|
وظيفة الكتابة في زمن اللا قراءة
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5403 - 2017 / 1 / 15 - 18:06
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما من شك أن الكتابة في عالم محاط بالخطوط الحمر يشكل لكاتب يعيش في مجتمع يقدس الخطوط والمخططين سيكون ضربا من الجنون، جنون خاص أن تقول الحقيقة وأنت متدرع بها فقط دون سلاح سوى الكلمة العاقلة الموزونة التي تتصرف وكأنها نبي في غابة يحيط به الكفار كالقردة يتناوشونه بكل ما هو متاح، وأحيانا يبتكرون له ما هو فريد من قذائف كلامية أو فكرية، ولكن عليه كونه نبي أن يكون على قدر القدر ولو أني مؤمن تماما أن القدر واحدة من الحكايات التي وجدتها مرمية على حافة أطراف الفكر التأريخي لتكون علامة إرشاد للمغفلين. لقد مارست الكتابة وأنا مدرك لحقيقتين الأولى أن جل كتاباتي لا تقرأ ور يحتفى بها إلا من أقل القليل من القراء وقد يكون هذا الأمر مما يشكل أحباطا للرغبة في الكتابة، وثانيا أن الكثير مما أكتبه لم يعد مهما في نظر الكثيرين لأنه أما لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لهم وقد مضت سنن الأولين، أو لأنها غير مفهومة للبعض على أنها تعارض المعقول الممكن أو أنها تمس المقدس المصان، هذه القضيتين واجهت الكثيرين ممن يريدون الأرتقاء بالعقل الإنساني لكي يستعيد أوليته ويحاور نفسه أن ما نعانية كمجموعة إنسانية من إشكالات أو أحداث لا علاقة للخارج الفوقي به، بقدر ما هو سوء تصرف وتقدير العقل. أقدر تماما أن العصر الذي نعيشه الآن ليس عصر الرومانسية المعرفية التي كانت في الزمن الماضي حيث تتركز وسائل طلب المعرفة من خلال الكتب والمجلات والصحف والدوريات، وأصبح عبء القراءة الآن خفيفا بعد توفر الوسائل التقنية الحديثة لا سيما مواقع البحث والكتب الأليكترونية والبرامج المحملة على أجهزة أليكترونية سهلة الحمل وسهلة البحث والتخزين، ولكن هذا لا يغني أبدا عن طلب التجديد الفكري المعرفي، ليس من خلال القراءة فقط بل والكتابة أيضا، فالأمة التي تعتمد على نتاج غيرها م الامم والمجتمعات في توفير الضروري من المعرفة تبقى مهددة دوما بهويتها ودورها الحضاري والإنساني. وتبقى الكتابة كما أدمنتها الهواية الأولى والمحببة للعقل والمميزة للوجود الفردي، وعلينا أن نستغل كل الأمكانات المتاحة لنا من أجل إشاعة فكر التجديد وإعادة الوعي وتنقية الكثير من المفاهيم التي قد لا نؤمن بكليتها ولكن لا ننكر وجودها في المجتمع، الإيمان بفكرة ما لا يعني بالضرورة أن تهجرها إلى النقيض بل أيضا هناك مسئولية أجتماعية وإنسانية على الكاتب أن يبين للقارئ وبالذات المؤمن بالفكرة أوجه القوة والضعف ويمارس النقد المعرفي من خلال البحث عما هو مطروح في الساحة، هنا الكاتب يمارس دورين مهمين في الكتابة النقد من خلال العرض والعرض من خلال طرح الفكرة من زاوية حيادية، لذا ترى في بعض الكتابات والمقالات هنا بحوث ليست من ضمن معتقداتنا التي نحرص على فتح أسرارها للقاريء وأحيانا يكون هناك نوع من التعارض بين بعض المقالات من جهة الإيمان بها مرة وإنكارها في موضع أخر، العلة في هذا التناقض هي طريقة تعاطي مع القارئ كما أسلفنا في أعلاه. على العموم كل ما كتبناه هنا يدور في محاور ثلاثة قد تكون عناوين متفرقة وقد تكون أهداف لرؤية مستجدة ولكن في الحقيقة المعرفية المجردة أنها تدور في أفق واحد، العقل الإنساني كونه يمثل جوهرية الوجود المعرفي وأساسه الرئيس، أفكار مثل التأريخ والدين والصراع الوجودي بين الإنسان وأخيه الإنسان هي محاور ما موجود في هذه المقالات ولكن ما يجمعها ويفرقها ليس التنوع البحثي ولا الأختلاف في الرؤية بل هو دور العقل الإنساني في وجود وبلورة هذه العناوين. المطلوب من القاري لهذه العناوين أن لا ينحاز سلبا وإيجابا لفكرة ما بل عليه أن يمارس التفكيك النقدي وأن يمارس النقد العقلي والمقارنة ويصنع المقاربات بين الأفكار المتباينة ليصل إلى حقيقة أخيرة ولكن أيضا لا نهائية، ما يقتل الفكر هو التمسك بالكمال أو التمام والنهائية وهو ما يعني أن مجرد الإيمان بكونية نهاية الفكر عند نقطة ما علينا أن ندفن هذه الفكرة وهي ما زالت حية، السبب أن أي توقف في أي مجال أما أنه أعلان بعجز العقل عن القدرة على التجاوز أو عجز الفكرة عن المسيرة لأصابتها بالتقرم المانع من الحركة، الفكر بمجمله وحتى الذي ينتمي إلى المعرفة العلمية المجردة المترجمة بقوانين رياضية اليوم تحول إلى ما يشبه حالة التسابق على النزوع نحو التخلي عن حدية المعادلة والقانون الرياضب من خلال طرق المعادلة من جهة ثانية وأفتراض أخر ومن عدة زوايا لأن القاعدة التي تحكم الوجود هي قاعدة محدبة غير مستوية مطلقا. ومع كل هذا علينا أن ندرك أن العقل الإنساني قد بدأ بالفعل يحاول التفلت من كل التسليمات والقواعد الملزمة التي صاغها في رحلته من العقل الأول إلى العقل المعاصر في محاولة منه لأثبات واقعه الكامل، لقد أدرك أخيرا عظيم المأساة التي صاغها لنفسه وبنفسه وعليه الآن أن يجعل له طريقا أخر، طريق يستعيد فيه كماله الأول ويعيد ممارسة وظيفته الأساس وهي البحث عما هو خارج الواقع وخارج الممكن لينطلق إلى ما حول الهرم ويتخلص من التأنيب الذاتي الذي لم يعد يساهم في حركته الوجودية.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل كان الإنسان الأول عاقلا كاملا؟ ح1
-
هل كان الإنسان الأول عاقلا كاملا؟ ح2
-
السيد دونالد ترامب رئيس دولة الولايات المتحدة الأمريكية المح
...
-
مشروع عقلنة الوعي العربي بين حلم التحقيق وحالية الأضطراب
-
المعرفة التأريخية المرموزية وإشكالات الأنتقال لمرحلة الحداثة
...
-
إشكاليات العقل العربي من منظور ذاتي
-
لا تلعن الريح ...... ولا تلعن الخطيئة
-
سؤال وجواب
-
الدخول إلى قلب المدينة ح 9
-
الدخول الى قلب المدينة ح8
-
الدخول الى قلب المدينة ح7
-
الدخول الى قلب المدينة ح6
-
الدخول إلى قلب المدينة ح5
-
الدخول إلى قلب المدينة ح4
-
الدخول إلى قلب المدينة ح3
-
الدخول إلى قلب المدينة ح2
-
الدخول إلى قلب المدينة ح1
-
أزمة الهوية الدينية ... الألحاد والتكفير
-
رسالة من الفرات إلى النيل النبيل
-
الخوف والتردد في نقد التابو (المحرم المقدس) ودوره في تحرير ا
...
المزيد.....
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
-
تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
-
هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه
...
-
حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما
...
-
هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
-
زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|