أسباب التقارب الايراني التركي


مولود مدي
2017 / 8 / 25 - 16:37     

يبدوا أن التوتر الذي ميّز علاقات البلدين بسبب المسألة السورية, و الملف العراقي, بدأ يتلاشى بظهور قضية تهدد الطرفين في أن واحد و هي القضية الكردية, اذ أجبرت هذه القضية البلدين على التقارب و اعادة مراجعة الكثير من المواقف, و اعلان التحالف بين القوّتين.

لقد شهد لقاء القادة العسكريين من البلدين أعلى مستوى محادثات منذ حوالي اربعين سنة, وعقب اللقاء بين لقاء الجنرال التركي هولوسي عكار ومحمد حسين باقري رئيس هيئة الأركان الايرانية الأسبوع الماضي ، أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تناول مع السلطات الإيرانية موضوع "التدخل الطائفي " في الخارج، إلى أن الوقت كان مناسبا للتعاون العسكري بين البلدين, و يبدوا أن تركيا بدأت تعترف بالأمر الواقع و أصبحت ترى أن الخطر ليس التوسّع الايراني و لا دعمها للحشد الشعبي بحيث التوسّع الايراني هو خطر على جميع الأطراف التي تدور في فلك الولايات المتّحدة و الحشد الشعبي الذي أصبح يثير مخاوف السعودية خاصة و القلقة من ظهور " حرس ثوري " أخر على شاكلة الحرس الثوري الايراني, و انما القوّة المتصاعدة للأكراد الممثلين من طرف حزب العمال الكردستاني وحزب الشعب, ولقد لجأت تركيا الى خيار التحالف بعدما رأت الدعم الأمريكي للأكراد يتنامى و يشكّل خطرا على اراضيها, مبتعدة بذلك عن حلف الأطلسي و مرتمية في حضن التحالف الروسي الايراني.

تشعر حاليا أنقرة بأن التحالف مع واشنطن و الاشتراك مع الناتو هو أمر لا قيمة له, اذ لا نزال نرى الدعم الأمريكي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وذراعه العسكرية "وحدات حماية الشعب الكردية"، و هذا ما يجبر تركيا على تغيير موقفها من القضية السورية معتبرة أن استمرار الأسد لفترة قد يكون ضمانا لعدم تهديد الدولة التركية بقيام دولة كردية على حدودها مع سوريا لها امتداد داخل تركيا تتمثل في منظمة حزب العمال الكردستاني التي تسعى للانفصال في جنوب شرقي تركيا في إطار السعي لإقامة دولة كردستان الكبرى على أراض في العراق وسوريا وتركيا وإيران.
و يبدوا أن حضور القادة العسكريين في موضوع هذا التحالف لم يأتي من فراغ, بل هذا يعني أن طهران و أنقرة بصدد القيام بعمليات عسكرية مشتركة في شمال العراق وعلى طول حدودهما ضد حزب العمال الكردستاني, ومن شأن ذلك أن يمثل نقطة انطلاق ناعمة لزيادة التعاون العسكري في المستقبل, بعدما كان هذا التنسيق محدودا في الماضي.

و من الطبيعي أن لا يكون هذا التقارب التركي الايراني من دواعي سرور الولايات المتّحدة الأمريكية و لا إسرائيل أيضا, اذ من المقلق أن ترى أمريكا حليفتها تركيا تعمل مع أكبر عدوّة لها و لاسرائيل و هي ايران, اذ تم في 15 اغسطس الماضي, اتفاق رئيسي بشأن الطاقة بين الشركات التركية والإيرانية والروسية, لكن هل ستسمح أمريكا بكل هذا ؟.
هناك من يقول أن الخصومة والخلاف الكبيرين بين القوى الإقليمية لا يمنع من التعاون، ولو بشكل مؤقت من أجل تحقيق أهداف مشتركة, الا أن الواقع يقول أن دخول موضوع الطاقة في التعاون لا يؤكد أن هذا التحالف سيكون مؤقتا, بل هذه الاتفاقيات الاقتصادية ستغري الأتراك والروس بالمضي قدماً نحو الاندفاع صوب إيران.

ان هذا التقارب لا يعني أن أمريكا ستبقى مكتوفة الأيدي حيال ما يجري, اذ تستطيع أمريكا أن تتخلى عن دعمها للأكراد ان لم يصب هذا الدعم في مصلحتها, فيمكن أن يؤدي تصلّب الموقف الأمريكي الى زيادة الهوة بينها و بين تركيا, و سيخلق هذا التصلب ربّما خلافا مع اسرائيل أيضا التي ترفض أي تقوية لشوكة ايران, و بالتالي يمكن للولايات المتّحدة بسياساتها المزدوجة أن تتخلى عن دعم الأكراد و هذا سيقابله امتنان تركي كبير, كما لايجب أن نتناسى أن لتركيا مصالح في العراق, و للحفاظ عليها يجب تحجيم دور الحشد الشعبي المتأثر بايران بشكل كبير.