أردوغان يطالب باسترداد الأهرام

طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5285 - 2016 / 9 / 14 - 13:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أردوغان يـُـطالب باسترداد الأهرام
طلعت رضوان
لماذا ردّد أردوغان ادعاءات الصهاينة؟
أليس المصريون هم الذين بنوا المساجد فى الامبراطورية العثمانية؟
عندما دخلتُ يوم9/9/2016على موقع (بوابة العرب) قرأتُ خبرًا أضحكنى كأننى أمام فانتازيا لم تخطرعلى ذهن مُـبدعى مسرح العبث، حيث جاء فى الخبر أنّ أردوغان قال ((إنّ الأتراك هم بناة الأهرام)) بينما استنكرتْ المعارضة التركية عمليات تشويه الوعى المُـمنهج التى تـُـمارسها الأذرع الإعلامية التابعة للرئيس أردوغان. وأنّ كثيرين صـدّقوا مزاعمه لدرجة أنّ بعضهم طلب من الرئيس التركى التحرك لاستعادة الأهرام. واتهم أحد مدرسى (التاريخ) الحكومات السابقة بأنها فرّطتْ فى تاريخ تركيا وباعتْ الأهرام لمصر، وأدى الفساد إلى تهريبها. وطلب من أردوغان التحرك (بسرعة) لاستعادتها من مصر. بينما علــّـق حزب الشعب الديمقراطى بأنّ أردوغان وحزبه يعملان على بث التخلف.
كانت قمة الفانتازيا فى الخبرما قاله أستاذ (التاريخ) عن (بيع) الأهرامات، ولكى تكتمل عناصرالفانتازيا أضاف : أنه تـمّ تهريب الأهرامات من تركيا إلى مصر. فهل الأهرام مثل المنقولات التى يسهل نقلها من مكان لآخر؟
أعتقد أنّ هذا الخبر يؤكد العلاقة الوطيدة بين تركيا أردوغان (الإسلامية) وبين إدعاءات الصهاينة، مثل الكاتب (بازل ستيوارد) فى كتابه (سر الهرم الأكبر) الذى كتب ((ليس هناك ما يـُـبرّر القول إطلاقــًـا بأنّ المصريين هم الذين بنوا الهرم لمجرد أنّ الهرم فى مصر)) وأضاف ((إنّ بذور عظمة مصر بذرتها حفنة من المستوطنين دخلتْ مصر بسلام ونظــّـمتْ القيام بعمليات الانشاءات العظيمة)) فمن هم من وجهة نظره؟ قال ((إنهم جماعة من الآسيويين القادمين من أرض الفرات. وعندما دخلوا مصر نظــّـموا عملية إنشاء الهرم الأكبر. وبعد أنْ تـمّ إنشاؤه خرجوا من مصر آخذين معارفهم معهم)) (قراءة سياسية للتوراة- تأليف شفيق مقار- رياض الريس للنشر- عام1991- ص92)
وفى شهر برمهات/ مارس1979 أثناء مفاوضات كامب ديفيد سأل أحد الصحفيين رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين عن سير المفاوضات فقال ((لقد عانيتُ فى المفاوضات كما عانى جدودى فى بناء الأهرامات)) وعندما جاء إلى مصر وزار الأهرام مع السادات قال ((إننى أشعر بالزهو والفخر وأنا وسط الأهرامات التى بناها جدودى)) وهنا كانت المأساة مزدوجة : ادعاء هذا الصهيونى بيجين أنّ جدوده هم بناة الأهرامات، والصمت المُـزرى من كل حاشية السادات (من إعلاميين ومسئولين) الذين سمعوا هذا الكلام ولم ينطق واحد (واحد فقط) بكلمة يـُـدافع فيها عن الحقيقة التاريخية، ناهيك عن دفاعه عن ذاته القومية.
وفى سنة1954أنتجتْ السينما الأمريكية فيلم الوصايا العشر من إخراج (سيسل دى ميل) الذى تبنى تخاريف بنى إسرائيل، فركــّـز على تصوير جدودنا المصريين القدماء بالوحشية واستغلال اليهود فى بناء الأهرام. وكانت الكارثة أنّ هذا الفيلم تم تصويره فى مصر. وأنّ ((مجاميع الكومبارس كانت من جنود الجيش المصرى)) (مصطفى درويش- أربعون سنة سينما- صندوق التنمية الثقافية- عام2003- ص101) وبعد الصهيونى سيسل دى ميل، جاء صهيونى آخر (ستيفن سبيلبيرج) مخرج فيلم (أمير مصر) الذى روّج لأكاذيب بنى إسرائيل، وأنّ موسى هو المُـصمم العبقرى لكل ما أبدعته الحضارة المصرية. ووضع فى أصبعه خاتم كبير مهندسى الدولة. وانتهى الفيلم بانتصار الخير(موسى واليهود) على الشر (فرعون والمصريين) كما ركــّـز الفيلم على اللعنات التى أنزلها الرب العبرى على المصريين. واكتملتْ الكارثة بفيلم (المهاجر) اخراج المخرج (المصرى) يوسف شاهين الذى تقول عنه الثقافة السائدة (المخرج العبقرى) رغم أنه مشى وراء سيسيل دى ميل وكل الصهاينة وردّد تخاريفهم عن (وحشية المصريين القدماء) بل إنه زايد على سيسل دى ميل وزايد على ما جاء فى التوراة والقرآن ، حيث جعل بطله (رام/ يوسف النبى العبرى) هو الذى نجح فى زراعة الأرض بعد أنْ فشل المصريون فى زر اعتها.. أى أنّ راعى الغنم يفهم فى الزراعة أكثر من الزراع.
وبغض النظرعن الفانتازيا الأردوغانية والإدعاء بأنّ الأتراك هم بناة الأهرام، فإنّ المهم أنْ يكون لدينا فى مصر تعليم وطنى يـُـرسّـخ الحقائق العلمية فى موضوع بناء الأهرامات، فعلى سبيل المثال فإنّ هرم خوفو (أول ملوك الأسرة الرابعة-2551- 2528ق.م) بلغ ارتفاعه 480قدمًا. أما القاعدة فمربعة ويبلغ أحد أضلاغها750قدمًـا ولا تزيد نسبة الخطأ فى الطول والمسطح والفراغ عن1/10000(واحد على عشرة آلاف) وكتب عالم الآثار(أ. أ. س. ادواردز) أنه من حسن الحظ ثبتتْ صحة علاقة امنمحات الثالث بقصر اللابرنت على أساس تاريخى متين، حيث استطاع عالم الآثار(بترى) أنْ يـُـثبت ذلك فى عام 1888م عندما قام بالكشف عن الهرم الثانى لهذا الملك فى هواره، وعرف أنّ معبده الجنائزى صُـمم على تخطيط يشبه التيه (اللابيرانت) فقد كان ذلك المعبد بناءً ضخمـًـا يـُـغطى مساحة يبلغ طولها نحو ألف قدم وعرضها 800قدم. وذكر أنّ المصريين وهم يستعدون لبناء الأهرامات كانوا يقومون بعمليات تمهيدية ودراسات دقيقة فى إعداد الموقع كى يتأكدوا من أنّ قاعدة الهرم تأخذ بقدر الإمكان شكل المربع الكامل. ولذلك فلا عجب فى أنْ نجد فرقــًـا يبلغ 9ر7بوصة بين أطول وأقصر جانب فى الهرم الأكبر. وإنّ ضآلة الخطأ تدعو للإعجاب، خصوصًـا عندما نتذكر صعوبة القياس مع النتوء الصخرى. ولذلك فإنّ قدماء المصريين نجحوا نجاحـًا كادوا يصلون فيه لدرجة الكمال (أهرام مصر- ترجمة مصطفى أحمد عثمان- هيئة الكتاب المصرية- عام97- ص195، 196)
وأكــّـد علماء الآثار أنّ بناء الأهرام شمل ثلاثة علوم (الرياضيات، الهندسة والفلك) ولذلك كتب العالم ادواردز ((أما عن استخدام علم الفلك فليس من المستطاع ضبط جوانب الهرم نحو الجهات الأربع الرئيسية إلاّ بمساعدة جـُـرم أو أكثر من الأجرام السماوية، فى وقت كانت البوصلة فيه غير معروفة))
000
المفارقة أنّ ادعات الصهاينة بأنّ اليهود هم بناة الأهرامات، تـُـكذبها التوراة، حيث أنّ بنى إسرائيل رفضوا العمل بالزراعة والبناء وأنّ الرب أمرهم بالبناء بالطين واللبن، وأنّ موسى ((كان راعى غنم)) (سفرالخروج- إصحاح 1و2و3و5 ) وبالتالى لم يعرفوا البناء بالحجر. وهذا المعنى عبـّـر عنه الرب قائلا لبنى إسرائيل ((أنا الرب إلهكم مثل عمل أرض مصرلا تعملوا)) (سفرلاوين : إصحاح18) أى الأمر (الإلهى) الصريح بعدم العمل بالزراعة والبناء، وهما من معالم الحضارة المصرية.
أما ادعاء أردوغان وحزبه، فمن اليسير تفنيده بسؤال : كيف امتلك الأتراك موهبة البناء بالحجر، بينما السلطان سليم الأول عندما غزا مصر جمع الفنانين والعلماء والبنائين المصريين وشحنهم إلى استانبول. وذكر ابن إياس أنّ عددهم بلغ 1800من شتى التخصصات وكان من بينهم نحو خمسين صنعة، وهؤلاء المصريون هم الذين بنوا المساجد فى الامبراطورية العثمانية (بدائع الزهور فى وقائع الدهور) فهل أكاذيب أردوغان تدعو للضحك والسخرية؟ أم تدعو للتأمل والحذر والرد وربط كلامه بكلام الصهاينة؟
***

#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات