|
همزة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل
مولاي جلول فضيل
الحوار المتمدن-العدد: 5551 - 2017 / 6 / 14 - 11:43
المحور:
الادب والفن
أردتها ان تكون حلقة سردية وهمزة وصل تربطنا وتوصلنا ، بذاك الزمن الجميل والماضي الغابر والتاريخ الذي انسدل وطوته السنين والدهور ، تاريخ آفل حافل بالوقفات والمواقف والعادات والتقاليد محمل مثقل بإرث غني وثري وقيم بالإنجازات والحكم والدروس التي يمكن أن تشكل وتكون أساسات وركائز يستند إليها إبن اليوم والغد الحاضر والمستقبل ، همزة وصل تحفظ له الأصل لتكون عروة وثقى تشد وثاقه وتربطه بماضيه وزمن أسلافه وأجداده والامم التي من قبله ، ذاك الزمان الذي كان الرجل فيه ذا مبدأ ومبادئ وخلق ، طموح يؤمن بالعمل ويقدسه، زمان كان الرجل فيه تتنمل وتأكله يديه إن لم يقم بعمل صالح أو ينجز شيء مفيد كما كانت فيه المرأة أيضاً بنفس النشاط والحيوية ، لازلت أذكر أزقة قصبة الشرفاء في قصر تيلولين الشرفاء ولاية أدرار الجزائرية، التي كنا نقطنها وانقطعت سرتنا بها وتربينا في أحضانها وبين ازقتها العتيقة ولعبنا في دكانتها (رحبتها ، ساحتها) التي كان يطلق عليها دكانة عمي السعيد ، وكل رجال القصر كانوا أعمامنا (عمي مولاي علي ، عمي مولاي أحمد عمي البا كروم عمي سيد المهدي وغيرهم .....) فكلمة عمي هي كلمة للدلالة على القرابة من جهة كما هي كلمة قدر ومقدار واحترام لمن يكبرنا سناً ، لازلت اذكر صفوف النساء في الأزقة المغطات المضاءة بأشعة الشمس المنسدلة من بعض المنافذ العارية الموجودة في سقف الأزقة ، وهن ينسجن ابهى الاواني والاطباق من سعف النخيل والياف الزيوان مستعينين باللشفة واناء ماء لتبليل السعف فتجدهن يبرمن الياف الزيوان برماً ويلفونه بالسعف الأبيض المُنقَّى من جريد قلب النحيل فيتم ردمه بالتراب المبلل حتى ليوم اويومين ليكون جاهز للنسيج، ولا زالت رنة السعف التي كان يحدثها أثناء لفه ودخوله من ثقبة اللشفة وسحبه متعلقة بأذني حتى اليوم فكان يحدث صوتاً أو رنة او نوطة موسيقية فريدة من نوعها. لازلت اذكر الرجال تحت صور القصر وفي باحته وهم يبرمون الحبال وينسجون الحصير من سعف النخيل ، لزلت أذكر لالة عيشة لكبيرة وامَّا خدوجة ولالة شريف وغيرهن من كبار السن وهن يجلسنا امام القصر وعلى حافة طريق الجنة (البستان) وهن يغرمن نتفة من حشيش البشنة (نبات البشنة) من المارة وكل من يحزم حزمة حشيش والقادمين من البساتين والمحملين بحشيش البشنة ، لتأمين القوت لشياههن (أغنام ، معز أنعام) وما جعلهم يقومون بذلك إلا كبرهن وعجزهن عن القيام بالاعمال الشاقة والكل يلبي لهن طلبهن وبرغبته ، وهناك مكان في البلد سمي لغرامة تلتم فيه العجائز لتغريم المارين وجمع مايسد جوع اغنامهم من الحشائش ، لازلت اذكر معمعة نعاجنا وخرفاننا وهم في دار الزوايل أو التقمي (التقم وهي سقيفة للشياه والاغنام) واميزها واعرف إن كانت المعمعة ناتجة عن جوع أو مرض او ان احد النعاج رزقت بمولود كما اميز آذان ديكنا وصياحه (كو كو كو أكوووو) كما أميز صوت الدجاجة(قا قا قا قا) وأعرف متى تكون وضعت بيضة من صياحها الذي يكثر مُعلناً ذالك ،كما أعرف نهيق حمارتنا ، ولازال على لساني مذاق حليب شياهنا كما اليوم أفتكره ، وكأنني اليوم أطل من نافذة على ذاك الزمان الجميل وأشاهد أمي وهي تحلب نعجتنا فتضع احد أرجل النعجة بين رفغي ركبتها وتشدها جيدا كي لا تتحرك وتحلبها ، كما افتكرها وهي تمخض الحليب في شكوة من الجلد وتستخلص منه الزبدة . لازلت أستشعر تلك اللمة في دارنا بجانب موقد الحطب وامي تخبز الخبز الرقيق ويتطاير من الحطب طشاشات نار كالنجوم فإذا كثرت قيل أن اليوم هناك ضيوف قادمون إنه الفال ، كم هو جميل السَّمر ليلاً حيث لا ضؤ سوى ضو كانكي الكبيرت أو فتيلة الزيت والذي حل محلهما كانكي البترول أو الفَنَار ، كان يزين القعدة حبل الوصال والتواصل والألفة أنذاك ، والكل يحكي ويدلو بدلوه ويعبر عن شعوره ، كان رباط قوي يلم شمل الاسرة ويقوي من تماسكها الروحي الوجداني والعاطفي والإحساس بالروابط الاسرية كان هناك شعور واحساس بالقرب من العائلة والتماسك الاسري ، بل يتعداها هذا الرابط الى كل العائلات المجاورة واهل البلد ، فكان الإبن الصغير للجار بمثابة واحد من أهل الدار ، بإمكانه أن يأكل ويشرب ويلعب ويبيت في بيت الجيران ، كان يعتبر كل رجل وإمرأة من أهل البلد بمثابة الاب والام الثانية الكل يربي يضرب وينهي ويكافئ ويجازي . لازلت اذكر باب قصبتنا العتيق الذي كان يتعدى طوله الثلاثة امتار وعرضه المتر والنصف او اكثر بقليل موصول بقنطرة تمر على الخندق المحيط بالقصر ، كان للقصر اربعة ابراج عالية كل برج في زاوية من زواياه كما كان له أبوب ومخارج ثانوية كما كان في كل بيت حاسي ماء (بئر ماء) وكانت اسوار القصر تعلوها اشكال هندسية على شكل مثلثات رأسها إلى الأعلى دعى " الشرِّيف " بتشديد الراء وكسرها . كان والدي رحمه الله يوقظنا باكراً للصلاة ثم تجتمع العائلة بأكملها على جلسة شاي لازلت اذكر ايام الصيف حيث كان إعاداد الشاي يكون في بهو البيت او فوق السطح ، كما أذكر أنه في الشتاء كانا يقام في احد الغرف او قوس من اقواس البيت إشعال النار والكل يحذوها ويحنوا للدفء والجلوس بقربها ومن شدة البرد يكاد الكل يضع نفسه بداخلها فتجد هاذا يُحمِّي رجليه والآخر يديه كما تجد من ينفخ ويكف بفمه في راحة يديه ويتأحح ، كما تشاهد البعض مكمُوم مُكمَشْ في سلهام أو برنوس أو غنباز أو بطانية أو عبائته. بعد إتمام شاي الصباح واكل شي من الخبز وشرب الحليب تنتهي الجلسة وكل واحد يقصد عمله فهناك من يذهب للجنان وهناك من يذهب للعمل في امور اخرى كالبنيان او الحفر او التنقال ( تنقال الرمل الطين الغبار ) وهناك من الاطفال من يذهب للمدرسة. كما كان يذهب بنات القصر لجلب الماء من الساقية في قلل وأواني يحملونها بطريقة متقنة تعوَّدوا وتدرَّبوا عليها مع الايام عملية تكاد تشبه الالعاب البهلوانية لصعوبتها فتجد البنت تضع قلة أو سطل فوق راسها ويبقى ثابت دون ان تمسكه وتتمشى به طول المسافة من الساقية للبيت وتحمل في كل يد سطل . كانت البلد أنذاك تتوفر على الكثير من المرافق العامة التي فرضتها متطلبات الحَاجَة وجسدتها الرجال ، فتجد في كل ساحة قربة ماء معلقة ومعها اناء لمن يريد أن يشرب والقربة مغطات بمظلة صنعت خصيصا لها ، كما تجد في كل ساحة أيضاً مرحاض عمومي تقليدي وهو على شكل غرفة صغيرة عرضا 2 متر وطولها 02 متر وعلوها تقريبا 2 متر ونصف مسقفة وبها ثقب في السقف وعندها سلم ومحاطة بجدار يستر سقفها. تجد ايضا في كل حي ساقية ماء تمر بغرفة صغيرة بها حوض تصب فيه الساقية وتخرج تحت الجدار من الجهة المقابلة لها باب تدعى لمطهرة (ليستحم ويتطهر فيها المارة) وتجد بقرب لمطهرة ساقية مخصص لملأ الماء في كل حي تجد مصلاة تدعى (لمصلة) وهي ساحة كبيرة مخصصة للصلاة وخاصة في ليال الصيف ويمحاذاتها أو قربها تجد المسجد والمدرسة القرءانية . من اهم العاب الصبى سباق الجري ، الغميضة ، المصارعة ولازلت اذكر جدي لأمي مولاي احمد ولد مولاي الطيب حينما كان يطلب من كل واحد منا المصارعة مع قرينه ولا بد من تنفيذ الامر حيث لا منجد ينجد ولا شيء يجدي سوى أن تحزم نفسك وتجرب شطارتك في أن تسقط خصمك وتعيد الكرة مرات عديدة لتثبت مهارتك أو تعلن فشلك ، من الالعاب ايضا ًسباق الحمير الذي كان يقام في تيلولين بين الشباب انذاك في المجبد العرضي الوسطاني للجنة او التحتاني (المجبد وهو مسلك كبير أو طريق يقطع الجنة والحقول عرضاً وطولاً ) كان يسود الحقول والبساتين نظام يدعى نظام البراحة حيث يقومون بسن قوانين صارمة بعدم قبول الشياه والاغنام تسرح في الجنة وإذا وجدت يغرَّم أصحابها بمبالغ نقدية كأول إجراء ردعي، وإذا عاودت الكرة قد تحجز وتسحب منك النعجة او الخرفة الذي تم القبض عليه وهذا من أجل سلامة بساتين الناس من الضياع ، ايضا يمنع على الاطفال وقت المقيل (القيلولة) الذهاب إلى الجنة والبساتين ومن تم القبض عليه ايضا يصنَّف والده بغرامة مالية متفق عليها مسبق كما يغرم سراق الماء الذين يحولون وجهة مياه الناس إلى مياههم. هناك نوع آخر من البراحة وهو تخصيص مجموعة من الناس تحوم في البلد تعلن بصوت عالي عن الاعراس والافراح والمناسبات والمآتم والمأدبات (المأدبة يطلق عليها إسم السلكة وأشتقت هذا الإسم من سلكة القرءان لانه في كل عزيمة يتم إستدعاء من يقرأون ويختمون القرءان أي استدعاء الشهود وهو مصطلح يطلق على مجموعة من الأئمة والمعلمين والطلبة وحافظي القرءان ، الذين يقرأون بالمناسبة القرءان ويتمونه اي يسلكون عليه بأكمله وهذا هو مصدر كلمة السلكة ) هناك الكثير من العادات والتقاليد التي لا يمكن حصرها وسردها جملة وتفصيل نظرا لتشعباتها وثرائها وهي احد فصول أو فصوص ماضينا العريق. كان الماضي الآفل الذي تميزت به قصورنا وقرانا ومداشرنا نظام متكامل تشكلت فسيفسائه من منطلق مبدأ الحاجة والضرورة التي جعلت الانسان دوماً في البحث عن مايسد هذه الحاجيات ويؤمن الضروريات ، ويحافظ على المكتسبات ويجعل العلاقات الإجتماعية علاقات انسانية قائمة على تثمين الإنسان للإنسان والإستثمار فيه بتعزيز روح العمل اليومي الدئوب مما لايدع مجال للكسل ، قديما كانت اللمة والقعدة وروح التضامن الجماعي سائدة في كل مظاهر الحياة كانت الناس قريبة من بعضها روحياً وعملياً هذا الاحتكاك المباشر يشجع على تبادل الأفكار وسماع كل جديد مما يتولد عنه نوع من الابتكار الجماعي لتسيير أمور الحياة ، مما تولد عنه نظام اجتماعي كفيل بخدمة المجتمع يتمثل في تلك الروح التضامنية في الاعراس والمآتم ونظام لبريح والبراحة ، والتاويزة وغيرها ونظام التدريس المتعدد المراحل والاطوار الجامع ثم الزاوية كما كان هناك نظام اقتصادي تجاري فريد فليس من السهولة أن نجد في كل بلد وزان يزن كل المحاصيل الزراعية من حبوب وطماطم وتبغ وتمر ويقيدها ويتحمل مسؤولية البيع والثمن ويؤمنه الجميع وليس من السهل أن نجد من يزمم كميات الماء ومن يوثق الاراضي ويحافظ على حدودها بأدق التفاصيل ، وليس من السهل أن تجد مكتبات داخل كل بيت تؤرخ ارث العائلة وليس من السهل ان يحفظ لك شخص على ظهر قلب اكثر من عشرة اجداد فكل هذا كان وليد الوعي المتوارث بين ساكنة المنطقة . ماضينا في توات وما جاورها هو ارث ثمين وكنز يجب اكتنازه والمحافظة عليه بشتى الوسائل والطرق هو نظام من اروع الانظمة التي سادت المنطقة قاطبة. . . الكاتب : مولاي جلول فضيل
#مولاي_جلول_فضيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطنجية
-
العرس أو الزفاف عادات وتقاليد
-
مكانة المرأة وعيد المرأة
-
وصف لبيوت توات
-
قصر تيلولين الشرفاء (الجزائر ولاية أدرار)
-
حلالة الباب (فاتحة الباب أو مقدمته)
-
الفقَّارة
-
امثال وحكم من إقليم توات أدرار الجزائرية
-
العُرفَات
-
رقصة سارة
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|