|
قراءة نقدية فقهية وقانونية في محتويات قانون العفو الذي تم التصويت عليه في مجلس النواب العراقي.ح1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5266 - 2016 / 8 / 26 - 03:49
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
قراءة نقدية فقهية وقانونية في محتويات قانون العفو الذي تم التصويت عليه في مجلس النواب العراقي.ح1
في العادة تتم قراءة القانون نقديا من بداية النص وحتى قبل ذلك من الديباجة التقديمية له، ولكن في هذه المرة سأحاول القراءة بغير المعتاد لأنه القانون بشكليته وأفكاره ولد مقلوبا، من الأسباب الموجبة نبدأ ونقتبس ما يلي (بغية إتاحة الفرصة لمن جنح من العراقيين في العودة للاندماج في الحياة العامة ولإشاعة روح التسامح والإصلاح في المجتمع) فهذه الفقرة برغم قصرها الغير طبيعي تشير لمسألة في غاية الأهمية ألا وهي مسألة العودة للاندماج بالمجتمع، ومعروف في علم الأجتماع السلوكي وفي علم النفس الأجتماعي أن المسجون أو المتهم في قضايا جنائية يكون بحاجة دائمة لمنهج إصلاحي وسلوكي ينمي فيه الرغبة بالإقلاع عن طرق الإجرام ومسالك الخروج عن المجتمع، وعلى المؤسسات الإصلاحية أن تتبنى مناهج فعلية وواقعية للإصلاح تساهم في تحقيق هذه الغايات وتساهم أيضا في ضبط التوازن النفسي للسجين أو المحكوم، فهل قدمت الإدارة الإصلاحية وإدارة السجون هذا المنهج أم أكتفت بالعامل الذاتي المفترض وهو (الندم) على ما فات , وبأي طريقة يمكننا التحقق من حالية وصحة الندم. إن كان التجربة مع قوانين العفو السابقة ومنذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي وأنتهاء بعفو سنة 2008 تثبت بأن الغالبية من الذين شملهم العفو وهم بالأصل مصابون بميول جرمية وأعلنوا ندمهم لم يكونوا صادقين ولم يكونا إلا ذات العناصر التي عادت للمجتمع وهي تحمل تجربة جريمة ودوافع سلوكية منحرفة أشد قوة من تلك التي دخلوا بسببها السجن في الأول، وهذا ناتج من عدة أسباب أهمها: • لا يوجد في منهج المؤسسات الإصلاحية العراقية ما يعرف بالمنهج العملي للتقويم السلوكي ودوزنة الإنحرافات السلوكية، كما لا يوجد لدينا أفكار عملية حقيقية تساهم في تنفيذ برنامج الإصلاح. • في السجون العراقية ونتيجة الفساد تحولت عنابر وردهات السجون إلى مدارس وحواضن للجريمة بغياب الرقابة والتصنيف والدراسة الأجتماعية والسلوكية لكل نزيل على حدة، وما تجربة سجن بوكا إلا مثال على تخريجه لعتاة الإرهاب والمجرمين ما بعد عام 2003. • هناك نوعان من المسجونين هم من يظن أنه برئ وسجن نتيجة خلل ما في المحاكمة أو في التحقيق أو في وسائل ومسائل أخرى والاستشعار بالظلم ذاتيا يحول هذا الشخص إلى منتقم وسيخرج من السجن محملا بالكراهية والحقد ضد المجتمع والأفراد، وهناك نوع أخر أخطر وأشد شراسة في العداء للمجتمع، فهو يظن أن ما فعله هو الحق حتى لو كان إرهابا وجريمة وإنه ما زال مؤمنا بنفس النظرية وبالتالي بقاءه يزيد من حنقه ومعاداته للمجتمع وإطلاق سراحه سيعطيه فرصة لتنفيذ عقيدته مهما كانت توصف بالمجتمع. • خلو النصوص التي في قانون العفو عن موازنة بين الحق العام والحق الخاص وضرورة الحفاظ على حقوق الضحايا والمجني عليهم، ولا تقدير لمؤسسة القضاء في الجهد الذي بذلته في الوصول لأحكام نهائية يجعل من بعض لذين لا يشملهم العفو أصحاب حق في دعواهم من أن المؤسسة القضائية غير منصفة وغير عادلة وغير مهنية حسب ما ورد في نصوص القانون، وبالتالي يطالبون بعفو أخر يشملهم لأنهم يشتركون بنفس الخطأ الذي وقع فيه القضاء العراقي، وهنا نقع في إشكالية أهتزاز الثقة بالقضاء العراقي وحياديته ويكون هذا القضاء محل شك وإدانة مع كل حكم يصدر منه. الأسباب الموجبة تشير أيضا لمن جنح من العراقيين وبالتالي فهو ليس عفوا عاما بقدر ما هو عفو لمواطني الدولة، وكذلك في تسمية الجرائم والجنح بمصطلح الجنوح الذي هو في الفهم القانوني واحد من السلوكيات الطبيعية عند الإنسان التي يمكن إصلاحها وتعديلها، لكن روح الإجرام المتأصلة عقائديا وفكريا لا يمكن عدها جنوحا، خصوصا إذا كانت الجرائم المحكوم من أجلها متكررة ومتعددة تنبئ عن عقلية وروحية منغرس فيها الإجرام أصيلا، بالتالي لا يمكن أن يكون إطلاق سراحهم بالعفو وفق الأليات التي في النص مطابقة للأسباب الموجبة. نعود أيضا لمسألة مهمة وهي المادة الأخيرة من القانون والتي تعد سابقة خطيرة في التاريخ التشريعي وتعد أنتهاك حقيقي لدستور وخارج صلاحيات مجلس النواب دستوريا، حيث ورد في المـادة -16- ن القانون ما يلي ((ينفذ هذا القانون من تاريخ اقراره في مجلس النواب)) ـ حيث يعد هذا النص مخالفا وأنتهاك للدستور في المادة (73): التي حددت الكيفية في تنفيذ القوانين التي يشرعها مجلس النواب وكيفية المصادقة عليها في الفقرة ثالثا منها. يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الآتية: ثالثاً: ـ يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها. والمعروف فقها ودستورا لا يعتبر القانون نافذا ويملك المشروعية إلا بعد أن يصادق عليه رئيس الجمهورية أو يعتبر كذلك بعد خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها، بهذا الخرق تحول مجلس النواب إلى منتهك لوظيفة رئيس الجمهورية وتدخلا في سلطة الجهات التنفيذية وبذلك لا يمكن أعتبار القرار نافذا خلافا للدستور. المادة التي تسبق مادة النفاذ هناك ايضا خرق وقلة إدراك لدى المشرع العراقي (مجلس النواب) بخصوص قضية الفصل بين السلطات، فقد ورد في متون القانون أن أحكامه تشمل العسكريين والمدنيين، وبالتالي فالقضاء العسكري قضاء خاص ويتبع السلطة العسكرية التي هي سلطة تنفيذية غير خاضعة للسلطة القضائية في تنفيذ تعليماته أو في فرض صلاحياتها، وحيث جاء نص المادة - 15- ((لرئيس مجلس القضاء الأعلى إصدار التعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القانون))، الإشكالية القانونية هل يخضع القضاء العسكري بصفته التنفيذية لأحكام سلطة مجلس القضاء الأعلى وبأي تبرير قانوني أو دستوري طالما أن الدستور فصل بينهما تكيفيا وتكوينيا.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الواقع العربي اليوم وقبل ربيعه الأسود ح2
-
الواقع العربي اليوم وقبل ربيعه الأسود ح1
-
ظهور الإسلام السياسي هو أزمة دين أم أزمة سياسة؟.ح2
-
ظهور الإسلام السياسي هو أزمة دين أم أزمة سياسة؟.ح1
-
مدخل نظري لمفهوم إعادة تدعيم المجتمع
-
نظرية الدولة الدينية بين حكم النص وبين دور الوعي الديني
-
من قضايا التنوير الفكري وأصول العمل فيها
-
الخوف والقسوة والإرهاب الفكري والسياسي ودوره في بسط ثقافة ال
...
-
مقهى عبد ننه ... قراءة في تأريخ مدينة يسكنها وهج السياسة ويت
...
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
قالها ومضى
-
الحق بين الله ورجل الدين
-
المعرفة الدينية وإشكالياتها التأريخية وأثرها في فشل الإنسان
...
-
العرب والأعراب وتاريخهم المتناقض
-
أنا ورائحة البحر
-
رجالٌ هُويتُهم وَطَن ... قراءة نقدية في قصيدة الشاعر عبد الج
...
-
الدين الإنساني وتحولات الوعي المتجدد
-
العراق وخيارات المرحلة ح2
المزيد.....
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
-
-الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا
...
-
الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
...
-
الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو
...
-
هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
-
سفير ايران بالأمم المتحدة: أميركا وبريطانيا تساهمان في استمر
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|