|
من حديث أبي الندى للفهامة إبراهيم السامرائي ...لا تأخذُه في العلم لومةَ لائم
شكيب كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 5454 - 2017 / 3 / 8 - 18:03
المحور:
الادب والفن
وهذا كتاب آخر مهم ومفيد كتبه العلامة الفهامة اللغوي الضليع الأستاذ الدكتــــــــــــــــور إبراهيم (أحمد الراشد ) الســـــامرائي (1923- 25/4/2001 ) أسماه (من حديث أبي الندى _ أحاديث وحوار في الأدب واللغة والفن والـتأريخ) أجراه على شكل محاورة بينه وبين أبي الندى ,ترتبط بأكثر من وشيجة ورابطة مع كتابه المهم والمفيد -كذلك – والذي استعرض فيه حياته وحياة أسرته منذ مولده في مدينة العمارة بداية العقد الثالث من القرن العشرين وحتى نهاية سنة 1998 يوم كان يحيا في صنعاء أستاذاً في جامعتها ،قبل ان يغادرها عائداً إلى عمان وليموت فيها- رحمه الله-.
هذا الكتاب الحواري الجميل والمفيد ،يرتبط بأكثر من وشيجة مع كتاب (حديث السنين _ سيرة ذاتية ) الذي أجراه حواراً بين ذاته وبين صاحبه ،كما إن هذا الكتاب من حديث أبي الندى ،يعيد لذاكرتنا وذاكرة الباحثين والقراء الجادين ،كتاب ( الإمتاع والمؤانسة )لأبي حيان علي ببن محمد بن العباس التوحيدي المولود ببغداد سنة 310هـ والمتوفى فيها – كذلك – سنة 416على أرجح الآراء.
وإذا كان أبوحيان التوحيدي قد ألف كتابه لصديقه أبي الوفاء المهندس ،الذي قربه من الوجهاء والوزراء ،واشتمل على المحاورة والمسامرة التي جرت بين أبي حيان وبين الوزير أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان ،وزير صمصام الدولة الذي استوزره سنة 373ه وقتله بعد سنتين لوشاية الواشين ،وشنآن الشانئين للناجحين ،سمان أبنُ سعدان الوزير المثقف الأديب ،يسأل أبا حيان سؤالاً في الأدب والفلسفة والكلام وأمور الحياة الأخرى ،فيأتي جواب أبي حيان زاخراً بالعلوم والآداب والثقافة ،ولعل من المصادفات الجميلة ،أن يطلب أبوالوفاء المهندس من أبي حيان تسجيل هذه المسامرات وتقديمها إليه وإلا لخسرت الثقافة العربية كنزاً معرفياً ،ولطوت الأيام فيما تطويه هذه الآراء ،ولعل من المفيد أن نقول ،إن ما دونه أبوحيان في كتابه ( الإمتاع والمؤانسة ) إنما جاء أمتياحاً من الذاكرة ،وما علق فيها ،وليس نصاً حرفياً للمسامرة ولوبعدت الشقة بين وقت المسامرة وبين طلب أبي الوفاء المهندس لذهب خيرٌ وفير وعلم نمير.
أقول إذا كان أبوحيان قد ألف (الإمتاع والمؤانسة ) لصديقه أبي الوفاء المهندس ،فان العلامة السامرائي ،قد ألف كتابه ( من حديث أبي الندى) إلى صديقه القارئ ،فليس من وَكَدْ السامرائي وشأنه التقرب من الوزراء وأصحاب السياسة ،بل حسبُه أن يقرأ ويكتب ,ويعقد صداقة مع القارئ إذ هويحس بينه وبين قارئه مودةً ،ولا يخال انه يفرض نفسه فيدعي صداقته ،بل يسعى اليها حثيثاً رجاة أن يربح هذه الصداقة والمودة ،قائلاً له ( فان من سعادتي ان يقبل صديقي القارئ على هذه الصفحات إقبالاً لا أفرضه عليه بل يدعوه إلى التقرب من هذا الذي يشغل أهل الفكر من القديم والجديد…) ص12.
وإذا كان أبوحيان التوحيدي قد أدار كتابه ( الإمتاع والمؤانسة ) على أربعين حديثاً ،هوعدد ليالي السمر بينه وبين الوزير ابن سعدان ،فأن السامرائي أجرى أحاديثه قريبة من نصف عدد ليالي السمر التوحيدية ,إذ قدم لنا في كتابه المهم هذا واحداً وعشرين حديثاً أسماهُ كلاماً ،فكان هناك كلام على الألقاب العلمية وكلام على الشعر والغموض ،وحديث السامرائي حديث ذوشجون وكيف لا يأسى ويشجى ،وهويرى هذا الانحدار والإسفاف في شؤون البحث والكتابة ،ففي حديثه عن الكلام على الجديد الشائع من الأسماء المنسوبة يأسى السامرائي إذ يجد في لغة الكاتبين ولاسيما لغة الصحافة شيوع الاسم المنسوب صفةً ونعتاً ،قد أكثر المعربون من استعماله فقالوا مثلاً : النشاط الشبابي والسباق الكروي ،ولواستخدموا الإضافة بدل الصفة والنعت وقالوا : فريق الكرة أونشاط الشباب ،أوالسكة الحديد ،بدل السكة الحديدية ،لأن هذا الوصف المنسوب قد يفيد ان السكة صلبة كالحديد ،فإذا قلنا : السكة الحديد أدركنا أن السكة من حديد.
رأيه في الاستشراق والمستشرقين
لقد تباينت وجهات نظر القراء والباحثين في موضوع الاستشراق والمستشرقين فهناك من ينظر اليهم نظرة سلبية ومنهم أنا في زمن مضى ،وقد بسطت رأيي في الاستشراق والمستشرقين في مقالة حملت عنوان ( المستشرقون ) نشرتها الصفحة الثقافية لجريدة ( العراق ) يوم كان يشرف عليها الأديب دمث الأخلاق الأستاذ احمد شبيب – رحمه الله – ونشرت مقالتي يوم الثلاثاء 28/من تشرين الأول /1997 وأعدت نشرها في كتابي الثالث ( في التراث والثقافة والأدب _قراءات في كتابات ) المنشور ببغداد سنة2005 – 1426ه ،وناقشها فيما بعد الشاعر الباحث الأديب حارث طه الراوي ،وإذ كان رأيي سلبياً ،فأني ختمت حديثي قائلاً : إن نظرة شاكة وحذرة إلى هذا الذي يقدمه المستشرقون ستنجينا من الوقوع في الخلط والتساؤل والحيرة.
كما أن هناك من أسْلَم قياده للمستشرقين ,معوِّلاً على كل ما جاء منهم وعنهم ،وكما كان حارث طه الراوي وسطياً في رده على مقالي آنف الذكر ،فأعطى لله مالله ولقيصر ما لقيصر ،فان الباحث إبراهيم السامرائي وهويدير حديثه ذا الشجون على الاستشراق والمستشرقين ،كان وسطياً أيضاً ،وهذا شأن العلماء الأجلاء الذين يحفظون للناس أقدارهم ،ولا يبخسونهم أشياءهم قائلاً : ينبغي أن نفيد مما كتب المستشرقون فهم أهل جد وهم أصحاب علم (…) لقد سعى المستشرقون إلى عالمنا الإسلامي بالطريقة العلمية التي تقضي ان يكون الدارس واقفاً على الأصول مستعيناً بها وبأشياء أخرى للوصول إلى النتائج التي ينتهي اليها الدرس…وهذا يعني ان يتجرد للعلم ،فلا يدخل فيه شيئاً من هوى ،وإن هذا قد صنعه طائفة منهم سلمت من الزيف والدغل والهوى . تراجع ص155.
العصر الجاهلي ام العرب
قبل الاسلام؟
وإذا كنت أقف موقف الشاك والمرتاب من مقولة انطلقت في سنوات العقد الثمانيني من القرن العشرين وماسبقه ،حتى انها شطبت على المصطلح العلمي (العصر الجاهلي) وإحالته إلى عصر العرب قبل الإسلام ،صادرة عن تعصب وهوى ،وليس فيها من العلم شيء يذكر ،ولقد بدأ المطبلون الجوف يعزفون على هذه النغمة ،نغمة عصر العرب قبل الإسلام ،فظهرت دراسات ومقالات كان الملحق الأسبوعي لجريدة (الجمهورية ) الذي كان يصدر صباح كل يوم سبت ،ميداناً رحباً ،فكنت أقرأ لأساطين التأريخ والأدب مقالات تحاكي آراء ذوي الأمر ،إلاه العبد الفقير شكيب كاظم ،الذي على الرغم من عروبته وعربيته ،لكن كان يقدس العلم والحقيقة ،كتبت مقالاً في الملحق ونشر يوم السبت 15/ من نيسان / 1978 وكنت وضعت له عنوان ( العصر الجاهلي وليس العرب قبل الإسلام ) ويبدوأن المحرر خاف على نفسه وعلي فنشره تحت عنوان ( العرب قبل الإسلام وليس العصر الجاهلي ) ذكرت فيه أن لفظة العصر الجاهلي وردت في القرآن الكريم ،فضلاً على أحاديث رسول الله ولاسيما في خطبة حجة الوداع ،وخطب كبراء العرب في العصر الإسلامي الأول ،وأن لا ضير من إطلاقنا التسمية ذاتها على ذلك الزمان ،وقد أعدت نشر مقالتي هذه في كتابي المشار إليه آنفاً ،ولقد عانت الكتب التي نشرت في تلك السنوات من اختلال في الانسياب التعبيري ،إذ كلفت جهة النشر ،من يقوم بحذف كلمة ( العصر الجاهلي أوالأدب الجاهلي ) أينما وردت في الكتب ،لكن من غير اهتمام بسياق العبارة ، فكانت تلك الحالة مدعاة للتندر والأسى والأسف على انحدار العلم إزاء السياسة والإعلام.
وأعود إلى تلك المسألة التي وقفت منها مرتاباً شاكاً ،مقولة إسباغ صفة العروبة على الأقوام التي سكنت في الجزيرة والعراق ،وإلغاء مصطلح السامية واللغات السامية ،وتحويلها إلى الجزيرية واللغات الجزيرية ،نسبة إلى جزيرة العرب ،وهذا ما فيه من تدليس وأفتئات على العلم ،ولقد سعدُت وأنا أقرأ حديث العلامة السامرائي الموسوم بـ( الحديث ذي شجون : ومن شجون هذا الحديث الكلام على الساميين واللغات السامية) قائلاً ( تلكم سلسلة طويلة من هؤلاء الباحثين الذين خلطوا وأفتأتوا فكانوا كما قال أبو تمام
تخرصاً وأحاديثاً ملفقة
ليست بِنبْعٍ إذ عُدّوا ولا غَرَبُ
(…) وكل ذلك ما كان ليسمح لهؤلاء الأعلام العراقيين وغيرهم أن ينكروا الساميين فيزعموا أنهم عرب أقدمون تراجع ص173 ،وإذ يؤكد السامرائي عالم اللغة ،أن ( اللغات السامية ) مصطلح لغوي يفيد ان جملة لغات نطق بها الساميون ،وهي متشابهة فيما بينها في عناصر شبه معروفة ،زعموا انها ترجع إلى أصل واحد هوالسامية الأم وهذا الأصل مما نجهله ،وعلى الرغم من عدم معرفتنا بأصل اللغة السامية ،وكذلك معرفته بان هذا المصطلح قد أطلقه العالم اللاهوتي شلوستر سنة1781 ،وقد قذف به اعتباطاً للدلالة على مجموعة اللغات هذه ،وعلى الرغم من هذه الهنات غير الهينات فقد استقبل أهلُ العلم هذا المصطلح بقبول حَسَنْ على نقصه وقلة وفائه علمياً ،لكن لابد مما ليس منه بد ,فهوعلى الرغم من اعتباطيته ونقصه وقلة وفائه علمياً ،لكن أفضل من مصطلح منطلق من هوىً بغية نيل المكاسب المادية والمعنوية والقربى من ذوي الشأن وأصحاب السلطان.
الدكتور السامرائي العالم الحصيف المحترم لعقله وللعلم ،وعلى الرغم من اعتزازه بعروبته ،لكنه يقف موقفاً نقدياً لمن حاول إلباس الثوب العربي لعلماء غير عرب ،فراحوا يلتمسون العروبة ويؤكدونها في خلق كثير من ذوي النباهة والمجد ،فزعموا أن الأصفهاني فلان والخويي فلان ،والاستراباذي فلان وغيرهم من أصحابنا الذين ينتسبون هذه النسب الأعجمية عرب (أقحاح ) ولا اعرف فتنة كهذه ،ألا يكفي ان يكونوا قد اكتسبوا العروبة وقد أظلهم الإسلام بظله؟
وإذ يعف الدكتور إبراهيم السامرائي ،عن ذكر أسماء ،فإن من قاد هذه الحملة الدكتور ناجي معروف – رحمه لله – بكتابه ،أوبكتبه التي حملت عنوان ( عروبة العلماء المنسوبين إلى البلدان الأعجمية ) وقد أدرتُ حديثاً نقدياً عن هذا الكتاب نشرته في الصفحة الثقافية لجريدة العراق عددها المرقم 164 الصادر يوم الأربعاء السابع من شهر الصيام الفضيل / 1396الموافق للأول من أيلول عام 1976.
#شكيب_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرة ذاتية ولمحات حياتية.. عالم اللغة إبراهيم السامرائي في (
...
-
محسن حسين في أوراقه الصحفية .. سياحة استذكارية لعقود ستة من
...
-
انور عبد العزيز ذاكرة المدينة الصاحية ومبدعها الكبير
-
من أوزار الثقافة في العراق وأرزائها.. هل كان طه باقر مقتنعا
...
-
فدوى طوقان في رحلتها الجبلية الصعبة
-
قبس من سيرة صلاح نيازي الذاتية
-
الباحث الكبير الدكتور صفاء خلوصي القائل بعروبة شكسبير
-
الياس خوري في مملكة الغرباء ...رواية الحكايا المتداخلة
-
النثر الفني في القرن الرابع الهجري من أروع ما كتب ... حديث ع
...
-
الباحث عن جذور السنديانة الحمراء ... محمد دكروب ينذر نفسه لم
...
-
جورج طرابيشي في الجزء الثاني من كتابه (هرطقات)..مناقشة عبد ا
...
-
مهدي شاكر العبيدي في منجزه (الجواهري شاعر وناثر)
-
بين طه حسين وعلي جواد الطاهر
-
الذي ألزم نفسه بما لا يلزم...حسن عبد راضي يدرس المفارقة في ش
...
-
نظرة إلى منجز الفكيكي الثقافي.. عبد الهادي شاعر وباحث ومحقق
-
موسوعي بأسلوب في الكتابة مميز مثابات شاخصة تخلّد اسم حميد ال
...
-
عبد الحميد حمودي يطوف بشخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي
-
حمودي يطوف بشخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي
-
نخلة يكتب مقدمته المسيحية لكتاب نفسية الرسول العربي
-
إيماضة من الماضي الجميل.... معلمون مسيحيّون ودروز ومسلمون سن
...
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|