|
القصيدة الباقية - سيد حجاب وتتر الدراما التليفزيونية
عمر توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 5500 - 2017 / 4 / 23 - 07:51
المحور:
الادب والفن
من حنان الحب .. هل الغل جانا من مرارة الغل .. جلجل صوت رجانا نبكى م الغل اللى بيعكر حياتنا ؟ ولا م الحب اللى هدهدنا وشجانا ؟ - عندما بدأ المسرح كان يعتمد على الطقوس والشعائر والتى كانتا تقدم بواسطة الرقص والتعبيرات الحركية، وكان يصاحبهم الغناء للتعبير عن ماهية ذلك الطقس، وكان ذلك الغناء بمثابة التعليق والتفسير لما يقدم حتى يمكن فهمه من المتابعين لذلك الطقس. - هذا الدور الذى قامت به الأغنية فى الميلاد الأول للمسرح تمت إعادة صياغته مرة أخرى مع تطور فن المسرح من المرحلة الشفاهية الى المرحلة الكتابية وتحول الغناء الى فكرة الجوقة المسرحية التى تلعب نفس الدور من تعليق وتفسير وتطوير للحدث الدرامى المقدم على خشبة المسرح. - وعلى نهج المسرح بدأ المسلسل التليفزيونى فى مصر مع بداية الإرسال عام 1960، وبقيت مشكلة تقنية تواجه هذا الوليد الدرامى، كيف نبدأ ونختم الحلقة التليفزيونية ؟، فلم يكن فن تتر الدراما قد عرف بشكل كامل فقد كان الإعتماد إما على أغنية شعبية مشهورة أو مقطوعة موسيقية مناسبة لأجواء العمل يتم معها استعراض أسماء المشاركين فى الحلقات بشكل مشابه لما هو الحال فى الإذاعة.
- وظهرت الحاجة الى شاعر من طراز خاص، عليه ان يقوم بهضم المحتوى العام للعمل الدرامى وفهمه والتعبير عنه بشكل مكثف ليتحول الى أغنية محسوبة بوقت محدد، ومع عدم الفهم التام للدراما التليفزيونية كجنس أدبى له خصائصه المميزة له عن المسرح والسينما والإذاعة إستمرت الموسيقى التصويرية فقط هى الطابع الغالب على تتر الدراما التليفزيونية حتى ماقبل نهاية السبعينات، حيث بدأ تتر المسلسل التليفزيونى يأخذ منحى جديداً تماماً بعد التقاء كلاً من سيد حجاب وعمار الشريعى فظهرت عدد من الأغانى المصاحبة للمسلسل التليفزيونى فى المقدمة والنهاية والتى تحولت بدورها الى أغنية تردد فى المنازل والشوارع وتلقى رواجاً جماهيرياً شديداً فى أوساط الشباب فى ذلك الوقت الأمر الذى ساهم فى ظهور اسم على الحجار كمطرب شبابى من نوع خاص يقدم أغانى سهلة الكلمات عميقة المضمون تصاحب المسلسلات التليفزيونية. - ومثلما وجد أسامة أنور عكاشة ضالته فى الدراما التليفزيونية ليصنع من خلالها مجده الأدبى وحلمه فى أن يكون روائياً مثل نجيب محفوظ، جاءت الفرصة أمام سيد حجاب ليصنع مجداً شعرياً لايضاهى من خلال فن التتر الدرامى أو القصيدة الباقية، بمعنى أنها القصيدة الشعرية التى تصل الى وجدان المتلقى وتصبح جزءاً باقياً معه يرددها فى أوقات ولحظات حياتية متغيرة، وهو ما يعتبر أيما نجاح يحلم به أى شاعر. - وبالنظر لرحلة سيد حجاب مع تتر الدراما التليفزيونية نجدها رحلة شديدة الثراء والتميز والتطور الفنى فى تكوين القصيدة والتركيز على عدد من المفردات التى لا يمكن أن يأتى بها سوى سيد حجاب، وكذلك تركيزة الشديد على فلسفته الخاصة التى تشغل حيزاً كبيراً من تفكيره وهى علاقة الإنسان بالزمن وأيهما أكثر تأثيراً فى الأخر، ونستعرض بعضاً من تلك الرحلة بالوقوف عند أهم المحطات الدرامية التى أبدع فيها سيد حجاب ووضع تتراً درامياً تحول بالفعل لجزء هام من وجدان المصريين وهى كالتالى :
1 – الأيام لم يكن من السهل تقديم قصة حياة الدكتور طه حسين " الأيام " بصورتها التليفزيونية عام 1979 دون الأخذ فى الحسبان اللحظات الدرامية التى سيتوقف عندها الحوار تاركاً الأمر الى الأغنية، خاصة المقدمة والنهاية التى ستكون عامل الجذب الأول للمشاهد ليبقى مع المسلسل، وقد كان سيد حجاب هو فرس الرهان فى هذا العمل خاصة بعد أن استطاع صياغة مضمون حياة شاقة متقلبة مثل حياة طه حسين فى أغنيتى المقدمة والنهاية التى أصبحت بألحان عمار الشريعى وصوت على الحجار أيقونة دراما التليفزيون الأمر الذى أدى لقيام شركة صوت القاهرة بتحويل أغانى المسلسل الى شريط كاسيت ضاهى وتغلب على الشرائط الأخرى وقتها، فالجميع كان يعتقد أن طه حسين لا تناسبه سوى كلمات الفصحى العميقة التى كان هو جوادها الرابح ولكن سيد حجاب عبر بعبقرية وعمق شديد الخصوصية المصرية عن مشوار طه حسين كاملاً بجملة شعرية ماشى فى طريق الشوك ماشى لكن قلبى مطرح مايمشى يبدر الأحلام ويركز سيد حجاب على إصرار طه حسين رغم عجزه من خلال جملتان شديدتا التميز الأولى أيام .. ورا أيام .. ورا أيام لا الجرح يهدا .. ولا الرجا بينام أما الجملة الثانية فهى من عتمة الليل النهار راجع ومهما طال الليل بيجى نهار مهما تكون فيه عتمة ومواجع العتمة سور ييجى النهار تنهار وهنا نجد التورية والتلاعب اللفظى بين العتمة الليلية الثابتة وبين عاهة طه حسين الناتجة عن الجهل والتى كانت كفيلة بالقضاء عليه لولا إصراره على أن يكون ذا شأن وظل طيلة حياته يحارب الجهل بكافة صوره العقلية والجسدية فى مصر، ليعود سيد حجاب الى تتر النهاية مؤكداً من خلاله على علاقة الإنسان والحياة وهى فلسفته الخاصة التى سيعيد صياغتها مرات عديدة بعد ذلك فيقول دوامة سودا ودايرة تحت وفوق والدنيا بحر غويط وعالى الموج لكن مادام فى القلب حب وشوق مهما ميزان الدنيا كان معوج لابد يوم يصفى الزمان ويروق ودى حكمة الأيام
2- الشهد والدموع فى هذا المسلسل الذى يعتبر حجر الأساس لدراما العائلة المصرية يعود سيد حجاب ليقدم لنا تتراً لايزال باقياً فى أذهان الكثيرين منذ تقديمه عام 1983، فيصيغ لنا بعبقريتة المغزى الحقيقى لمفهوم الحياة التى يأخذها البعض سابقاً الأغلبية حالياً كصراع مستمر من أجل المال فقط لاغير حتى وان كان ذلك على حساب إنهيار مفهوم العائلة وضياع القرابة وصلة الرحم بل وقتل الأخ لأخيه طمعاً فى المال لعنة الحياة الجديدة، مما يؤدى لضياع الإنسان فى متاهة لا نهائية، فيقدم سيد حجاب فى تتر البداية جملة صادمة وكأننا نسمعها لأول مرة مع أننا نعلمها جيداً فيقول تحت نفس الشمس فوق نفس التراب كلنا بنجرى ورا نفس السراب كلنا من أم واحدة .. أب واحد .. دم واحد بس حاسين بإغتراب حقيقة واضحة يصيغها سيد حجاب بعبقرية مصرية تأتى بالخلاصة وهو مضمون فن تتر الدراما، ومع تطور الأحداث داخل المسلسل يظهر جيل جديد يحاول الفرار من تلك اللعنة والعودة لجذوره الحقيقية القديمة فلا يفوت ذلك على سيد حجاب ليغزل لنا يا زمان الغربة ليلك بيحاصرنا وف ضلامة المر طاوينا وعاصرنا بس طول ما الحب بيرفرف علينا الجدور ح نمدها ونصنع مصيرنا الحب والبساطة التى افتقدها إنسان العصر الحديث فهرب من جذوره بحثاً عن وهم سعادة الإمتلاك فيجد نفسه فى النهاية ممسكاً بالهواء وقد خسر كل شئ، وهو ما يصيغه سيد حجاب فى تتر النهاية صارخاً نفس الشموس بتبوس على روسنا نفس التراب يحضن خطاوينا طب ليه بنجرى ونهرى فى نفوسنا ؟ وليه نعيش ناكل فى بعضينا ؟
3 – ليالى الحلمية هو التتر الأشهر فى تاريخ الدراما التليفزيونية المصرية والذى أصبح جزءاً رئيسياً من وجدان المشاهد المصرى، المسلسل الذى بدأ تقديمه عام 1987 يطرح من خلاله أسامة أنور عكاشة إعادة صياغة لتاريخ مصر الإجتماعى عبر أكثر من نصف قرن، وهنا يقوم سيد حجاب بعمل تطوير فنى متميز للتر الدرامى فهو يعيد بناء قصيدته كدور مماثل للعلاقة بين الجوقة والممثل على خشبة المسرح فنراه يقدم تتر المسلسل قائماً على سؤال وجواب بين الجوقة وبعضها فى البداية فنجد ومنين بييجى الشجن ؟ من اختلاف الزمن ومنين بييجى الهوا ؟ من ائتلاف الهوى ومنين بييجى السواد ؟ من الطمع والعناد ومنين بييجى الرضا ؟ من الإيمان بالقضا ثم يأتى دور المطرب داخل التتر وهو المماثل لقائد الجوقة أو الممثل الأول ليخبر المتفرجين بالمغزى العام لما سيشاهدونه من أحداث وهو مايعبر عنه سيد حجاب قائلاً من إنكسار الروح فى دوح الوطن ييجى إحتضار الشوق فى سجن البدن من إختمار الحلم ييجى النهار يعود غريب الدار لأهل وسكن ولكن سيد حجاب يأبى ان ينتهى الموضوع إلا بوجود بصمته الفلسفية الخاصة عن علاقة الإنسان بالحياة أو الزمن فيطلق صرخة تساؤل وتعجب ليه يا زمان ماسبتناش أبريا ؟ وواخدنا ليه فى طريق ممنوش رجوع ؟ أقسى همومنا يفجر السخرية وأصفى ضحكة تتوه فى بحر الدموع
4 – أرابيسك لا أحد يستطيع التعبير عن ملحمية أخر بطل شعبى تقدمه الدراما التليفزيونية المصرية بكل ما يحمله من إنكسارات وإنتصارات فى رحلته للبحث عن حقيقته التى تاهت وسط دروب الزمن القاسى إلا سيد حجاب، الذى يقدم لنا ذروة إبداعه فى عالم تتر المسلسل التليفزيونى فالموضوع قائم على الإنسان والحياة والزمن أو بمعنى أدق هو صورة مجسدة لصراع سيد حجاب الفلسفى الإنسانى، فجاءت كلماته هنا بشكل غير مسبوق حيث الصور الشعرية الغير معتادة ولا مرتادة فى عالم تتر الدراما فيبدأ قائلاً وينفلت من بين إيدينا الزمان كأنه سحبة قوس فى أوتار كمان وتنفرط ليام عقود كهرمان يتفرفط النور .. والحنان .. والأمان هذا الزمن القاتل للإنسانية جعل الحياة مشوهة فقدت صفائها سواء فى العام المجتمع أو الخاص الأسرة فيطلق صرخة تحذيرية قائلاً الغش طرطش .. رش ع الوش بوية مادريتش مين بلياتشو .. او مين رزين شاب الزمان .. وشقيقى مش شكل أبويا شاهت وشوشنا .. توهنا بين شين وزين ولا يابى سيد حجاب أن يتركنا فى تتر النهاية إلا وهو يعطينا الدرس الأخير فى فهم غاية الحياة والزمن فيحذر وينصح قائلاً دنياك سكك .. حافظ على مسلكك وامسك فى نفسك .. لا العلل تمسكك وتقع فى خية .. تملكك .. تهلكك أهلك .. يا تهلك .. دا انت بالناس تكون - وهكذا نجد أن سيد حجاب بفلسفته وعمقه الإنسانى قد ساهم بقوة فى وجود وتطوير فن تتر الدراما التليفزيونية والوصول به الى أن يكون جنس أدبى قائم بذاته له سماته وخصائصه التى تجعل من القصيدة الشعرية له أيقونة باقية ترددها الجماهير وهو حلم كل شعراء العالم، الأمر الذى يؤكد مدى موهبة سيد حجاب فى الوقوف على الخصائص المؤثرة للمسلسل ممسكاً بأهدافه المرجوة التحقق ليقدم المضمون العام فى لغة سهلة وبسيطة تصل الى الجميع من خلال التكثيف اللحظى للجمل الشعرية موازياً لبدايات المسرح حيث نجد أن التتر الدرامى يقوم بدور الجوقة ولكن مع وسيط درامى مختلف هو التليفزيون والذى إستبدل النص المسرحى بسيناريو المسلسل فكان التتر هو العامل الأكثر جذباً للمشاهد للبقاء مع أجواء المسلسل وهو ما أجاده سيد حجاب من خلال أشعاره التى تحولت الى قصيدة باقية.
عـمـر تـوفـيـق
#عمر_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|