أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - فتّشْ عن الشعر














المزيد.....

فتّشْ عن الشعر


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1447 - 2006 / 1 / 31 - 09:30
المحور: الادب والفن
    


في كتابها الجديد "مستمعون لامرئيون: الحميمية الغنائية عند هربرت، ويتمان، وأشبري"، تثير الناقدة الأمريكية هيلين فندلر مسألة نقدية مفاجئة حقاً، تختصرها الأسئلة التالية: ما الذي يدفع الشاعر إلى إقامة حال من الحميمية الشخصية العميقة، مع جمهور متخيَّل لامرئي؟ لماذا يجهد لتوجيه القصيدة، جزئياً أو كليّاً، إلى مستمع خفيّ لا يعرفه الشاعر، بل لا يستطيع إبصاره أيضاً؟ لماذا، في الأمثلة التطبيقية، يتوجه جورج هربرت (القرن السابع عشر) إلى الله، ويتغنّى والت ويتمان (القرن التاسع عشر) بالقارىء أليف المستقبل، ويحيل جون أشبري (معاصرنا) إلى رسّام يصوّر الماضي؟ واستطراداً، ما الذي في وسع القصيدة أن تضيفه، وفي مقدورنا نحن القرّاء أن نكسبه، من خلال هذه الحميمية بين الشاعر المرسِل والعنوان المرسَل إليه؟ وأيّة خصوبة إضافية، أو ربما استثنائية، تمثّلها حقيقة أنّ تخاطباً كهذا لا يمكن إلا أن يكون غنائياً بفضيلة الضمير الواحد، المتكلم غالباً، وشيوع الوجدان وطغيان العاطفة وفيوض الذات؟
الكثير... الكثير... الكثير، تؤكد فندلر في هذا الكتاب الوجيز (144 صفحة)، لأنّ تلك العلاقة المتخيَّلة الغريبة مع مستمع لامرئي (إما لأنه مقدّس، أو لأنه كامن في المستقبل، أو لأنه قضى منذ زمن طويل) يمكن أن تنطوي على محفزات نفسية وعاطفية وجمالية بالغة القوّة والثراء، تدفع قارىء القصيدة إلى اجتراح مخاطبات مماثلة يقيمها بنفسه ولنفسه مع آخر لامرئي يشبع على هذا النحو أو ذاك حاجة التواصل الإنساني، وعبر وسيط جبّار غير مألوف هو الشعر. العلاقة الحميمية مع اللامرئي هي علاقة حميمية مع الأمل، وقراءة القصائد التي تنشّط هذا النوع من التراسل ترتقي بذائقتنا، وتدنينا أكثر فأكثر من تلك المصافّ الأرقى التي يروم الأدب تأصيلها أو تمثيلها: المثال المحال، أو القيمة الأعلى، أو النمط الحلمي...
وفي ظلّ اعتكاف هارولد بلوم بعيداً عن نقد الشعر، وانخراطه في تحرير الكتب أو الاهتمام بالتاريخ الأعرض للموروث الأدبي الغربي، وربما اغترابه بعض الشيء عمّا يُنتج من أدب معاصر وما بعد حداثي، ليس من المبالغة القول إن فندلر هي اليوم أفضل من يمارس نقد الشعر، في اللغة الإنكليزية على الأقل، وفي حدود ما يعلم كاتب هذه السطور بالطبع. إنها، بين حفنة أسماء أخرى، تؤمن أن الشعر لا ينبغي أن يظلّ مخفياً (حتى في جوانب دقيقة عميقة عويصة مثل هذه التي يناقشها كتابها الأخير)، وعلى القرّاء أن يتنبهوا إليه كفنّ رفيع أولاً، ثم أن يدركوا جيداً ما يخسرونه من متعة فريدة جرّاء ترك هذا الفنّ للنخبة. وهي لا تتردد، رغم صرامتها الأكاديمية، في ترويج الشعر بوصفه إكسيراً خطابياً قادراً على مداواة الاعتلال الجمالي أو النفسي أو الروحاني: "إذا كنتَ في حال من الحيرة، أو الحزن، أو الضنك، أو التيه، أو الذهول... فتّشْ لنفسك عن قصيدة تلائم ما أنتَ فيه وما تشعر به"، تقول فندلر التي تؤمن بقوّة أنّ الشعر "تحليلي بقدر ما هو تعبيري، والقصيدة تميّز، وتعيد بناء، وتعيد توصيف ما يكشفه الشعر ويكتشفه في الدواخل العميقة للحياة".
وفندلر ناقدة موضوعية متأنية، صارمة قاسية حاسمة في الآن ذاته، لا تخجل البتّة من منح القراءة الذاتية الإنطباعية فسحة واسعة حرّة، منطلقة في ذلك من قناعتها بأن قراءة الشعر تجربة شخصية وفردية ووجدانية أحادية أولاً. وفي كتابها «تقول الروح» رَوَت تجربتها القرائية الشخصية مع النسق الغنائي، وأوضحت أن نجاح الموضوع الغنائي في تفادي الفخاخ الاجتماعية للنثر يجعله أقرب إلى «صوت الروح نفسها»، ويسمح لنا بالتماهي التام مع ضمير المتكلم. وحين كانت في مقتبل العمر، متلهفة على معرفة المزيد عن العالم، شعرت فندلر أنه «إذا كان الشاعر مُنتبَذاً، فإنها منتبَذة كذلك. وإذا تحسّر على وطنه، تحسرت هي بدورها على وطن سوف تفقده، وإذا كتب أودن عن درع آخيل، شعرت هي أن هوميروس ملْك يديها مثلما هو ملك أودن». وتقول، بلا حرج أكاديمي هنا أيضاً: «لقد عرفتُ الكثير عن الإمكانيات المستقبلية في حياتي الداخلية من خلال الشعر الذي يبدأ من غنائية العالم».
وفي «المُعطى والمصنوع» وسّعت فندلر موقفها من الغنائية، فاعتبرت أنها «نصّ مكتوب لكي يقوم القارىء بأدائه. وحالما يتوغل هذا القارىء في الغنائية، فإنه بذلك يكفّ عن دوره كقارىء، ويصبح الناطق بالقصيدة، المردِّد لكلماتها، الصانع للمزيد من مشاعرها ومعانيها». وفي كتابها «إنقطاع الأسلوب» تابعت الموقف ذاته من الغنائية على صعيد آخر (أدهى وأخطر) هو الأسلوب، الذي تسمّيه «الجسد المادي للشعر»، نائية بذلك عن الاستعارة المعتادة التي ترى في الأسلوب ثوباً خارجياً.
كتابها الجديد يتابع، إذاً، هذه التقاليد في دراسة الشعر بوصفه فنّ العامّة وليس امتياز النخبة، خصوصاً وأنّ مشاع البشر ـ وليس الصفوة ـ هم الأكثر عرضة لحال العزلة التي تدفع الشاعر إلى تأسيس صلات حميمية مع خلّ وفيّ غير مرئي، وبالتالي مع عالم حافل صاخب هادىء رتيب قاسٍ ورحيم في آن معاً. وليس غريباً أن فندلر تبدو مفتونة بهذين السطرين من الشاعرة الأمريكية إميلي دكنسون: "هذه رسالتي إلى العالم/ الذي لم يكتب لي قطّ"!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق: فواتير ديمقراطية ال -بزنس- المضرّجة بالدولار
- ذاكرة -ربيع دمشق-: ما تزال البنية عصيّة على الإصلاح
- غوانتانامو في العام الخامس: وصمة عار أم عدالة أمريكية الطراز ...
- برابرة عيد الأضحى
- غياب شارون: مفاعيل مشهد عابر للحدود والأقاليم
- سورية في 2006: القادم أعظم... هذه السنة أيضاً
- ديمقراطية أمريكا المعاصرة: أين جورج أورويل من جورج بوش
- النابغة والجولان
- دمشق بعد ميليس 2 واغتيال تويني: خمس رسائل انتحار
- بلد سيزير وقانون ساركوزي
- اتفاقية سلام سورية إسرائيلية: المأزق عميق والمخرج عالق
- بيريس الأخير: هل تبقى سوى التلاشي في الهواء الطلق؟
- الصفيح والخيش
- سقط المتاع
- قمّة المعلوماتية: إحتكار التكنولوجيا أم اجتماع المعرفة؟
- إستشراق أسعد بيك
- خطاب الأسد: سلوك إنتحاري وذرّ للرماد في العيون
- ابتسامة التلمود
- بعد القرار 1636: النظام السوري أمام خيارات صعبة
- لويس فرقان والإسلام الأمريكي: قصة مدينتين


المزيد.....




- طارق فهمي: كلمة نتنياهو أمام الأمم المتحدة مليئة بالروايات ا ...
- وفاة الممثلة البريطانية الشهيرة ماغي سميث
- تعزيز المهارات الفكرية والإبداعية .. تردد قناة CN العربية 20 ...
- بسبب ريال مدريد.. أتلتيكو يحرم مطربة مكسيكية من الغناء في ال ...
- إصابة نجمة شهيرة بجلطة دماغية خلال حفل مباشر لها (فيديو)
- فيلم -لا تتحدث بِشر- الوصفة السحرية لإعادة إنتاج فيلم ناجح
- قناة RT Arabic تُنهي تصوير الحلقات القصيرة ضمن برنامج -لماذا ...
- مسلسل حب بلا حدود 35 مترجمة الموسم الثاني قصة عشق 
- نضال القاسم: الأيام سجال بين الأنواع الأدبية والشعر الأردني ...
- الإمارات تستحوذ على 30% من إيرادات السينما بالشرق الأوسط


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - فتّشْ عن الشعر