عيون مغلقة على اتساعها


محمد عبد القادر الفار
2016 / 8 / 28 - 13:42     

من المفارقات الملفتة أنك من الوارد أن تجد في اليابان، أو كوكب اليابان كما يطلق عليها المبهورون بها، سلوكيات من نوع أكل بعض أنواع الحيوانات وهي ما تزال حية، مثل الأخطبوط والضفادع التي يقدم بعضها في المطاعم وهو على قيد الحياة، وذلك للاستفادة منه طازجا ينبض بالحياة ويرفس بأذرعه فيما يتم قضمها او كالضفدع ينظر إليك بعينين خائفتين وأنت تأكله.....

هذا في بلد النظام والحقوق والواجبات بل بلد العدالة والحريات والتهذيب، بلد البوذية واللاعنف وغيرها من قيم لا قيمة لها مجتمعة حين تعجز عن ثني انسان عن فعل فيه كل هذا الكم من الإيلام. وهذا أيضا درس مهم يذكرنا أن القيم لا تنتشر بمجرد التبشير بها.

ولكن، ماذا لو اكتشفنا مثلا أن أكل دماغ كائن معين وهو لا يزال حيا يشفي تماما من السرطان أو غيره من الأمراض اللعينة. ماذا لو تعرضنا لهذا الامتحان..... إننا قد نتفاجأ بأنفسنا نتقبل أمورا مهولة في حالة الاستماتة للبقاء أو دفع الألم....

الأنا مهددة دائما بالاضطرار للأنانية.....

ولكن ماذا عمن يتقبل الفظائع وهو ليس مضطرا لها.... أي شيء يمكن أن يفعل لو أصبح تحت التهديد؟

هشاشة الالتزام الأخلاقي للأنا حين يتعلق الأمر بالتهديد بخسارة شديدة أو موت تكشفها الافتراضات.

الافتراضات تكشف هشاشة هذا الالتزام....

مثلا ... مجرم سيكوباثي على طراز شخصية فيلم سو، يخير رجلا بين أن يحرق وجهه بماء النار ويقطع يده أو أن يجعله يقتل أباه... أو إله من نوع زيوس يخيرك بين ان تتعذب الى الابد عذابا شديدا يتكرر دون توقف او ان تقوم مرة واحدة بحرق ابويك وقليهما في قدر من الزيت المقلي.... افتراضات لا تنتهي تكشف هشاشة الالتزام

إنّ محدودية السيناريوهات الممكنة تحفظ ماء وجه إنسانيتنا، وتتيح لنا أن نصدّق أننا أخلاقيّون.... فالافتراضات تبقى داخل الرأس .... ونحن لن نوضع في الغالب أمام اختيارات مؤلمة من ذلك النوع....

هذه الافتراضات بعيدة التحقق... رغم أن التأمل فيها يكشفنا .... لذا فإنّ بيننا جميعا اتفاقا ضمنيا غير محكي، يقضي بأن نستمتع بنعمة إمكانية تصديق أننا أخلاقيون... نعمة تصديق أن وجود أكثر من وعي (وهو أساس المتعة واللذة والحبكة والصراع) يمكن أن يتحقق دون هول الخوف من افتراضات تضع الأنا والآخر في حالة تفتح أبواب الرعب والشناعة...

في الجنس الأمر أوضح.... فحين نلتزم بعلاقة مونوجامي، خاصة الزواج، فإنن عيوننا تصبح مغلقة على اتساعها عن كل الافتراضات الأخرى.... فهناك آلاف وملايين السيناريوهات الماجنة لممارسة الجنس مع كل عابر ... والكل يتخيل ويتمنى، وتتجاوب أعضاؤه وهرموناته مع سيناريوهات هي بالضرورة في عرف الخيانة... والأهم ... هي بالضرورة تقوّض المعنى .... معنى العلاقة... معنى الحب... معنى الاكتفاء ....

أبدع ستانلي كوبريك في فيلمه "عيون مغلقة على اتساعها Eyes Wide Shut حين ينتبه الزوجان المتحابان المستقران في منتصف حياتهما إلى فائض السيناريوهات الأخرى الممكنة مع الآخرين .... فيتذوقان مرارة العدمية ... ثم يعودان -بعد أن يتصارحا- للاتفاق على إغلاق عينيهما الواسعة..... والانضباط .... في سبيل الحفاظ على المعنى ....

الانضباط هو سبيل الحفاظ على المعنى ..... الانضباط ولو على حساب تحقق احتمالات تثير فضولنا،،،، أو الأخطر: تكشفنا