للمرأة بالقيادة, و كانت كالعادة من السلفيين الوهّابيين الذين يرون ان هذا القرار من علامات قرب الساعة, رغم أنهم من زمان يتكلّمون عن الساعة في كل مرّة يصدر قرار يعارض أفكارهم المتشددة, فالبارحة حرّموا ركوب السيّارة لأنها حسبهم من بنات الجن, و اليوم يقولون أن قيادة المرأة فتنة .. المهم أنه لسنا هنا لنجادل أن كانت الساعة ستقوم لأن المرأة السعودية ستمسك المقود, بل هنا لكي نوضّح فكرة مهمّة أن ما يقوله الاماراتيين حول أن السعودية في طريقها للعلمانية, هي فكرة خاطئة تماما, تبيّن الى حد كبير أن مجتمعاتنا بعيدة كل البعد عن فهم العلمانية.
العلمانية في الحقيقة ليست مظاهر مجتمعية مزاجية عابرة، أو قرارات ملكية نابعة عن تصفية حسابات بين هيئة الترفيه وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, انها طريقة تفكير مجتمع و طريقة حكم, أما المجتمع السعودي فهو من أبعد المجتمعات عن طريقة التفكير العلمانية, فهو لا يؤمن أن التديّن هو مسلك فردي لا يحق لأحد مهما كان أن يتدخّل في خيارات الفرد الدينية و المذهبية, فهو يدعوا الى قتل المرتد, و ذبح الشيعة و يدعوا الى قتل العلمانيين و تكفيرهم, ولا إعلاء لقيم الحرية والتعددية وحق الاختلاف، ولا حديث عن القيم الكونية في مجال حقوق الانسان ومعاني التسامح وغير ذلك و ليس هناك في السعودية ما يسمّى بالخصوصية فكم من مرّة تتدخل " هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر " في شؤون الناس الفردية و تقتحم جدران بيوتهم ان شمّوا رائحة سيجارة أو سمعوا موسيقى فيها و غير ذلك بل و تمتلك صلاحية اشباع السعوديين ضربا ان لم يغلقوا محلاتهم وقت الصلاة, أما عن مناهج التدريس المقدّمة للسعودي من المرحلة الابتدائية الى المرحلة العليا فحدّث و لا حرج, فهو تعليم تلقيني يركّز على الحفظ كسائر أنظمة التعليم العربية الفاشلة, لكن الفرق هو أن السعودي لا يعرف شيئا عن الفلسفة مثلا ولا عصر الأنوار في أوروبا ولا الثورات الكبرى في العالم, المدرسة السعودية لا حديث فيها عن فكر ديكارت و نيوتن و كيبلر و اسبينوزا, لأن حسب برنامج التعليم السعودي أن معرفة الله و التفقّه في الدين خير و أبقى, أما علماء الفيزياء و الرياضيات و الفلسفة و الطب و البيولوجيا فلا قيمة لهم, ولا يمكن أن ينكر السعودي أنه ليس له أي نظرة خاصة و رأي خاص له في أي قضيّة فقهية, لأنه يؤمن بأن اعمال عقله في دينهم حرام فما بالك ان فكّر في معارضة رأي الكهنة, فالمهمّة مقتصرة على كهنته, الذين يجتهدون في تبرير قرارات الملك سلمان, فالبارحة كانت لجنة كهنة السعودية التي تسمّي نفسها " هيئة كبار العلماء " قد أصدرت منذ سبعة و عشرين سنة على لسان عضو الهيئة و رئيس مجلس القضاء " صالح اللحيدان " فتوى تقول بالحرف الواحد " بعدم جواز قيادة المرأة للسيّارات ووجوب معاقبة من يقمن بذلك ", ليخرج علماء الهيئة اليوم ليبرروا قرار الملك سلمان و يقولون أن الأصل في قيادة المرأة للسيارة هو الاباحة.
وهذا قليل من كثير, تبيّن أن الشعب السعودي غير مستعد بتاتا ليتقبّل العلمانية, فهو يرى أن الاختلاف فتنة, خروج المراة فتنة, و قيادتها للسيارة فتنة, و تنظيم المهرجانات و الحفلات الترفيهية فتنة, و كل شيء فتنة, ووجوب الطاعة المطلقة للملك و الخروج عليه فتنة, و هذا يتحمّله طبقة رجال الدين الذي يروّجون للفكر الديني المتشدّد الداعشي على أن لا إسلام إلا هذا الذي يقدم له في المناهج وما عداه ضلال مبين، فكر إقصائي بامتياز يعتقد أنه محتكر للحقيقة المطلقة. هذا الفكر استطاع عبر سنوات التسلل إلى أكثر من دولة عربية وإسلامية وفي أوروبا وافريقيا وآسيا و الذي صوّر المجتمع السعودي بصورة المجتمع الدّاعشي, ان أبسط شروط العلمانية غائبة فماهي المعايير التي اعتمدها مروجي السعودية العلمانية في دعايتهم ؟, و لنفترض أن الشعب السعودي مستعد لتقبّل العلمانية, فهل في الحقيقة ستقف العائلة الملكية هناك مع مشروع علمنة الدولة ؟, بالتأكيد سيكون ذلك من سابع المستحيلات, فلا مساواة أمام القانون بين الأمراء وبين غيرهم من أبناء البلد، بل لا مساواة أصلا بين المواطنين أنفسهم, كما أن تواجد العلمانية يستلزم تواجد الديمقراطية, فهل سيقبل الملك و حاشيته, ان تتم مسائلته من طرف الشعب ؟, هل سيقبل قيام دولة المؤسسات التي ستحد من صلاحياته ؟ هل سيقبل بتواجد المعارضة السياسية في بلده ؟ بالطبع لا.
و في الختام العلمانية ليست أيديولوجية حزبية أو فكرة عقائدية فيها حلال وحرام و ثواب و عقاب ، بل هي دعوة للتحرر العقلي من عبودية الأفكار و من السجون التي وضعها كهنة الأديان و التي أسموها زورا الثوابت و التي هي في الحقيقة مجرد أفكار متحجرة لا تزيد الانسان شقاء, العلمانية ترفض التسليمات على العلات دون أو نقد، وهي بكل بساطة خيارات تقول للإنسان حرّر عقلك وفكر بمنطق وعش وجودك كما هو، تريد أن تكون متدينا هذا حقك و لا أحد له الحق في منعك، أما قرارك في أن تكون على غير دين فتلك خياراتك وأنت من تتحمل وزر يقينك ونتيجة تعقلك، لكن لا تفرض على الأخر أي شكل من أشكال الالتزام الذي تؤمن به أو تظن أنه من الواجب عليك فعل ذلك ظنا أن ذلك تقرب من لله، فكما أنت حر بعقلك فللأخر حرية في عقله مساوية لحريتك وموازيه له تماما.
ان العلمانية تمنع تسييس الدين و تدنيس المقدّس و تقديس المدنّس, ان تسييس الدين هو عمل من أعمال الفجّار و الأشرار و الارهابيين و الجهال غير المبصرين, فهذا التسييس هو فاتحة الانتهازية, و لكن الانتهازية المقدّسة التي تحوّل الظلم الى شعيرة دينية, وسفك الدماء و العدوان على حرّيات و ممتلكات الغير عملا مقدّسا يسمى زورا " الجهاد في سبيل الله " وهو في الحقيقة هو جهاد في سبيل الطمع و الجشع.