أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابو الحسن سلام - الخبرة الجمالية في حرفة النقد















المزيد.....


الخبرة الجمالية في حرفة النقد


ابو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 5460 - 2017 / 3 / 14 - 18:12
المحور: الادب والفن
    


الخبرة الجمالية في حرفة النقد
بين ثنائية الروعة والتشويه

. أبو الحسن سلام
# مفهوم الجمال:
علم الجمال علم فلسفي في الأصل لأنه نشأ في أحضان الفلسفة منذ نشأتها؛ حين كانت مثالية تعنى بعلاقة الإنسان بوصفه موجودا حاضرا بفعل الغائب المطلق المتعالي . ثم في تحولها بالتركيز على علاقة الإنسان بالكون وطبيعة الفاعل المادي فيه ؛ ثم تحولها بالتركيز على علاقة الإنسان بطبقته في خضم صراع الطبقات - الفلسفة الماركسية- أو بالتركيز على علاقة الذات الفردية بالذات الفردية الأخري- الفلسفة الوجودية المادية -
# مفهوم الخبرة :
التحصيل المعرفي واكتساب المهارات التقنية النظرية والتطبيقية المحترفة عبر الممارسة العملية في مجال التخصص النوعي .

نبذة تاريخية :
# ظهر مفهوم علم الجمال لأول مرة عام ١٧٣٥ في كتاب (Reflections Poetry) للألماني ألكسندر بومجارتن Alexander Baumgarten حيث ظهر له أن هناك نوعا من المعرفة أو الإدراك في الشعر وفي الفنون الأخرى ؛ وأصبح مصطلحةعلموالجمال من المصطلحات الدائمة في قاموس الفلسفة بعد أن استبعد بومجارتن التأملات العقلية التي ظلت مسيطرة على علم الجمال حتى القرن الثامن عشر؛ فاعتمد على الخبرة الجمالية - مع العلم بعدم وجود نظرية واحدة في الخبرة الجمالية .


# المصادر الفلسفية والفكرية لمفهوم الجمال

تباينت مقولات الفلاسفة حول مفهوم الجمال والقبح ما بين المثالية والمادية في نظرة كل من هذين المصدرين الفلسفيين إلى علاقة المادة أو الأشياء بالوعي أو علاقتها بالحس سواء الذاتي منها أو الجمعي أوعلاقتهاالحسية أو المادية بالواقع . كما تباينت مقولاتهم فيما بين الارتكاز عند القياس على فكرة الأشياء وصورتها مصدرا للجمال، فمنهم من نسب الجمال إلى الفكرة ، ومنهم من نسبه إلى الصورة ومنهم من نسبه إلى المادة ، ومنهم من نسبه إلى الطاقة التشكيلية أو التعبيرية في المنتج الإبداعي مقصورا على البنية الفنية أو الأدبية أو مقصورا على لاوعي الذات عند المبدع نفسه ، ومنهم من نسبه إلى وحدة المضمون والشكل ؛ من هنا تعددت توجهات النقد الأدبي والفني بعامة حول مفهوم الجمال والقبح والنقد المسرحي خاصة بتعدد مصادر الثقافة الجمالية بدءا من فلاسفة اليونان.

الفن والفكر الجمالي عند اليونان :
دار الفكر اليوناني حول صراع أقطاب الفلسفتين المادية والمثالية، ومحاولة كلا الفلسفتين في وضع وعاء نظري للممارسة الفنية على ضوء ذلك المفهوم عند كل منهما.

الفكر الجمالي للمادية : كان الكون في اعتقاد فلاسفة المادية الأغارقة ؛ قائم على خصائص مادية تتمثل في الرشاقة والنظام وتجانس الأشياء حيث جعلت مهمتها تجسيد موضوع الجمال. هكذا كانت نظرة كل من : (فيثاغورس ، هيراقليطس،ايمبيلوكليس، ديموقريطس) الجمال عندهم يتجسد في الأشياء ؛ فالشيء بنفسه عنوان الحقيقة.



مثالية الفكر الجمالي النقدي :
في المثالية تمحورت حقيقة الأشياء حول فكرة الشئ لا على الشئ نفسه . وهي نظرة طورها سقراط بعد فيثاغورس ، ثم طورها أفلاطون ( ٤٢٧٣٤٧ ق. م) بعد أستاذه سقراط ، في شكل خاص به . وتبعا لذلك كانت نظرته للجمال والفنون عامة ذات سمات خاصة :

أولا: يرى الجمال في الفكرة . والوجود الحقيقي يتمثل في الفكرة والأشياء ليست إلا ظلا للفكرة .

ثانيا: الفن في رأيه لا يصور الفكرة ؛ بل يصور الأشياء .. أي ظل الفكرة .
يعلق أوفسيانيكوف على ذلك فيقول : " في هذه الحالة لا تعدو الصورة الفنية أن تكون " ظلال الظلال" أي آن الصورة ليست لها أية قيمة معرفية ."

ثالثا: حاكم أفلاطون الدور الاجتماعي للفن وفقا لأفكاره السياسية والأخلاقية . ولكنه وجد من الممكن التزام بعض أنواع الفن لتربية المواطن أخلاقيا ووضع تراتيل تبجيل الآلهة أولا .

رابعا: صاغ أفلاطون مذهب الإلهام باعتباره منبع الخيال الذي يعتبر جوهر الإبداع الفني ؛ حيث المحاكاة مقصورة على الفكرة المثالية ؛ عبر ظل الممثل باعتبار محاكاة الممثل للفكرة تدنسها بمشاعره المتقلبة والمتناقضة. ( راجع: خيال الكهف) وعنه أخذ كل من كريج و جرتوفسكي تنظيراتهما لفكرة التقديس والتدنيس في العرض المسرحي . بينما حرفها فكر بريخت الديالكتيكي المسرحي المادي إلى ثنائية ( الرائع والمشوه ) .


.
علم الجمال الإقطاعي :
نظر مفكر العصر القروسطي لهيمنة اللاهوت على مناحي الحياة في ذلك العصر لذا وقع الفن الرسمي تحت تأثير فهم رجال الدين للنص الديني التوراتي وللكتاب المقدس ( الإنجيل) خاصة بعد سيطرة الإقطاع والكنيسة على الثقافة وأساليب الإنتاج
وعند البحث عن مفهوم الجمال في ذلك العصر نتوقف عند علمين من أعلامه هما القديس أوغسطين وتوماس الإكويني .

مفهوم الجمال عند القديس أوغسطين(٣٥٤٤٣٠م):

تبلورت فكرة الجمال في ذلك العصر على يد القديس أوغسطين ؛ فقد كان من أوائل المنظرين لعلم الجمال في ذلك العصر .
اختزل أوغسطين فكرة الجمال في الرب يقول : " إن الرب هو الجمال الأبدي المطلق الذي يخرج عن نطاق الإحساس وإن الفن لا ينتج صورا واقعية لهذا الجمال الآبدي بل " أشكالها المادية " فحسب . وأن معين اللذة التي تمنحها الأعمال الفنية لا يكمن في الفن ذاته بل في الأفكار الربانية الملتزمة له . فإذا ما ابتهج المرء عند سماع التراتيل الكنسية - للموسيقى ذاتها فإنه يرتكب إثما فادحا. " والآحرى به ألا يستمع إلى الموسيقى إطلاقا "
ولأن الفن عند أوغسطين(يجب أن يترفع عن مضىمونه) لذا غداً الغموض والرمزية السمتين المميزتين للفن الذي فرض عليه الانصياع التام لتعاليم الكنيسة "

( د. أوفسيانيكوف وآخران ، علم الجمال الماركسي اللينيني ، ترجمة جلال الماشطة ، موسكو، دار التقدم
١٩٨١ ص ١٧ )



الخبرة الجمالية في الفكر الديني الاقطاعي
أ‌) توماس الإكويني(١٢٢٥١٢٧٤م)

يعد توماس الإكويني المنظر للفن في أواخر القرون الوسطى من خلال الفترة الممتدة بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر مع تنامي القوى المنتجة في حركة التطور التاريخي لملكية وسائل الإنتاج وإرهاصات انتقالها البطئ من اقتصاد الفئ إلى عصر النهضة. لذا ارتكز قياسه للمنتج الأدبي والفني على أبعاد أربعة ( التاريخي ، الاجتماعي، الموضوعي، المجازي)
ب‌) عند أوغسطين تجمدت الخبرة الجمالية الدينية ضرورة انصياع المنتج لتعاليم الكنيسة ؛ فالجمبل ما يوافق الله من منظور تعاليم الكهنوت والقبح لا يكون إلا في مخالفة تلك التعاليم الكهنوتية.
ت‌) ظلت الخبرة الجمالية في العصور فرعا من فروع الفلسفة المثالية - مع احتلافها الواضخ بين إنفتاح خبرة الإكويني وانغلاق تفكير القديس أوغسطين -

# الخبرة الجمالية في عصر النهضة
ارتقي القياس الاستقرائي عند روجر بيكون إلى مصاف القياس التجريبي عند فرانسيس بيكون في عصر النهضة ، نظرا للاكتشافات العلمية والطبيعية وظهور نظريات علمية فلكية في الشرق العربي عند ( ابن الهيثم) نظرية الجادبية ومركزية الكون في نظريات كوبرنيكوس وجاليليو في الغرب.

# الخبرة الجمالبة في النقد الحديث
حيث ظهور الأفكار الفلسفية والفكر الأيديولوجي ودوره في الأدب والفن :
أ‌) ارتبطت وفق النظرية النفسية للأبداع بمظرية " سانت بيف" ، حيث يمتطي التحصيل اللاواعي للطفولة بواعث الفعل فى الكبر، وحيث يمتطي اللاوعي الجمعي بواعث الفعل القومي قي الأمم.
ب‌) ترتبط وفق النظرية الاجتماعية عند " هيبوليت تين" للإبداع بنقد قيم التفاعل الاجتماعي إيجابا أم سلبا.
ت‌) ارتبط وفق النظرية التاريخية عند" برونتيير" بالإبداع بمعطيات ثقافة العصرالدي ظهر فيه المنتج الإبداعي.
ث‌) ارتبط بالنظرية الإنعكاسية عند " " يفكرة صراع الطبقات .
ج‌) ارتبطت يالنظرية الجمالية عن ؟ بنيديتو كروتشه" ومنظومة السياق في ثنائية الجميل والقبيح .
ح‌) ارتبطت بالنظرية الموضوعية وفق نظرية ت. س.إليوت : " المعادل الموضوعي" بين الفعل والإحساس به .

# الخبرة الجمالية في اتجاهات النقد المعاصر
تفرعت الخبرة الجمالية بين اتجاه حداثي يقوم على تعدد دلالة المنتج الواحد لتعدد التلقي واتجاه مابعد حداثي ينزع إلى التفكيك ويقوم على نظرية الاختلاف المرجأ حول وجود دلالة تامة للمنتج أالفكري أو الإبداعي .
# الخبرة الجمالية في الفكر الوجودي :
في الوجودبة كان التركيز على علاقة الأنا بالآخر؛ بوصف كل منهما ذاتا حرة ملتزمة بصون حرية كل منهما للأخرى .

# الخبرة الجمالية في الفكر الماركسي:
تمحور علم الجمال الماركسي على موضوع الصراع الطبقي بين العمال والرأسمالية تركيزا على فكرة كسب التأييد لفكرة تحقق العدالة عن طريق ديكتاتورية البروليتاريا ( ملكية الطبقة العاملة لوسائل الإنتاج)





# الخبرة وتقدير القيمة الجمالية
في الإبداع الأدبي والفني:
يختلف تقدير مصدر الجمال أو القبح عند الفلاسفة والمفكرين فالبعض يرى الجمال أو القبح في المادة التى تتشكل منها الصورة ؛ والبعض يرى مصدر الجمال هو الحالة النفسية للمتلقي والبعض يرى الجمال في الشكل بينما يرى غيرهم الجمال في الموضوع . وهناك من لا يرى في الشيء وجود جمال على الإطلاق !!

# الفنان والتقدير الجمالي :
- تختلف مصادر رؤية الفنان للقيمة الجمالية لإبداعه تبعا لاختلاف توجهه الأدبي ؛ إذا كان أديبا شاعرا أو روائيا أو قاصا أو كاتبا دراميا أو كان فنانا تشكيليا مصورا أو مثالا أو كان مسرحيا أو سينمائيا أو كريوجرافيا أو سينوجرافيا ؛ فكل فن ينتمي إلى نزعة مدرسة فنية أو أدبية ؛ فلكل من الفنان الطبيعي أو الواقعي أو الرومنتيكي أو الملحمي أو السيريالي أو العبثي نظرة تجسد شروط المنبع الفني الإبداعي الذي ينهل منه .. لذا تختلف نظرة كل توجه منها للشيء الواحد نفسه من فنانةإلى فنان آخر. لذا يمكنني القول إن:
- الفنان الطبيعي .. يرى الأشياء بعينها.
- الفنان الواقعي.. يرى الأشياء بعينه .
- الفنان الرومنتيكي.. يرى الآشياء بحسه.
- الفنان الانطباعي .. يرى الأشياء عدة أشياء.
- الفنان الملحمي.. يرى بعيون طبقته.
- الفنان التجريدي - التكعيبي- الرمزي.. يرى جوهر الأشياء بفكره.

ولتفصيل بعض مما تقدم نقف عند بعض الذي قيل عن جمالية الفن التكعيبي :
# جمالية الفن التكعيبي - بتعبير ( ما لبرانش) تكون في الفكر ؛ يقول : " الحقيقة ليست في حواسنا بل في فكرنا؛ ويضيف .. أن " الحواس تشرد ؛ كما أن الفكر يبني
# جمالية التكعيبية عند دافنشي في الفكر ؛ يقول : " إن الرسم شيء فكري"
# جمالية التكعيبية عند سيرولا.. في الفكر فالتكعيبية عنده هي : " فن الفهم والاستيعاب فحسب ؛ لا فن الانفعال"

وعلى الرغم من تباين مصادر الجمال ومسارات تلقيه أو تقديره على نحو ما بينا ؛ فلم يكن الفكر معزولا عن عملية التقدير .. وذلك ما تنبه إليه عبارة كل من جلين وميتزنجر: " لا يصير العالم الواقعي مرئيا إلا بفعل الفكر "

الخبرة الجمالية التطبيقية
سواء تمثل منبع الجمال في الموضوع أو تمثل في الشكل أو فيهما معا في وحدة أو تمثل في المادة نفسها أو في ظل المادة - وفق أفلاطون- أو في ثنائية التضاد بين تقدير المادة أو الشئ بين جمال وقبح ؛ أو في الوعي الطبقي بطبيعة الصراع بين الطبقات ؛ فإن قياس القيمة فيما بين الجميل والقبيح لاشك نابع من خبرة هوية ثقافية منتمية مهما تكن طبيعة ذلك الانتماء حتى وإن لم تظهر لها بوادر أو علامات على شخصية صاحب القياس سواء أكان قياسا ذاتيا أم كان قياسا موضوعيا أم شكليا أم أيديولوجيا . فالمعني أو الصورة أو التعبير منه الذاتي ومنه الذاتي الموضوعي في وحدة . والأمثلة كثيرة ومتباينة المنابع فكريا وفنيا.

الخبرة الجمالية في الشعر:
ما بين الإلهام والخبرة تتجسد فنون الأدب شعرا ونثرا ، وتتجسد فنون الأداء.
ففي الشعر نرى المتنبي يقول:
" أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الناس جراها ويختصموا "
وليس من شك في أن قياس الخبرة الإبداعية في عمل ما تلزمه خبرة مماثلة من القياس النقدي ، وقياس جمالية بيتي المتنبي بيد من لديه خبرات معرفية وتذوقية قادرة على أن تزن هذين البيتين بميزانهما الجمالي على كفة الموضوع أو كفة الذات . فالمعري مثلا يقول في تقديره الذاتي لشعر المتنبي : " أنا من نظر أدب أحمد " - قصد أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي المعروف بالمتنبي. - وتلك خبرة بنسبه يعرفها المعري ، ومن تثقف بثقافة تاريخ الشعراء أنسابهم ونشأتهم وتعليمهم والمؤثرات على شعرهم قبل الكلام في النص ؛ حتى وإن لم يتخذ ما هووخارج عنةبنية النسق الشعري مدخلا أو عنصرا لنقده.

أما الخبرة الجمالية من خارج بنية النص الشعري فتكشف وجهها عند من يعرف أن المعري قد كف بصره بعد الرابعة من عمره على إثر إصابته بمرض الجدري.. والسؤال : كيف يبصر وهو مكفوف ؟ والإجابة تحيلنا إلى البصيرة لا البصر ؛ فهو نظر أدب المتنبي ببصيرته وهذا مناط الخبرة الجمالية موصولة بذات الناقد - حتى وإن كانت إنطباعية -
أما من ناحية خبرة تحليل البنية في هذين البيتين الشعريين ؛ فمناط الجمال الذي تكشف عنه الخبرة الجمالية هو انحراف الصورة الشعرية عن الظاهرة الحياتية التي تؤكد حقيقة أنه لاقدرة لكفيف البصر على أن ينظر كتابة شعرية أو نثرية ؛ كما لا قدرة لأصم فاقد للسمع على أن يسمع شعرا من المتنبي أو غيره . فانحراف الصورة إذا مناط القياس .. لمخالفتها للحقيقة التي لا يأتيها الباطل من أية جهة . وهو مناط الجمال في الصورة الشعرية .. لأن الكذب تقنع بقناع الحقيقة فأصاب متلقي البيتين بالبهجة في البداية ليترجمها وعيه المندهش بعد الانتشار بلذة التخييل إلى تقدير ما فيه من جمال محمولا على نسق بنيته الشعرية المراوغة ؛ فهو شعر صدقت فيه مقولة القدماء ( أكذب الشعر أصدقه) وانظر إلى بيت المعري :
" كأن نجوم الليل زرق أسنة
بها من على ظهر التراب طعين"
والخبرة الحياتية تبين لنا حقيقة مؤداها ؛ أن ليست للنجوم قدرة ولا إرادة في طعن أي شيء على ظهر الأرض ؛ فلا توجد في حياة الكائنات ولا في الطبيعة نجوم لها القدرة أو الرغبة في طعن شيء ما. فما هذى النجوم التيىليستةبنجوم !!
هي نجوم المعري وحده نجوم اخترعها خياله ؛ ليست لأحد سواه . هي نجوم موهومة إذن !!
ليست للناقد خبرة جمالية واحدة ؛ وإنما هما خبرتان إحداهما متطفلة على النص والأخرى تسكن في النص كما سكنه مبدعه دون أن يتوحد مع النص أو مع مبدعه ،
وما كان من خارج بيت المعري في نقد شعر المعري هو الخبرة التاريخية ، حول بواعث تشويهه لصورة النجوم ولسيرتها النيرة في ظاهرة الكون والوجود ؛ تتكشف أمام ناقد خبير يعرف أن مناط تشويهه لروعة النجوم باعثه نفسي ، نابع من إحساسه العميق بالفقد فالرجل كان يبصر الكون طفلا حتي كف بصره في الرابعة من عمره ؛ من ثم يشعر بالرغبة في التعويض عما لا يملك . هكذا يميط النقد لثام البعد السيكلوجي فيشرق وجه الجمال في بيت المعري ومن خلفه طاقة التخييل عنده ؛ بما هو شديد الخصوصية ليتحول إلى صفة كونية افتراضية موهومة ( الأرض وما عليها مطعون منىالنجوم التي حرمت ذاته الفردية من رؤيتها) .) وهي صفة لا تنم إلا عن حال المعري وحده.

# الخبرة الجمالية في السينما:
مع أن هناك رابطا شموليا جامعا يربط الفنون بعضها بعضا؛ إلا أن لكل فن خصائصه وتقنياته التي تشف عن هوية النوع عامة وهوية الذات المبدعة خاصة. وكما الناقد الأدبي وللناقد الفني خبرة جمالية فالفوائد السينمائي خبرة جمالية أخص بتقنيات ذلك الفن. والاقتراب من تلك الخاصية نلتقط مقطعا من مشهد درامي من مسلسل تليفزيوني تاريخي - أبيض وأسود- هو( على باب زويله) للمخرج الرائد ( نور الدمرداش )
في نهاية الحلقة الأخيرة من مسلسل ( علىى باب زويله) من إخراج نور الدمرداش بعد اللقطة الأخيرة حيث محمد العربي ممثل (طومان باي ) مشنوقا على (باب زويله) بأمر السلطان العثمانلي (سليم الأول) انهي المخرج نور الدمرداش المشهد الختامي وصرخ بارتياح ( فنش) فبدأ الممثلون والفنييون والعمال في التسرب خارج البلاتوه ؛ وبقي المخرج نور الدمرداش داخل المنظر يروح ويجيء بشئ من القلق ؛ وفجأة يصيح ولع النور كل الناس ترجع في البلاتوه .. يعود الجميع وتضاء الأنوار والتركيزات ؛ ليعلن " ح نعيد تصوير المشهد الختامي من جديد" تسلط تركيزا الضوء على ( هيكل مصطنع لممثل كونان باي : الممثل محمد العربي وهو يتأرجح مشنوقا معلقا بمدخل بوابة ( زويلة ) مدخل بقلعة صلاح الدين بالقاهرة . يتحلق جمهور أهلىالقاهرة المملوكية حول بطلهم المشنوقىلعدم تسليمه مفتاح القاهرة للسلطان العثمانلي"سليم الأول"
ويصيح المخرج " شغل الكاميرا رقم ( ) عايز الكاميرا تدور ببطء على وجوه الناس من بين ساقي طومان باي عايز آخد انطباع الناس من على الوجوه .. ما هو إحساس كل واحد فيهم لشنق بطلهم "
هذه اللقطة الذاتية تعكس بصمة المخرج ، تعكس رأيه وموقفه من تلك الحادثة التاريخية تعكس مدى تقدير الشعب المصري لوطنية حاكم مصر المملوكي الذي ضحى بنفسه في مواجهة غاز بربري . هذا التقدير الجمالي النقدي هو تقدير لوعي المخرج خلال قياسه لبنية الصورة السينمائية والمسكوت عنه في رؤية المخرج.

الخبرة الجمالية وفنون الأداء
في المسرح الشعري :

المسرح الشعري فن صعب ، يتشارك في إبداعه فن الشعر وفن المسرح ؛ ومنبع الصعوبة في كون المبدع شاعرا قبل أن يكون كاتبا مسرحيا ؛ بما تلزمه ضرورة التمكن من صناعة المسرح قياسا على التمكن من صناعة الشعر ؛ لأن ما ينتهي إليه جهد المؤلف هو تقنية المسرح ؛ بمعنى أن ينضوي الشعر وينساب في بنية الحدث المسرحي أداة تواصل بين جوهر مشاعر الشخصيات المسرحية مشتركا مع جوهر إراداتها المتباينة لتجسيد مواقف الصراع الدرامي صعودا أو سكونا أو وثوبا أو إرهاصا حسبما يتطور بالحدث وبالشخصيات وينميهما في اتجاه تحقيق مغزى خطاب النص المسرحي . اعتمادا على ما بين الفنون من خاصية التكثيف .

وإذا كان شعر التفعيلة قد حل إشكالية الإرنان في الأداء التمثيلي في مسرحية شعرية تقليدية تلتزم وحدة التقفية وتتقيد بوحدة الوزن في مقاطع مطولة من الحوار ؛ بما يعوق ضرورة التلوين الشعوري الصوتي في أداء ممثل الشخصية ليعبر عن تباين تنقلات شعوره من حالة إلى أخري ؛ إلا أنه تتبقى إشكالية التخييل والمراوغة في الصورة الشعرية ؛ بما تشتمل عليه بنيتها فيما بين مركب ذهني ومركب معنوي ؛ حيث يصطدم الجمهور بالصورة الذهنية التي يجب أن يفك شفرتها ورموزها إلي صورة معنوية ء؛ وهو ما يغيب عنه التواصل مع بقية حوار الممثل حيث ينشغل بفك رموز الصور الذهنية فينفصل عن المتابعة والربط بين أجزاء الحوار.
ولذا نقف عند جمالية الأداء في دور من أدوار مسرحية شعرية تقليدية هي ( مجنون ليلى) لأمير الشعراء ( أحمد شوقي )

جماليات الأداء في دور مسرحي.
- تطبيقا على مسرحية مجنون ليلي -

الكلام عن جماليات الأداء التمثيلي في دور من مسرحية شعرية تقليدية تلتزم بوحدة القافية ووحدة الوزن كلام عن لون من الإبداع محفوف بمزالق متعددة على لسان التعبير الدرامي الصوتي في تعبيره عن تنقلات مشاعر الشخصية المسرحية وتجسيدها لإرادتها ؛ فضلا على تباين إيقاعات مشاعر الشخصيات في الحدث ؛ بعيدا عن الإيقاع النفسي الواحد الذي تلتزمه وحدة القافية ووحدة البحر الشعري ؛ حتى مع الحلول الجزئية التي لجأ إليها الشاعر أحمد شوقي حيث يجزئ البيت الواحد في مواضع من حوار يلتزم وحدة القافية ووحدة البحر الشعري في مقاطع بين أكثر من شخصية ؛ فإن ذلك الحل لم يمكن أداء كل شخصية لتمثل خصوصية حالتها الشعورية تمثيلا محمولا على صدق التعبير ؛ إلا في مواضع قليلة لا يبنى الكلام فيها صورة شعرية وإنما يجري مجري الكلام اليومي على نحو تساؤل والد ليلي في صورة حيلة طلب قيس لبعض من بصيص النار التى خلت من داره:
والدها: من الهاتف الداعي .. أقيس أرى ؟!
ماذا وقوفك والفتيان قد ساروا
قيس: ما كنت ياعم فيهم.
والدها: أين كنت إذن ؟!
قيس: في الدار حتى خلت من دارنا النار
والدها: ليلى..
ليلى: ما وراء أبي !!
والدها: هذا ابن عمك ما في بيتهم نار !!
ليلى: قيس ابن عمي عندنا !! يامرحبا يامرحبا
قيس: متعت ليلى بال.حياة وبلغت الأربا
ليلى: عفراء
عفراء: مولاني
ليلى : هذا ابن عني عندنا
هاتي وعاء وأملئيه لابن عمي حطبا
(وهنا ينفرد قيس في بوح داتي )
قيس: سجا الليل حتى هاج بي الشعر والهوى
وما الشعر إلا الليل والبيد والحب
ملأت سماء البيد عشقا وأدمعا
وحملت وحدي ذلك العشق يارب
ألم على أبيات ليلي بي الهوي
وما غير الهوى دليل ولا ركب
# نخلص مما تقدم إلى أن علم الجمال فرع من فروع الفلسفة جمع مفاهيم الجمال والقبح من على أفواه الفلاسفة والمفكرين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وكبار المبدعين الباحثين وكبار النقاد الثقات العالميين . وأن الجميل منبع البهجة عند تحليه في الأدب والفن بمختلف تنوعاته ومدارسه.

نخلص من ذلك إلى أن النظرة إلى الجميل تختلف من مبدع إلى مبدع آخر ، كما
نخلص إلى أن تقدير الجمالية لا ينفصل تقدير قيمة الصورة الفنية عن النزعة أو المدرسة التي تصدر عنها.



#ابو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابو الحسن سلام - الخبرة الجمالية في حرفة النقد