ما لا تعرفه عن نظرية الانفجار الكبير
مولود مدي
2017 / 8 / 8 - 01:36
نظرية الانفجار الكبير من أشهر النظريات المعروفة في الأوساط العامة قبل الأوساط العلمية، هذه النظرية العلمية تحاول أن تجيب على السؤال الذي بحث فيه البشر منذ زمن طويل، وهو: كيف نشأ هذا الكون؟ ومن هذا السؤال الذي جنّ الجميع انبثقت منه أسئلة كثيرة كـ: هل للكون حدود؟ هل هو في تطور مستمر؟ إلخ، لكن السؤال المهم المنسي فيما يتعلق بهذه النظرية، هو: من وضع أولى قواعد هذه النظرية؟ صحيح أن هناك الكثير ممن حاولوا البحث عن ماضي الكون، مثل أرسطو الذي رأى أن الكون كان له ماض لا حصر له أزلي، وهو ما تسبب بمشاكل للفلاسفة المسلمين واليهود في القرون الوسطى الذين لم يتمكنوا من التوفيق بين المفهوم الأرسطي للأبدية مع وجهة النظر للأديان الإبراهيمة، وفي قصة الخلق في سفر التكوين، ونتيجة لذلك، وضعت مجموعة متنوعة من الفلاسفة والعلماء الحجج المنطقية لكون وجود ماض محدود، منهم: يوحنا النحوي، ويعقوب بن إسحاق الكندي، سعيد الفيومي، أبو حامد الغزالي، وإيمانويل كانت، وغيرهم، لكن في الحقيقة أول من توقّع أن الكون نشأ من الانفجار الكبير هو عالم الرياضيات الكبير الألماني: غوتفريد لايبنيتز، المعروف بتطويره لعلم التفاضل والتكامل، فكيف ذلك؟.
الجميع يعلم أن نظرية الانفجار الكبير تعارض مفهوم أزلية الكون ومحدوديته، وأن الكون متجانس ومتوحد الخواص، لكن هذه الأطروحات تم التخلّي عنها بعد ثبوت حقيقة تمدد الكون، لكن يبدو أن أول من عارض أزلية الكون ولا نهائيته، ليس أينشتاين، ولا ناسا، بل لايبنيتز، لقد كان هذا الأخير يعارض طرح الفيزيائي نيوتن برفضه لمطلقية الزمان والمكان، وبمصطلح آخر لا يمكن للزمان أن يتواجد مستقلًا عن المكان، هناك الكثير من يقول إن معارضة لايبنيتز لنيوتن كانت بسبب الخصومة المتواجدة بينهما، لكن لايبنيتز لم يعارض نيوتن من فراغ، بل استعمل قانونين فلسفيين، وهما حاليًا مستخدمان للدفاع عن نظرية الانفجار الكبير، كان أول قانون فلسفي يسمى مبدأ العقل الكافي الذي يقول إن الله لا يفعل شيئًا، دون غرض أو سبب كاف. لذلك منذ خلق الله كل شيء، كل شيء يجب أن تكون قد أنشئت لغرض أو سبب كاف. إن الأثر الهام لهذا في مناقشة المكان والزمان هو أنه يعني أن الله ليس غريب الأطوار أو عشوائيًا في أفعاله. كما ينص القانون الفلسفي الثاني على أن الله لا يفعل شيئًا مرتين. ويمكن النظر إلى القانون الثاني على أنه نتيجة للأول. على سبيل المثال، الشمس، التي يتم إنشاؤها من قبل الله، له غرض: فهو يوفر الدفء للكواكب، يحدد مداراتها، لذلك ليس هناك حاجة لأشعة الشمس أخرى.
فإذا كان الزمان والمكان مستقلين عن بعضهما البعض، لماذا يفضل الله أية لحظة معينة لخلق الكون بدلًا عن لحظة مختلفة في وقت سابق، أو بعد 13.8 مليار سنة ؟ وفقا لايبنتز، لا يمكن أن الله فقط اختار الوقت عشوائيًا؛ لأن هذا يعني أن الله يتصرف دون سبب كاف، وهذا من شأنه أن ينتهك أول قانون ليبنيز، فبمنطق نيوتن، يجب أن يكون الله قد اختار لحظة للخلق. ولكن إذا كان الله يفعل كل شيء مع سبب كاف، كيف يمكن أن تفضل لحظة واحدة على آخر؟.
لا يعرف الكثير بأن العالم الفيزيائي جورج لومتر هو أول من وضع بذور نظرية الانفجار الكبير .. جورج لومتر هو عالم وقسيس بلجيكي، وقد كان أستاذًا محاضرًا في جامعة لوفان الكاثوليكية، ففي عام 1927 قام بنشر بحثه الذي يحمل عنوان: كون متجانس ذو كتلة ثابتة، ويتسع مسببًا دوران السدم خارج المجرة. وقدم في هذه الرسالة فكرته الجديدة عن كون يتمدد مثلما ينص قانون هابل الذي يقول: إن السرعة التي تبتعد بها مجرة من المجرات عنّا تتناسب تناسبًا طرديًا مع المسافة بينها وبين الأرض، ولكن حتى ذلك الوقت لم يُشِر إلى الانفجار العظيم. وقد لقي هذا البحث معارضة من طرف أينشتاين الذي قال بأن الحسابات الرياضية لهذا البحث صحيحة، لكنها غير واقعية، ولم تلفت تلك الرسالة نظر الفلكيين في وقت نشرها حيث لم تُقرأ خارج بلجيكا، لكن أستاذ جورج لومتر البريطاني أرثر إيدينغتون الذي كان من المؤيّدين لبحث لومتر، قام بإعادة مناقشة بحث لومتر في عام 1931 وطارحًا العديد من الأسئلة على تلميذه، وهناك اقترح لومتر أنّ تمدُّد الكون كان من نقطة ابتدائية أسماها الذرة الأولية قام بنشرها في مقالة في المجلة العلمية ناتشر. ووصف لومتر نظريته بأن البيضة الكونية تنفجر عند لحظة الخلق، وعرفت تلك النظرية فيما بعد بنظرية الانفجار العظيم، وهي تسمية صاغها فريد هويل، وظلت النظرية على حالها إلى غاية سنة 1948 عندما نجح أحد طلبة الفيزيائي فريدمان – وهو جوج غامو – في تفسير كيفية حصول التخليق النووي الابتدائي في اللحظات الأولى للكون، وتكون نوى العناصر الكيميائية الخفيفة كالهيليوم والليثيوم.
وأضاف غامو عنصرًا إضافيًا في نموذج لوماتر، وهو الحرارة. فالكون لم يكن باردًا عند لحظة الانفجار كما خمن لوماتر، ولا يحتوي على المادة التي نعرفها، بل كان عبارة عن حساء بدائي، لا تعرف مكوناته، يسبح في حرارة عالية جدًا.
من الدروس التي نستخلصها من قصّة صياغة نظرية الانفجار الكبير: التراكم المعرفي أمر ضروري لتطوّر العلم، فلا يمكن نسبة نظريّة علمية إلى شخص معيّن، وأن نلغي دور السابقين، أو نقول بأن هناك علمًا بشريًا متكاملًا لا يحتاج إلى تعديل أو مراجعة أو نقد، ففي عام 1901 صرح الفيزيائي البريطاني كيلفن بأن الفيزياء علم على وشك الاكتمال، ولا يوجد شيء قابل للاكتشاف مجددًا، فما بقي للفيزيائيين هو فقط إجراء المزيد من الحسابات للمزيد من الدقّة، لكن مرّ وقت قصير حتى شهد العالم نظرية جديدة اعتبرت من أعظم النظريات تأثيرًا في تاريخ العلم وهي النظرية النسبية التي قلبت الفيزياء رأسًا على عقب فمن يجرؤ الأن ان يقول نفس ما قاله العالم كيلفن ؟، كما لا يجب الادعاء بأن هناك حقيقة مطلقة التي لا حقيقة بعدها، فلا مكان للمطلقية في البحث العلمي، فالنسبية أمر مهم لتعدد الأراء والذي سينتج عنه تعدد الأفكار والتجربة وحدها من يحكم على الفكرة بالصحّة أو الخطأ.