|
رهاب المثلية الجنسية ومعاناة مجتمع الميم
فارس رجب
الحوار المتمدن-العدد: 5583 - 2017 / 7 / 17 - 21:52
المحور:
حقوق مثليي الجنس
اعتاد مجتمعنا على تجاهل الأمور وتفادي المواجهة. فكل ما هو غير معروف او مقلق هو خارج نطاق التواصل او في افضل الأحوال، فرصة للتعبير عن القرف والتقزز من الاخر المختلف. انصف الحقائق معتادة، وما يزيد عن المواضيع المسكوت عنها يعتبر خارج القانون. وكنتيجة، غاصت أجزاء من مجتمعنا في الهامش لتساهم في ما نحن فيه من حرمان ثقافي وفقر تواصلي. اصبحنا رهن خوف ذاتي ورقابة تملي علينا تفكيرنا. نتائج النقاش مقررة مسبقاً والهامش يكبر ويزداد.
من المواضيع المسكوت عنها موضوع الجنسانية عموماً والمثلية خصوصاً، حيث يواجه افراد كثر في مجتمعنا اليوم شتى أنواع العنف والنبذ، ويعيشون حرماناً عاطفياً بسبب فراغاً اجتماعياً ونقصاً في المشهد الثقافي، أيضا بسبب انتشار رهاب المثلية في المجتمع.
ما هو "رهاب المثلية"؟ تعبر عبارة "رهاب المثلية" عن الخوف من المثليين/ات او كرههم/ن، والمثليون/ات هم الأشخاص الذين يميلون جنسياً وعاطفياً الى آخرين من الجنس ذاته. وتنتشر ظاهرة "رهاب المثلية" في كل اقطار العالم بدرجات متفاوتة، وتؤدي في الكثير من الأحيان الى التمييز الاجتماعي والاقتصادي ضد المثليين/ات كافراد او مجموعات، ما يؤدي الى اعمال عنصرية مؤذية، كالشتم والضرب وحتى القتل.
وبحسب المصادر اللغوية البريطانية ظهرت عبارة "المثلية الجنسية" لأول مرة في مجلة "تايم" الأمريكية في عام 1969 وقد صاغها عالم النفس جورج واينبرغ الذي فكر بضرورة وجود مصطلح يعبر عن رهاب المثلية الجنسية بعد التحدث مع مجموعة من المثليين/ات في عام 1965. وراجت العبارة لاحقاً بعد ضمها الى كتابه "المجتمع والمثلي السليم الصحة" الصادر في عام 1971. وقد تكون عبارة "المثلية الجنسية" (الكره او الخوف من الإباحية المثلية) الذي صاغها واينرايت تشرشل في عام 1967 في كتاب "السلوك المثلي لدى الذكور" هي الأسبق في تعريف هذه الظاهرة لغوياً. وقد أدى الصوغ اللغوي للعبارة الى رفع الوعي الاجتماعي بظاهرة كره المثليين/ات، وبعد قرون من الانتشار الواسع، أصبحت العبارة محددة ومطروحة للدرس والتحليل.
لماذا الخوف من المثليين/ات؟ المجتمع يجد اسباباً متعددة لكره ورفض المثلية، منها ما هو مبني على أسس أخلاقية ودينية تعتبر الميول النسي المثلي، الذي نعت وما يزال بـ"الشاذ"، منافياً للقيم التقليدية السائدة في مجتمعنا اليوم ولـ"طبيعية" العلاقة بين الرجل والمرأة. ويعتقد الكثير ان العلاقة المثلية تؤدي الى تفكك الاسرة وسوء تربية الأولاد والناشئة، علما ان الأبحاث حول الموضوع تثبت ان العائلة ذات الأولياء المثليين/ات تتمتع بنسبة نجاح واستقرار عالية مقارنة بالعائلة التقليدية. وهناك من يخاف المثلية لمجرد "غرابة" الموضوع واختلافه عن التقاليد والمبادئ التاريخية. ويلاحظ ان التخوف يكون اشد في حال العلاقات المثلية بين الذكور في حال العلاقات المثلية بين الإناث. ويصف علماء المجتمع هذا التمييز بالخوف من فقدان الرجل رجوليته، إذ يظن معظمهم ان الرجل يتخذ الدور الأنثوي للمرأة في الوضعية الجنسية والاجتماعية. ومهما اختلفت الأسباب، يبقى قمع المثليين/ات وحرمانهم/ن من حقوقهم/ن المدنية في العديد من بلدان العالم اليوم الظاهرة تدعمها وتحارب في سبيلها هيئات اجتماعية وحكومية ودينية عديدة.
ويتمثل احد أنواع رهاب المثلية أيضا في الخوف الكائن من المثليين/ات انفسهم مع التعرف الذاتي كمثليين او مثليات لما يحملها هذا التعريف من تصنيف وتهميش اجتماعيين. لذلك نجد الكثير من افراد المجتمع المثلي يرفضون التسمية والتقيد بميول محدد، فيطلقون على انفسهم تسمية "احرار الجنس". وهناك من يرفض مثليتهم/ن كلياً ويزعمون التغيير على الرغم من رغبتهم/ن الجنسية المثلية، وذلك تقيداً بالمعايير الاجتماعية التي تفخر بالمعايرة وما يرافقها من المعاني التقليدية للرجولة والأنوثة.
ومن الواضح ان رهاب المثلية في مجتمعنا العربي اليوم ينبع من قمع المرأة وانتهاك حقوقها والنظرة الدونية اليها كفرد يأتي بعد الرجل في المجتمع من ناحية الأهمية والعلم والتعبير والتمثيل السياسي. فالخوف من فقدان الرجولة ولعب "دور المرأة" في الشكل او الممارسة او التصرف يأتي من هذا المنطلق، اذ ان مجتمعنا العربي تهيمن عليه فكرة الرجولة التقليدية التي تترك المرأة في دور ثانوي لإطاعة الرجل وتربية الأولاد والإهتمام بالمنزل. فلا عجب إذاً في النفور من الرجال الذين يرفضون هذا التصنيف الاجتماعي التقليدي والدور المفروض عليهم. أما المرأة المثلية، فهي تهدد دور الرجل واهميته، وكثير ما نجد في الاعلام تفسير للمثلية النسائية يزعم انها نابعة من رغبة وطموح لتقليد الرجل واحتلال مكانته الاجتماعية
أنواع التمييز ضد المثليين/ات واضراره يظهر كره المثليين/ات في أنواع متعددة من التمييز وسوء المعاملة تتفاوت في درجة الاذية، ابرزها الشتم واستعمال الكلمات الجارحة مثل "شاذ"، "لوطي" (المشتقة من الشخصية الدينية "لوط")،"انثى"، "طبجي" وغيرها من الكلمات من اللغة العربية المحكية، علماً ان اغلب المفردات تستهدف الرجال المثليين وممارتهم للجنس المثلي الذي "يحط من قدرهم". كما تستعمل كلمة "سحاقية" لتعريف المرأة المثلية، وهي كلمة مشتقة من فعل "سحق". وأكثر فئة معرضة لهذا الانتهاك فئة الناشئين، من فتيان وفتيات، الذين يعانون من التهجم والسخرية بسبب مظهرهم/ن او تصرفاتهم/ن التي لا تعكس المقاييس التقليدية لجنسهم/ن. كذلك يؤدي رهاب المثليين/ات في العديد من الظروف الى الضرب والأبتزاز والتهديد، ولا يخلو الامر من جرائم قتل لا زالت تحصل في أي مجتمع، الا ان مجتمعنا العربي لا يمانع في معظم انحائه، بل يشجع الجرائم ضد المثليين/ات باعتبارها جرائم شرف تحمي السمعة العائلية القومية.
من هنا ينطلق صوت المثليين/ات ويكبر نضالهم/ن ضد الهيئات الحكومية والاجتماعية والدينية الرافضة لهم/ن، ايضاً من هنا ينطلق التضامن المثلي ضد النظام الرأسمالي، ونطالب كمثليين/ات جميع التنظيمات اليسارية لتشكيل تحالف بين الجمعيات المثلية والحركات اليسارية لطرح برنامج عمل لطرح قضيتنا، والنضال بوجه كل هذا التعسف، وضد الاستغلال.
المرجع مجموعة مؤلفين، رهاب المثلية، جمعية حلم ولا سي دي تيك،
#فارس_رجب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس: المفوضية الأوروبية تعتزم وضع شروط صارمة لاحترام حقوق ا
...
-
وسط جثث مبتورة الأطراف ومقطوعة الرؤوس... سوريون يبحثون عن أق
...
-
مسئول بالأونروا: ظروف العمل في غزة مروعة.. ونعمل تحت ضغوط لا
...
-
جمعية الإغاثة الطبية بغزة: أكثر من 70% من سكان القطاع بلا مأ
...
-
-حفلات يومية-.. ممارسات تعذيب -احترافية- في مراكز الاحتجاز ا
...
-
الأمم المتحدة تبحث وقفا -غير مشروط- لإطلاق النار في غزة
-
أردني محرر من سجون سوريا يروي معاناة 26 عامًا من الاعتقال وي
...
-
هآرتس: وفاة 4 فلسطينيين تحت التعذيب بإسرائيل منذ أكتوبر 2023
...
-
وصفتها بالمتسرعة.. برلين ترفض مطالب بإعادة اللاجئين السوريين
...
-
كاتس: هناك فرصة لإتمام صفقة جديدة لتبادل جميع الأسرى مع حركة
...
المزيد.....
-
الجنسانية والتضامن: مثليات ومثليون دعماً لعمال المناجم
/ ديارمايد كيليهير
-
مجتمع الميم-عين في الأردن: -حبيبي… إحنا شعب ما بيسكُت!-
/ خالد عبد الهادي
-
هوموفوبيا
/ نبيل نوري لكَزار موحان
-
المثلية الجنسية تاريخيا لدى مجموعة من المدنيات الثقافية.
/ صفوان قسام
-
تكنولوجيات المعلومات والاتصالات كحلبة مصارعة: دراسة حالة علم
...
/ لارا منصور
-
المثلية الجنسية بين التاريخ و الديانات الإبراهيمية
/ أحمد محمود سعيد
-
المثلية الجنسية قدر أم اختيار؟
/ ياسمين عزيز عزت
-
المثلية الجنسية في اتحاد السوفيتي
/ مازن كم الماز
-
المثليون والثورة على السائد
/ بونوا بريفيل
-
المثليّة الجنسيّة عند النساء في الشرق الأوسط: تاريخها وتصوير
...
/ سمر حبيب
المزيد.....
|