|
أوراق بلا عنوان - الجزء الثاني - ورقة المرأة-
محسن كفحالي
الحوار المتمدن-العدد: 5528 - 2017 / 5 / 22 - 09:35
المحور:
الادب والفن
اصفرت و هوت نحو الأرض كما سقطت كل الأوراق الأخرى ، فصل الخريف من حياتي ، سقطت ورقة العائلة و بقيت أعيش وحيدا في غرفة بين كتبي و أوراقي ، صادقت همومي و حزني و قهوتي و سيجارتي و صورة أبنتي التي لم تكتمل سن الأربع سنوات ، كثرت الأحزان و الألم و كان إحساسي يزداد يوما بعد يوم أنني أعيش فصل الخريف ، و كل الأوراق تتساقط تباعا ، و كنت أسابق الزمن من أجل كتابتها قبل أن تسقط ورقة العمر و أدفن تحت التراب دون التخلص من عبء حملته للسنوات ، تعود قصتي هاته إلى ما بعد الثانوي و بالضبط في بداية دراستي الجامعية ، ذات يوم أمام الحي الجامعي أقف إلى جانب صديق لي ننظر إلى عناوين الكتب الشيقة ، كل كتاب يشعرك في رغبة في التهامه بشراهة ، تتمنى أن تسبح بين شواطئه الفكرية و الغوص في جماليته ، لحظة توقفت الحياة تحت قدماي و أنظر إلى سيدة جمالها فاق كل نساء رأتهم عيني ، توقفت عن النظر إلى الكتب و تلعثم لساني عن الكلام ، و تحولت إلى جثة هامدة مفتوحة العينين تحملق في السيدة الجميلة ، زاد ارتباك و هي تقترب مني بخطوات متثاقلة و كأنها تخضعه لقياس محدد ، بشرتها تميل إلى للون القمحي ، ترتدي لباسا عصريا محتشما أبيض ، و على رأسها وشاحا أخضر مفتوح اللون ، طويلة القد، رشيقة ، تختلف عن الفتيات اللواتي يفعلن ما في وسعهن من أجل تكبير الصدر و المؤخرة و الأرداف ، إنها مختلفة بكل المعايير ، لم أصدق و هي تقف أمامي تسألني عن استعمال الزمن الخاص بالسنة أولى علوم اقتصادية ، عشت شعورا متناقضا بين فرحتي و صدمتي في نفس الوقت ، و لكن عزمت أن أستغل هذه الفرصة و أتحدث معها أكثر وقت ممكن ، سألتها عن اسمها أجابت و الخجل بادي على وجنتيها اسمي سهام ، كانت إبتسماتها متميزة عندما تبتسم ، يحمر وجهها فتتحول إلى وردة حمراء في فصل الربيع ، اتجهنا نحو كشك مخصص للطبع الدروس و نحن نتحدث عن الأهل و المدينة الأصلية لكل واحد منا ،فجأة وقف أمامنا بعض الفتيان يستولون ، أدخلت يدها الجمليتين في محفظتها و أخرجت خمسة دارهم و أعطتها لهم في موقف ساخر اعترضت على هذا الفعل و قلت لها أنا في حاجة إليها أكثر منهم ، لم تستطيع النظر إلي خجلا و استدرت بوجهها نحو الجهة الأولى في ابتسامة فاتنة ، انصرفنا و توالت اللقاءات بيننا لكن دون أن تتحول علاقتنا إلى درجة كبيرة ، و لم تصل إلى ما كنت أصبو إليه ، بالرغم من عشقي و احترامي الكبير لها . توالت الأيام و تغيرت أشياء كثيرة ، تعرفت على فتاة أخرى كانت تدرس معي في نفس الفصل ، تنتمي إلى الطبقة الراقية في المدينة ، تتوفر على كل شيء في الحياة ، كل المتطلبات كانت موجودة ، تأتي إلى الكلية بأخر أنواع السيارات ، ينقصها شيء واحد هو الذكاء من أجل الحصول على معدلات مرتفعة ، بالرغم من أنها كانت المعدلات لا تعني لها شيئا و هي ممكنة بمجرد كلمة من الحاج كما كانت تقول دائما ، كانت تستغل الفرصة من أجل مساعدتها في مجموعة من المواد الدراسية ، أصبح لقائنا بشكل روتني و نسيت قليلا سهام ، و كل اللقاءات كانت تتم خارج أسوار الجامعة و نسيت حتى دروسي في بعض الأحيان و أنا الذي كنت معروفا بذكائي و اجتهادي، أحسست بأن مستقبلي يتلاشى شيئا فشيئا ، و كان صديقي دائما ينبهني إلى أن سلوكاتي تغيرت و بالتالي أجني على مستقبلي و ينصحني بأن سهام فتاة بسيطة يمكن أن تكون رفيقة درب صالحة على عكس سارة التي لا يهمها سوى مصلحتها ، كنت أختنق من كلامه و أحاول جاهدا عدم الجلوس معه حتى لا يعيد نفس الكلام ، ما كان يضرني أكثر هو معرفتي اليقينية أنه على حق ، و لا يهدف من وراء ذلك سوى تنبيهي ، لكن كنت أتجاوز كلامه و لا أعيره أي اهتمام ، كنت أجالس سارة و أفكر في سهام ، سهام التي لا تفكر في لواحق الجسد لا تهتم بصباغة أظافرها و لا بوسائل التجميل ، في الحقيقة لا تحتاج إلى شيء شمس في حتى في لحظة تلبد السماء بالغيوم السوداء ، تتحدث بلطف و تمشي بلطف ، تناقش بعقلانية كبيرة و بنضج منقطع النظير ، سارة الغنية التي نخرج معا ، نسهر الليالي معا، نرقص معا ، كل ليلة أعود إلى غرفتي أتمدد على سريري ، أحس بدوار كبير بسبب حيرتي ، أحن إلى سهام و لطفها و ابتسامتها و نظرتها ، إلى وشاحها الأخضر و خصلات شعرها تتطاير بنسيم الصباح و هي تلج المدرج ، سهام عندما كانت تتزين بالكحل تتحول عينيها إلى عصافير ، سهام التي أحبتني في الصمت و أحببتها في الصمت ، كنت منشغلا بحياة اللهو و للعب مع سارة التي كانت تعتبرني تجربة جديدة مختلفة ، تجربة من الهوامش و هي التي عاشت حياة المركز بكل تفاصيلها .
#محسن_كفحالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوراق بلا عنوان
-
موعد مع الموت
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|