|
المتدين والعلمانية
إبراهيم رمزي
الحوار المتمدن-العدد: 5229 - 2016 / 7 / 20 - 22:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عيب المتدين - إذا قرأ - أنه لا يقرأ إلا قليلا من كتبه الدينية، ولا يتعداها إلى كتب أخرى سعيا لتوسيع مداركه وإرواء "نهمه" المعرفي المفترض، فهو كالطالب الذي يكتفي بـ"المقرر" الدراسي، ويعتبر نفسه جهبذا، سواء فهم المقرر أم لم يفهمه.
من مقولات الاستراتيجيين: "اعرف عدوك". ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتجميع المعلومات عنه، ومن ضمنها "أفكاره، وطرق تفكيره، وكيفية تخطيطه، ...". والمتدين لا يريد أن يعرف "عدوه" العلماني، ولو من باب إرضاء الفضول المعرفي، ..
المتدين جمجمته ملأى بأحكام جاهزة عن العلمانية، نُقِلتْ إليه شفويا من غيره، ولكنه لم يتخط حاجز الخوف ليطلع على الكتب العلمانية، حتى يتيقن بنفسه من الرأي الذي نسج حولها. قالوا له: العلماني عدوك. فصدق وآمن، وأقفل منافذ التعلم والبحث والمقارنة، ولم يبذل أدنى مجهود أو يقم ولو بخطوة بسيطة لتمحيص هذه المقولة، عن طريق قراءة بعض ما كتب العلمانيون.
المتدين خاضع لسيطرة الوهم، والترهيب، بأنه - إذا قرأ للعلمانيين - سيصبح تلقائيا "ملحدا". متناسيا أن إيمانه - إن كان صلبا قويا - لن يتزعزع بتأثير الاطلاع على "إلحاد" الغير. لذلك فهو يعادي العلمانية عن جهل مركب، وغباء مركب، وعقد مركبة، .. وسيصاب بالدهشة - إن لم تكن الصدمة - حين ينتصر على عوائقه النفسية والفكرية والاجتماعية .. وتوصيات التلقين .. ويبدأ بالتعرف على وجه العلمانية.
العلمانية تدعو إلى توظيف العقل، واعتماد المنطق، والحرية في التفكير، والجرأة في رفض الخزعبلات، ونبذ الأفكار المعلبة. ولا تريد من الشخص أن يكون إمَّعة تابعا للقطيع بحكم: العاطفة، والتلقين، والتقليد، والتعصب، والتخويف، ..
العلمانية تريد من الشخص أن يكون متفاعلا بإيجابية مع عصره وزمانه .. مع عالمه الحالي الذي أصبح كالقرية الصغيرة نتيجة التقدم العلمي ووسائل الاتصالات الحديثة .. ولا تريد منه أن يعيش حاضره بعقلية القرون المندثرة، أو تتحكم في تصرفاته "أفكار" الرمم البالية.
العلمانية تنتقد الفكر الديني. وتتجاوز المعتقد الديني لأنه حق شخصي، ولأن من مباديء العلمانية احترام الحقوق والدفاع عنها. ولذلك فهي لا تطلب من الشخص التخلي عن معتقده الديني، ولكنها تدعوه إلى غربلة الأفكار المرتبطة بهذا المعتقد، ونبذ ما فيه من أوهام وخرافات.
العلمانية تنادي بإخراج الدين من الشأن العام، وقصْره على الشأن الخاص. فكل الطقوس التي يمارسها المتدين في إطار ما يؤمن به، ويرجو من ورائها الثواب والحسنات، والفوز بالجنة في الآخرة، ويتجنب المعصية والآثام، للنجاة من النار .. كلها خاصة بالمتدين وحده، فلا يمكنه أن "يَهَبَ" معاصيه ويلصقها بغيره، ولا يمكنه أن يقتسم حسناته أو يقبل بسلبها منه لصالح طرف آخر .. الدين علاقة خاصة بين الفرد وربه. أما الشأن العام فيخضع للقوانين التي يضعها المجتمع - وفق نسق متجدد - لتنظيم علاقات الأفراد وعلاقات الدول فيما بينهم، في شتى مناحي الحياة، حتى لا يسود حكم الغاب.
العلمانية ليست شرطي دين "أو مطاوع"، يترصد الشخص ليحاسبه على: طعامه وشرابه ولباسه ومظهره وعواطفه، وأدائه لشعائره تبعا لطقوس يرضاها "سدنة الهيكل" وقد لا تروق لهم إن جاءت مغايرة لتصوراتهم، ممّن يختلف معهم، العلمانية تدعو إلى التعايش والتسامح والسلام، ولا تحاسب أحدا على: مذهبه الديني ورموزه، أو التعبير عن معتقداته، أو إبداء رأيه في القضايا العقدية ... ما دام بعيدا عن التطرف والتعصب والحقد والعنصرية والتحريض على النعرات الطائفية ...
العلمانية تنتقد الفكر الديني، لأنه من وضع بشر مثلنا، اجتهدوا لفائدة عصورهم وحياتهم. وأفكارُهم قابلة للصواب والخطإ، وقابلة للنقد، وقابلة للتبني أو الرفض، وقابلة للإلغاء لعدم مسايرتها لعصرنا وحياتنا. والعلمانية - بهذا الموقف - تقدم للدين خدمة جليلة، إذ تُنشِّط قرائح "حُماته" لاستنباط "اجتهادات" من وحي الحياة المعاصرة لتواكب متطلبات الأتباع.
العلمانية لا تنطلق من التقديس، ومن يتصدى لنقد الفكر الديني يفترض أن له اطلاعا - (مقبولا وشاملا) - على الأفكار الدينية والملابسات التاريخية، يزنها بميزان العقل والمنطق، وذلك ما يفتقده (أو يتنكر له) المتدين العاطفي المتعصب حين يتسلح بالسباب والتجريح والعنف إزاء كل نقد يتصدى لما اعتاد إحاطته بهالة تقديس.
العلمانية ليست مرادفا للانحلال الأخلاقي ، وإلا لأدى ذلك إلى انهيار القوانين التنظيمية، وتفسخ المجتمع، ثم اضمحلال الدولة. وليس أهون على العبثيين المعادين للعلمانية من إلحاق كل نقيصة بها، سعيا للتصدي لها بالجهل والمكابرة وسقم العُدة.
#إبراهيم_رمزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدرستي الحلوة - كتابة ساخرة -
-
الموقع العتيق
-
-مساهمة- في فوضى الفتاوي
-
هواية إصدار الفتاوي
-
فتوى غريبة
-
عيد الحب
-
محكمة تفتيش
-
الوزير والجَرَّة - كتابة ساخرة
-
وقال أشرف فياض
-
مهاجر: أما آن لهم أن يخجلوا ...؟
-
نكتة رئيس الحكومة المغربية
-
نكحُ حوريةٍ، عمرُها: عمرُ الأزَل
-
التطرف ونماذج من المعيش اليومي
-
من يوميات الشيطان
-
باسْم السيف وباسم الكوثر
-
-السيخ- بغدادي
-
على هامش مقال للأستاذ كامل النجار
-
الوقاية من وباء التعالُم
-
هوية
-
قليل من الوقاحة
المزيد.....
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|