|
اليسار العراقي: دعوات التحاور والعمل المشترك، وبلاغ الحوار اليساري!
شاكر الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 5524 - 2017 / 5 / 18 - 15:35
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
من المعروف ان لليسار مهام وغايات كثيرة، لكن القول بأن أسمى غايات اليسار العراقي هو "إقامة دولة المواطنة المدنية الديمقراطية التعددية العادلة"، كما ورد في البلاغ الصادر من لقاء الحوار اليساري، في 14-5-2017، سيجعل اليسار في موضع محدد، وبعيد جدا عن أهدافه وغاياته، ويعيد إلى الأذهان اسطورة " سلطة البرجوازية الوطنية" التي تمسك بها الحزب الشيوعي العراقي، ودافع عنها لعقود طويلة، فكان الضحية الأولى والمباشرة لها.
إن قوى اليسار غير مطالبة بإعادة سرد مرويات السلطات اللامركزية، خصوصية حضارة وادي الرافدين وتنوع مكوناته وعراقتها....، والطقوس والشعائر، والقضايا الروحية للإنسان وأهمها الأديان بثرائها وتنوعها وتشابكها في بلاد ما بين النهرين...الخ، كما ورد في البلاغ المذكور، فهذا ليس خطاب يسار جدي، ماركسي وطبقي، يسعى لمواجهة البرجوازية وقوى الرأسمال، التي تتمثل في قوى وأحزاب سياسية تهيمن على السلطة وتستغل كل الموروث الذي يتفاخر هذا اليسار بتكرار مميزاته، لفرض الاستغلال والحروب الداخلية وانتهاك الحريات ومصادرة أبسط الحقوق، بل خطاب يسار يفتقد للفاعلية الاجتماعية، ويغرق في متاهات الحوارات والصرعات الثقافية، ويعمل جاهدا للالتزام بالعملية السياسية، وبدستورها، ويعمل من أجل اصلاحها!
لم يكتف كُتاب البلاغ بهذا، بل جعلوا من القبول بالاهداف التي حددوها، شرطا، لشمول قوى اليسار بالتعريف " إعادة تعريف اليسار في العراق" الذي سيصدر عن الندوة الفكرية للحوار المذكور!
من المؤكد، ان العمل السياسي في دولة محكومة بالقانون وبدستور يحترم القيم الإنسانية ولايسمح بإنتهاك الحريات ولا بالتمييز بين البشر على اسس الدين والطائفة والعرق، إسوة بالدول المتحضرة في العالم، يوفر أرضية مناسبة لعمل قوى اليسار، ولا يجعلها تحت طائلة التشكيك والتكفير أو الملاحقة الامنية وإغلاق المقرات والصحف. لكننا، في العراق، في مواجهة نظام سياسي طائفي بأمتياز، يهيمن على كل شيء ويحتكر الثروات ويفعل المستحيل، عبر تشريع الدستور، الانتخابات وقوانينها، الهيئات المستقلة، تقاسم السلطة والثروات، تقييد الحريات، أسلمة المجتمع، سطوة المؤسسات الدينية ورجال الدين، التمييز على أساس الدين والطائفة والعرق....الخ، من أجل تحقيق مصالح قوى السلطة وضمان تسلطها وحماية امتيازاتها. النظام في العراق، نظام يهدف لحماية مصالح الرأسمال، في دولة ريعية تتعامل مع رعاياها وفق منطق الزبائنية.
إن وجود يسار فاعل، في أي مجتمع، هو دليل على وجود حراك وصراع اجتماعي وطبقي. يسار يعنى بقضايا ومصالح وآمال الفئات المحرومة والمهمشة، ويناضل من أجل غد أفضل ومجتمع خال من الظلم والاضطهاد واللامساواة، مهما تم التستر على حقيقة هذا الصراع، بموت اليسار والشيوعية وأفول الحركة الثورية للطبقة العاملة تارة، أو بالنزوع نحو الليبرالية وتوابعها التي أوصلت العالم إلى شفى الهاوية، أو الغرق في دوامة الديمقراطية والهويات الثقافية و المدنية الزائفة، و في منزلقات النزاعات الطائفية التي تشوه حقيقة الصراعات الاجتماعية والطبقية في المجتمع، وتبعدها عن مركزها الاساسي تارة أخرى.
إن اليسار الذي ندعو لنهوضه في العراق وأن يتحول إلى قطب فاعل في المعادلات السياسية وفي الصراع على السلطة والدفاع عن العمال والفقراء والمحرومين والقوى البشرية المعطلة عن العمل، أي الفئات التي يتم إنتهاك حقوقها وإرادتها كل يوم، هو يسار ماركسي وطبقي يتعامل مع الوقائع السياسية والاجتماعية من منطلقات طبقية وثورية تساهم في دفع الفئات المهمشة والمسحوقة للتفكير بواقعها المزري، وتحويلها إلى قوة التغيير الأساسية، ولا يخضع للإملاءات التي تحددها السلطة وقواها النافذة، ولا لمصالح أصحاب الرأسمال والشركات والبنوك.
النقد الماركسي الذي يوجهه اليسار لمختلف الظواهر والأزمات في المجتمع، وللدولة التي انهارت بفعل الاحتلال الامريكي، ولمشروع الاحتلال والوضع السياسي الذي ساهم في خلقه عقب تثبيت سلطة طائفية تتزايد مخاطرها يوما بعد آخر وتواصل صناعة الخراب وتحويل العراق إلى ساحة صراعات وتجاذبات بين القوى والدول الاقليمية والعالمية التي باتت تنعكس، وبشكل مدمر، على حياة العراقيين وأمنهم ومستقبلهم، هو النقد الذي يحدد مخاطر الفقر والبطالة والاهمال وانعدام الأمن واللاعدالة وفق منابعها التي ترتبط بالسلطة ودفاعها عن مصالح الرأسمال وأصحابه، ولا يتردد عن مجابهة السلطة وكشف فسادها والاستغلال المريع الذي تمارسه للفئات المسحوقة، وتحميلهم كل تبعات أزماتها وانهياراتها المالية والسياسية، عبر فرض الضرائب وخفض الرواتب والاجور وخصخصة المؤسسات الحكومية والتخلي عن الضمانات الصحية والخدمية، وتكبيل الدولة بالديون الخارجية لصالح البنك الدولي والمؤسسات المالية الاخرى في العالم..الخ.
ثمة قضايا كثيرة، اجتماعية وسياسية، ملحة يتحتم على قوى اليسار التركيز عليها والانطلاق منها، وهي القضايا التي تبين جدية هذه القوى وراديكالية بديلها السياسي والاجتماعي في مواجهة ما يحدث في العراق. فما يتعرض له الإنسان في العراق من محن ومآسي يومية، بطالة، إنتهاكات متواصلة للحريات والحقوق، قانون عمل رجعي يميز بين عمال القطاع العام والقطاع الخاص، فرض الخصخصة وبيع مؤسسات الدولة، الأوضاع البائسة للنساء، تزايد الدور المخرب والخطير للعشائر، قوانين استبدادية، سلطة مليشيات، حروب، إرهاب، انهيار الخدمات، ودولة عاجزة ومؤسسات فاسدة..الخ، يكشف عن الوضع المزري والمأساوي الذي يعانيه المجتمع برمته، كل ذلك يدفع قوى اليسار للعمل بأفق ثوري يعزز وجودها ودورها كقوى مدافعة عن الطبقة العاملة التي تتعرض لهجمات متلاحقة تستهدف وجودها ونضالها وتاريخها، وعن الفئات المسحوقة والمهمشة في المجتمع والانحياز لها وللفئات الاخرى التي تشعر باغترابها عن السلطة وتقاطع مصالحها معها.
إن على اليسار العراقي أن يدرك التحولات التي تحدث في العالم، والتعامل مع تأثيراتها على الصراعات السياسية والاجتماعية الداخلية بفهم عميق، فسعي الرأسمالية للتمدد، وفق ما تبتكره من أساليب ونظم وإجراءات وحروب وجماعات إرهابية مسلحة، يصل إلى العراق وإلى كل شبر على هذه الأرض التي نعيش عليها. وهو ما يتطلب من اليسار أن يجدد أساليب عمله وفهمه لما يحدث، تماما كما حدث مع قوى اليسار التي برزت في العديد من الدول الأوربية في اليونان واسبانيا والبرتغال على سبيل المثال، حيث برزت قوى يسارية جديدة تتمسك بالماركسية ونقدها الجذري للمجتمع ولم تنساق خلف أوهام الحرية الليبرالية والديمقراطية المعلبة التي تدار من قبل المؤسسات والدول الرأسمالية الكبرى في العالم.
#شاكر_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرية الرأي والتعبير في ظل نظام المحاصصة الطائفية
-
الأول من آيار: نشيد الأمل، ونشيد الموت!
-
عن العراق، ونظام المحاصصة الطائفيّة الذي يجب اسقاطه
-
الصّحوة الإسلاميّة: السّلطة والطائفيّة
-
صرخة رفض
-
ديمقراطيّة عالم اليوم!
-
تنّورة قصيرة
-
أسئلة ما بعد الموصل
-
عن الحبّ وأشياء أخرى
-
المسكوت عنه: تجنيد المرتزقة في العراق!
-
العلمانيّة والإصلاح ومقتدى الصدر
-
مثلك تماماً، لست ممتعصاً من دفقِ سردك
-
خداع السلطات الحاكمة!
-
عن سعادة الإمارات وتسامحها!
-
قانون اللجوء الجديد: يوم أسود في الدنمارك!
-
باعة الوهم!
-
الطائفيّة وأتباعها!
-
الاعترافات المتأخرة للحكومات الأوربية!
-
ليلة الجحيم الباريسيّ: العالم في مواجهة أزماته!
-
أوهام التمسك بقوى السلطة الطائفيّة
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|