|
مفاهيم علم النفس وإستخداماتها المفيدة في الحياة
هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 5377 - 2016 / 12 / 20 - 20:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مفاهيم علم النفس وإستخداماتها المفيدة في الحياة
لم تقتصر المعارف على كتب الأدب والأبداع والخلق الأدبي في الكتابة النثرية على هيئة ( شعر - قصص- رواية - مسرح ) فقط , بل ظهرت أنواع عديدة من الكتابات , كل واحدة منها تختص بفرع من فروع العلوم الأخرى .فهناك كتب علمية , أدبية , فلسفية ,أخلاقية , دينية . إجتماعية وسياسية ,حتى أن هناك كتبا في الشعوذة والسّحر و الأبراج و تعليم الطّهي والعلاج بالأعشاب , ولكل منها لغة مخصوصة , ومعجم من مفردات خاصة ,تنتمي لذلك العلم ,فمفردات مثل " كاي تربيع والتباين والإنحراف المعياري , لابد أنها تنتمي لعلم الإحصاء ,ولكن مفردات علم النفس التي استخدمت في الطب النفسي منذ أيام فرويد : مثل " التداعي الحر – الإيحاء - الإسقاط – التسامي - المحاكاة والتمثّل و– الكرسي الساخن - جلسات الإسترخاء" التعزيز و الإطفاء وغيرها . حيث إنها مفردات تدل على نفسها حيث تعانق النفسية الإنسانية وتحاول تطبيب الجراح النفسية حسب وعي وثقافة المريض . , فقد استخدمت في كل مجالات الحياة تقريبا وهي ما أصطلح على تسميتها بآليات الدفاع النفسي - الثلاث والثلاثين تقريبا . يعرفها الأطباء النفسيّين منذ فرويد وسكنر وبافلوف مرورا بكارل روجرز و بغلاسر و البرت إليس وغيرهم . و وصولا حتى طالب علم النفس الذي التحق بتخصصه - رغم علامتة المتدنية في جامعة رديئة. في الأدب أيضا هناك لغة وقاموس خاص أو نثر أدبي خاص لكل نوع من تلك الأنواع . فليس مستهجنا عندما يقول رولان بارت " :أن أنواع السرد في العالم لا حصر لها" .ولهذا أقتضى تصنيف تلك الأنواع و التمييز بينها لأغراض التعريف والدراسة , وأن ما حدث مع التجريب والحداثة وخاصة في المجال الأدبي الذي نحن بصدده في هذا المبحث - أن جعلت من تلك الفوارق في عصرنا هذا لا مكان لها . فآليات الدفاع النفسي ومفاهيمها استخدمت في كل الدراسات النقدية والأدبية وحتى في الصراعات السياسية , ففي الأدب الروائي - إذا ما أتيح لك قراءة رواية – أهداها لك صديق مثقف ,فإنك ستقرأ على لسان البطل – السارد صفحات من الإعتراف والذكريات التي يختصر بها السارد سنوات عديدة من حياته عن طريق ما يسمى "الإسترجاع الماضوي" أو بما يسمى بعلم النفس " التداعي الحر" حيث يسرد المؤلف على لسان ابطاله مواقف ومعلومات ومشاهد من زمن ماضي , تساعد على بناء السرد الروائي وتسهم في رفع وتيرة التشويق وتكون عاملا لفهم ما سيأتي من أحداث . وهذا شبيه بما يفعله الطبيب النفسي للمريض حيث يوفر له فرصة الإسترخاء والحديث بدون مقاطعة أو إعتراض , حتى يشعر المريض بالراحة والهدوء وذلك بالتنفيس عن كل ما يقلقه . أما في الطب , فقد استخدمت مفاهيم الإسترخاء من كرسي فرويد لتخفيف الضغوط النفسية للمرضى أما الإيحاء كعلاج ,فقد استخدم في الطب وفي الأمن السياسي وحتى في ما يسمى مجالس الخرافات وجلسات النساء , فاستغله المشعوذين في إقناع الساذجين بما يرغبون بسماعه والحصول على الأموال منهم , فعندما يعرف المشعوذ أن قاصده أو الفتاة غير متزوج فأنه سيركز على تقديم الدعم له بتصوير أن ثمة حبيبة تنتظره ,وأن خاتم زواج سيزيّن اصبعها الثخين ,وسيريها المشعوذ رقم 6 وهو ما رسمته بقايا القهوة على الفنجان وسيقنع الضحية أنه لا بد من أن الرقم 6 , يعني قدوم العريس بعد ست أيام أو ست أشهر أو ست سنين , وهكذا يتم حقن الساذج بجرعة من الأمل كنوع من أحلام اليقظة والأمل بمستقبل باهر بدون بذل أي نوع من الجهد. في المستشفيات أيضا استخدم الإيحاء في تخفيف القلق والتوتر وصراعات المرضى المقبلين على عمليات خطرة حيث تدخل سيدة عن طريق الخطأ الى غرفة المريض وتعتذر وقبل أن تخرج , تجري حوارا داعما لنفسية المريض وذلك بالسؤال عن الطبيب الذي سيعالجه ,ومن ثم تقوم بذكر محاسن الطبيب الذي سيجري له العملية ,وتكون في حقيقة الأمر هي ممرضة نفسية تم دفعها لرفع معنويات المرضى أو ما يسمى بخدمات الرعاية النفسية . أما في الأمن السياسي وأعمال المخابرات ورعاية المجتمع الأمني فكثير من الجرائم يتم اكتشافها عن طريق الإيحاء ,ففي أحد القصص المتداولة أن تم تعريض رجل - خارج عن القانون- من طرف أصدقائه , لنوع من الإيحاء بأنه مراقب وسيتم القبض عليه ,حيث قام بالسفر هربا وهو يعتقد انه مطارد ولم يعد منذ ذلك اليوم إلى البلاد خوفا أن يقبض عليه . هذا مع مزيد من القصص التي يستخدم فيها الإيحاء في كشف جرائم يعترف بها المجرم طواعيه عندما يتم الإيحاء له وهو بأن جريمته اصبحت مكشوفة, مما يخدم الأمن المجتمعي ويحقق الأمن والأمان في المجتمعات ,وأن كان هناك تحفظات على إستخدام التخدير أو التنويم المغناطيسي في هذا المجال بحجة الكشف عن الجرائم فلكل إنسان حرمة وخصوصية يجب أن لا نهدرها أو نخترق خصوصية صاحبها بدون علمه أو موافقته وذلك بما يسمى أخلاقيات العمل النفسي الإرشادي ومعايير الممارسة المهنية الأخلاقية . وحتى يمكن إستخدام الإيحاء كعلاج في التوجيه و الإرشاد وخاصة في مراكز الأطفال الأيتام وذلك بذكر محاسن وجود أحد الوالدين في حياته ,فقد استخدمت الكاتبة تلك الحيلة في تخفيف صراع ابنة أختها وهي تبكي لفقدان والدها حيث جلست خلف الباب المغلق الذي تختبأ وراءه الطفلة الغاضبة من فقدان والدها, وقامت بتمثيل دور الفتاة - السيئة الحظ - التي فقدت والديها ولم يتبق لها أحد في هذه الدنيا ,وأشادت بكون الطفلة محظوظة لأنه مازال لديها أم حنونة ترعاها وقامت بتمثيل دور البكاء المرير لخسارتها والديها ,مما جعل الصغيرة تفتح الباب وتربت على رأس الكاتبة - اليتيمة وتقوم بتطيّب خاطرها بإحساس العطف والمواساة والتماهي معها , ومنذ ذلك اليوم لم تعد الفتاة تشكو من فقدان والدها .بل أن الأمر تعدى ذلك في تذكيرها من طرف الصغيرة - في كل مرة – تراها إنها يتيمة وتستحق الرعاية والإهتمام منها ,,, ,ولك أن تتصور كاسات العصير والخدمة السريعة لليتيمة التي بلغت الأربعين !! ألم اقل لكم عن فوائد العلاج بالإيحاء والقبول والإمتتنان التي لا يمكن حصرها . أما في النقد الأدبي فقد تم الإستعانة بمفاهيم علم النفس في قراءة الأشعار لبعض الشعراء لمعرفة ما يسمى بآليات الدفاع النفسي ,فقد كان فرويد أوّل من تحدّث عن آليات الدفاع النفسية، ورأى في هذه الآليات نوعاً من الحلّ النفسي الاضطراري لتجنّب الصراعات. وقد درج على تسميتها بما يسمى الحيّل النفسية وكلمة (حيّل ) تدل على إنها صفة تنزع للمكر وإخفاء الحقيقة وتكون بمثابة تنفيس وتعويض لمستخدمها من عوامل النقص التي يعاني منها . ولعلّ أهمّ خاصية لهذه الآليات - كما تناولها أصحاب مدرسة التحليل النفسي- إنّها: 1. تحدث وتعمل لا شعورياً بحيث لا يفطن الفردُ إليها، فمستخدمها لا يعرفها أو يدركها على أنّها آليات دفاعية 2. أنّها قادرة على التكيُّف مع العوامل النفسية المشکلة 3. أنّ آليات الدفاع تُعدّ نوعاً من الحيل، وتحرّف وتنكر وتكبت أجزاءً جوهرية من الواقع 4. أنّ الاستفادة المتکرّرة منها هي سمةٌ لسلبية شخصيته (2) . وفي دراسات النقد الأدبي , ستجد أن هناك دراسات تناولت دراسة آليات الدفاع النفسية المستعملة في أشعار بشّار بن برد تجاه عقد النقص التي كان يعاني منها , فقد كان بشار عبدا مولى وفقيرا وأعمى و ذو وجه قبيح كما يصفونه . وحسب نظرية آدلر فقد سعى بشار لتعويض ذلك وأستخدم آليات دفاع كثيرة منها الإيجابي ومنها السلبي فالتعويض ,حسب ما عرّفه أدلر: «هو سَداة ولحمة نفسية تجرّ بعضَ الناس إلی التعويض المضاعف عن حقارتهم الجسمية أو النفسية التي يعانون منها و استنتج الكاتب في تلك الدراسة (2) أنّ أهمّ آليات الدفاع التي لجأ إليها بشّار للتنفيس عمّا يعتمل بداخله من صراعات وتنافس: التقمّص أو التوحّد، التکوين العکسـي، الاستدماج، التقديس، الإسقاط، الکبت، الإنکار، التبرير، المزاح والاستهزاء بالآخرين، التواصل، الإزاحة، التعويض فالتسامي، وأحلام اليقظة. قد يکون بعض هذه الطرق ايجابية، وقد تکون سلبية.فقد ذكر أن بشار حاول أن يعالج عقدته، وأن يعوّض عمّا حرمته الطبيعة من نعمة البصر، عن طريق التحقير والسخرية والإهانة التي عمد إليها في کثير من سلوکه، روي أنّ رجلاً قال لبشّار: «إنّ الله عزّ وجلّ ما سلب أحداً کريمتيه إلّا عوضه عنهما حُسن صوت، أو ذکاء فأنت ماذا عوضك من بصرك؟ قال: عوضني فقدان النظر إلی.. أمثالك .
أما في ساحات الحروب فقد تم استخدام الكلاب في الكشف عن الألغام وإرسال الرسائل و مد خطوط الهاتف في مناطق لا يمكن الوصول إليها عن طريق الجنود , وذلك عن طريق استخدام مفاهيم النظرية السلوكية ومفاهيم الإشراط والتعزيز والإطفاء والثواب والعقاب . ولنا بتجربة بافلوف مع الكلاب فكان يعلم الكلب أن يربط بين ظهور الطعام وصوت الجرس- فأنتج رابط بين استثارة غير مشروطة (الطعام) لاستثارة مشروطة (الجرس) تعلم الكلب خلال التجربة أن يسيل لعابه عند سماع صوت الجرس. ومن هنا جاء استخدام تلك المفاهيم في التعلم المدرسي في كيفية تقديم الثواب والعقاب في تحسين التعليم كما استخدمت الفكرة نفسها في تعليم الكلاب لإستخدامهم في الحروب . فمن منا لا يعرف ما فعلته الكلاب الروسية المدربة بهذه الطريقة في الحرب العالمية الثانية أو ما يسمى بالكلب - القنبلة وهي كلاب تم تدريبها لتبحث عن الطعام تحت الدبابات أو المدرعات.حيث يتم تجويع الكلاب لعدة أيام ,ثم يقوم الجنود بوضع حزام ناسف ملغم بالمتفجرات واطلاقها في أرض المعركة، الحزام به عصا خشبية تتحرك عند نزول الكلب تحت الدبابة أو المدرعة وتفجر الألغام وبالطبع يموت الكلب. . وبهذه الطريقة التي تم فيها مكأفأة الكلاب لعدة أشهر عن طريق تقديم وجبة اللحم التي تم تقديمها - دائما - تحت الدبابة ,مما جعل الكلب يقوم بعملية الإستثارة والإستجابة والإشراط ما بين الجوع و وجود الطعام تحت الدبابة . وفعلا قاموا بتجويع الكلاب لأيام قبل إطلاقها بإتجاه الدبابات الألمانية وتم تفجير اكثر من 300 دبابة المانية في تلك المعركة . لذلك نجد أن مفاهيم علم النفس تغلغلت في كل ميادين المعرفة مما يجعلها بحق بمثابة شريان يضخ الدماء لكل العلوم والفنون الأخرى . ومنها عالم الرواية مدار موضوعنا في هذا المبحث , .
الهوامش (1) http://www.diwanalarab.com/spip.php?page=article&id_article=41992 (2) http://www.forum.almaniah.com/index.php?p=/discussion/3511
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- أنا لا شئ إذا لم أكن نقاده -
-
مسطرة النقد والمقاييس العالمية
-
مسطرة النقد
-
الأدب والكتابة ودموع قيصر
-
مرآتي يا مرآتي , والحكايات الخرافية و تحرير النساء
-
الكتابة بلا بوصلة و - بيدرو بارامو - مثالا
-
-سطوة القارىء على النص وإحتمالية موته -
-
المرض النفسي وقراءة الروايات
-
-أثر الحورية - لنص يخطف الدهشة ويتوارى !
-
طفولتي الروائية
-
بالقراءة ,,, انت تعيش الحياة في مكان آخر
-
- جميعنا نمتلك حكايات تخصّنا، لكن معظمنا لا يقدم على كتابتها
...
-
حقيقة بطل الرواية الجيدة !
-
بدون أي حكمة
-
الرواية والصناعة البصرية
-
نريد مائة عام من العزلة ليصبح لدينا مكتبة للمكفوفين
-
رسالة الى المعلم الأول - أصنع الشغف لطلابك
-
كلمتك الحرّة بمواجهة - الديستوبيا-والمدينة الفاسدة
-
كلمتك في مواجهة -الديستوبيا -والمدينة الفاسدة
-
الإسترخاء ,, رحلة تأمل ,,,, و إنتفاضة يوغا صامتة
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|