أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد مدحت مصطفى - (10-4)الدراسة المنهجية في عِلم الاقتصاد - الاستنباط والاستقراء















المزيد.....

(10-4)الدراسة المنهجية في عِلم الاقتصاد - الاستنباط والاستقراء


محمد مدحت مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 5485 - 2017 / 4 / 8 - 11:41
المحور: الادارة و الاقتصاد
    



شهدت منهجية دراسة علم الاقتصاد تطوراً كبيراً، وتأثرت أيضاً بمجمل المناخ العِلمي الذي كان يسود في العلوم الطبيعية. وقبل نشأة علم الاقتصاد نجد أن كل من أفلاطون وأرسطو يُخضِع أحكامه للأخلاق والفلسفة والسياسة، وفي العصور الوسطى نجد أن توماس الإكويني لم يستطع أن يتخلص من فلسفته الميتافيزيقة اللاهوتية بالرغم من أنه حاول التوفيق بينها وبين واقع عصره. وكان التجاريين من الناحية المنهجية ما يزالون تواقين للإبقاء على العنصر المعياري، كما كان لديهم ارتباط لا يُمكن فضه بين تحليل ما هو كائن وبين الأمر كما ينبغي أن يكون، أما الفيزوقراط فكانوا من الرواد الأوائل في تطبيق مذهب القانون الطبيعي "الحتمي" في العلوم الاجتماعية، فالظواهر الاقتصادية تخضع لقوانين طبيعية لا دخل فيها لإرادة الإنسان تماما كما تخضع الظواهر الطبيعية والبيولوجية لقوانين الطبيعة. وتتصف هذه القوانين بكونها : أزلية لا تتغير أبدا، عالمية تنطبق على جميع البلدان، مطلقة لا استثناء فيها، إلهية فرضها اللّه وحتّمها. وهم أول مدرسة عِلمية تستخدم المناهج العِلمية في العزل والتجريد. وعلى ذلك يُمكن اعتبار الفيزوقراط أول من حاول تأسيس عِلما مستقلا للاقتصاد السياسي خاصة بعد تخليص الدراسات الاقتصادية من التبعية للفلسفة والدين، كما أنهم أول من حاول التوصل لقوانين عامة تحكم الظواهر الاقتصادية. وإذا انتقلنا إلى الفترة التي نشأ فيها عِلم الاقتصاد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر لوجدنا أن الإنتاج السلعي القائم على التخصص وتقسيم العمل والإنتاج بغرض التداول أي البيع كان هو النشاط السائد، بالإضافة إلى الدور الأساسي للإنتاج الصناعي القائم على نتائج الثورة الصناعية بدلاً من الإنتاج الزراعي أو النشاط التجاري، وقد ترافق ذلك مع التوسع في السوق المحلية والسوق الدولية. أما المناخ الفكري العام عند نهايات القرن الثامن عشر فكان متأثرا بفكرة القوانين العِلمية العامة التي تحكم العالم كله، وأن مهمة العِلم تكمن في الكشف عن هذه القوانين، مع امتداد أثر هذه القوانين إلى العلوم الإنسانية. ومن الناحية الفلسفية انتشر مذهب الذاتية الفردية حيث تخلص الفرد من الآراء المفروضة سواء من الكنيسة أو من الفلسفات القديمة. ثم كانت فكرة العقد الاجتماعي في فرنسا حيث يجب أن تقوم الدولة بناء على عقد اجتماعي بين الأفراد. ويضاف إليهم مذهب النفعية في إنجلترا الذي ينص على أن الفرد هو أفضل من يُقدر مصالح نفسه. حتى ظهر آدم سميث ليُدشن بداية عِلم الاقتصاد، ثم يُضيف ديفيد ريكاردو المزيد من التطوير في أسلوب البحث المنهجي، حتى ينضم روبرت مالتس ليُكمل ثالوث فكر الكلاسيك. من الناحية المنهجية نشأ الكلاسيك في ظل سيادة القوانين الطبيعية الحتمية، ومن هنا يُمكن القول أن نشأة عِلم الاقتصاد كانت في ظل سيادة منهجية الضرورة الحتمية. وقد ظهر ذلك جليا في أعمال سميث بدءا من افتراضاته العامة وصولا إلى استنباطات خاصة. ويبدو أن تغييرا في المنهج كان ضروريا حتى يتسنى السير خطوة في اكتشاف القوانين التي يقوم عليها النظام الاقتصادي، فالمنهج الاستنباطي الشديد الذي غالبا ما يُعزى إلى ريكاردو حل محل ذلك المزيج الأقل صرامة من الاستنباط والتاريخ الذي سار عليه سميث. فهناك قدر وافر من التعليل المُسبق في أعمال ريكاردو، وفي عمليات الإيضاح كان الاعتماد بوجه عام قائم على الافتراض أكثر منه على التاريخ، وتشعر بسهولة أن هناك درجة عالية من التجريد. أما روبرت مالتس فقد حاول أن يجمع بطريق الاستنباط ما يُثبت به نظريته فاستخدم المادة التاريخية لدعمها. كما أكد على أهمية الحاجة إلى مقدمات إضافية مستمدة من مادة تجريبية في بحث المشكلات قصيرة الأجل. بينما واصل ريكاردو الاعتماد على العمليات طويلة الأجل التي يُمكن توضيحها توضيحا وافيا عن الاستنباط من المقدمات المبدئية.

تعرضت أفكار الكلاسيك للكثير من النقد، وعلى أيدي هؤلاء النُقْاد تمت أهم عملية تغيير في منهج عِلم الاقتصاد من الضرورة الحتمية إلى الاحتمال الموضوعي، ويُمكن تلخيص صراع المناهج الذي دام أكثر من عقدين في نقطتين أساسيتين: النقطة الأولى النقد الذي وجهته المدرسة التاريخية لمنهج الكلاسيك من حيث أنهم استخدموا مصادرات قليلة للتوصل لقوانين ذات صلاحية كلية، بمعنى آخر أنهم توسعوا في التعميم رغم قلة الأسانيد، وبالتالي فإن قوانين سميث وريكاردو لا يُمكن اعتبارها مطلقة وذات مفعول مستمر سواء في النظرية الاقتصادية أو في السياسة الاقتصادية، فالظروف الاقتصادية تتغير وتتطور باستمرار وبذلك لا يُمكن أبدا أن تحتفظ النتائج التي يتم التوصل إليها بصلاحيتها الأصلية. وهو ما ساعد أنصار التفرقة بين العلوم الفيزيقية والعلوم الاجتماعية، فالقوانين الفيزيقية غالبا ما توجد من الناحية الفعلية ومن السهل قياسها وقياس الانحرافات عنها، أما القوانين الاقتصادية فتعمل في ظل واقع متغير يتضمن عددا متزايدا من المتغيرات. وبذلك اقتربت المدرسة التاريخية كثيرا في رفضها للتحليل الاستنباطي وتفضيل التحليل الاستقرائي عليه. النقطة الثانية أن المدرسة التاريخية شددت على وحدة الحياة الاجتماعية، وعلى العلاقة المتبادلة بين العمليات الاجتماعية والعضوية الفردية مقابل النظرة الميكانيكية للمجتمع. وهذه نقطة هامة أثرت في البحث الاجتماعي بشكل عام، وهي استحالة فهم الجزء الاقتصادي إلا في إطار الكل الاجتماعي. تأكيدا على التفاعل الوثيق بين مختلف فروع الحياة الاجتماعية. لم يستمر هذا الخلاف طويلا حيث تم الاستقرار تقريبا رغم وجود بعض التباين على عدم إمكانية الاستغناء عن فرعي البحث الاقتصادي وهما الواقعي التاريخي والتحليلي المجرد. وإذا كانت أوجه نقد المدرسة التاريخية صحيحة من الناحية المنطقية، إلا أن أصحابها بالغوا كثيرا في مسألة اقتصار الكلاسيك على استخدام الاستنباط، قد أخطأ هؤلاء في الخلط بين الأخطاء التي يُمكن أن يقع فيها التعليل الاستنباطي وبين المكان الذي يجب أن يشغله الاستنباط الصحيح في نظام متوازن للبحث فقد استخدم الكلاسيك أنفسهم كِلا المنهجين. وواضح أن هناك مجال للاختلاف حول اختيار المقدمات، ولكن من المسلم به أن المقدمات التي تقف في بداية الاستنباط هي نفسها تجريبية في أصلها. فالاستقراء والاستنباط مترابطان يعتمد كل منهما على الآخر.

الاستنباط والاستقراء

الاستدلال المنطقي:
يُعد الاستدلال "الاستنتاج" المنطقي مدخلاً رئيسياً لفهم منهج البحث العِلمي بشكل عام. فالاستدلال المنطقي هو موضوع عِلم المنطق الذي يهتم بوضع الأسس والقواعد التي يُمكن عن طريقها التمييز بين الاستدلال الفاسد والاستدلال الصحيح. والتعرف على قواعد الاستدلال المنطقي يُعتبر الخطوة الأولى نحو فهم مناهج البحث العِلمي. فإذا كان الاستدلال يتضمن عدة قضايا، وأن كل قضية تتضمن عدة حدود، لزم التعرف على هذه القضايا، وعلى هي هذه الحدود؟.

1- الحدود والقضايا:
الحد كلفظ يُطلق على أحد أطراف القضية أو الموضوع محل البحث، وهذا الحد قد يكون محسوساً أو مجرداً. فيكون محسوساً حين ندركه بالحواس، ومثال ذلك حين نتحدث عن شيء محدد كنهر النيل أو الفضة أو آدم سميث، ويكون مجرداً حين لا تدركه الحواس، ومثال ذلك حين نتحدث عن نهر أو معدن أو إنسان دون ما تحديد. وعلى ذلك تكون الحدود المحسوسة جزئية، والحدود المجردة عامة. والحد كمفهوم لا بد من أن يكون مصحوباً بصفاته لذا فإنه يلزم هنا التحدث عن صفات نهر النيل وصفات الفضة وصفات آدم سميث فالمفهوم هنا جزئي ينطبق على نهر النيل فقط، والذهب فقط، وآدم سميث فقط.

أما الحد كتعريف لابد أن يكون مصحوباً بمجموعة صفاته العامة فهناك صفات لنهر النيل تنطبق على باقي الأنهار، وصفات للفضة تنطبق على باقي المعادن، وصفات لآدم سميث تنطبق على غيره من البشر. وعلى ذلك فالتعريف يُطلق على الأشياء العامة، والمفهوم يُطلق على الأشياء الخاصة أو الجزئية ومثال ذلك أن آدم سميث لا تعريف له ولكن الإنسان له تعريف يفرقه عن باقي الكائنات الحية. أما القضايا أو الموضوعات محل البحث فإنها تتكون من أكثر من حد واحد توجد بينهما رابطة أو علاقة، والحدود لا يمكن الحكم بمدى صدقها وكذبها، لكن القضايا فقط هي التي يمكن أن نحكم بمدى صدقها وكذبها.

2- الاستدلال المباشر وغير المباشر:
أما الاستدلال أو الاستنتاج الذي يُعتبر موضوع اهتمام عِلم المنطق فإنه يكون على نوعان: الأول استدلال بسيط مباشر، وذلك عند استدلال قضية من قضية أخرى بشكل مباشر دون المرور على قضايا أخرى وسيطة، وفي هذه الحالة نُطلق على هذا النوع من الاستدلال اسم "القياس" أو "الاستنباط" أي قياس قضية حالة على قضية سابقة. والنوع الثاني استدل مُركب وغير مباشر، وذلك عند استدلال قضية من قضيتين أو أكثر، وفي هذه الحالة نُطلق على هذا النوع من الاستدلال اسم "استقراء". وبصفة عامة فإنه يُطلق على القضايا المًستدل منها لفظ "مقدمات" والقضايا المُستدلة لفظ "نتيجة".

3- الاستنباط والمنطق الصوري:
المنطق الصوري أو الاستنباط هو الاسم الذي يُطلق على الاستدلال المباشر "القياس"، وهذا المنطق يقول بأن لكل قضية صورة أي "شكل"، ومادة أي "مضمون". وهذا المنهج الاستنباطي الصوري لا يهتم بمدى صدق أو كذب المقدمات والنتائج لكنه يهتم بضرورة أن تكون النتيجة مستمدة من المقدمات السابقة. وعلى ذلك فالمنطق الصوري لا يهتم بأن يُدلي بقضايا صادقة أو كاذبة من حيث انطباقها على الواقع بقدر ما يهمه أن تُصاغ الأحكام في صورة منطقية. وهذا المنطق لابد له أن يستند على قواعد لا يُمكن لأحد أن يتشكك فيها وذلك حتى يُمكن القياس عليها، ومثال ذلك "ما يصدق على الكل يصدق على الجزء المندرج تحته". بالنسبة لعلم الاقتصاد نجد أن الكلاسيك كانوا أكثر استخداماً لمنهج الاستنباط Deductive التجريدي القائم على الفروض المنطقية حيث تتوقف دقة النتائج على دقة الافتراضات، فإذا انهارت الفروض انهارت النتائج بالتبعية. أما أنصار الاقتصاد الرياضي فنجد أنهم استخدموا منهج الاستنباط الرياضي الذي أحدث طفرة كبيرة في نظريات التوازن الساكن والتوازن الحركي، ويُعتبر الآن أداة أساسية تساعد على تأكيد أو نفي العديد من القضايا الاقتصادية التي يُمكن الوصول إليها من أكثر من طريق.

4- القياس والاستقراء:
في القياس يجب أن تكون إحدى مقدمتي القياس على الأقل كلية، ومن ثم تكون نتيجته كلية أو جزئية، بينما مقدمات الاستقراء جزئية دائماً ونتيجته كلية دائماً. كما يُعنى القياس بالصورة في المقدمات دون الصدق الواقعي بينما يعنى الاستقراء في مقدماته بالصدق الواقعي إلى جانب التزامه قواعد الاتساق المنطقي. أما نتيجة القياس فتكون صادقة صدقاً مطلقاً أما نتيجة الاستقراء فهي دائماً احتمالية ولن يكون لها اليقين المُطلق ذلك لأننا نصل في النتيجة الاستقرائية إلى قانون عام يخص الظاهرة الطبيعية قيد البحث مع أننا لم نختبر إلا مجموعة محدودة من الملاحظات، ثم نعمم حكمنا في النتيجة على هذه المجموعة موضع البحث وغيرها من بنات نوعها مما سيحدث في المستقبل التي لم نلاحظها بعد والتي قد تأتي بغير ما نتوقع فإن حكمنا الآن عليها دائماً احتمالي لا يقيني قد تقترب درجة الاحتمال من اليقين لكنها لن تصل إليه. كما أن نتيجة الاستقراء تحتوي جديداً عما هو مُثبت من قبل في المقدمات، بينما ليس في نتيجة القياس شيء جديد إذ الحكم فيها مُتضمن في المقدمة الكبرى.
وفي هذا الجدل بين القياس والاستقراء نرى أن موقف نيوتن من المنهج العِلمي يتلخص في عدم الثقة بالنتائج الرياضية إلا حين تؤيدها التجارب المستقبلة، ومن ثم نجد أن خطوات المنهج العِلمي لدى نيوتن هي:
- اتخاذ العِلية والاطراد مبدأين أساسيين تخضع لها ظواهر الطبيعة.
- الملاحظة والتجربة سبيلنا إلى تحديد خصائص الظاهرات التي تختلف فيما بينها اختلافاً كمياً.
- افتراض فرض يُفسر تلك الخصائص.
- استخدام الاستدلال الرياضي الذي يُمكننا عن طريقه أن نعبر عن تلك الاختلافات تعبيراً يعيننا على تطوير البحث في تلك الخصائص.
- إجراء التجارب الدقيقة التي بواسطتها يُمكننا تحقيق تلك النتائج الرياضية على حالات جديدة.
- إذا لم توجد ظاهرات جديدة تعارض تلك الفروض المدعمة تدعيماً رياضياً كانت الفروض صحيحة.

ثالثاً: تطور مفهوم الاستقراء:
ظهرت كلمة استقراء لأول مرة في كتابات أرسطو عندما كان يعني بها "تقود إلى" أو "تؤدي إلى"، وذلك بالالتجاء إلى أمثلة جزئية يكمن فيها صدق القضية العامة، أي الانتقال من الخاص إلى العام، وأن أي قضية تكون صادقة صدقاً كلياً إذا ما ثبت عن طريق التجربة أنها صادقة في تجربة يتم إجراءها. والاستقراء عند أرسطو نوعان هما الاستقراء التام، والاستقراء الحدسي. الاستقراء التام هو حصر كل الأمثلة الجزئية في مقدمات تؤدي إلى نتيجة عامة تتضمن جميع هذه الأمثلة. والمثال الذي ذكره هو أن "الإنسان والحصان والبغل طويلة العمر"، لكن "الإنسان والحصان والبغل هي كل الحيوانات التي لا يوجد لها مرارة"، إذن "كل الحيوانات التي لا يوجد لها مرارة طويلة العمر". ومن خصائص الاستقراء التام أنه استدلال مقدماته كلية ونتيجته كلية، فالنتيجة هنا لازمة عن المقدمات. وهو ما يذكرنا بالقياس. الاستقراء الحدسي كان يُشير إليه بالاستقراء فقط تمييزاً له عن الاستقراء التام، ويقصد به تلك العملية تستخدم مثلاً جزئياً دليل على صدق تعميم ما، أي نصل إلى الحقائق الضرورية بواسطة أمثلة جزئية. وقد أطلق عليها الحدس العقلي نظراً لأنه يمكن إدراكها إدراكاً مباشراً. فالقضية هنا واضحة بذاتها لا تحتاج إلى برهان.

1- مفاهيم الاستقراء:
ويُقصد به الاستقراء الذي كان منتشراً في القرن السابع عشر والذي أشار إليه فرانسيس بيكون وزاد شرحه جون ستيوارت مل. والاستقراء التقليدي هو الذي استخدامه جاليليو ونيوتن في العلوم التقليدية. أما الاستقراء الحديث أو المنهج العلمي أو المنهج الغرضي فهو الذي تم استخدامه مع العلوم الحديثة المُتمثلة في نسبية اينيشتين، وكوانتم ماكس بلانك Max Planck (1858- 1947م) السابق شرحهما. ويُعتبر الاستقراء التقليدي رد فعل للمناهج التي شاعت حتى عصر النهضة، والتي تتمثل في الاستدلال القياسي بوجه خاص، والذي وجه إليه النقد التالي:
- أن مقدمات القياس هي مقدمات كلية، والمفترض فيها أنها مقدمات صادقة مع أنها ليست كذلك في كثير من الأحيان. فإذا أردنا أن تكون مقدماتنا صادقة فلا بد أن تكون هذه المقدمات جزئية، وأن تُعبر تعبيراً صحيحاً عن الواقع.
- تُعتبر نتيجة القياس صادقة صدقاً ضرورياً بغض النظر عن مدى صلتها بالواقع. فالقياس يتضمن الصدق المطلق، أي أن مجموعة المقدمات لا بد وأن يلزم عنها نتيجة منطقية. ومن ثم فالنتيجة هنا لا تُعد بمثابة علم جديد نظراً لأنها متضمنة في المقدمة.

وبناء على ذلك النقد فلا قيمة من استخدام القياس إذا أردنا أن نحقق تقدم حقيقي في العلم، ويكون المطلوب استدلالاً منطقياً مقدماته جزئية ومطابقة للواقع ومن ثم فإن نتيجة تتضمن علماً جديداً. وهذا النقد كان موجهاً أيضاً للاستقراء الأرسطي التام على اعتبار أنه نوع من القياس. ومن هنا جاءت الثورة على المنهج الأرسطي والتي أدت إلى إفساح المجال أمام المنهج التجريبي الذي بدأه الفرنسي فرنسيس بيكون ثم طوره الإنجليزيان توماس هوبز Tomas Hobbes (1588- 1679م)، وجان لوك. يتكون الاستقراء التقليدي من ثلاث مراحل هي: الملاحظة والتجربة، وضع الفروض، وتحقيق الفروض.

أ- الملاحظة والتجربة:
الملاحظة تعني توجيه الحواس نحو ظاهرة محددة أو مجموعة من الظواهر بغرض الكشف عن خصائصها وصولاً إلى معارف عِلمية جديدة عنها. والأمثلة التقليدية على ذلك: ملاحظة الفلكيين للنجوم والكواكب، وملاحظة الجيولوجيون لمجموعات الصخور. أما التجربة هي أيضاً ملاحظة ولكنها ملاحظة مُتَحكم فيها حيث يُمكن التحكم في بعض الظروف التي تحدث فيها الظاهرة بغرض الكشف عن خصائصها وصولاً إلى معارف عِلمية جديدة لا يُمكن الوصول إليها عن طريق الملاحظة غير المُتَحكم فيها. والأمثلة التقليدية على ذلك: تجارب تفاعل العناصر في الكيمياء، وتجارب الصوت والضوء في الفيزياء. هذا وتكتسب التجارب أهمية أكثر من الملاحظة بسبب التحكم في المتغيرات المؤثرة، وبسبب إمكانية تكرار التجربة تحت ظروف مختلفة. وفي جميع الأحوال فإنه يجب توخي الدقة والموضوعية سواء في الملاحظة أو في التجربة.

ب- وضع الفروض:
وهي مرحلة تفسير الظواهر المُتحصل عليها من الملاحظة أو التجربة، فالفرض إذن هو تكهن "تخمين" أو محاولة للتفسير وظيفته الكشف عن العلاقات الثابتة بين الظواهر وبعضها البعض. ومن شروط الفرض العِلمي أنه فرض يُمكن التحقق منه تجريبياً، وأن يُفسر تلك العلاقات بمعارف عِلمية يُمكن التحقق منها وليس بأساطير أو خرافات. ولا شك أن الشخص الذي يمتلك معارف عِلمية واسعة، وقدرة عالية على التخمين المرتبط بالواقع يكون أقدر من غيره على اكتشاف القوانين. أما شروط الفرض العِلمي كما وضعها الفيلسوف الإنجليزي سير ستانلي جيفونز فكانت:
- أن النتائج المُستخلصة بهذا الفرض يُمكن التأكد منها مباشرة باستخدام الحواس.
- أن لا يتناقض هذا الفرض مع القوانين العِلمية السابق اكتشافها.
- أن تتفق النتائج المُستخلصة من هذا الفرض مع وقائع الظاهرة أو التجربة.
وقد تطورت هذه الشروط لأن هناك العديد من الفروض التي يُمكن التأكد منها بشكل غير مباشر، كما أن هناك فروضاً عديدة ناجحة وتخالف قوانين سابقة وهو ما يُساعد على تصحيح هذه القوانين وتعديلها.



#محمد_مدحت_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (10-5)الدراسة المنهجية في عِلم الاقتصاد- المنهج قبل نشأة عِل ...
- (10-6)الدراسة المنهجية في عِلم الاقتصاد- الحتمية والمنهج عند ...
- (10-7)الدراسة المنهجية في عِلم الاقتصاد - اللاحتمية والمنهج ...
- (10-8)الدراسة المنهجية في عِلم الاقتصاد- اللاحتمية والمنهج ع ...
- نماذج من العِلم والاستنارة- (4) نيكولاس كوبرنيكوس (1473- 154 ...
- نماذج من العِلم والاستنارة- (3) جاليليو جاليلي (1564- 1642م ...
- هل صحيح أن سد النهضة خراب على مصر؟
- نماذج من العِلم والاستنارة- (2) جووردانو بونو (1548- 1600م) ...
- رواد علم الاقتصاد - روبرت مالتس وأفكاره
- نماذج من العلم والاستنارة- (1) جيرولاموسافونا رولا (1452-149 ...
- رؤية في مقال لينين حول -حرب الأنصار-.
- هل صحيح أن الاقتصاد المصري اقتصاد ريعي؟
- نقد قانون تناقص الغِلة
- النمط المصري للإنتاج
- تفكيك أساتذة الجامعات المصرية
- فتح عثماني أم غزو هثماني لمصر؟
- الخطاب الأخير لمحمد علي باشا
- لماذا أقول لا لبيع اراضي الدولة؟


المزيد.....




- ماسك: الولايات المتحدة تتحرك بسرعة نحو الإفلاس
- دروس من نساء رائدات في قطاع البنوك والخدمات المالية
- ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة
- الركود يهدد القطاع الخاص البريطاني بسبب زيادة الضرائب
- المغرب والصين يسعيان لعلاقات اقتصادية وتجارية متطورة
- سعر الذهب صباح اليوم السبت 23 نوفمبر 2024
- أكبر محنة منذ 87 عاما.. -فولكس فاغن- تتمسك بخطط إغلاق مصانعه ...
- صادرات روسيا إلى الاتحاد الأوروبي تجاوز 3 مليارات يورو لشهر ...
- ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة
- عمل لدى جورج سوروس.. ترامب يكشف عن مرشحه لمنصب وزير الخزانة ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد مدحت مصطفى - (10-4)الدراسة المنهجية في عِلم الاقتصاد - الاستنباط والاستقراء