محاولة اخرى لتقييم تجربة عبد الكريم قاسم

محاولة اخرى لتقييم تجربة عبد الكريم قاسم

في البدء من حق اي شخص ان يمجد الزعيم عبد الكريم قاسم ويجعل تجربته نموذجا " للوطنية والنزاهة" ويعتبرها تجربة تحررية وفقا لرؤيته وتقييمه الشخصي وان يدافع عنها ورأيه في ذلك محترم ومقدر .. لكن ليس من حق الشيوعيين والماركسيين الذين يفترض انهم يستخدمون المنهج الجدلي ونظرية الصراع الطبقي ان يمجدوا تجربة قاسم ليل نهار ويكونوا ملكيين اكثر من الملك .
ان الوطنية البرجوازية الصغيرة شيء والشيوعية ونظرية الصراع الطبقي شيء اخر تماما ،
لقد كانت ثورة عبد الكريم قاسم وبرنامج حركة الضباط الاحرار الذين سرعان ما اختلفوا فيما بينهم وفقا لميولهم القومية او اليسارية التي يتحكم فيها تاثير الطبقات الاجتماعية كانت ثورة ( وطنية ديمقراطية ) اي برجوازية . ولم يكن عبد الكريم قاسم في اي لحظة من لحظات حياته شيوعيا ولا اشتراكيا ..فهو جنرال وطني يشبه تشيان كاي شك في الثورة الصينية ويشبه مصدق في ايران مع فارق العوامل السياسية والظرف التاريخي فكل هؤلاء كانوا ينزعون الى التخلص من الهيمنة الاستعمارية وتحقيق الاستقلال الوطني . ان النجاح والاخفاق كان من مسؤولية هؤلاء الزعماء كما كان تاثير الصراع بين المعسكرين السوفييتي والغربي مؤثرا بنفس الاتجاه . فقد سارعت الامبريالية الاميركية للتأمر على مصدق وقاسم بسب نزوعهما التحرري والوطني وابتعادهما عن الاحلاف الاستعمارية والتبعية ورغبتهما في تاميم الثروة النفطية مما شكل تهديدا مباشرا لمصالح الشركات الاحتكارية ..
ان اخفاق حركة 14 تموز او ثورة 14 تموز كان يتحمل جزءا من مسؤوليته الاتحاد السوفييتي انذاك والحزب الشيوعي العراقي الذي بقي ذيلا لنظام عبد الكريم قاسم ولم يجرؤ على استلام السلطة منه في ظرف تاريخي كان فية يملك قاعدة اجتماعية عريضة وتنظيم عسكري لم يتوفر حتى للبلاشفة اثناء ثورة اكتوبر عام 1917 .
كان عبد الكريم قاسم حاكما فرديا (قاسميا ) وحاول اللعب على الصراعات السياسية المحتدمة بين القوميين العرب بمختلف مسمياتهم وبين الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يعاني من الصراعات الداخلية في قيادته وحاول اضعاف الجميع من اجل ان يتسنى له تكريس حكمه الفردي والديكتاتوري ... انا هنا بصدد تحليل الوضع السياسي لنظام قاسم خارج ما يسمى منجزاته الايجابية والسلبية ... لقد تسبب مثلا قانون الاصلاح الزراعي رغم انه قام بتحرير عشرات الالاف من الفلاحين من نير الاقطاع بأكبر كارثة هي هجرة الفلاحين من الارياف الى المدن وخاصة مدينة بغداد سكنوا في هوامش المدن مما كان سببا في فوضى اقتصادية واجتماعية ونقلت اخلاق القرية المتخلفة الى المدينة المتحضرة ..مازال العراق حتى هذه اللحظة يعاني من نتائج تلك الهجرة واثارها السلبية المدمرة ..
ان التقييم الماركسي لتجربة عبد الكريم قاسم التي لم تدم سوى فترة قصيرة جدا اربع سنوات فقط يجب ان ينطلق من تحليل شخصية عبد الكريم قاسم البرجوازي الصغير القلقة من جهة ومعاينة الصراع الاجتماعي والطبقي من جهة اخرى . لم يكن قاسم يملك تصورا واضحا عن كيفية ادارة الحكم والاستمرار فية فحاول التحليق فوق صراع الطبقات وسمى نفسه ابن الشعب البار والزعيم الامين واعتمد على حاشية من العسكر المقربين له كانوا من جملة الاسباب التي ادت الى سقوط نظامه السهل والسريع . . ولم يستطع الزعيم اجادة سياسة التوازنات الداخلية وتاثير الظرف الاقليمي والدولي التي حاول الاستناد اليها تهربا من الصراع السياسي والاجتماعي العميق الذي كان يضرب المجتمع العراقي حينها .
ان الصراع الطبقي في المجتمع العراقي كان معبرا عنه بصراع الاحزاب السياسية وزعمائها وهم ممثلو الطبقات الاجتماعية المختلفة والمتصارعة كان صراعا محتدما .... قوى البرجوازية الكبيرة وبقايا الاقطاع مقابل تطلعات الطبقة العاملة والجماهير الشعبية نحو امتلاك السلطة السياسية ..بعد ان قدم نظام قاسم كل مافي جعبته ووصل الى طريق مسدود .
لقد وصل نظام قاسم الى طريق مسدود في اخر ايامه اما ان تاخذ الطبقة العاملة ممثلة بالحزب الشيوعي السلطة او ان طريق الثورة الماضادة البعثية الفاشية المدعومة من المخابرات الاميركية وبعض دول المحيط الاقليمي كانت امر حتميا .
ان تحليلي هذا لا ينطلق من نظرية الحب والكره او التخوين المولع بها بعض الناس بل من معاينة الظروف الذاتية والموضوعية والظرف الدولي المحيط بحكم عبد الكريم قاسم وشخصيته لذلك اعتقد ان على الماركسيين والشيوعيين الكف عن المبالغة في تمجيد ثورة عبد الكريم قاسم وشخصيته في كل مناسبة وبدلا من ذلك دراستها دراسة محايدة لاستلهام الدروس والعبر منها والعمل الجاد من اجل السير على طريق الثورة الاشتراكية في العراق .
لقد دفع الحزب الشيوعي العراقي ثمنا باهضا الاف الضحايا والمعتقلين واعدمت قيادة سلام عادل وزج المثات في ماعرف بقطار الموت كسبب ونتيجة لانجراره وراء حكم الزعيم وعدم تحسبه للثورة المضادة التي كانت نذرها تلوح في الافق السياسي والاجتماعي في العراق وبالاحرى عدم اخذ زمام المبادرة لاستلام السلطة السياسية ..
واوكد مرة اخرى ان الجدل الدائر حول عبد الكريم قاسم وتجربته يجب ان يبتعد عن العواطف والمزاج الشخصي والحب والكره ولارساء تقاليد اجتماعية وسياسية قائمة على النقد والنقد الذاتي والرؤية الموضوعية خاصة للذين يدعون الانتساب الى الماركسية او الشيوعية .
13 تموز 2017