أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - ليلة ليلاء















المزيد.....

ليلة ليلاء


احمد مصارع

الحوار المتمدن-العدد: 1417 - 2006 / 1 / 1 - 09:39
المحور: الادب والفن
    


في لحظات الألق الساحرة وحبق أنفاس الليل ، اهتزت روحي وسرت فيها نشوة سكر ، ووحشة شوق فاشتعلت أمام ناظري شموع ليل حزين ، ليتني استغرقت كعادتي بوجدان هائم يسرح مع هلال المساء, فالأيام والليالي تمضي بي ، في الخليج آمنة وادعة , برقة ورفق ، سلسة لا يعكر صفوها همٌ أو غم في بحبوحة الحياة الهائنة في نواتها السرية ، هناك يكمن قرص من الكريستال المشع كالألماس وفي داخله عطر سجين ولكنه أخاذ ، وله جاذبية البعد والقرب من هذا السر مع تكرار المشاهد الآمنة ، يستأنس لها الخوف العميق ، وتبدأ الهاوية السحيقة ، أفواه فاغرة حتى حدود الحجارة الصماء ، تبدأ في عزف سيمفونية الحنين ، حنين الحياة التي تضما كالأجنة تطعمنا وتسقينا وتدفئنا وتهبنا الحنان ، نحن نحيا ليس في حشاشة قلب كبير ، بل نحن في طراوة كبده .
الزمن العتيق على حياة منفية ألغى الحدود المرسومة وكما تمحو أمواج الشاطئ الرسوم والكتابات على الرمال المجاورة لها، بل الرياح في الصحارى، تصفر وتنفخ على الكثبان الرملية، تهيجها ثم تأمرها بالسكون راسمة لوحة نزوتها التي لا تستقر على حال.
الحياة حيثما كانت جميلة، في هذه الجنان الغناء وفي الحدائق المنتشرة هنا وهناك وأسراب الحمام.... أنسام البحر ... بل قرير ماء الجداول .... ورحت أغني متموجا مع الإيقاع الداخلي .
والصحراء الصفاء للروح، ما أروع اللوحة , سماء زرقاء ورمال ذهبية صفراء, فلا شيء يكسر مستوى الرؤية إلا التماعات السراب الاتساع والرحابة ، و ما أجمل إحساس الرملة فيها ... إحساس بالعالم اللامتناهي , إحساس خاص بالروح لا يحده أي اتجاه
وحين يلتمس الجسد منها التوافق ، ترد الأريحية على هذا السؤال , أنا الروح فاحتملني أيها الجسم اللطيف .... الوجد والسعادة يطفئان العطش ... هاهي الواحة ... انظر ... بعد مئات الأميال ظهرت واحة رموش أشجار النخيل في تلك الواحة نسجت خيمة كبيرة من الظلال والأفياء لتحتضن النبع الصغير وبيوت الطين والنباتات الخضراء الغضة وأعشاش الطيور .... سنوات وسنوات بل عقود مضت بين أطلس الغابات الخضراء وواحات الصحراء الكبرى . في المغرب العربي أو الإسلامي أمان معتق إلا حين يفور والله غالب على أمره في بلاد لا حدود حولها إلاَّ السلام . وعلى الدنيا الجميلة السلام . الجمال المتوحش له عشاق أقوياء، مغامرون يستطيعون بقوة إنسانيتهم ترويض الوحوش.
تخيل أسرتك من الغوريلا ، وبين الأدغال الكثيفة والأشجار الملتفة الأغصان ترتوي من أوراق الأشجار ومن الندى والمطر الغزير ، تتوسد بطون الثعابين وتلعب الغميضة مع التماسيح . حيثما نكون ، يكون الإنسان ، في الجبال والوديان والسهول في الصحارى القفاز ، وفي الغابات ، والمحبة والسلام هما الشمس والقمر في الحياة الهائنة ،من سيعكر صفو البحيرات الرقراقة . وانطلقت طاحونة الشرق القديم تلعلع أواخر الليل .. هذا الليل المقيت الوطن في أحضان بلده ، صغيراً كان أو كبيراً . وما بعد الله مبدع ومصور الأوطان ! ففي كل لحظة يخفق القلب مردداً – وطني ، وطنك .. حتى لو كان سعف نخلة في الصحاري النداء السري المقدس بأعصاب ولحم ودم فترد الأحشاء المحمومة من الحنين.
- لبيك .... الجذور والأصالة.
لست إلكتروناً فاقداً لشحنته الأصلية، كيف غادرت النواة. أنا من النواة وفي فقدان النواة . إختلالات للمسار . يجعل الأفلاك قابلة للارتطام ببعضها ببعض .. وأنا مع الحياة والآمان ، على الأقل وفاءً لعقود التمتع بالسلام ينبغي حماية أمان العالم بالجري والالتحاق بالنواة كي يبقى التوازن ... وتبقى الحياة الجميلة .
من يطفئ هذا الظمأ المتهالك لتائه في صحراء غير الصحراء الكونية الصحراء والسماء ولكن بدون الواحات والأمطار .
إلا العيون الساهمة على الشرق العتيق والجفون سواق جفت ينابيعها منذ عقود تحلم بالدموع الهامية بغزارة ولكن من أين يستطيع المهيجان والوحشة أحداث العصف وتراكم السحب ثم البرق والرعد والمطر ..... يا لروعة المطر. العودة إلى النواة ليس مجرد سفر عبر القارات ، وليس رحلة للاكتشاف والانحناء مرة تلو مرة ، للحقيقة وحده . هذه المرة العودة. العودة للوطن ... عودة الفرع للأصل حينها سترتفع في السماء أهزوجة متهللة .. زغرودة أطيار تخفق أجنحتها في سماء بلادي.
- ألف هلا بالمهاجر والمغترب، المكان كله بسمة.
بسمة فريدة بحجم العالم البيضاوي . بحلاوة التمر... وعذوبة اللبن.... أيها البطل الغضنفر كيف اصطبرت لربع قرن ؟ أما اشتقت للمرابع والديار والأهل وأصدقاء الطفولة . أي قلب تحمله بين عظام صدرك ... ألم تكن قاسياً بعض الشيء.... بعض الشيء ... الكل يشهد عليك ، لقد استبدلت قلبك بجلمود صخر عتي ، لقد تجبلت ثم تصحرت ثم تدغلت ... اعتذاري إليكم بحجم الجبال الراسية
وفي شاعرية تامة ، قلتم لي .
- لاتهتم أبداً ، فعندنا الدواء لكل داء . لقد عدت إلى النواة وفي صخب النواة القلق ..... ما يترك لك المجال حراً خصيباً... سندفعك إليها فوراً .... ومن هناك .... حتى تستعيد التوازن .. يتقرر المسار ... أختر من بين المسارات من النواة الكثيفة ما تشاء .
ولكن .. إياك أن تقرع الباب...
إلاّ الباب فنحن أحوج ما نكون للراحة ... وأنت لا تحب لنا الاضطراب والتداعي بدون داع ٍ ... فنحن في حالة استنفار وطوارئ
- طبعاً يا وطن... فالأعداء يترصدون الأبواب احمونا وأدر أو عنّا المخاطر.
أنفتح باب السجن ودخلت.
- أهلاً وسهلاً ....
فقلت بأريحية :
- مرحباً يا وطن ...
هل ضحكات أطفال وابتسامات شيوخ ما سمعت ورأيت !
أطلق أحدهم صوتاً :
هذا رئيس الوطن ، عفواً رئيس الغرفة المربعة هتف المقصود :
- يا هلا... بكل خطوة نحو الوطن خطوتها لا يسعنا إلاَّ أن نقول لك يا هلا....
كانوا واقفين كالأصنام ، وكنت أستعرض وقفتهم بلا سجاد أحمر سوى الأسمنت الأحر ش ...
قلت له ساخطاً في التقدير والتسجيل الزائد :
- كفانا شرقيات ...
مالي أراك شاحباً كهيكل عظمي ؟ كم عدد كم ؟
- خمسون نفراً من بني آدم في غرفة مساحتها 4 × 4
- أظنكم قد شبعتم الآن من اللعب ؟ والرياضة في الهواء المطلق ...
عجلوا بارتداء ملابسكم ضحكوا ! هل كل شيء يبعث على الضحك ... !
- لماذا تضحكون .؟!... ثم ما هذه الرائحة القذرة ؟أنا من النواة ... تفرقوا حالاً ... وألا طرقت الباب لقد ضقت ذرعاً بهذا العدد الكبير... واقفين بهذا المكان الضيق... ليذهب كل واحد منكم إلى حجرته وليلزم سريره، ما أشبهكم بخلية نحل مدوية عقب أحدهم- حاضر سيدي .
أحدهم قال – هذا هو الوطن .
والآخر قال – بل الغربة .
والثالث قال – أنها أنسام الوطن
صحت فيهم استمعوا إلي واهتفوا :- إنه الحب العتيق
وشوق حميم للشرق العريق …
صاح المعلم فجأة : - يا شراقة … يا خبير المراحيض
أجاب بوهن : - نعم يا معلم ....
هتف به مستنجداً - أنت الخبير ولا أحد غيرك....
قال ببرود – يا معلم ما أكثر الفلاسفة والمثقفون هنا فقل لهم يصنعوا شيئاً ... فألستنهم طويلة وتقابلت الأعين الحائرة، وكأن الخبير المتخاذل من أداء واجبه يستنجد بي ولكنني لم أنقذه حين قلت له.
- إن كنت الخبير الوحيد ها هنا .... فأرنا مهاراتك ... فماذا تتوقع من هؤلاء الفلاسفة .. ؟
فأستعرض صدره واستجاب لدعوتي ، وابتسم المعلم ...
لكنه قال متمرداً : - عندك الحق... ولكن تصريحاتهم يا معلمي تحبط العزائم ... تثبط الهمم وغداً سيتغير رأيك فيهم.
قلت في نفسي :( - يبدو أنني قد غيرت رأيي فيهم من اللحظة الأولى ففي تعليقاتهم الساخرة ما يفجر الكراهية نحوهم .. )
إن مبدأهم العظيم في الحياة أينما كانوا : استسهال الهدم والمبالغة الكبيرة في استصعاب البناء فمعاولهم لا تستريح، ومسرتهم مع السهل لا تنتهي... رغم العذاب، العذاب الأليم فثمة حياة... حياة شرق عظيم خلف القضبان ، ولولا ظلام الليل وحلكة سواده ما سرت حد قات العين من نور البحر ، وضياء الأنهار .
كان شراقة والمعلم وأنا ، ومأساة المرحاض ... والقادم الجديد في بؤرة الحدث : وتنفس أخيراً .. تنفس المرحاض .. وخرج الشراقة منتصراً يتباهى بقدرته على مواجهة الحقيقة ...
- وأخيراً... اسمع يا معلم... اسمع أيها الضيف ..
أصغينا ... كان صوت الماء قد طغى .. وجسد الغرفة المربعة تنفس الصعداء .. تجاوز مرحلة الاختناق ...
وألقي شراقة الخبير أكياس البلاستيك السوداء التي أحاطت بيديه ورجليه .. ومن حقه لوحده أن يفوز بتنكة ماء دافئ .
للآن كل شيء يساير الطبيعة – وحلت ساعة الشعراء فانطلقت حنجرة أحدهم تصدح
- اصفعوني بالقندره...
حطموا أسناني ثانية
بحصى البرغل
أتخمتم ا القولون
ولم تشبعوني حتى من المجد ره
صاح أحدهم : كفى , فقد شبعنا من ألمسخره
صحت بالشاعر ... ما هذا التكسير العسير ؟ ...
هتف – مرحباً بالضيف القادم ...
قلت ما رأيك لو نقول :
يا وطني العظيم
أنت في قلوبنا النبض , وفي عيوننا الدمع
أنت الخافق فينا والسمع
وفي طفولتنا
تخيلناك جنات النعيم
ففيك الأهل والحب والربع
لو كل قضبان الدنيا طوقتك
و إن ألقوا بك , عفوا
ستلقانا قبلك في جوف الجحيم

حين استقر بنا المقام... سألني المعلم في مربعه الخاص ... كأني سمعتك شاعراً قلت بدون تردد .... سل ما تشاء ...
فقال غادرت الشهيد حين قال:
أنا على الليل أشتاتاً أجمعها سيبرد الليل لو جمعت أشتاتي
قلت يا أبا الأفراس، للقصيدة بقية...
قال بفضول: - وهذا ما كنت أبحث عنه ليل نهار وطيلة سنوات السجن ْ
قلت له أسمعني يا سيدي:- أنت تقول وفقاً للقوم....
الليل يا ليلى يعذبني فهل سنسلم على ليلى ؟
قال بلى والله وضحك
وصحت – فلتحيا قل أيضا
أنا على الليل آهات تعذبني سيبرد الحبُّ لو واريت آهاتي
قال متسائلاً : هل تستطيع بناء القصيدة؟
- قلت له – نعم .... والخيمة والبيت والوطن...
ثم تهلل وجهه بالإشراق - والله لن تنام إلا ونحن نيام .
وكانت الليلة ليلاء ... ودهرية ...
احمد مصارع



#احمد_مصارع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعي التحدي أم تحدي اللا وعي
- حمام والكلب الفرنساوي
- الحوار المتمدن حر , فلماذا يحار ؟
- السجن
- شعوب (ماع ماع ) , وحكام طغاة رعاع ؟
- الشرق المقلوب ولزوم قلب الغرب ؟ - بقية
- الشرق المقلوب ولزوم قلب الغرب ؟
- الشرق الشوفيني , يساري أم يميني ؟
- السيناريو السوري المتوسط ؟
- المفروض والمطلوب من إعلان دمشق ؟
- أمام : در ؟
- البحث عن غيلان ؟
- مطرود
- نخب اليانصيب
- السماء الجرداء بلا طيور
- الطيور
- المعوقون
- الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي
- أحفاد بدون أجداد
- لو كنت قرأت التاريخ


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - ليلة ليلاء