كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 5626 - 2017 / 8 / 31 - 17:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من زعزعة الامن الروحي الى زعزعة الامن الولائي
لعب العامل الايديولوجي (الاسلام) الارهابي والمتزمت الدور البارز في احتلال الاوطان واستعباد الشعوب وتعريب هويتها القومية ( فرض اللغة الاعراب, لغة الله والقرآن والجنة والملائكة و آدم, فرض الاسماء الاعرابية و فرض الاعراف والطقوس البدوية...) واقصاء لغات الشعوب المحلية واقصاء ثقافاتها واماتة هوياتها القومية, ونشر ثقافة الكراهية والعنف ورفض الآخر اللامنتمي للعروبة-اسلام وفرض الاتجاه الواحد ( دين واحد ولغة واحدة وعرق واحد).
عملية الهيمنة القسرية لوحدة الثنائية الاسلام- العروبة افرزت نقيضها في شكله العلاني المعبر عن المكبوت المتراكم في الوعي اللاشعوري للمكبلين بأغلال الاستلاب الثقافي الاعرابي الاستعماري, و رغم القوة المعنوية للايديولوجية الاسلامية الا انها لم تستطيع الصمود والمحافظة على تأثيرها المطلق الذي ساد قبل الثورات العلمية والثورات التحررية وخصوصا مع التحولات العالمية بسلبياتها وايجابياتها وتأثيرها على نمو الوعي الذاتي ولو في حالته الجنينية لدى الشباب الامازيغي القابع تحت رحمة ايديولوجية الاضطهاد القومي والاجتماعي, الوعي الدافع الى البحث عن وسائل مقاومة الموروث الاستعماري المعادي لوجوده الذاتي ( المادي والروحي), مما دفع بالكثير الى ايجاد البديل في المعتقدات الايمانية السلمية ( الايمان المسيحي) او اعتناق المذاهب غير السنية مثل (المذهب الشيعي) المناقض لمذهب المقيم العام العروبي.
الايمان الروحي الغير السلطوي يعد شكل من اشكال التمرد على الموروث الايديولوجي (الاسلام) للسلطة الكولونيالية, وقد اصبحت ظاهرة التمرد الايماني تشكل خطرا على النظام العروبي بسبب توسعها وانتشارها على المستوى البشري والترابي, وخصوصا ان هذا الايمان المضاد أصبح بديل للايديولوجية الاسلامية, التي تعد المكون الاساسي في عملية الاستلاب ونشر الوعي المغلوط لهدف ديمومة الاستحمار والاستعمار, وهذا ما دفع بالنظام للجوء الى وسيلة قمعية فرمانية لفرمنة الهروب من جحيم ايديولوجية الاضطهاد القومي والفكري, سمي ب "قانون" (زعزعة عقيدة مسلم), وبهذه المادة من "القانون" الجنائي العلوي, جرم كل من تخلى عن الاساطير المحمدية واختار لنفسه بحرية افكار ايمانية بديلة.
فرمان " زعزعة عقيدة مسلم", تحدي معلن للمواثق الاممية وعلى رأسها "اعلان حقوق الانسان", فرمان اعطى الضوء الاخضر لمحاكم التفتيش والقمع الممنهج لاطلاق اجهزتها الكلبوية في الشوارع تلهف وراء الاحرار, بحثا عن المرتدين عن ايديولوجية الدمار الهوياتي, ورغم الاعتقالات والتعذيب في زنازن محاكم التفتيش والمحاكمات الصورية, الا ان ظاهرة الهروب من ايديولوجية الدمار الهوياتي والقتل والترهيب والكراهية والتزمت, لم ولن تتوقف بل مستمرة في خط مستقيم حتى نهاية اسباب بروزها.
الامن الروحي للمسلم في المروك زعزعته مبادئ التعددية والتعايش السلمي بين مختلف الاجناس والطوائف الدينية, حرية الاعتقاد والتفكير من محرمات في تعاليم ايديولوجية المبنية على مبدأ الاتجاه الواحد, المعادي للتعددية والعلانية والدمقراطية والتحرر. فرمان الامن الروحي المستمر في تجريم الاحرار لم يتنتهي صلاحياته بعد لينطلق فرمان جديد - قديم, سمي بفرمان زعزعة الامن الولائي للسلطة, لتجريم احرار الصمود والرفض للسياسة الكولونيالية في زمن التحركات والانتفاضات الجماهرية و أهمها الحراك الشعبي الامازيغي المناوئ لسياسة التمييز القومي للسلطة الكولونيالية وخصوصا في منطقة الريف المكافحة.
الادراك الواعي للجماهير الشعبية الامازيغية للأسباب الموضوعية عن تدهور اوضاعها المعيشية, الاقتصادية والاجتماعية, نتيجة نهب الرأسمال المالي الريفي و الاستغلال البشيع لثروات المنطقة واللامساواة في تنمية المجالات الترابية بسبب سياسة التهميش والتفقير مع اقصاء للثقافة واللغة الامازيغيتين واشتداد الاستبداد (التمييز القومي), هذه هي الاسباب الرئيسية من فجر الانتفاضة السلمية ردا على سياسة الابارتهايد العروبي, وعوض الاستجابة للمطالب العادلة لأهل منطقة الريف, اسرت السلطة الكولونيالية على استعمال ادواتها التقليدية القمعية والقسرية والتستر على جرائمها وانتهاكاتها لحقوق اهالي منطقة الريف بشعاراتها الميكيافيلية, مثل حماية الامن الداخلي " آمن رمز العروبة", بتصعيد نهجها الثابت الشوفيني المعادي لامازيغ منطقة الريف بممارسات الارهابية المنظمة, من قمع الجماهير الشعبية واعتقالات وتعذيب المعتقلين في زنازن العار وترهيب لعائلاتهم, و تصعيد النزعات بين الاهالي تحت غطاء ديني ( خطب المساجد ) و تلفيق للتهم العشوائية للمنتفضين, من المؤامرة على سلامة الدولة والمؤامرة على الاسلام الى تجريم زعزعة الولاء للسلطة العلوية العروبية ( السلطة الكولونيالية).
سياسة الابارتهايد المنتهجة لما بعد جينوسيد الريف (58-59), ارتكزت على عنصر الاضطهاد القومي والاجتماعي والاقصاء الثقافي واللغوي وإرتكزت كذلك على خلق عنصر الولاء للسلطة العلوية, وهو العنصر الذي حاول الاهالي زعزعته حسب الموظف في مؤسسة السياسة الداخلية ( البربري لفتيت).
الولاء باعتباره بيعة على الطاعة وشرعنة السلطة العلوية, هو عملية قسرية لها امتداداتها التاريخية في الحالة المروكية, وما يواكبها من طقوس العبودية, هو عقد يربط طرفي المصلحة ( المستبد واعوانه) لضمان الطاعة والخنوع للمحتل مقابل فتات المائدة للخونة العبيد, الا ان المبايعين للخضوع والخنوع لسياسة الاستبداد والتمييز القومي من الكتلة الخيانية الوصولية, هم حاليا من يحرك الفعل المضاد للانتفاضة السلمية امثال نخبة الرباط ( لفتيت, أوجار, العماري, محمد زيان ... ) أو مافيا الفساد في المنطقة وممولي بلطجية ترهيب الحراك الامازيغي الريفي, بهذه القاعدة فزعزعة الولاء لا يمكن ان يكون الا في موقع الخونة أحد طرفي البيعة والولاء, اما أحرار الريف طيلة الاحتلال العلوي لم يقدموا الولاء للكولونيالية العروبية والمثال على ذلك الانتفاضات الشعبية المتعددة وفي ازمنة مختلفة وخصوصا ( 58-59 و84 و90 و2016-2017), فحالة الخضوع والسكون المرحلي لا يعبر عن الولاء والبيعة, و حالة الانتفاضات في الزمن الريفي ضد التمييز القومي والتمييز الاجتماعي والاستبداد السياسي تعبير صادق عن الرفض والتصدي للكولونيالية العروبية, امازيغ منطقة الريف بالفعل قدموا الولاء لكن ليس للمخزن العروبي و آنما ولائهم كان دائما للارض و النضال من اجل التحرر و الكرامة والحرية و العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان و المساواة بين المجالات الترابية, ولا ولاء لهم ولا عقد لهم مع السلطة الكولونيالية ولا مع النظام الامبريالي حامي الانظمة الاستبدادية والاستعمارية في العالم.
تهمة زعزعة الولاء للسلطة العلوية لا تختلف عن تهمة الولاء لموسكو التي حوكم بها الشيوعيون الالمان تحت الحكم النازي, او تهمة المؤامرة اليهودية, المبرر " القانوني" لابادة اليهود وتبرير سياسة انتي سامية للنظام النازي, ورغم المسافات الجيوزمنية الا ان الانظمة الدكتاتورية والاستعمارية لا تختلف استراتيجياتها و تكتيكاتها ( التآثير الفكري والمادي) وجوهرها لا يتغير رغم مساحيق ( الانصاف والمصالحة) الورقية.
الانتفاضة الشعبية الامازيغية في منطقة الريف لم تأتي برغبة نخبة الخيانة لتفسخ عقدة الولاء, بل الانتفاضة في المنطقة لها مقدماتها الموضوعية, فهي حالة "حتمية" لسياسة التمييز القومي ( ابارتهايد) التي مارسها النظام الكولونيالي ضد الشعب الامازيغي, السياسة المنتجة للعبودية و التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقمع الممنهج وعسكرة المنطقة (منح الحرية المطلقة للأجهزة القمعية في التعامل مع اهل الريف).
النظام الكولونيالي الفاقد للشرعية الطبيعية والشعبية, أوتوماتيكيا يفقد ولاء الشعب له بعتباره نظام اللاشعبي واللاوطني ( استعماري) قبل ان يكون عنصري واستبدادي, فرضته الامبريالية بالقوة لحماية مصالحها في منطقة جيو-استرتيجية للشركات الفوق القومية وللسياسة الامبريالية.
علاقة السلطة الكولونيالية بأهل الريف لم تخرج عن اطارها التاريخي المتميز بالصراع بين المخزن وايمازيغن, سواء على شكل مقاومات شعبية مسلحة مضادة للتمدد الاستعماري او على شكل انتفاضات سلمية, مجابهة أهل منطقة الريف لسياسة الابارتهايد ونتائجها الكارثية من تخلف شامل واستبداد همجي.
ثقافة الولاء للمخزن, رؤية رجعية وسلوك عبودي انتجه واقع الاستعمار وثقافة الاستلاب والاغتراب و تعبيرا وتكريسا للتخلف والاستبداد والعبودية, هذا الوضع الذي أفرز حالة التنكر للوجود الذاتي وأفرز بدوره الحالة الاجتماعية المأساوية والاضطهاد القومي.
الحراك الشعبي في منطقة الريف يعتبر ثقافة مضادة لثقافة الولاء وانعكاس للوضع السوسيو-اقتصادي وتصدي لسياسة الاضطهاد الاثنو- ثقافي.
الريف هو المجال الترابي الشاسع الذي تم تفقير وتهميش واستبداد اهله بفرض سياسة التمييز القومي والاجتماعي, و نهب خيراته و مصادرة رأسماله المالي لأجل تنمية المناطق المعربة خصوصا ( كازا بلانكا ), ولهذا فالانتفاضة الشعبية الريفية في الزمكان عليها اتمام مهامها التاريخي, المتمثل في تحرير مجالها الجغرافي من النظام الاستعماري المنتج لسياسة التمييز القومي والاجتماعي والاستبداد السياسي, ليس بالمساومات ولا بالوعود البراقة وباجتماعات اعوان القهر القومي, بل بصرخات وسواعد المقهورين ايمازيغن, بالنضال الميداني بأشكاله المختلفة حسب شروط المرحلة,نضال لا هوادة فيه حتى تحقيق الهدف الاستراتيجي. واليذهب الولاء للكولونيالية الى جهيم الثورة التحررية.
كوسلا ابشن
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟