خلاصة عامة: الدور التاريخي للطبقة العاملة في حركة التحرر الوطني
عليه اخرس
2017 / 4 / 1 - 02:00
خلاصة عامة: الدور التاريخي
للطبقة العاملة في حركة التحرر الوطني
في ضوء ما سبق من تحليل، يتحدد بوضوح دور الطبقة العاملة في حركة الصراع الطبقي داخل هذه البنية من علاقات الإنتاج. والقول: إن هذا الدور يكمن في القيام بثورة اشتراكية تقضي على علاقات الإنتاج الرأسمالية، ليس تحديدا نظريا، إنما هو تكرار لقانون كوني دون تحديد لوجوده المتميز. وتكرار القانون العلمي لا يتضمن إغناء للمعرفة، فالإغناء يكمن في تحديد شكل التميز في الوجود التاريخي الفعلي من القانون الواحد الذي لا وجود له في الواقع الاجتماعي الا مميزا. لذا، كان على الفكر النظري أن يعيد، في كل حالة تاريخية معينة، اكتشاف القانون الكوني الذي يعتمد في استكشافه الواقع. إن كونية القانون لا تحيط بالواقع إلا بمقدار ما تتميز دوما في وجودها فيه،فهي ليست وحدة تماثل، بل وحدة اختلاف، أو على الأصح، وحدة تخالف. والشكل المميز من وجود ذلك القانون الكوني في البنية الاجتماعية الكولونيالية هو أن على الطبقة العاملة أن تقوم بسبب من تميز منطق الإنتاج الكولونيالي بثلاث ثورات هي في الحقيقة ثورة واحدة: الثورة البورجوازية والثورة الوطنية والثورة الاشتراكية. على الطبقة العاملة أن تقوم، في الثورة الأولى، بما عجزت البورجوازية عن القيام به من هدم جذري لمختلف علاقات الإنتاج السابقة للرأسمالية، وتحقيق لعملية تراكم رأس المال بشكل يجعلها قادرة على أن تكون ما يستحيل عليها أن تصيره، أي أن تكون بالفعل بورجوازية رأسمالية. والعجز هذا ليس فيها صفة طبقية سلبية بقدر ما هو الطابع الموضوعي الخاص ببنية علاقات الإنتاج الكولونيالية. وعلى الطبقة العاملة أن تقوم،في الثورة الثانية، بما عجزت البورجوازية الكولونيالية التقليدية والمتجددة عن القيام به من تحرر وطني يقطع علاقة التبعية البنيوية للامبريالية. وكذلك العجز هذا، هنا أيضا،ليس من منطق الإنتاج الكولونيالي عرضا، إنما هو منه ضرورته الداخلية. وعلى الطبقة العاملة، في الثورة الثالثة،أن تقوم بمهمتها الطبقية التاريخية الخاصة بها دون غيرها من الطبقات الاجتماعية، أي بعملية الانتقال إلى نظام الإنتاج الاشتراكي. وحصر هذه المهمة بها لا يعني، بالطبع، نفي تحالفها الضروري مع طبقات وفئات اجتماعية معينة،إنما يشير إلى ضرورة دورها القيادي في هذا التحالف، من حيث هي الطبقة المهيمنة النقيضة. قلنا: إن هذه الثورات الثلاث ثورة واحدة. معنى هذا أن بنية زمان الإنتاج الكولونيالي ليست مركبة، وإن كانت معقدة، أي إنها لا تتكون من أزمنة ثلاثة تترابط في علاقة تتابعية تراكبية، أو في علاقة من التداخل باتت مهمات التحرر الوطني كما يقال في المرحلة الراهنة، لا تنفصل فيها، مثلا، عن مهمات التحرر الاجتماعي، فالقول بوجود التداخل لا ينفي وجود التعدد في الأزمنة، بل يؤكده. وهو يرصد ظاهرة الحركة التاريخية دون النفاذ إلى منطقها الداخلي، حين يكتفي منها برصد ما وصلت إليه، أي دون التساؤل عن الآلية التي تتحكم فيها. وهو يشير، في الوقت نفسه، إلى التناقض الذي يقع فيه دوما الفكر التجريبي حين يقتصر، في فهمه التاريخ، على ملاحقة حركة التتابع من ظاهراته. الفكر التجريبي يلهث وراء الأحداث دون التمكن من معانقتها في نظرية تستخرج من الأحداث منطقها الذي تترابط فيه في حقيقتها على غير ما تظهر من تتابعها. لئن كان واقع التاريخ الحديث يدل، في ما يظهر منه لعين الرصد التجريبي، على أن البورجوازية الكولونيالية، سواء التقليدية منها أم المتجددة، قد سارت بالفعل في درب التحرر الوطني والبناء الا قتصادي شوطا توقفت بعده عند فشلها عن السير في هذا الدرب إلى منتهاه، وأن التداخل بين القضية الوطنية والقضية الاجتماعية صار ضرورة بعد هذا الفشل، فإن الفكر النظري، في رصده منطق التاريخ، يكتشف أن الفشل هذا ليس فشلا وقع حين حدوثه، فارتبط بأحداث معينة كان نتيجة حدثية منطقية له، أي ليس عرضا في حركة حدثية، أو إمكانا منها وقع نعني تحقق بسبب من ارتباط حدثي معين لو لم يكن لما كان هو أيضا، أو لكان غيره لو كان ارتباطه الحدثي غيره. إن هذا الفشل، في حقيقته النظرية، عجز بنيوي يجد أسباب ضرورته في بنية الإنتاج الكولونيالي التي تتحكم فيها بنية العلاقة الكولونيالية. فهو إذن، ضرورة تاريخية قبل أن يصير إمكانا حدثيا. بهذا المعنى يمكن القول: إن حركة التاريخ هي الصيرورة الحدثية لضرورته.فالحدث صيرورة الضرورة في التاريخ إمكانًا متعددا. الفكر التجريبي يقدس العرض في حركة التاريخ باسم حرية الإمكان فيها وتعدده. أما الفكر النظري أي العلمي فيضع العرض في موضعه من منطق الضرورة الذي يتحكم في هذه الحركة، فيعقلن الإمكان فيها. لذا، قد تختلف أشكال ذلك الفشل باختلاف أشكال ارتباطه الحدثي،إنما واقعه الحقيقي يبقى متأصلا في ما قبل حدوثه، أي في ضرورة بنيوية هي التي تنتجه حدثا مرتبطا بأحداث أو ظروف أخرى ليست منه مبدأ تفسيره، لأنها، مثله، تجد تفسيرها في تلك الضرورة البنيوية. فتداخل القضية الوطنية والقضية الاجتماعية مثلا ليس نتيجة حدثية لفشل البورجوازية الكولونيالية في حل القضيتين، وإن كان هذا، في حركة التتابع الزماني، سابقا لذاك. وهو، لأنه سابق له، يظهر لعين الفكر التجريبي بمظهر السبب، فتنقلب علاقة التتابع الحدثي علاقة سببية تفسر التاريخ وأحداثه. إن الفكر التجريبي يربط الأحداث بشكل يجعل فيه التتابع تسلسلا سببيا، فيصير الحدث في التاريخ سببا.والسبب، في الحقيقة، ليس الحدث، بل قانون البنية يتحكم في صيرورتها وفي ما تولده صيرورتها من أحداث هي آثار هذه البنية. إن التداخل بين القضيتين قائم في حقيقته البنيوية، أي في بنية الإنتاج الكولونيالية، قبل أن يكون في حقيقته الحديثة، أي قبل أن يتكشف للوعي السياسي ظاهرة مرئية. بل يمكن القول إن الظاهرة هذه ما كان لها أن تصير حقيقة حدثية لم تجد في تلك البنية شرط وجودها. فآلية زمان الإنتاج الكولونيالي واحدة معقدة لا يصح فيها فصل الثورة التحررية عن الثورة الاشتراكية، لأن الثورتين واحدة.
إن العلاقة الكولونيالية من حيث هي علاقة تبعية بنيوية هي التي تحدد بالضرورة الثورة التحررية الوطنية، في آليتها الداخلية، كثورة اشتراكية، والعكس بالعكس. ليس على الطبقة العاملة إذن، في ممارستها صراعها الطبقي، أن تقوم بدور طبقي آخر ليس لها، إلى جانب دورها الطبقي الضروري الذي تنفرد به من سائر الطبقات الاجتماعية، أو إضافة إليه. بل على العكس من ذلك تماما، إنها تقوم بدورها الضروري من حيث هي الطبقة المهيمنة النقيضة، في عملية التحرر الوطني، فيما هي تقوم بدورها الطبقي نفسه في عملية الانتقال إلى الاشتراكية. فدورها الطبقي في الحالتين واحد، تحدده لها بالضرورة بنية علاقات الإنتاج الكولونيالية، في تحدد هذه البنية بالعلاقة الكولونيالية.
هذه هي الحقيقة النظرية الأساسية التي نستخلصها من كل ما سبق من تشعبات بحثنا. فالدور التاريخي للطبقة العاملة في تقويض علاقات الإنتاج الكولونيالية وإرساء القاعدة المادية للاشتراكية هو هو دورها التاريخي في القيام بالثورة التحررية الوطنية بقطعها علاقة التبعية البنيوية للامبريالية، لأن العملية الثورية من هذا القطع ليست في العملية الثورية نفسها من تقوض علاقات الإنتاج الكولونيالية. لكن العملية هذه، كأي ثورة اجتماعية، أي كأي انتقال من نمط إنتاج إلى نمط إنتاجآ خر، عملية تاريخية معقدة، تمر بمراحل مختلفة تحددها حركة الصراعات الطبقية.
ومن الطبيعي جدا، بل من الضروري أن تختلف مهمات العملية الثورية هذه باختلاف المراحل التي تمر بها، إلا أن وجود الاختلاف هذا لا يغير من جوهرها، بل يرسم معالم التعقد في آليتها، من حيث هي عملية تاريخية لا تنحصر في لحظة أو مرحلة واحدة. والبحث في تمرحل هذه الحركة التحررية هو موضوع مستقل سنعالجه في القسم الثالث من هذه الدراسة.
صيف 1972
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني
مهدي عامل
النسخ الالكتروني عليه اخرس