1التميز والكونية في الماركسية اللينينية مهدي عامل
عليه اخرس
2016 / 11 / 22 - 09:12
الفصل الثامن في االتناقض
الجزا الاول
1التميز والكونية في الماركسية اللينينية
الموت في التماثل، والاختلاف في حياة الزمان، وكونية التاريخ المعاصر من
صراع الأضداد تولدت، فكانت على نقيض ما تظهر من وحدة مذوبِّة، تميزًا وتمايزا.
بدأت مع الامبريالية وجودها الفعلي فبدت في بدئها نقلة التاريخ من زمان ذري تتلاصق
فيه المجتمعات بلا تداخل، كل في وحدته واستقلاله، إلى زمان موحِّد تتداخل فيه
المجتمعات سائرة في خط تماثلها بقطب جاذب يوحدها. لكن حركة التوحيد هذه
ما كان لها أن تقود إلى ما كان في الوعي وهما ً، فبتحقق التماثل ينتفي إمكان تحققها،
وينتفي بالتالي إمكان وجود الامبريالية نفسه. إن الكونية ليست من التاريخ معطى. بل
هي منه وليدة حركة فيه يتحكم فيها منطق تفاوت التطور. ولا تطور إلا بتفاوت يولد
الحركة اختلافا أو تخالفا، أي تميزا، في دفعه لها إلى تماثل هو في تحققه استحالة،
لأنه قائم على أساس وجوده في إطار هذا القانون الكوني من تفاوت التطور. فلا سبيل
إلى ما يأبى منطق التاريخ أن يكون، ولا سبيل إلى الصيرورة الرأسمالية لمجتمعات
أتت إلى التاريخ لما دخل التاريخ عصر كونيته، فأتت إليه بفعل الامبريالية خاضعة لها،
وظلت في علاقة تبعيتها، وبفعل منطق التطور التفاوتي من هذه العلاقة، تسير في طريق
استحالة صيرورتها مجتمعات رأسمالية، وظل منطق التميز في تحقق الكونية يتحكم في
صيرورتها التاريخية.
وحركة الفكر مثل حركة التاريخ تخضع في إنتاجها المعرفة لمنطق التميز في
تحقق الكونية. وكلما تميزت المعرفة تكوننت، أو اغتنت كونيتها. ونحن في مجابهتنا
مجتمعاتنا الكولونيالية، نحاول إنتاج معرفتها، أو على الأصح، إنتاج هذه المعرفة
الضرورية للقيام بعملية التحويل الثوري. وما الأدوات هذه سوى جهاز المفاهيم النظرية
ننطلق في بنائه من جهاز المفاهيم الماركسية. وللدقة علينا أن نقول: إن عملية البناء
المفهومي هذه هي في الحقيقة عملية إعادة إنتاج لبعض المفاهيم الماركسية نقوم بها
في حقل أيديولوجي متميز بتميز حقل الصراع الطبقي الخاص بمجتمعاتنا الكولونيالية.
وهنا تكمن الصعوبة. فعملية إعادة الإنتاج هذه لا تكرر المفاهيم بل تميزها، وفي التميز
توالد الاختلاف من غير أن يقود الاختلاف حتما إلى خروج عن التربة النظرية التي تتم
عليها تلك العملية. وتميز المفاهيم في إعادة إنتاجها نتيجة ضرورية موضوعية لتميز
الكونية في واقع وجودها الفعلي التاريخي في المجتمعات الكولونيالية. فلو كانت
العلاقة الكولونيالية التي تخضع فيها المجتمعات هذه لسيطرة الامبريالية علاقة تماثل
بين بنية طرفيها، لما كان في تميز المفاهيم الماركسية ضرورة نظرية لإنتاج المعرفة
العلمية الخاصة بقوانين تطور الإنتاج الكولونيالي. لكن العلاقة الكولونيالية في أساسها
علاقة تفارق بنيوي من حيث هي بالذات علاقة سيطرة، وبالتالي علاقة تفاوت في تطور
البنيتين. لذا وجب حكما أن يكون استخدام هذه المفاهيم الضرورية إنتاجًا جديدًا لها،
أي إعادة إنتاج تميزها في ضرورة استخدامها بالذات. ولا وجود لأي تناقض شكلي بين
تميزها وكونيتها، فكونيتها هي حركة تميزها.
ليس للفكر في عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية أي خيار في أن يكون
ماركسيا، بل الخيار قائم فيه بين أن يكون علميا أي ماركسيا لينينيا أو أن يكون غير
علمي أي غير ماركسي لينيني فالماركسية اللينينية هي فكر هذا الانتقال التاريخي
للبشرية وأفق علميته الضروري. وهنا تكمن كونيتها، في كونية حركة تاريخنا المعاصر.
لكن تفاوت التطور من هذه الحركة يرسم التميز طريقا لتحقق الكونية في حركة تولد
الماركسية اللينينية. إن إنتاج الفكر العلمي في مجتمعاتنا الكولونيالية يرتسم إذن،
بالضرورة داخل هذه الحركة من التكون الدائم للفكر الماركسي اللينيني، وليس بوسعه
أن ينفصل عنها، لكنه يتميز فيها بكونه مدعوا إلى أن يفكر في العلاقة الكولونيالية من
زاوية الطرف الخاضع لسيطرة الطرف المسيطر من هذه العلاقة، أي من زاوية بنية
الإنتاج الكولونيالي، وليس من زاوية الإنتاج الامبريالي. ليس هدفنا فصل الطرفين من
هذه العلاقة بقدر ما هو محاولة الوصول إلى تكامل من معرفتها العلمية لا يكون إلّا
بالنظر إليها من زاوية لم ينظر إليها بعد منها، أي من زاوية الإنتاج الكولونيالي،
وإن كان النظر إليها من هذه الزاوية لا يكون إلّا في ضوء الزاوية الأخرى أي في ضوء التطور ،
الامبريالي. هذا النهج من المعالجة النظرية يستلزم بالضرورة الانطلاق في إنتاج فكرنا
الماركسي اللينيني من واقع التميز في مجتمعاتنا الكولونيالية، في ضوء ما توصلت إليه
حركة التكونن الدائم للفكر الماركسي اللينيني من معطيات نظرية جديدة، أي من تجدد
الجهاز المفهومي لهذا الفكر... فكونية حركة التاريخ أساس كونية هذا الفكر، وهي،
لهذا، تجعل منه الفكر الوحيد الذي يتكوَّن ويتحدد باستمرار في عملية نقد للامبريالية
التي هي علاقة سيطرة بنيوية. وكل نقد للعلاقة الكولونيالية أي لهذه العلاقة نفسها التي
تتحدَّد من زاوية الإنتاج الكولونيالي كعلاقة تبعية بنيوية لا بد له من أن يتم في ضوء هذا
الفكر الماركسي اللينيني الذي هو، في علميته، نقد للاقتصاد السياسي. ان العملية التي
بها ننتج فكرنا الماركسي اللينيني في محاولتنا فهم العلاقة الكولونيالية هي العملية التي
بها نميز الفكر الماركسي اللينيني الذي منه ننطلق، أي التي بها تتكامل كونية هذا الفكر.
بل يمكننا القول: إن كونية المفاهيم الماركسية تستلزم بالضرورة تميزها في عملية هي
إنتاج معرفة العلاقة الكولونيالية في تحددها كعلاقة تبعية بنيوية من زاوية مجتمعاتنا
الكولونيالية . ولا يقوم بعملية النقد هذه التي هي ممارسة نظرية سوى من هم يقومون
بالفعل، في ممارسات الصراع الطبقي، بعملية نقض العلاقة الكولونيالية، وبالتالي
بعملية التحرر الوطني. إن على الحزب الشيوعي الذي يمارس هذا الصراع الطبقي أن
يصل في ممارسته الأيديولوجية إلى ممارسة نظرية تنتج هذه المعرفة العلمية الضرورية.
وهذه المعرفة العلمية حاضرة بالفعل في الممارسة السياسية للحزب الشيوعي اللبناني
بوجه خاص، ولا سيما بعد مؤتمره الثاني التاريخي. وهي، لأنها حاضرة في ممارسته
السياسية، تستلزم وجود ممارسة نظرية تستخرجها وتنتجها مفاهيم نظرية تنخرط في
الحركة العامة لتكونن الفكر الماركسي اللينيني. وبتعبير آخر، إننا نرى في الممارسة
السياسية لحزبنا الشيوعي اللبناني، سواء في إطارها المحلي أو العربي أو الأممي، حقل
تجربة للمفاهيم النظرية التي بنينا في هذا البحث، وفي الوقت نفسه، مادة أولى في عملية
استخراج هذه المفاهيم النظرية. وكل ممارسة نظرية يكتنفها خطر الوقوع في الخطأ،
فليكن الخطأ دعوة منا إلى النقد الصريح، وكل نقد ممارسة أيديولوجية هي حياة الفكر
عند الشيوعي، وليس من شيوعي يقبل موت الفكر فيه. حبذا لو أن هذا البحث يثير النقد
الذي ننتظر، ففي النقد هذا حافز لنا على تصحيح ممارستنا الأيديولوجية وإعادة النظر
في البناء المفهومي الذي حاولنا تعميقه وإغناءه.
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني
مهدي عامل
النسخ الالكتروني عليه اخرس
يتبع