يوسف الصفار
الحوار المتمدن-العدد: 5391 - 2017 / 1 / 3 - 18:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فلسفة الاديان
في نهاية الالفية الثانية , تسنى لي العيش في منطقة الجوف اليمنية . صحراء ممتدة الى افق البصر , تحيطها جبال صماء لاحياة فيها . منطقة شاسعة تمثلت بها الوحدة والصمت والظلام . سماء صافية نجومها الساطعة الجمال . تجبرك على التفكير والاستدلال في مناحي الحياة والدين . كان الايمان والرغبة به , نكهة لها طعمها الوجودي الطافح بالخيال , لاراحة النفس وسط الوحشة التي تحيطك . بدأت بقراءة بعض الكتب الدينية , منها كتاب للامام الغزالي , استعرته من احد الاخوة السودانين , فوجدت به احاديث مؤكدة للرسول حول خلق السموات والارض . وجهنم وعذاباتها .
يقول الغزالي . ان احد الاوائل سأل رسول الله عن الكيفية التي فصل بها الله السموات والارض . فاخبرهم بان هناك ملكاً , تضرب احد جناحيه (لاتساعهما ) المغرب والاخرى المشرق . ورفع السماء بكلتا يديه حتى غاصت ارجله بالارض الى حد الركبتين . وحينما سألوه عن جهنم وقول الله في الاية القرانية ( وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وانى له الذكرى / سورة الفجر الاية 23 ) وكيف اتى الله بها . يقول الغزالي حينها اضطرب وجه النبي وتغير لونه , فقال لهم .. يأتي بها سبعون الف من الزبانية يسحبونها بالسلاسل واستدراكا لهذا الكلام بعضهم يقول سبعون الف زمام وكل زمام يمسكه سبعون الف من الملائكة . حينها لم اتمكن الا من الرفض المطلق لهذه الحقائق المبهمة . فهل القدرة اللاهية تحتاج الى ملاك لكي يقوم بهذه المهمة وسبعون الف من الزبانية يسحبون له جهنم وكأنها فرن ارضي مشيد بموجب مواصفات معينة وهل هذه الاحاديث صادقة بنقلها عن النبي ام ان احدهم سطرها وفق ما املاه اليه عقله .
ان مثل هذه الاقوال التي يرفضها العقل تجعلنا نتحول من الايمان الى الشك فلا يوجد لها اي مبرر عقلي اوعلمي .. ولشيء غريب حين يداري احدهم فشله بتفسيرات يوهم بها عقله ويربط بعض الايات بالاعجاز العلمي ففي مقالة لزغلول النجار بتفسير الاية القرانية 30 سورة الانبياء ( اولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانت رتقا ففتقناهماوجعلنا من الماء كل شيء حي ) انها تعني نظرية الانفجار العظيم التي أتى بها العلم عن بداية خلق الكون وهو يعرف او يتغافل ان الاساطير السومرية والبابلية . قبلها بخمسة الاف من السنين تحدثت عن التصاق السماء بالارض ففي قصة الخلق التي وجدت في الالواح الطينية الاشورية مكتبة اشوربانيبال في القرن الثامن عشر قبل الميلاد . ان الالهة نمو وهي المياه الاولى التي انبثق عنها كل شيء . انجبت ولدا وبنتا وهما (آن) اله السماء , و(كي ) اله الارض . كانا ملتصقان مع بعضما . وحينما تزوج (آن ) اله السماء المذكر من (كي ) الهة الارض المؤنثة انجبا ( انليل) اله الهواء الذي ضاقت بهما المساحة ففصل والديه عن بعضهما فابتعدت السماء عن الارض . ولكن الاله الشاب ( انليل ) لم يكتفي بذلك فانجب ابنه ( نانا ) اله القمر و( اتوا ) اله الشمس ليبدد الظلام وينير الارض ثم قام وبمعيته جميع الالهة بخلق كل مضاهر الحياة . ويتفق مع هذا التفسير بن كثير حيث يقول كانتا شيئا واحدا ملتزقتين ففتقناهما و فصلنا بينهما بالهواء والرتق في اللغة العربية يعني السد والفتق هو الشق ثم تضيف الاية 45 سورة النور ( الله خلق كل دابة من ماء ) .
يستمر اصحاب الاعجاز العلمي بمحاولاتهم العقيمة بخلق فلسفة وضعية للاديان وبافكار غير موجودة الا في تصوراتهم ليعطوك انصاف الحقائق ويبتروا عنك الرؤية المنطقية للدين والحياة حتى لانفسر احكام الدين وفق المنظور الزمني الذي اتت به الرسالة . والتي بعضها غير قابل للتطبيق الان .حتى ان رجل دين شيعي انكر ان تكون اقوام يأجوج وماجوج تعيش على الارض ويصر انهم في كوكب الزهرة تحيط بهم اقطاب مغناطيسة تمنعهم من الافلات الى ان يقضي الله امرا مستندا على الاية في سورة الكهف ( ثم اتبع سببا ..) التي تدل على السفر في الفضاء استنادا للاية 36/37 من سورة غافل (.. ياهامان ابني لي صرحا لعلي أبلغ الاسباب ..اسباب السموات والارض واطلع الى اله موسى ).. لذا يصر الكاتب بان الاسكندر ذهب الى الزهرة وبنى السد وحصر فيها الاقوام وهو لايعرف ان معظم اجواء كوكب الزهرة متكونة من اوكسيد الكاربون وحامض الكبريتيت ودرجة حرارة جوه تفوق الاربعمائة درجة مئوية وارضه تعج بالفوهات البركانية فما الذي اوصل الاسكندر المقدوني الى هناك ..لكن علي الكيار السني يشرح عن هؤلاء الاقوام برؤية مغايرة تماما حين يسخر من وجود يأجوج ومأجوج على الارض لاننا لم نجد لهم اي أثر بعد مسح الارض بمن فيها فيؤكد جازما وهو يبتسم بثقة كالعادة ان هؤلاء ما هم سوى روبوتات من صنع الانسان ستتمرد عليه بعد ان تصل الى مرحلة من التطور التكنولوجي .. ويبدوا ان الاستاذ شاهد احد الافلام الامريكية التي تتحدث حول هذا الموضوع واقتنع بها ولم يكتفي بذلك لكنه يريد ان يمليها على البسطاء والسذج من الناس . هذا الرجل غريب بطروحاته واحاديثة حينما يتكلم وينصت اليه البقية ..فالشيطان عنده له دفع نفاث والكعبة لها طاقة مخفية لذا فالبيوت المشرعة نوافذها باتجاه الكعبة تحس بسعادة غامرة .
نحن لا نسخر من الاديان كونها جزء من تاريخ تطور المجتمعات او انعطافاته اما ان تستمروا بهذا الهوس بالضحك على عقولنا وتسلطون علينا الجهلة والاميين للانتقاص منا هو دليل فشلكم . فكم من مفكر وباحث كبير تعرض للاغتيال والقتل بدم بارد على اياد جهلة لايفقهون شيء بإيعاز من شيوخهم وخدعوا للقيام بمثل هذه الجرائم ..لماذا لاتؤكدون على المحبة فالى متى تستمرون بشهر آية السيف بوجه العالم تحرككم النوازع العدائية العصابية و الحقد على الموسيقى والغناء وكل ما يمت للحياةالسعيدة بصلة .
في محاضرة لاحد رجال الدين الشيعة وهو يتكلم بثقة متناهية تراه مزهوا رائقا في جلسته طافحا بالزهو وهو يتحدث عن الكفر والكفار فقسمهم الى قسمين كافر فطري وكافر مللي وان احدهم يقتل حتى لو استتاب والاخر لايقتل بعد الاستتابة والذي يقتل تحرم عليه زوجته وتوزع املاكه على الورثة .. هل من المعقول ان يحدد هذا الشيخ حياتنا وفق ما يشتهي فلوا سألنا اي امراة مؤمنة ضرورة الانفصال عن زوجها المرتد وبعد معاشرة عشرات السنين وفق معطيات الدين .لاعتلى وجهها الاستغراب والاستنكار اذا لم تأخذ كلامنا بعين السخرية .
يحوي الكتاب المقدس معظم القصص القرآنية بشكل او آخر ومرات يثيرك العجب عن مديات هذه القصص في الخيال واللاواقعية وهو مملوء بالاساطير والروايات التي تنازع العقل مع هذا تمكنت شعوب اوربا وامريكيا بتجاوز هذه المفاهيم واتجهوا الى الحياة العملية المنتجة مما ساهم بتطورهم في كافة المجالات .. اوربا عاشت قرون تحت سطوة الكنيسة واصرارها على عدم ترجمة الكتاب المقدس عن اللاتينية و اليونانية حتى تبقي شعوبهم جاهلة لاتعلم شي غير توجهاتهم وتفاسيرهم المتعددة حتى مجيء لوثر فاوعز بترجمة الكتاب المقدس الى اللغات المحلية وكانت مقاومة الكنيسة عنيفة ادت الى التقاتل قرون عديدة الى ان ظهر المتنورون وقاموا بوضع الدين في مكانه الطبيعي واستثمروا عقولهم بالاكتشافات والابحاث العلمية ليوهبوا الحضارة زخم باتجاه المستقبل . لذا نجد المسيحي لم يبتعد كثيرا عن ايمانه ولكن يعطيه مساحة قليلة من حياته وشعوبنا ترزح لحد الان لتفسيرات مجموعة من رجال الدين العاطلين عن العمل ليوهبوننا كل ما امكنهم من التخلف والاوهام الى الدرجة القطعية اما ان تكون معي او ضدي فلا عجب حين يستشري الفكر الالحادي عند الشباب لان هؤلاء يدفعون بمريديهم ومقلديهم الى متاهات لاتتوقف الا بتدمير الحياة طلبا للنجاة باسم الجنة والنار .. المسيحي هذا اليوم يعرف حقيقة واحدة عن ديانته وهي المحبة لاغير متمثلا بقول يسوع حبوا اعدا ئكم فلم لانحول ديننا الى هذا الاتجاه السليم لمعايشة البشرية والى متى نستمر بالكلام عن الكيفية التي التي نقتل بها الكافر بدل هدايته لماذا لانخدم الانسانية والى متى سنبقى شاهرين آية السيف بوجه العالم كله كحقيقة لايمكن تجاوزها ..
#يوسف_الصفار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟