الفصل الثامن في االتناقض 3التميز والكونية في الماركسية اللينينية الجزا الثالث مهدي عامل
عليه اخرس
2016 / 12 / 11 - 07:55
الفصل الثامن في االتناقض
3التميز والكونية في الماركسية اللينينية
الجزا الثالث
مهدي عامل
كل ممارسة نظرية تتحرك، في ارتباطها بحركة الصراعات الطبقية، في حقل
معرفي يحددها ويميزها، فيسمها بطابعه. فالممارسة النظرية ممارسة أيديولوجية، أو
قل على الأصح، إنها شكل منها، ونقيض لها في آن واحد. أو بتعبير آخر، إنها الشكل
المحدد الذي، من الممارسة الأيديولوجية، ينقض الممارسة هذه، أي إنها ممارسة هذا
النقض بالذات، ممارسة العلم في نقض الأشكال الأيديولوجية من الوعي الاجتماعي.
فهي إذن، تتحرك في حقل معرفي، من حيث هي ممارسة علمية، وفي حقل أيديولوجي،
من حيث هي ممارسة نقض الممارسة الأيديولوجية. من هنا أتى التعقد في حركتها،
لأنها في وقت واحد ممارسة إنتاج للمعرفة وممارسة نقض للأيديولوجية، بل ربما كان
الأصح القول: إنها ممارسة إنتاج للمعرفة بنقض للأيديولوجية. وقد يغلب عليها طابع
هذا النقض أو طابع ذاك الإنتاج، حسب الشروط التاريخية المحدَّدة التي تمر بها حركة
الصراعات الطبقية، إذ يستحيل عزلها، في حركتها المتميزة، عن هذه الحركة الاخيرة.
لكن هذين الطابعين حاضران فيها دائما بشكل متلازم. وظهورها بمظهر الممارسة
النظرية الخالصة من أي « تلوث » بالصراع الطبقي، ليس في حقيقته سوى أثر محدَّد من
تحرك هذا الصراع نفسه، ولا سيما في إطار شكله الانتباذي. وكثيرون هم الذين يقعون
225
في وهم هذا الأثر من تخلص الممارسة النظرية من أي علاقة بالصراع الطبقي، وبشكل
خاص، بالممارسة السياسية من هذا الصراع، فيجعلون من المستوى النظري في البنية
الاجتماعية مستوى بنيويا قائما بذاته، مستقلا عن المستوى الأيديولوجي فيها، وكأن
الممارسة النظرية، من حيث هي ممارسة علمية، تتحرك في حقل خارج عن حقول
الصراع الطبقي، وبالتالي عن حقل حركة التاريخ نفسه. لا شك في أن للممارسة النظرية
طابعًا يميزها من الممارسة الأيديولوجية، إلا أن تميزها هذا لا ينفي كونها ممارسة من
ممارسات الصراع الطبقي نفسه. وفي هذا يكمن الطابع العلمي والطبقي، في آن واحد،
للنظرية الماركسية اللينينية. فتكونن النظرية العلمية هذه يتم في ممارسة النقض العلمي
لمختلف الأيديولوجيات الطبقية المسيطرة وغير المسيطرة، بل الأيديولوجيات
العمالية غير الثورية التي هي أثر لسيطرة أيديولوجية الطبقة المسيطرة من زاوية النظر
الطبقية للطبقة العاملة نفسها. إّن شكل ترابط المستويات البنيوية للبنية الاجتماعية
يختلف باختلاف زاوية النظر الطبقية هذه، والاختلاف هذا اختلاف موضوعي مادي،
كما رأينا في بحثنا. معنى هذا أن وجود هذا الاختلاف في موضوعيته، يضع الممارسة
النظرية بالضرورة في علاقة معقدة بالصراع الطبقي، تتميز فيها من بقية ممارسات هذا
الصراع تميزا طبقيا، لأن عمليتها بالذات تستلزم وجودها كممارسة نظرية من زاوية نظر
الطبقة الثورية النقيضة، أي البروليتاريا. فلا ننس أن الماركسية اللينينية هي نظرية الحركة
الثورية البروليتارية. فالممارسة الأيديولوجية البروليتارية الثورية للصراع الطبقي هي
إذن، وحدها ممارسة طبقية علمية، وكل ممارسة أيديولوجية طبقية أخرى هي بالضرورة
ممارسة غير علمية. معنى هذا أن الممارسة الأيديولوجية الثورية ليست بالفعل علمية إلا
إذا كانت طبقية، أما الممارسة الأيديولوجية غير البروليتارية، فهي غير علمية لأنها طبقية.
فكل طمس للحد الطبقي الفاصل بين الممارسة الأيديولوجية البروليتارية والممارسة
الأيديولوجية غير البروليتارية هو طمس للحقيقة العلمية للنظرية الماركسية اللينينية،
يقود إلى انزلاق الممارسة الأيديولوجية البروليتارية من تربتها النظرية العلمية إلى تربة
226
أيديولوجية ليست تربتها الطبقية. إذن، بين الفكر الماركسي اللينيني وغيره حد معرفي
فاصل هو الحد الطبقي الذي يفصل علمية هذا الفكر عن غيره من الأفكار غير العلمية.
ووجود هذا الحد المعرفي، من حيث هو حد طبقي، هو الذي يمكن الفكر الماركسي
اللينيني من أن يكون نقيضا للأيديولوجيات الطبقية الأخرى وهو الذي يحدد الممارسة ،
النظرية البروليتارية كممارسة نقض الممارسات الأيديولوجية الطبقية الأخرى. على
هذا الصعيد، ومن هذا المنظار الطبقي العلمي، يجب أن ننظر إلى الممارسة النظرية
الثورية. إن الممارسة الأيديولوجية البروليتارية وحدها دون غيرها من الممارسات
الأيديولوجية الطبقية الأخرى تتحدد كممارسة نظرية علمية، من حيث هي بالذات ،
ممارسة طبقية، لأنها في حد ذاتها ممارسة نقض الممارسة الأيديولوجية الطبقية.
قلنا ما سبق لنؤكد وجود العلاقة الضرورية بين الممارسة النظرية وحركة الصراع
الطبقي، وبشكل أدق، بين الممارسة النظرية والممارسة السياسية نفسها. فكل ممارسة
ثورية، أي بروليتارية، للصراع الطبقي لها بالضرورة طابع سياسي كما رأينا في بحثنا
بسبب من دفعها المستمر للصراع الطبقي إلى التحرك في إطار شكله الانجذابي. لكن
لكل ممارسة من ممارسات هذا الصراع أيضا طابعا مميزا، وتحركها في تميزها، أي في
حقلها الخاص، ضروري لتطور الحركة العامة للصراع الطبقي في خطه الثوري. هذا
يعني أن الطابع الثوري للممارسة الاقتصادية، مث ً لا، يكمن في أن تكون هذه الممارسة
بالفعل اقتصادية، أي أن تتحرك في الحقل الاقتصادي للصراع الطبقي، والطابع الثوري
لممارسة الأيديولوجية يكمن في أن تكون هذه الممارسة بالفعل أيديولوجية، فلا
تأخذ مثًلا دور الممارسة السياسية، فتجعل من الثورة لعبة لفظية، وكذلك الأمر بالنسبة
للممارسة النظرية. وتميز حركات هذه الممارسات لا ينفي، بل يؤكد، وجودها المترابط
في إطار الحركة العامة للصراع الطبقي، من حيث هي في جوهرها حركة محورية، بمعنى
أن المحور من هذه الحركة هو في أساسه محور سياسي. والحزب الثوري وحده قادر
على أن يقود هذه الممارسات، فيؤمن بوجوده العملي، أو قل إن جاز التعبير بوجوده
227
الممارسي. وحدة الترابط بينها، في وحدة الحركة المحورية للصراعات الطبقية. بل إن
وجوده الممارسي هذا هو وجود هذه الوحدة، من حيث هي وحدة تعقد وترابط. لذا،
كان من منطق أي ممارسة من هذه الممارسات أن تقود إلى انحراف ينزلق بها عن خطها
الطبقي الثوري، إن هي تمت بمعزل، أو بفصل عن الحزب. فالدور القيادي للحزب
في هذه الممارسات شرط أساسي لوجود طابعها الثوري، بل هو وحده الذي يضمن
إمكان عدم تحقق هذا الانحراف فيها. فالانحرافات في ممارسات الصراع الطبقي
ممكنة إذن، والشواهد التاريخية كثيرة، وهي تدل على أن الحزب الثوري هو الضمان
الوحيد لتجنبها. من هنا أتت ضرورة القيام بالممارسة النظرية في إطار الحزب، سواء
بالنسبة للفرد أم بشكل عام، لأن الأساس العلمي الذي تقوم عليه حركة هذه الممارسة،
هو الخط الطبقي الحزبي نفسه، أي وجود الحد الطبقي الفاصل بين هذا الخط وبين
ممارسات الطبقات الأخرى فكما أن الانحراف الاقتصادي ممكن، كذلك الانحراف
النظري ممكن أيضا. وأساس هذا الانحراف الأخير يكمن، في رأينا، في قطع الممارسة
النظرية عن بقية ممارسات الصراع الطبقي، أي في عزلها عن حركة هذا الصراع، من
حيث هي حركة محورية توحد في إطارها مختلف مستويات البنية الاجتماعية، وفي
تحديد وضعها النظري خارج وجودها في هذه الحركة. والخطأ هنا لا يرجع إلى خطأ
في تحديد الوضع النظري للممارسة النظرية بقدر ما يرجع إلى خطأ في تحديد الوضع
النظري للممارسة السياسية بالذات، وبالتالي، إلى خطأ في فهم الحركة التاريخية
من حيث هي الحركة المحورية للصراع الطبقي. إن محورية حركة هذا الصراع أي
تحدده كصراع، في جوهره سياسي، له أشكال غير سياسية هي التي تسمح برؤية علاقة
الترابط والتعقد، وبالتالي، برؤية علاقة تفاوت التطور بين مختلف ممارسات الصراع
الطبقي. بمعنى آخر، إن تحديد الوضع النظري للمستوى السياسي في البنية الاجتماعية،
بالشكل الذي قمنا به في بحثنا، هو الذي يمكننا من رؤية الترابط بين الممارسة النظرية
مثلا والممارسة السياسية أو الأيديولوجية، في إطار الحركة العامة للصراع الطبقي.
228
وهو الذي يمنعنا أيضا من وضع الممارسة النظرية على مستوى مستقل عن المستوى
السياسي، أو بشكل عام، خارج عن مستويات الصراع الطبقي، فيمنعنا بالتالي من الوقوع
في الانحراف النظري الذي وقع فيه، مثلا، آلتوسير في كتاباته الأولى، والذي قاده إليه
خطأ في تحديد الوضع النظري للمستوى السياسي، أي للصراع الطبقي. ولقد قاده
الخطأ هذا كما بينا إلى خطأ آخر هو عدم إقامة الحد الطبقي الفاصل بين ما سميناه
بالشكل التراكبي لترابط المستويات البنيوية في البنية الاجتماعية، والشكل الانصهاري
لهذا الترابط، أي في النهاية، بين زاويتي النظر الطبقيتين النقيضتين. وكان أثر هذا الخطأ
.النظري ما ظهر في نظرته « البنيوية »
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني
مهدي عامل
النسخ الالكتروني عليه اخرس