الفصل العاشر: التراكم الأولي
كارلو كافيرو
2016 / 10 / 2 - 20:00
الكاتب/ة: كارلو كافيرو.
ترجمه/ته الى العربية: وليد ضو
المصدر:
الفصل العاشر من كتاب "ملخص رأس المال لكارل ماركس" للكاتب الإيطالي الأناركي كارلو كافيرو. كافيرو نشر الكتاب في حزيران عام 1879 باللغة الإيطالية، ومن ثم ترجمه إلى الفرنسية الكاتب جايمس غيللوم عام 1910. أبدى كارل ماركس، ضمن رسالة بريدية وجهها إلى كارلو كافيرو، إعجابه بالكتاب ورأى فيه أفضل ملخص شعبي لـ"رأس المال"، ومن ثم أعيد نشر الكتاب الصادر عام 2008 في دار نشر "الكلب الأحمر" (Le Chien Rouge)
--
ها قد وصلنا إلى نهاية قصتنا الحزينة.
ذات يوم، التقينا بالعامل في السوق، حيث جاء لبيع قوة عمله، وشهدنا تعاقده الندي مع صاحب المال. وهو لا يعرف بعد كم ستكون صعبة طريق الجلجلة التي سيضطر على صعودها، ولم يقترب من شفتيه كأس الشراب المر الذي سيرغم على تجرعه حتى الثمالة. صاحب المال، الذي لم يصبح وقتها رأسماليا بعد، كان مالكا متواضعا لثروة ضئيلة، خجولة، وكان ليس أكيدا من نجاح مؤسسته التي سيوظف فيها كل ثروته.
دعونا نرى كيف تغير المشهد.
العامل، بفائض عمله، ولد رأس المال، وتعرض للاضطهاد بسبب العمل المفرط خلال يوم عمل طويل مكثف. بواسطة فائض القيمة النسبي، تقلص الوقت اللازم ليعيد انتاج قواه، وازداد فائض العمل، كل ذلك أدى إلى إغناء رأس المال. خلال التعاون البسيط، رأينا العامل، الخاضع لانضباط عسكري، والمرتبط بسلسلة كاملة مترابطة من القوى العاملة، المنهَك دائما لزيادة رأس المال المتراكم دون توقف. لقد شاهدنا العامل مذلولا، مكتئبا لأقصى الحدود عبر تقسيم العمل، داخل المعمل. ولقد رأينا المعاناة الجسدية والمعنوية التي لا توصف التي سببها دخول الآلة في الصناعات الكبيرة. مجردا من حرفته، تقلص دور العامل إلى مجرد خادم للآلة، وتحول، من عضو ضمن كائن حي، إلى ملحق معذب لآلية، العمل انتهكه بشدة الذي تزايد وتكثف بواسطة الآلة، التي تهدده في كل لحظة بانتزاع قطعة من لحمه، أو طحنه تماما تحتها؛ وعلاوة على ذلك، رأينا تحول زوجته وأولاده إلى عبيد لرأس المال. وفي الوقت عينه يدفع الرأسمالي له، الذي بات غنيا للغاية، راتبا الذي يمكنه أن يخفضه، من خلال الإيحاء له بأنه يحافظ على المعدل نفسه، أو حتى زيادته. أخيرا، رأينا العامل، الذي بات لا يحتاج تراكم رأس المال إليه، قد تحول من الجيش الصناعي الفاعل إلى الاحتياط، ومن ثم سقط في العوز إلى الأبد. اكتملت التضحية!
ولكن كيف حدث كل ذلك؟
بطريقة بسيطة جدا. في الواقع، العامل كان يمتلك قوة عمله، التي كانت تمكنه من انتاج الكثير مما كان يحتاج إليه لنفسه ولعائلته؛ ولكن كان يفتقر إلى العناصر الأساسية الأخرى، أي وسائل العمل والمواد الأولية. محروما من كل ثروة، أجبر العامل، لكسب لقمة عيشه، لبيع ملكيته الوحيدة، قوة عمله، لصاحب المال، الذي يحقق الأرباح منها. الملكية الخاصة والعمل المأجور، من أسس نظام الانتاج الرأسمالي، كانوا السبب الأول للكثير من المعاناة.
لكن ما حصل هو إثم! إنها جريمة! من أعطى الرجل الحق بالملكية الفردية؟ وكيف استطاع صاحب المال أن يحوز على "تراكم أولي" (1)، أصل كل تلك الخسة؟
صوت رهيب خرج من معبد الإله رأس المال يصيح قائلا: هذا هو الصحيح، لأنه كُتِب في كتاب القوانين الخالدة. منذ زمن بعيد جدا، حيث كان الرجال يتجولون بكل حرية ومساواة على الأرض. كان عدد قليل من بينهم كادحين ورزينين وفعالين؛ وكان الآخرون كسولين وشهوانيين ومبذرين. وكانت النتيجة أن أصبح الأوائل أغنياء، والآخرون بائسين. أولئك الذين شكلوا العدد الأقل بات لهم الحق (هم وأولادهم) بالتمتع بالثروات المتراكمة بكل استقامة؛ في حين أولئك الذين شكلوا العدد الأكبر سقطوا في براثن الفقر وباعوا أنفسهم للأغنياء وحُكِم عليهم مدى الحياة بخدمتهم، هم وأولادهم.
هكذا يفسر هذا الأمر بعض أصدقاء البرجوازية. "هكذا يعيد الطفولي الذي لا طعم له، السيد تيير (2)، على سبيل المثال، بكل وقار، للدفاع عن المُلكية، الأمر إلى الروحيين من الفرنسيين".
إذا كان هذا هو في الواقع، أصل التراكم الأولي، فإن النظرية التي انبثقت منها فتتمثل بالخطيئة الأصلية والقدر. الوالد كان كسولا وشهوانيا، الابن يجب أن يكون مصيره البؤس. ابن الغني، قدره أن يكون سعيدا، سلطويا ومتعلما وقويا…؛ أما ابن الفقير، فقدره أن يكون بائسا، فقيرا وجاهلا وأحمقا… مجتمع يقوم على قانون مماثل يجب أن ينتهي من دون شك كالكثير من المجتمعات الأخرى، الأقل وحشية والأقل نفاقا، لذلك نجد داخل العديد من الأديان والآلهة، بدءا من المسيحية، قوانينا تحتوي على أمثلة مشابهة من العدالة.
يمكننا التوقف هنا، إذا كان مسموحا البقاء عند هذه الوقاحة البرجوازية. ولكن قصتنا الحزينة لها نهاية تليق بها، كما سنرى بعد قليل، بالاعتماد على فعلها الأخير.
لنفتح كتاب التاريخ، كتاب كتبه البرجوازيون، واستخدم من قبل البرجوازية؛ لنبحث عن أصل التراكم الأولي، وهذا ما سنجده.
في الفترات الماضية، يوم استقر السكان في أفضل المناطق والأكثر غنى في الطبيعة. أسسوا المدن، وبدأوا بزراعة الأرض، وانخرطوا بمختلف المهن التي يمكن أن تكون ضرورية لتحقيق رفاههم. ولكن خلال عملية تطورهم تلك، التقت هذه المجموعات واشتبكت مع بعضها البعض، وبدأت الحروب والقتل والحرائق والنهب والمذابح. كل ما يملكه المهزومون بات ملكا للمنتصرين، من ضمنهم الناجين، الذين تعرضوا للاستعباد.
هذا هو أصل التراكم الأولي في العصور القديمة، لنرجع إلى العصور الوسطى.
في الحقبة الثانية من التاريخ، لا نجد سوى سلسلة من الغزوات: شعوب تقتحم بلادا غنية محتلة من شعوب أخرى؛ ومن جديد تتكرر نفس اللازمة، مذبحة ونهب… وكل ما يملكه المهزومون يصبح ملكا للمنتصرين، مع فارق وحيد أن الناجين لا يتعرضون للاستعباد، كما هو الحال في العصور القديمة، ولكنهم يضطرون للخضوع لنوع آخر من العبودية، يصبحون أقنانا، ملكا للأسياد، مع الأرض التي تعود إليهم. خلال العصور الوسطى لا نجد المزيد من أثر تطبيق هذا العمل، لهذه الرصانة ولهذا الاقتصاد الذي تتغنى به عقيدة البرجوازية باعتبارها مصدرا للتراكم الأولي. وتجدر الإشارة إلى أن حقبة العصور الوسطى هي التي تمثل ما يتغنى به الحائزون على الثروات المتباهون بمصادرها.
وصلنا، في الختام، إلى العصر الحديث.
الثورة البرجوازية دمرت الإقطاع، وحولت القنانة إلى العمل المأجور. ولكن في الوقت عينه أزالت عن العامل الرزق القليل الذي كانت القنانة تؤمنه له. القن، على الرغم من أنه يضطر إلى العمل وقتا طويلا لدى سيده، لكن كانت تتوفر له قطعة أرض والوسائل والوقت الضروري للزراعة. البرجوازية دمرت كل ذلك وجعلت من القن عاملا حرا، الذي لا يوجد لديه بديل آخر سوى أن يُستَغل بالطريقة التي رأيناها، على يد أول رأسمالي، أو أن يموت من الجوع.
لندخل الآن في التفاصيل. لنفتح كتاب تاريخ الشعوب، ولنتعرف كيف جرت مصادرة أراضي المزارعين، وكيف جرى إعداد هذه الجماهير العمالية حتى يؤمنوا قوة عملهم للصناعات الحديثة. سنقوم، كالعادة، نأخذ أمثالنا من انكلترا، لأننا نجد فيها المرض الذي ندرسه بحالة جد متقدمة، وهي التي تقدم لنا أفضل حقل للمراقبة.
"في انكلترا، اختفت القنانة فعليا في نهاية القرن الرابع عشر. تألفت الغالبية العظمى من السكان وقتها، وحتى خلال القرن الخامس عشر، من مزارعين أحرار ومالكين، أيا يكن معنى مصطلح الإقطاعي الذي يخفي تحته إلى هذا الحد أو ذاك حقهم بالملكية. في العقارات الإقطاعية الكبيرة، وكيل المزرعة القديم (3)، كان هو نفسه القن، وقد حل مكانه مزارع حر. عمال الزراعة يتألفون جزئيا من مزارعين مالكين لأراضٍ ويعملون في أوقات فراغهم في العقارات الاقطاعية الكبيرة، والجزء الثاني من طبقة أقل عددا وكانوا عمالا بالأجرة بشكل فعلي. ولكن الأخيرين كانوا في الوقت عينه، إلى حد ما، مزارعين مستقلين، لأنهم، إلى جانب رواتبهم، كان لديهم القدرة على امتلاك قطعة أرض من أربعة فدادين (حوالي 16 ألف متر مربع) وكوخ. ويتشاركون مع مزارعين آخرين الاستفادة من الأراضي المشاع (المشتركة)، التي كانوا يستخدمونها لرعي الماشية، وتوفر لهم الخشب والحجارة…
"ما مهد للثورة خلق أسس نمط الانتاج الرأسمالي في الثلث الأخير من القرن الخامس عشر والثلث الأول من القرن السادس عشر. طرد المزارعين على يد أسيادهم أدى إلى غرق السوق بكتلة هائلة من البروليتاريا دون موقد أو منزل؛ جماهير ازدادت أعدادها بشكل كبير بعد احتلال المشاعات، وطرد المزارعين من الأراضي، التي كان لهم فيها، في ظل النظام الإقطاعي، حقوق أسيادهم نفسها. في انكلترا، السبب المباشر والمحدد لهذا الطرد كان ازدهار عمل مصانع القماش في فلادرز، والنتيجة كانت ارتفاع أسعار الصوف. تحويل الأراضي الزراعية إلى مراع للأغنام كان المهيمن. هاريسون وصف خراب البلد الناجم عن نزع ملكية صغار الفلاحين.
"لم يهتم المحتلون لهذا الأمر!" جرى هدم مساكن الفلاحين وأكواخ العمال الزراعيين، أو أجبروا على تركها. "إذا أردنا معرفة قوائم الجرد لمالكي الأراضي، فنجد اختفاء عدد عظيم من منازل المزارعين، وباتت الحقول تؤمن غذاء لعدد أقل من السكان، وتراجعت أحوال الكثير من المدن، في حين ازدهرت مدن أخرى مذاك…. المدن والقرى دمرت وتحولت لمراع للأغنام، ولم يبق سوى تلك العائدة إلى الأسياد، ويمكنني أن أعد لائحة طويلة فيها".
"وقد سببت مصادرة جديدة ورهيبة للأراضي انفجارا عنيفا للجماهير الشعبية، في القرن السادس عشر، من خلال الإصلاح وكانت النتيجة سرقة ممتلكات الكنيسة. الكنيسة الكاثوليكية كانت، في تلك الفترة، مالكة، في ظل النظام الإقطاعي، لجزء كبير من الأراضي الانكليزية. وجرى طرد سكان بعض المناطق الذين باتوا في صفوف البروليتاريا. ووزعت أصول الكنيسة في أغلب الأحوال على المحظيين الجشعين، أو بيعت بأثمان بخسة لسكان المدن والمزارعين المضاربين، الذين بدأوا بطرد جماعي للمستأجرين القدامى. حق الملكية، المكرس عبر القانون، الذي كان لفقراء الريف على جزء من العشور الكنسية، تمت مصادرته دون أي رادع. خلال السنة الـ 48 من حكم الملكة اليزابيث، أجبرت على الاعتراف بالفقر رسميا من خلال إقرار ضريبة الفقراء. "وكان كاتبو القانون خجولين من الاعتراف بالأسباب الموجبة له، وعلى العكس من التقاليد المعتادة، صدر القانون خاليا من أي ديباجة". (كوبيت) في ظل حكم شارل الأول، أقرت ديمومة القانون، ولم يتعدل حتى العام 1834، ليأخذ شكلا أكثر قسوة: حيث للتعويض عن المصادرة المفروضة، نعاقب الفقراء.
"خلال حكم إليزابيث، اجتمع بعض البروليتاريين مع بعض المزارعين الأغنياء من جنوب انكلترا، وكتبوا 10 أسئلة تدور حول تفسير قانون الفقراء، وقدموها إلى محامٍ مشهور يطلبون مشورته حولها. هنا مقتطف منها:
"يتوقع مزارعون أغنياء خطة حكيمة جدا، يمكن من خلالها تجنب أي نوع من الاضطراب أثناء تنفيذ القانون. وقد اقترحوا بناء سجن في الرعية. كل فقير لا يوافق على القانون يسجن في هذا السجن. نرفض تقديم المساعدة له. وسنعلن في الحي عن إذا كان يوجد من هو على استعداد لتوظيف الفقراء من الرعية، عليه أن يسلم، خلال يوم محدد، ظرفا مختوما يحدد فيه أدنى سعر سيوظفهم عبره. يفترض واضعو هذه الخطة أنه يوجد في المقاطعات المجاورة أشخاص لا يودون العمل، ولا يمتلكون الثروة والائتمان اللازم لشراء مزرعة، أو مركب، حتى يتمكنوا من العيش دون عمل. هؤلاء قد يكونون مستعدين لتقديم إلى الرعية باقتراحات مفيدة جدا. إذا مات أحد الفقراء العاملين في خدمة المقاول، الخطأ يقع عليه، لأن الرعية أوفت بواجباتها تجاه فقرائها. نحن نشعر بالقلق من أن القانون الحالي لا يسمح باتخاذ تدابير وقائية مماثلة؛ ولكن يجب أن تعلموا أن ما يتبقى من مستأجري هذه الأراضي في هذه المقاطعة وتلك المجاورة أن ينضموا إلينا لإلزام الممثلين في مجلس العموم أن يقدموا اقتراح قانون (4) يجيز حبس الفقراء مع فرض الأشغال الشاقة، بحيث كل فقير يرفض أن يسجن يخسر حقه بالمساعدة. هذا الإجراء، كما نأمل، يمنع حصول الفقراء على المساعدة".
خلال القرن الثامن عشر، أصبح القانون نفسه أداة لسرقة أراضي الناس. الشكل البرلماني لهذه السرقة كان "قانون حول حدود الأراضي العامة"، بعبارات أخرى المراسيم التي من خلالها يعتبر كبار مالكي العقارات الملكية الشعبية ملكية خاصة، كانت مراسيم مصادرة ممتلكات الشعب. سعى السير ف. م. إيدن إلى تمثيل الملكية العامة باعتبارها ملكية خاصة لكبار مالكي العقارات الذين حلوا مكان الإقطاعيين؛ ولكنه يناقض نفسه عندما يطلب من البرلمان أن يصوت على قانون عام يعاقب مرة واحدة وإلى الأبد تحديد الملكيات العامة: لأنه يعترف بذلك أن انقلابا برلمانيا هو ضروري لتشريع التغييرات على الملكيات العامة إلى ملكيات خاصة، وفي الوقت عينه يطالب بتعويضات للمزارعين الفقراء. إذا لم تحصل مصادرة للأراضي، فبالطبع لن يحصل أي شخص على تعويض.
"في نورثهامبتون ولينكولنشاير، قال أدينغتون عام 1772، اتخذ قرار لتحديد الأراضي العامة، ومعظم المناطق الجديدة الناتجة عن ذلك تحولت إلى مراعٍ؛ وبعد ذلك، في العديد من المناطق لا يوجد 50 فدانا (حوالي 200 ألف متر مربع) من الأراضي المزروعة، حيث كان يتم زراعة 1500 فدانا (حوالي 6 مليون متر مربع) في الماضي… أطلال المنازل والحظائر والاسطبلات…، هي الآثار الوحيدة المتبقية من السكان القدامى. في الكثير من الأماكن كان يوجد المئات من المنازل والعائلات، لا نجد اليوم سوى ثمانية أو عشرة. في أغلب الرعايا، حيث لم ينفذ تحديد الأراضي سوى منذ 15-20 سنة، كان عدد المالكين ضئيلا جدا مقارنة مع عدد المزارعين الذين كانوا يزرعون الأرض عندما كانت الحقول مفتوحة. وليس نادرا أن نرى أراضٍ واسعة يشغلها 4 أو 5 مربين أغنياء للماشية، التي جرى تحديدها مؤخرا، في حين كانت في السابق في أيدي 20 إلى 30 مزارعا، والعديد من صغار المالكين والمستأجرين. "لقد جرى طرد جميع السكان من أراضيهم التي كانوا يزرعونها". ليس فقط الأراضي البور، إنما في الكثير من الأحيان الأراضي المزروعة من قبل أفراد كانوا يدفعون رسوما للمقاطعة، أو يزرعونها بشكل مشترك، قد جرى إلحاقها من اللورد المجاور بحجة "التحديد". الدكتور برايس قال: "أتحدث هنا عن تحديد الأراضي المفتوحة والأراضي المزروعة. الكتاب المؤيدون للتحديد يتفقون مع أن، في هذه الحالة، التحديد يؤدي إلى التقليل من المزروعات، ورفع أسعار المواد الغذائية، ويسبب بنزوح السكان… حتى تحديد الأراضي غير المزروعة، كما هو الحال اليوم، يسلب من الفقراء جزءا من الوسائل لكسب العيش، ويزيد من مساحة المزارع التي هي أصلا واسعة جدا. عندما تصبح الأرض ملكا لعدد قليل من كبار المزارعين، صغار المزارعين"- الذين تحدث عنهم الدكتور برايس فوق: "هناك عدد كبيرة من صغار المالكين والمزارعين الذين يحصلون على غذائهم من منتجات الأراضي المستأجرة منهم، من لحم الأغنام والدواجن والخنازير…، يرسلون إلى الأراضي العامة، بحيث لا يصبحون بحاجة لشراء المنتجات التي يعيشون منها"- "يجدون أنفسهم قد تحولوا، لكسب عيشهم، إلى عمال يعملون في خدمة الآخرين وقد أجبروا على الانتقال لشراء كل شيء من السوق. قد يكون هناك المزيد من العمل، لأنه سيكون هناك المزيد من الإرغام… المدن والمصانع ستتوسع، لأن عددا كبيرا من الناس سيجبرون على البحث عن فرصة عمل. هذا هو الاتجاه الطبيعي الناتج عن تركز المزارع، وهو يتابع مساره في المملكة منذ عدة سنوات. باختصار، وضع الطبقات الدنيا قد ساء للغاية على مختلف الأصعدة، صغار المالكين والمزارعين باتوا عمالا ومرتزقة؛ وفي الوقت عينه، أصبحت الحياة في مثل هذه الظروف أكثر صعوبة". السيطرة على الأراضي العامة والثورة التي تلتها في الزراعة كان لهما نتيجة صعبة على العمال الزراعيين حيث، ووفقا لأيدن، بين عامي 1765 و1780 بدأت أجورهم بالانخفاض عن الحد الأدنى وكان لا بد من ردم هذه الهوة من خلال توزيع مساعدات رسمية طارئة. أجرهم، يضيف، "لم يكن كافيا لتلبية الاحتياجات الأساسية للحياة".
"في القرن الرابع عشر، فقدنا الصلة التي كانت تربط بين الزراعة والملكية الجماعية. وحتى لا نتحدث عن العصور القديمة، لم يتلقَ الناس قرشا واحدا من التعويضات المستحقة لهم من الـ 3511770 فدانا (حوالي 14 مليار متر مربع) من الأراضي العامة، التي سرقت منهم بين عامي 1801 و1831 مع العلم أن الملاك أنفسهم قد أقروا هذا الحق بالتعويض من خلال البرلمان".
"الأسلوب الأخير، وأهميته التاريخية، المستخدم لطرد العمال الريفيين يجب دراسته بشكل خاص في الأراضي المرتفعة (Highlands) باسكتلندا: حيث جرى تطبيقه بشراسة.
"قال جورج إنسور في كتاب نشره عام 1818: "كبار النبلاء الاسكتلنديين طردوا العائلات من أراضيها تماما كانتزاع الأعشاب الضارة، وقد تعاملوا مع قرى بأكملها وسكانها كالمعاملة التي تعرض لها الهنود، بانتقام، وكمطاردة للحيوانات البرية. وتم ابتزاز رجل بسبب جزه صوف خروف، أو بسبب قطعة من لحمه أو حتى أقل من ذلك… خلال غزو المناطق الشمالية في الصين جرى اقتراح، في المجلس الأعلى للمنغول، إبادة الشعب وتحويل الأراضي إلى مراع. وقد وضع العديد من المالكين في الأراضي المرتفعة (Highlands) هذا الاقتراح موضع التنفيذ في بلدهم وضد مواطنيهم".
"كل الإجلال لكل سيد. وها هي دوقة ساذرلاند التي أخذت المبادرة الأكثر منغوليةً. منذ أن تولت تلك المرأة، التي أنجزت دراستها في مدرسة الاقتصاديين، حكومة تلك المقاطعات، قررت تنفيذ علاج جذري، وتحويل كل الأراضي إلى مراع للأغنام، ومن ضمنها السكان، وبعد عدة عمليات مماثلة، جرى تنفيذها في وقت سابق، انخفض عدد السكان ليبلغ عددهم 15 ألفا. وبين عامي 1814 و1820 هؤلاء الـ 15 ألف، الذين يشكلون 3 آلاف عائلة، جرى طردهم بشكل ممنهج. جرى تدمير وحرق كل القرى، كل الحقول تحولت إلى مراعٍ. قاد جنود انكليز هذه العملية، مشتبكين مع السكان الأصليين. احترقت عجوز في حريق اشتعل في بيتها، بعد أن رفضت تركه. (استمعي جيدا يا برجوازية أنتِ التي تخطبين ضد الاستخدام الثوري للوقود! أنتِ التي استخدمتِ النار لسنوات طويلة ضد البروليتاريا. هذا هو تاريخكِ الذي يخبرنا عنكِ). وهكذا سيطرت تلك الدوقة على 794 ألف فدانا (حوالي 3 مليار متر مربع) من الأراضي التي كانت بيد السكان منذ سنوات مديدة.
"جزء من السكان المحرومين من أراضيهم جرى طردهم؛ وللجزء الآخر منهم، خصص 6 آلاف فدانا (حوالي 24 مليون متر مربع) لهم بمعدل فدانين (حوالي 8 آلاف متر مربع) لكل عائلة من أراضٍ واقعة إلى جانب البحر. هذه الفدادين بقيت غير مزروعة حتى وقتذاك ولم تعطِ أي انتاج لأصحابها. وقد بلغ كرم الدوقة مداه عندما فرضت بمعدل وسطي إيجارا لتلك الأراضي يبلغ شيلينغين وستة بنسات للفدان الواحد على السكان الذين، ومنذ قرون ماضية، قد بذلوا دماءهم دفاعا عن العائلة الحاكمة في ساذرلاند. وقد جرى تقسيم الأراضي المسروقة من السكان إلى 29 مزرعة كبيرة لرعي الأغنام، تسيطر عائلة واحدة على كل قسم، وكان أغلب العمال فيها من الانكليز. عام 1825، حل 131 ألف خروفا مكان الـ 15 ألف نسمة في الأراضي المرتفعة.
وقد بحث هؤلاء السكان المطرودين من أراضيهم إلى جانب البحر عن لقمة عيشهم فلجأوا إلى صيد السمك. وقد تحولوا إلى كائنات برمائية بشكل فعلي، بحسب تعبير كاتب انكليزي، حيث كانوا يعيشون بين البحر والبر، ولكن على الرغم من كل شيء، إن ذلك لم يسمح لهم بالعيش سوى نصف حياة. ولكن رائحة السمك وصلت إلى أنوف أسيادهم؛ وهؤلاء استشعروا بأرباح ممكن جنيها، فأجروا الشاطئ إلى مجموعة كبيرة من تجار لندن. وبذلك تم تهجير سكان الأراضي المرتفعة السابقين مرة ثانية.
"أخيرا، حصل تحول آخر. تم تحويل جزء من المراعي إلى أراضٍ للصيد… البروفيسور ليون ليفي، خلال خطاب ألقاه في نيسان/ابريل عام 1866 أمام جمعية الفنون، قال: "تهجير السكان وتحويل الأراضي الصالحة للزراعة إلى مراع، كانت أنسب طريقة لتحقيق الأرباح دون أي كلفة… قريبا تحويل المراعي إلى أراضٍ للصيد سيصبح حدثا عاديا في الأراضي المرتفعة… الغزال سيأخذ مكان الخروف، كما أخذ الأخير مكان الإنسان… مناطق واسعة، كانت قد وردت في إحصائيات اسكتلندا كمروج خصبة ذات مردود مرتفع، اليوم مُنِعَ فيها أي نوع من الزراعة والتحسين، وقد خصصت لتحقيق سعادة حفنة من الصيادين، الذين لا يأتون إليها إلا لبضعة أشهر بالسنة". في نهاية شهر أيار/مايو عام 1866، كتبت صحيفة اسكتلندية:
"في واحدة من أفضل مزارع الأغنام في ساذرلاندشاير وبعد انتهاء عقد الإيجار، عرض إيجار بقيمة مئة ألف جنيه استرليني لتحويلها إلى أرضٍ للصيد".
صحف أخرى، في التاريخ نفسه، تحدثت عن هذه الغرائز الإقطاعية، التي كانت تنمو أكثر فأكثر في انكلترا؛ ولكن واحدة منها قد خلصت، مدعمة حجتها بالأرقام، إلى أن عائدات كبار مالكي العقارات قد زادت، وكذلك الثروة الوطنية.
"إن نشوء ونمو البروليتاريا من دون موقد أو منزل كان أسرع من حاجة المصانع الوليدة. من جهة ثانية، الناس المنتزعون بالقوة من ظروف حياتهم المعتادة لا يمكنهم التأقلم بكل بساطة مع النظام الاجتماعي الجديد. وقد تحولوا، بأعداد كبيرة جدا، إلى متسولين وسارقين ومتشردين، أحيانا نتيجة الميل الطبيعي، وفي أغلب الأحيان نتيجة الضرورة. من ثم، وفي نهاية القرن الخامس عشر وخلال كل القرن السادس عشر، في أوروبا الغربية، صدر تشريع دموي ضد التشرد. آباء الطبقة العاملة الحالية، كانوا، قد عوقبوا لتحولهم إلى مشردين وفقراء معدمين. القانون تعامل معهم كمجرمين قصديين، كما لو تعلق الأمر بإرادتهم للاستمرار بالعمل في ظروف لم تعد موجودة.
"في انكلترا، بدأ هذا التشريع في عهد هنري السابع.
"في ظل حكم هنري الثامن، سنة 1530، كان المتسولون العجزة وغير القادرين على العمل يأخذون رخصة لممارسة التسول. المتشردون الأصحاء كانوا يجلدون ويعتقلون. كانوا يقيدون إلى عربة، ويجب جلدهم حتى تسيل الدماء من أجسادهم، ثم يحلفون يمينا للعودة إلى مكان ولادتهم، أو مكان سكنهم خلال السنوات الثلاث الماضية، وأن يعودوا إلى العمل. يا لها من سخرية قاسية! في السنة 27 من عهد هنري الثامن، تم تجديد هذه العقوبة، ولكن أضيف إليها عقوبات جديدة. في حال تكرار الفعل الجرمي [التشرد]، يجب جلد المشرد مرة أخرى وقطع نصف أذنه؛ وفي حال تكرر الفعل الجرمي مرة جديدة، فينفذ فيه حكم الإعدام كمجرم خطير على الدولة.
"في كتابه "يوتوبيا"، يصور المستشار توماس مور بوضوح وضع البؤساء في ظل تلك القوانين الجائرة. "يصلون، يقول، بكل جشع ونهم، كموجة حقيقية للسيطرة على آلاف الدونمات من الأراضي وإحاطتها بالسياجات، وتعريض أصحابها لكل أنواع المظالم التي تجبرهم على بيع كل شيء. بطريقة أو بأخرى، طواعية أو كراهية، يجب عليهم التخلص من كل شيء، الفقراء، القلوب البسيطة، الرجال، النساء، الأيتام، الأرامل، الأمهات وأولادهن الرضع وجميع أغراضهم؛ بقليل من الموارد ولكنهم بأعداد كبيرة، لأن الزراعة تحتاج إلى الكثير من اليد العاملة. يجب أن يبتعدوا عن بيوتهم القديمة، دون أن يجدوا مكانا للاستراحة. في ظروف أخرى، بيع أثاثهم وأوانيهم المنزلية يمكن أن يساعدهم، ولكن أقل من قيمتها الحقيقية؛ ولكن حين يرمون فجأة خارج بيوتهم، فيضطرون إلى بيعها بقيمة زهيدة جدا. وعندما يتجولون هنا وهناك، حيث يأكلون حتى آخر قرش يملكونه، ماذا يمكنهم أن يفعلوا سوى السرقة؟- اللعنة، بعد أن جردوا من كل ما هو شرعي!- أو التسول؟ وفوق ذلك نرميهم في السجن كمشردين، لأنهم يعيشون حياة ضالة ولا يعملون، ولا يريد أحد في العالم أن يشغلهم، حتى لو ألحوا على طلب أي نوع من العمل". من بين هؤلاء المشردين البؤساء، وضمنهم توماس مور، معاصرهم، القائل أنهم أجبروا على التشرد والسرقة، "أعدم 72 ألف شخص في ظل حكم هنري الثامن"، كما يخبر هولينشد في كتابه "يوميات انكلترا".
"صدر تشريع في السنة الأولى من عهد إدوارد السادس عام 1547، حيث أي شخص يرفض العمل يصبح عبدا للشخص الذي بلغ عنه. (هكذا يمكنه الاستفادة مجانا من عمل الشرير الفقير، بمجرد أن يبلَغ عن رفضه للعمل). السيد يؤمن للعبد الخبز والماء، شراب قليل الكحول وبقايا اللحم التي يعتقد أنها مناسبة له. يحق له إرغامه على القيام بأكثر المهام مثيرة للاشمئزاز، وذلك باستخدام السوط والسلاسل المعدنية. إذا تغيب العبد لمدة 15 يوما، فيحكم بالعبودية لمدى الحياة، ويتم وصمه بحرف S. (ع: عبد) على جبهته أو على خده؛ عند المحاولة الثالثة للهرب، يجب إعدامه كمجرم خطير على الدولة. يمكن للسيد بيعه، وتوريثه، وتأجيره كعبد تماما كالماشية أو قطعة أثاث. إذا اضطلع العبيد بشيء ضد أسيادهم، يجب أيضا إعدامهم. قضاة الصلح، حالما يبلَغَون، يجب أن يبحثوا عنهم. إذا كان واحد منهم خاملا لمدة ثلاثة أيام، يجب إعادته إلى مكانه الأصلي، بعد وصمه بحرف v على صدره، ويقيد بالسلاسل، ومن ثم يتم تشغيله في الطرقات أو غير ذلك من المهن. إذا أفاد المشرد بمكان إقامة غير ذلك الحقيقي، فيعاقب بإخضاعه للعبودية مدى الحياة لصالح ذلك المكان وسكانه، ويتم وصمه بحرف S (ع.: عبد). كل شخص يحق له خطف أولاد المشردين ويحتفظ بهم كمتدرب، الذكور حتى عمر 24 سنة، والفتيات حتى 20 سنة. إذا حاول هؤلاء الأطفال النجاة، فيصبحون حتى ذلك السن عبيدا لأسيادهم، الذي يحق له تقييدهم بالسلاسل وتوبيخهم كما يشاء. كل سيد يمكنه وضع على عنق كل عبد طوقا من الحديد، أو على ذراعه أو ساقه، حتى التعرف عليه والتأكد منه بشكل أفضل. الجزء الأخير من هذا التشريع ينص على الحالة التي يعمل فيها الفقراء لصالح الرعية، أو لصالح أشخاص يقدمون لهم الشراب والطعام: هذا النوع من عبيد الرعية تم الحفاظ عليه في انكلترا حتى ثلاثينات القرن التاسع عشر تحت اسم ("الرجال الجائلين"). وقد قدم أحد أبطال الرأسماليين هذه الملاحظة: "تحت حكم إدوارد السادس، بدا الانكليز شديدي الاهتمام بتشجيع المصانع وتوفير فرص العمل للفقراء. لدينا أدلة من التشريع الرائع الذي يقول أنه يجب وصم أجسام كل المشردين بالنار…" "تحت حكم إليزابيث، صدر تشريع، عام 1572، أن المتسولين غير الحائزين على رخصة وتجاوزوا سن 14 سنة فيتم جلدهم بقسوة ويتم وصمهم بالنار على أذنهم اليسرى، إذا لم يأخذهم أحد للعمل في خدمته لمدة عامين؛ وفي حال تكرار الجرم، وكان عمرهم قد تجاوز سن 18 سنة، يتم إعدامهم، أما في حال وجد من يأخذهم للعمل لديه لمدة عامين؛ ولكن في حال كرروا ارتكاب الجرم فتنفذ بحقهم عقوبة الإعدام دون رحمة كمجرمين خطيرين على الدولة. وقد صدرت قوانين مماثلة عامي 1576 و1597. وقد جرى تعليق المشانق للمشردين بموجب هذه القوانين. كل سنة يعلق 300 أو 400 مشرد على حبال المشانق. هنا أو هناك، يقول ستريب في كتابه: في مقاطعة سمورست وحدها، شنق في سنة واحدة أربعين مشردا، ووصم 35 بالنار، وجرى جلد 37 مشردا. في هذا الوقت يضيف المُحسن، "هذا العدد الكبير من المدانين لا يشمل الجزء الخامس من المجرمين، ويرجع إلى إهمال قضاة الصلح ورحمة الناس الحمقاء… في بعض المقاطعات في انكلترا، الوضع لم يكن أفضل، وفي بعضها كان أسوأ".
"في ظل حكم جاك الأول، كل الأفراد الذين يعثر عليهم ويكونون دون منزل أو يمارسون التسول يجب إعلانهم مشردين. قضاة الصلح (كلهم، بالطبع، من ملاك الأراضي وأصحاب المصانع ورجال الدين… المتولين المراكز القضائية) يستطيعون جلدهم علنا ومعاقبتهم بالسجن لمدة ستة أشهر أول مرة، وفي حال تكرارهم للفعل الجرمي يسجنون لمدة عامين. خلال فترة سجنهم، يمكن جلدهم مرة أخرى كلما وجد قضاة الصلح ذلك مناسبا… المتسولون غير القابلين للإصلاح والخطرون يوصمون بحرف R على كتفهم الأيسر، وتفرض عليهم الأشغال الشاقة؛ وفيما لو عادوا إلى التسول، يعدمون دون رحمة، ويحرمون من الرحمة الدينية. لم تلغَ هذه الإجراءات القانونية حتى العام 1714".
هكذا في وسط هذا الرعب كله، وبواسطة التدابير الدموية، جرى الانتهاء من نزع الملكية من السكان الزراعيين، وتشكيل الطبقة العاملة التي سُلِمت كعلف للصناعة الكبيرة. نحن هنا بعيدون كل البعد عن ملحمة الاقتصاديين! النار والحديد هما أساس التراكم الأولي؛ الحديد والنار حضرا لرأس المال البيئة الضرورية لتنميته؛ كتلة من القوى البشرية المكرسة لتغذيته؛ وإذا كان الحديد والنار ليسا اليوم الوسائل المعتادة المستعملة بواسطة التراكم المتزايد دائما، ذلك لأنه، حل مكانها، وسيلة أخرى منعدمة الرحمة وأكثر فظاعة، واحدة من الانجازات المجيدة للبرجوازية الحديثة، وسيلة تشكل جزءا ضروريا من تنظيم الانتاج الرأسمالي نفسه، وسيلة تعمل من تلقاء ذاتها، من دون ضجة، أو فضيحة، وسيلة متوافقة تماما مع الحضارة: الجوع.
لا نستطيع، في هذا الملخص القصير، أن نقارب تاريخ الاستغلال الرأسمالي في كل المستعمرات. نحيل قراءنا إلى قصص الاكتشافات البحرية الكبيرة، بدءا من كريستوفر كولومبوس، وكل قصص المستعمرات، سنكتفي في هذا الصدد بهذا الاقتباس "رجل بحماسة مسيحية سببت له كل هذه الشهرة"، ويليام هويت (5)، الذي يقول أيضا: "إن الفظائع الوحشية والمروعة التي ارتكبتها الأعراق المسماة مسيحية، في كل مناطق العالم وعلى كل الشعوب التي استعبدتها، لا نجد مثيل لها في أي حقبة من تاريخ العالم، وعند أي عرق، أيا تكن وحشيته وفظاظته وانعدام رحمته ووقاحته".
"وكما قالت، ماري أوجييه (في كتاب الائتمان العام، 1842)، "مع لطخات طبيعية من الدماء على وجه من أوجه العملة التي سببتها للعالم"، رأس المال جاء مسببا تعرقا من الدماء والوحل من كل المسام".
هذا هو بكل بساطة من التاريخ، أيتها البرجوازية، تاريخ حزين من الدم جدير بقراءته وتأمله من قبلكم أنتم الذين تعلمون، بحكم استقامتكم المعبرة عن رعب سليم للتعطش إلى سفك دماء (6) الثوريين في العصر الحديث؛ أنتم الذين تعلنون عدم السماح للعمال سوى باستعمال الوسائل الأخلاقية (7).
الهوامش:
(1). التراكم السابق (آدم سميث). [الملاحظة من جايمس غيللوم]
(2). أدولف تيير (1797-1877) سياسي فرنسي قمع كومونة باريس. [الملاحظة من المحرر]
(3). قاضٍ محلي. [الملاحظة من المحرر]
(4). قانون أو مرسوم.
(5). رائد الانثروبولوجيا. [الملاحظة من المحرر]
(6). "التعطش لسفك الدماء"، تهمة ألصقت بالمتمردين من العصبة المتمردة (كذا) في سان لوبو وليتينو وجالو [إيطاليا] في نيسان/ابريل 1877. [الملاحظة من كارلو كافيرو]
(7). إهانة وجهها القاضي في المحاكمة المذكورة أعلاه (الهامش رقم 6). [الملاحظة من كارلو كافيرو]
.