امريكا اللاتينية: لقد ازفت ساعة اللظى
محمد الخباشي
2006 / 1 / 6 - 11:28
في العاشر من دجنبر، الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حصد موراليس ما يناهز %55 من أصوات الناخبين البوليفيين، رغم كل محاولات الالتفاف والتزوير وحرمانه من أكثر من مليون صوت. ومنذ أن بدأت صرخات الشعب البوليفي ترتفع في وجه مستغليه، توالت محاولات احتواء حركة التغيير، بدءا بمحاولات تشليك الاحتجاجات والاضرابات، مرورا بمحاولات فرض أقزام سياسيين وفرض سقف سياسي برجوازي يحافظ على المصالح الإمبريالية بالبلاد، وصولا إلى محاولات تزوير الانتخابات.
الرئيس المنتخب، بوليفي، أمريكي لاتيني أصلي، ولد سنة 1959 في منطقة الأنديز، كان راعيا في صغره، واشتغل خبازا ثم بناءا من أجل تمويل دراسته. وقبل 25 سنة، هاجر مع بعض أفراد أسرته إلى منطقة "شابارا" المعروفة بزراعة "الكوكا". صار عضوا نقابيا، وعمل على تنظيم أنشطة رياضية... إلى أن أصبح قائدا للمزارعين ومسؤول فدرالية نقابات "كوشا بامبا"، ورئيسا لست فدراليات نقابية وزعيم الحركة من أجل الاشتراكية – الأداة السياسية لسيادة الشعب، التي أسسها عام 1985.
بعد انتخاب موراليس، ليس بوسع اليانكي الأمريكي سوى أن يقول أنه شريك شافيز وكاسترو، وأنه استغل عدم الاستقرار في بلاده للاستيلاء على السلطة. ويتهمه الأمريكان والأحزاب اليمينية البوليفية بأنه يرعى تجارة المخدرات وإهانة لوطنه وبأنه، كهندي، جاهل وغير كفء.
موراليس يرد ساخرا على هذه العقليات البليدة قائلا: "على الأقل، الآن يقولون أننا أغبياء وغير مؤهلين. في السابق، كانوا يعتبروننا حيوانات مفترسة ودواب. يريدون جرنا على أربعة قوائم. اليوم على الأقل يعترفون أننا أناس، إنه تقدم في نظرتهم إلينا. وسيسقطون عراة عندما سنريهم كيف يمكن قيادة هذه البلاد لفائدة المواطن البسيط ولفائدة الوطن".
موراليس، لأنه واحد من أبناء الشعب البوليفي الوطنيين الحقيقيين، يدرك أن بوليفيا تحتاج إلى تغيير حقيقي لأن الرشوة والفساد استشريا في البلاد بسبب المافيا السياسية والليبرالية الجديدة.
في برنامج حكومة موراليس، نجد في الصدارة نقط جوهرية: إعادة تأميم وتطوير الصناعة والتنقيب على البترول والغاز، لأنها تريد أن تظل العائدات في خدمة الحاجيات الأساسية للبوليفيين.
أول زيارة يقوم بها موراليس خارج البلاد، كانت إلى كوبا. هذه الخطوة ليست اعتباطية ولا تحتاج إلى تفسير. صعود موراليس، هو علم من أعلام الحرية التي ترتفع في أمريكا اللاتينية لتضاف إلى فنزويلا وكوبا...
من قلب بوليفيا، أعلن القائد الأسطوري شي غيفارا أن أمريكا اللاتينية أشعلت ثورة الحرية إلى الأبد، وأن ساعة اللظى قد أزفت. فهل أفل حلمه باغتياله بتلك الطريقة الهمجية في بوليقيا بالذات؟. هل أخمدت الإمبريالية ومصاصي دماء الفقراء والمعدمين، ثورة الجوع والغضب في أمريكا اللاتينية؟
مارتي وبوليفار لم يكونا رجلين فقط. كانا ولازالا يمثلان صرخات شعب مثخن بالجراح منذ حلول كريستوف كولومب وغيره على الشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية. وما فعله الغزاة آنذاك، لا يزال يفعله عتاة الظلم والاستغلال تحت جناح راعي الظلم الأول في العالم، الولايات المتحدة. ماتا ولم تنته الثورة، بل بدأت. قتلوا غيفارا ولم تنته الثورة، يل اشتعلت، قتلوا اليندي ولم يهنئوا إلا لوقت قصير. يخافون من الثورة ويعطونها صفة رجل، يقتلونه ويعتقدون أن الثورة انتهت. كل بقعة من أصقاع أمريكا اللاتينية تنبض. وإذا سمحت للخونة ومصاصي الدماء أن تتضخم بطونهم، فإن صرخات الفقراء لا تلبث أن ترتفع من جديد لتقض مضجعهم.
بعد نجاح الثورة في كوبا، رحل غيفارا إلى بوليفيا بالذات، ولم يكن اختياره خاطئا. كان يرى أن شروط الثورة هناك قد نضجت. وانتهى الأمر بالطريقة المعروفة تحت ضربة الخيانة والتردد والمؤامرة. وبدأت رؤوس الأفعى الإمبريالية في أمريكا، تسقط كأوراق الخريف. بدءا بالسفاح الشيلي الذي يثير ذكر أسمه تقززا واشمئزازا. وتوالت الرؤوس، في الوقت الذي ترتفع فيه أعلام الحرية واحدا واحدا: فنزويلا، البرازيل، بوليفيا... والبقية آتية. وبدأت رقعة السيطرة الإمبريالية تضيق شيئا فشيئا، ومعها تتبخر الوجوه النتنة لأقزام السياسة الاستعمارية في أمريكا اللاتينية.
فيدل كاسترو لم تنل منه السنين، ولم ينل منه الجبل والبرد. ولم تنل منه حملات الخنازير والضفادع البشرية وغيرها. وشافيز ابن الشعب البار عرف كيف يصفع اليانكي الأمريكي، بإفشال الانقلاب أولا، ثم بالفوز الثاني في ما بعد. وهاهم أبناء الفقراء مرة أخرى يقودون أمريكا اللاتينية نحو الحرية والاستقلال التام. أولئك الذين يحز في نفسهم أن تذهب خيرات بلادهم لغيرهم لتجوع الشعوب. ومن الشرائح الأكثر فقرا في بوليفيا سطع نجم إيفو موراليس. حتى يتشكل القطب المناهض للسياسات الاستعمارية في المنطقة. صعود موراليس تقوية لحلف مناهضة تحويل المنطقة إلى سوق استهلاكية للشركات المتعددة الجنسية والأمريكية.
أمريكا تعتبر فنزويلا بالإضافة إلى كوبا وبوليفيا الآن، ضمن "محور الشر" الداعم "للإرهاب العالمي"... مقابل ذلك موراليس يعتبر كاسترو وشافيز "قادة القوى التحررية في القارة". ورغم ذلك فهو يتطلع إلى إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية "بدون خضوع ولا هيمنة".
صعود موراليس تتويج لسلسة من النضالات الجماهيرية، وفي طليعتها العمال والفلاحين الفقراء في بوليفيا. هو تحويل سلمي للسلطة السياسية إلى أيدي الشعب البوليفي. لكن هل يملك موراليس وحركته وكذا الحركات الداعمة له القدرة الكافية لحماية السلطة والاحتفاظ بها؟. ليس ثمة ضمانة أكثر من إقناع الشعب البوليفي بحماية تلك السلطة. وشرط ذلك أن يعي أن مصلحته هي في استمرار نظام الحكم الذي بدأت تبنى ركائزه. وكي يعي هذه المصلحة، على موراليس وحكومته إجراء تغييرات هيكلية وجوهرية في بنية المجتمع على الصعيد الصناعي والزراعي. وجعل مداخيل النفط والغاز في خدمة المواطن البسيط. وإحداث إصلاح زراعي شامل والقضاء على الاحتكارات الكبرى تمهيدا لبناء اقتصاد قوي ومجتمع اشتراكي. ولا بد في البداية من إصلاح سياسي للقضاء على جميع أنواع الفساد والقضاء على المافيا السياسية، وخلق مؤسسات ذات صلاحيات واسعة وسيادة الشعب البوليفي على كل أجهزة الدولة.
النموذج الفنزويلي خير دليل في المرحلة الراهنة. باختصار، حين يحكم الشعب، ينهض من تلقاء نفسه للدفاع عن نفسه. وحين يتم الحكم نيابة عنه ووصاية عليه، فإنه لا يمكن أن يدافع عن شبح اسمه النظام السياسي، حين لا يرتبط به وبمصالحه.
الحركة من أجل الاشتراكية التي يقودها موراليس، ملزمة ببناء جبهة وتحالف واسع يضم أكثرية شرائح الشعب البوليفي من اجل إحداث ثورة حقيقية في البلاد. وعلى الهيئات والتنظيمات السياسية أن تطور نفسها لمسايرة تطلعات وطموحات الشعب البوليفي. في غياب هذا التغيير ودون السير في اتجاه التغيير الاشتراكي، وإذا ظلت الحركة من أجل الاشتراكية تعيش على إيقاع نشوة النصر الانتخابي، فإن التجربة الساندينية في نيكاراغوا أكبر نموذج للتمعن.