حيدر الحيدر
الحوار المتمدن-العدد: 5606 - 2017 / 8 / 11 - 00:21
المحور:
الادب والفن
جمجمة جـدَّي ...!
ــــــــــــــــــــــــــ
وقفت لبرهة من الزمن في ظل سنديانة هرمة تعانق الفضاء ، رعاها جدي شجيرة صغيرة ، عند سفح هذه الربوة منذ عهدٍ بعيد ، ورحتُ اتأمل الاطلال بحزنٍ عميق ،
استرجع شيئاً من ( كان ياما كان ) لزمنٍ افقدته الايام تواريخه وبقيت ملفات ذاكرتها عالقة في بعض الاذهان التي تأبى النسيان والنكران .
ولعل القدر استجاب لحزني في تلك الساعة من الـتأمل الواسع الطليق .
وإذا بعاصفةٍ هوجاء من الماضي السحيق تعصف بالمكان دون سابق انذار ،
وصادف ان تدحرجت نحوي كرة حجرية لتستقر قرب موضع تأملي !
ــ ما هذه الكرة ! ولماذا جاءت لعندي في هذه الساعة ؟؟
رفعتها عن الارض وأزحت بعض الغبار عنها ،فكان لها بعض فتحات من ثقوب قديمة ،لعينين ومنخرين ، وفكين ملاصقين لأسنان مهشمة.
آه انها جمجمة اذن !
واسترجعت ذاكرتي في الحال فصلاً من اخبار الماضي ،عن جدي الكبير، الذي قضى نحبه منذ زمن ٍ يغور في اعماق التاريخ في هذه البقعة من الارض اليباب في حاضرها ،
فقد اخبرتني جدتي الصغرى انها كانت بيوت بل قصور مشرقات ذات شناشيل ،وحقول قمحٍ واسعات يانعات ، وبساتين نخلٍ سامقات واعناب وتين ورمان يتلذذ ، بتمورها واثمارها بلا ثمن ٍ من عاش في تلك القصبة الهانئة . وكلها كانت تعود بملكيتها لجدي الكبير ...
الذي كان بها فرحاً ولهاً يمشي بخيلاء ، متباهياً بما وهبه الزمان ...
لعل المرحوم جدي الكبير ، لم يحسب للقادم من الايام اي حساب ، ويبعد بنفسه عمّا يجري هنا وهناك ، فهو ينام على جنبه ويصنع من كفيه وسادة للاطمئنان .
وقال لي أبي ذات يوم :
ان في هذه الفسحة من الارض قد انتصر الفلانيّون على الفلاتيّن في واقعة فصلت الرؤوس عن اجسادها، وكان جدي ها هنا ليس مع اي طرفٍ من اطراف ذلك النزاع
لكنه وجد نفسه وسط ذلك الصراع العنيف ، تتناوشه السيوف والسهام والحراب من كل جانب وهو اعزل حائر لا يعي ما يجري في ارضه ، وداست سنابك الخيل صدره الخالي من البغضاء ،وفصلت رأسه عن جسده الخضيب بالدم والتراب ، واستقر رأسه الحائر بين تلك الرؤوس ،
وما انتهى ، وكان يا ما كان ، بل كرزت اخباره مجالس الأجيال والازمان :
من المحتمل جداً ان تكون هذه الجمجمة لذلك الجد ( طيّب الله ثراه )
آه يا جداه ... من نزع رأسك عن جسدك يومذاك ولماذا؟؟
انا مثلك يا جداه ، لعل رأسي بالانتظار ، ما دام صراع القوم قائم وقاتم وحاسم وقاتل !!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
21 حزيران 2017
#حيدر_الحيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟