الصراع الطبقي والتحولات السياسية بالمغرب


محمد الخباشي
2006 / 2 / 10 - 10:57     

عن منشورات النهج الديمقراطي، صدر للكاتب عبد السلام أديب كتاب تحت عنوان الصراع الطبقي والتحولات السياسية في المغرب.
أهمية الكتاب تأتي من الموضوع نفسه، أقصد التحولات التي أحدثتها السياسات المتبعة، على التركيب الطبقي للمجتمع المغربي، وتأتي أيضا من منظور الكاتب نفسه لهذه التحولات. الاعتبار الأساسي لهذه الأهمية، هو أن محاولات دراسة التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية المغربية وتطوراتها، وتأثير السياسات المتبعة والتغييرات الدولية عليها، اقتصرت عليها التقارير السياسية لمؤتمرات أحزاب سياسية محددة. وإلى الآن، اكتست هذه المحاولات طابع الضبابية والغموض والتسويف تحت ذريعة ضرورة تعميق النقاش فيما سيأتي... وأيضا زاغت دراسات كثيرة عن الدقة والعلمية.
إلا أن الأستاذ أديب، بالقدر الذي كان دقيقا وعلميا في تناوله لبعض القضايا من موقع متميز ومتخصص، بالقدر نفسه، سقط في منزلقات عدة، سأحاول أن أثيرها في النقط التالية:

I- الصراع الطبقي والتحولات السياسية:

عنوان الكتاب يوحي أن صاحبه سيتطرق إلى آليات الصراع الطبقي بالمغرب، أطرافه، نتائجه وحقوله الخ... لكن بتصفح الكتاب نجد أن الأستاذ أديب، حاول تناول تأثيرات السياسات المتبعة على التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية المغربية، لكنه فعل بشكل سطحي. وحاول أيضا تناول التطور التاريخي للتشكيلة الاقتصادية والاجتماعية لكنه سقط في نوع من التاريخانية السطحية غير الممنهجة. فتطرق إلى بداية الثمانينات ليعود فيما بعد إلى ما هو أبعد من ذلك، مع سقوطه في نوع من التشخيص الداتي الوظيفي النزعة، نقطة منهجية أفقدت الموضوع لذة البحث وشهية المعالجة.
ورغم ما قلته، فلا بد من الاعتراف أن نوعا من الجرأة اتسمت به طريقة ولغة الأستاذ أديب، تفتقدها العديد من المحاولات. إلا أنه سقط في منزلقات نظرية أفقدت كتابه قدرا من الأهمية والدقة العلمية بالخصوص.
يعتبر الأستاذ أديب أن الصراع الطبقي بالمغرب يعتمل بين 3 طبقات: طبقة عليا تتكون من برجوازية عليا مشتغلة بالصناعة والتجارة والعقار والفلاحة، وفئة ثانية سماها بيروقراطية تكنوقراطية تضم علماء، أساتذة جامعات وأصحاب المهن المتميزة (أطباء، مهندسين...). الطبقة الثانية تتوفر على مستوى معين من الدخل القار،... يمكن وصف مكونات هذه الطبقة بالبرجوازية الصغيرة أو المتوسطة. أما الطبقة الثالثة فهي الطبقة النقيض لا تملك أية ثروة ولا تملك سوى قوة عملها.
بهذا الوصف يكون الأستاذ أديب قد جانب الصواب تماما وانزلق إلى منتهى السطحية في التحليل. وكرر ما يردده البعض في مقالات نشرت بالحوار المتمدن. تحليلات تتشدق بالعلمية وهي لا تمت بصلة إلى التحليل العلمي للمجتمع المغربي. تحليلات أشبه بمنطق المعمار(الطوابق) أكثر من تحليل تركيبة طبقية لمجتمع ما.
لا بد من التأكيد على أن المجتمع المغربي كواحد من البلدان الخاضعة للاستعمار، لا يتميز بصفاء طبقي واضح. ولا يمكن أن نجد بنية اجتماعية تتكون من 3 طبقات هكذا. السبب يعود إلى تدخل الاستعمار الذي أحدث تغيرات وتشويهات في البنية الاجتماعية، حيث أحدث نظاما برجوازيا على أنقاض الإقطاع الذي كان قائما، أو على حساب الأنماط ما قبل رأسمالية. فتعايشت مختلف الأنماط رغم نشوء نوع من الرأسمال المرتبط بالرأسمال العالمي، والذي لم يستطع أن يقطع مع جذوره الما قبل رأسمالية. نتج عن ذلك نشوء تشكيلة اقتصادية واجتماعية تتعايش فيها عدة أنماط. فالمجتمع المغربي لا يتكون من 3 طبقات بل من تكثلات طبقية. الكثلة العليا مثلا تضم طبقات مختلفة منها حتى بقايا الإقطاع. إلا أن هناك إشكالا آخر، يكمن في صعوبة التحديد الطبقي، إذ نجد نفس الشخص أو العائلة، تستثمر في التجارة والزراعة والنشاط الصناعي إلخ...
والمنزلق الذي سقط فيه الأستاذ أديب أيضا، إضافة إلى نكرانه لهذا الخلط وصعوبة التحديد الطبقي، هو إشارته إلى كائن أسطوري سماه البرجوازية التكنوقراطية والبيروقراطية. لأن التحديد الطبقي أو الانتماء، يمكن إرجاعه إلى 3 عناصر محددة: الموقع الاقتصادي/الاجتماعي في عملية الإنتاج، الممارسة السياسية، والهوية الايديولوجية. أحيل القارئ على مقالي المنشور بالحوار المتمدن تحت عنوان "اليسار الحقيقي ويسار بروكوست"، للمزيد حول التحديدات الطبقية. فالانتماء الطبقي لا يتحدد بناء على وظيفة معينة، بل انطلاقا من العناصر الثلاثة السالفة الذكر. وإذا أخذنا وزيرا أو أستاذ جامعة أو أي واحد من الفئات التي ذكرها الأستاذ أديب، لا يتحدد انتماءه الطبقي من خلال وظيفته، بل استنادا إلى موقعه في عملية الإنتاج. فالمهندس أو الضابط السامي في الجيش لا يشكل عنصرا من البرجوازية العليا إلا حين يشتغل في التجارة أو الصناعة أو العقار... وليس لأنه ضابط أو مهندس. إذن فالوظيفة لا تمت بصلة إلى الانتماء الطبقي، وإن كان لها دور في تحديد مستوى الدخل. وإذا كانت الامتيازات التي منحت لبعض من هذه الفئات، كرخص الصيد في أعالي البحار، والمقالع... قد سمحت لبعض هذه الفئات من مراكمة الثروة فإنها تصنف ضمن الشرائح العليا للبرجوازية من خلال الثروة التي راكمتها عبر مختلف الوسائل (الريع، الامتيازات، التشجيعات الضريبية،....). وليس من خلال موقعها في الوظيفة العمومية أو مختلف أسلاك الدولة. معناه ان كل المهندسين او اساتدة الجامعات او ضباط الجيش… ليسوا كلهم أعمدة البرجوازية العليا. الشرائح العليا الماسكة بالاقتصاد والسياسة في المغرب لا تشكل طبقة واحدة، بل كثلة طبقية تتكون من فئات تشتغل في التجارة والفلاحة والعقار والسياحة والاوليغارشية المالية ووكلاء الشركات العابرة للقارات... وضمن هذه الكثلة الطبقية، طبقة تستحوذ على القرار السياسي والسلطة السياسية هي الطبقة الحاكمة، عكس ما دأب إليه الأستاذ أديب، حيث سقط في منزلق نظري، حين أحدث نوعا من الفصل بين الطبقة الحاكمة أو كما سماها "السلطة المخزنية" وبين "الطبقة العليا" للمجتمع. الخط الفاصل بين الطبقة الحاكمة وبين تلك "الطبقة العليا" خط وهمي لا وجود له، لأن الطبقة الحاكمة جزء من الكتلة الطبقية السائدة. وموقعها ضمن الكتلة الطبقية هو الذي يجعلها تستحوذ على السلطة السياسية. وهده حقيقة قفز عليها الكتاب حين يقول :" ولا يمكن في ظل الوضع المعقد الناتج عن سياسة تدبير الازمة فهم الوظيفة الاقتصادية للسلطات المخزنية في اطار علاقتها براس المال الاجنبي فقط، بل يجب فهمها ايضا في اطار علاقتها بالطبقات السائدة" . هده الكتلة الطبقية السائدة، هي صنيعة الغرب الامبريالي، من خلال التدخل المباشر في فترة الاستعمار المباشر، او من خلال تدخل المؤسسات المالية الدولية والشركات العابرة للقارات.... وبصفتها تلك لا تستطيع ان ترى نفسها الا من خلال علاقتها بصانعها، الامبريالية. واستمرار علاقتها التبعية تلك شرط اساسي لاستمرار سيطرتها الطبقية. ولدلك فالسياسات التي تنهجها على جميع الاصعدة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تندرج ضمن استراتيجية الامبريالية العالمية وسياساتها النيولبرالية المتوحشة. لا تتميز الطبقة الحاكمة في البلدان التابعة باي استقلال في سياساتها على الاطلاق، نتيجة علاقة التبعية البنيوية التي تربطها بالامبريالية. عكس ما دأب اليه الاستاد اديب حين قال :" وادا كانت السلطات المخزنية ببلادنا ترتبط ارتباطا بنيويا بالنظام العالمي،.......... فانها تجد نفسها في مواجهة مع الطبقة المسيطرة على راس المال في الخارج......... تجد نفسها مضطرة لكي تتفاعل مع هده الاطراف وان تنظم العلاقة فيما بينها وان تقوم بدور الوسيط". دور الوسيط هو الوظيفة الاساسية التي على اساسها احدثت تلك التغييرات المشوهة للبنية الاجتماعية من طرف الاستعمار. وهو الدور نفسه التي انتجته الاتفاقيات التي انتجت استقلالا معوقا. وهو الدور الدي احدثت من اجله تلك الطبقات نفسها. ونسأل الاستاد اديب عن أي زمان او مكان تجلى فيه التناقض الثانوي بين الامبريالية والطبقة الحاكمة ليس في المغرب فقط بل في كل الدول التابعة. ما هي السياسات التي اتخدتها الطبقة الحاكمة واجبرت مرة واحدة من طرف الامبريالية على التراجع عنها؟ دور الوسيط لم تجبر عليه الطبقة الحاكمة، انما هو شرط وجودها واستمرارها. هي حلقة اساسية للسيطرة الامبريالية، اقتصاديا وسياسيا. وهدا الوسيط هو نوع من راسمال محلي انبنى على انقاض الانماط ما قبل راسمالية، مند بداية التدخل الاستعماري، وليس مع بداية عقد التمانينات كما اشار الى دلك الاستاد اديب، بيد ان بداية نشوء هدا الراسمال المحلي لم تكن ايضا وليدة سياسة التقويم الهيكلي ولا ما سمي بقانون المغربة.
الكتاب وقع في تناقض واضح وصارخ حين قال ان السياسات المتبعة اضرت بشرائح واسعة من المجتمع المغربي وحين قال بان تلك السياسات ادت الى توسيع الطبقة الوسطى. الواقع ان تلك السياسات ادت الى تضرر شرائح واسعة من المجتمع المغربي بما في دلك شرائح من البرجوازية. وقد تمت بلترة الشرائح الدنيا من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة. اكثر من دلك ان شرائح من البرجوازية العليا نفسها اصبحت غير قادرة على المنافسة من جراء نمو الاحتكارات الكبرى، محليا وخارجيا. مما حدا بها الى اغلاق مؤسساتها الانتاجية على غرار ما يحدث في باقي دول العالم. وانعدام التوازن الاجتماعي الدي يعتبر سمة مميزة للمجتمعات التابعة، يتجلى بالاساس في اتساع الهوة بين الطبقات العليا للمجتمع وبين القاعدة الشعبية الواسعة. يعني دلك ان المساحة التي تحتلها الطبقة الوسطى في السلم الاجتماعي ضيقة للغاية.
في الجزء الثاني ساتطرق الى التعبيرات السياسية والصراع الطبقي في المجتمع المغربي، لاخلص الى وهم وتضليل التمثيل الطبقي للاحزاب والتنظيمات السياسية في المغرب.