طرد داعش عسكريا من المدن والقرى لايعني انتهاء عمر الارهاب او نهاية الارهابيين
سامان كريم
2016 / 6 / 19 - 23:44
سؤال: هناك راي يقول بأن نهاية داعش ليست مرهونة بالعمليات العسكرية على الأرض ولا مرهونة بحل النزاع السوري أو الأزمات في المنطقة.. بل ترتبط بقرار من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والإقليمية غير العربية، بإحالته على التقاعد بعد أن يؤدي المهمة المرسومة له. ومعروف الدور الذي عادة ما تقوم به أجهزة مخابرات تلك الدول في إدارة "عمليات التنظيمات الأرهابية" عبر اختراقها، وذلك لتنفيذ أجندة حكوماتها وأنظمتها التوسعية في المنطقة العربية. هل حانت ساعة أحالة داعش على التقاعد ام لازال هناك أجزاء لم تكتمل من المهمة المرسومة له؟؟ وهل نحن على عتبة عراق مابعد داعش او ان داعش له عمر أطول في العراق؟!..
سامان كريم: القضية ليس بهذه البساطة. الاسلام السياسي حركة عريضة ومتنوعة ومتعددة الأشكال والمشارب. الاسلام السياسي كحركة سياسية اجتماعية هي التي احتضنت وتحتضن داعش سواء كان متوافقة معه او مخالفة له. داعش او "دولة الخلافة الاسلامية" هي اخر ما توصلت اليه هذه الحركة علي صعيد المنطقة, ليس من ناحية نفوذها وسطوتها وسيطرتها على الارض، بل اهم من كل هذه المسائل من منظور جبروتها ووحشيتها في القتل ايضا, وقدرتها على تعبئة الشباب على ارجاء المعمورة.
علاقة داعش بامريكا ليست علاقة مباشرة بل تتعداها الى علاقة سياسية اشمل وهذه هي قضيتنا نحن كشيوعين, نحن لسنا دعاة نظرية المؤامرة ولا محللين نعمل بالأجر لدى مؤسسات ومعاهد اعلامية وسياسية, حتى نحصل على معلومات استخباراتية. عليه القضية بالنسبة لنا وكما أكدنا دائما, هي قضية سياسية تتقاطع في نقاط كثيرة وهناك مؤشرات نشرت في الاونة الاخيرة تؤكد هذه العلاقة وخصوصا العلاقة مع منظمة القاعدة.
قضية تمويل داعش واعادة انتاجها بشريا, ومساعدتها لوجستيا قضية واضحة تمر عبر تركيا والسعودية وقطر.. بصورة واضحة يدافعون عن جبهة النصرة مثلا. بغض النظر عن هذا وذاك اصبحت داعش قوة اسلامية مقتدرة لها انصارها واعضائها ومؤيديها. هي جزء من حركة سياسية اجتماعية اوسع واشمل بكثير, جزء من حركة الاسلام السياسي السني.
ليس بالامكان السيطرة الكاملة على داعش من الناحية العسكرية. داعش لديها مليشيات ارهابية. هذه الميلشيات لها حاضنة شعبية عريضة من العراق الى سورية وليبيا والاردن وتركيا والسعودية والكويت والقائمة تطول.. بالامكان كسر القوة الميليشياتية لداعش في معركة ما مثلا في الفلوجة او الانبار او الرقة, وبالتالي طرد داعش من هذه المدن عسكريا, هذا ممكن وكما رأينا في مناطق عدة واليوم نراه في الفلوجة ايضا. لكن القضية هي ان القوة التي انكسرت وتحطمت هي القوة العسكرية التي تتجلى في ميليشيات ارهابية تقاتل ضد الجيوش والميلشيات الاخرى, اما القوة الاصلية التي تنتج هذه الحالة الارهابية باقية في مكانها فكرا وتصورا وتقليدا وسياسية, ناهيك عن ذوبان او اخفاء جزء كبير من الارهابين او من المسلحين لجيوش الاسلام الداعشي في اطار حاضنتها المريحة والمتوفرة اجتماعيا.. اذن وهذا اخطر من داعش العسكري او داعش الارهابي..
البرجوازية العالمية وعلى راسها امريكا والاعلام العالمي معها من الجزيرة الى العربية وسكاي نيوز وبى بى سي وسي ان ان.. تروج لهذه الرؤية اي رؤية "ما بعد داعش" حتى تثبيتها في عقول الملايين اومئات الملايين من البشر, كي يتسنى لها ان تقول, ان داعش انتهى بقيادة اوباما لكي يسجل الحزب الديمقراطي في امريكا نقطة انتخابية لصالحه, لكي يمررون سياساتهم على القوى البرجوازية المحلية ويربطون مشاركتهم في ضرب داعش او في عدم وقف هجماتها بفرض سياساتها على هذه الحزب او تلك الدولة او التيار, لكي يوسعوا سيطرتهم على مناطق النفوذ وازاحة منافسيهم, وفي سبيل تحميق الجماهير خصوصا في أمريكا والغرب عموما. تحميقها وتضليلها على ان داعش انتهى اما تقاليد قتل النساء وتزويج الاطفال والنقاب وقطع الايادي ومنع الموسيقى والملابس الحديثة, هذه تقاليد طبيعية وازلية لهذه المناطق لا دخل فيها لداعش. بمعنى اعادة تصوير او اعادة بناء تصوير الأنسان في العالم العربي ومنطقة الشرق الاوسط, على أن أنهم بدائيين ومتخلفين عن العالم المتحضر حسب قولهم بمئات من السنين.. هذه هي القضية الاصلية وراء تلك الدعايات الرخيصة. بهذا المعنى داعش يبقى اجتماعيا وفكريا وتقليديا, وبامكانها اعادة تنظيم ذاتها مرة اخرى ربما تحت اسم اخر..
العراق ما بعد داعش او سوريا ما بعد داعش له مدلولاته السياسية وحتى الاجتماعية. من يروج لهذه القضية يروج لسياسة معينة وعراق محدد, عراق يتفق ورؤيته عراق ينسجم مع طموحاته وسياساته.. العراق ما بعد داعش وفق الرؤية الامريكية تعني التوازن السياسي لصالح الاسلام السياسي السني في السلطة العراقية مقارنة بالمرحلة الراهنة, بالتالي تحجيم النفوذ الايراني الروسي, وهذه الرؤية تتوافق مع التقسيم الطائفي للبلد على اساس "سنة وشيعة" وبناء مراكز فدرالية متعددة.. هذه الرؤية والسياسية ولكن تطبيقها قضية اخرى مرهون بمعادلات القوة في المنطقة وليس في العراق فحسب. وهكذا يراها الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة البارزاني وجماعة النجيفي واتحاد القوى العراقية... هذه الاشكال من الطائفيين الجدد..
في سورية امريكا تريد تطويق نظام الاسد, مشكلتها ليس ضرب داعش, ولكن عليها ان تضرب داعش لكي تضمن تواجدها وتكسب سياسة القوى المعادية للارهاب مثل الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري "يدب" والاخرون.. وبالتالي تحجيم النفود الايراني والروسي وخصوصا الروسي.. ووفقا لهذه الرؤية ان سورية موحدة كارض ولكن منقسمة كمجتمع وفقا لــ "درزستان" و"كردستان" و"علويستان" والخ.. هذه هي الرؤية لما بعد داعش لامريكا ومعها القوى المحلية والاقليمية.
الرؤية المرادفة لها اي للرؤية الامريكية في العراق هي رؤية ايرانية روسية وتعني اعادة الاوضاع الى ما قبل العبادي اي الى فترة المالكي.. بمعنى ضرب داعش ودحرها وطردها على الاقل عسكريا وشراء ولاءات وذمم عشائر الطائفة السنية لاستلام تلك المناطق التي طردت منها داعش... هذه ايضا رؤية سياسية معلومة وتطبيقها اوجد "الحشد الشعبي". هكذا يراها المجلس الاعلي وحزب الدعوة ومنظمة بدر..
القوى البرجوازية القومية الكردية تهدف الى كسب عطف سياسي والحصول على موافقة سياسية من القوى العالمية لتقسيم العراق وبناء "الدولة الكردية" على الاقل في كردستان العراق.. في اطار اعادة تقسيم المنطقة وفي ظل عراق ما بعد داعش ولو ليس بصورة مباشرة من ناحية التوقيت الزمني.
كل القوى السياسية سواء كانت عالمية او مناطقية او محلية ترى العراق ما بعد داعش وفق مصالحها وتحاول من اجل كسب ما يمكن كسبه. في التحليل الاخير معادلات القوة على الارض في المنطقة بين القوى المتصارعة هي التي ستحسم الامر.
نرى لعبة سياسية حقيرة بين تلك القوى على حساب أنهار من دماء الاطفال والنساء والشباب والشيوخ في الفلوجة والموصل والرقة ورايناه في الانبار.. قضية حسم معركة الفلوجة وطرد داعش منها هي اساسا صراع بين الرؤيتين الايرانية والامريكية لما بعد داعش وفق ما شرحناه اعلاه.
مع كل هذه الصراعات الدموية بين الاجنحة المختلفة للبرجوازية الحاكمة في العراق, نرى ان جميعهم اي البرجوازية العراقية كطبقة سياسية متفقة ضد العمال والفقراء والكادحين جميعهم بدون استثناء, عبر سياسية التقشف والترشيق الاداري وتقليل الخدمات العامة وخصخصة القطاع العام، عبر اتفاقها اي الحكومة الحالية مع البنك الدولي وفي خصم المعارك وتجيش الجيوش والحالة الامنية البائسة.. هنا البرجوازية تركن مسميات السنة والشيعة والكردية والعربية وتنسى هذه الالقاب المصطنعة.. هناك وامام قدسية الرأسمال واوامر البنك الدولي البرجوازية تنسى دينها وطائفتها وقوميتها وكلها متفقة ومنسجمة ضد العمال والفقراء..
العراق ما بعد داعش وهنا اضيف العراق ما بعد سيطرة داعش على المدن, حيث فيها دقة اكثر... اذا لم تقم الطبقة العاملة بدورها الريادي وهو ما اراه صعبا, براي سيعيش المجتمع في حالة بائسة. العراق ما بعد داعش عسكريا, اي الحكومة العرقية الحالية تصبح حكومة اكثر عنفا وهجوما لفرض الفقر والمجاعة لخصخصة كافة القطاعات الخدمية والانتاجية, يصبح العراق والمناطق التي طرد منها داعش عنواناً مستمرا لفرض التراجع الفكري والسياسي والثقافي على الجماهير.. ويصبح العراق عنوانا للمزيدات السياسية ومحاولة قطع اوصاله من قبل القوى الرجعية والاسلامية والطائفية. لا مفر الا بالنضال والنضال لتنظيم الجماهير وتوحيد لحمتها النضالية بوجه الاكاذيب والنفاق والخداع والممارسات والسياسيات التي تقودها القوى البرجوزاية الحاكمة المحصصاتية الاسلامية والقومية والطائفية. ان جميع هذه القوى لاتمثل الا الرأسمال وربحه, هم تجار الحرب الطائفية والدينية. النضال والتنظيم وحشد القوى من اجل بناء سلطة جماهيرية مباشرة, بناء حكومة جماهيرية مباشرة او تمثل جماهير العراق بصورة مباشرة. العراق بدون دور قوة الطبقة العاملة وفق رؤية ثورية ومنظمة, سيتراجع اكثر واكثر. من يتصور ان طرد داعش عسكريا في المدن والقصبات تعني انتهاء عمر الارهاب او انتهاء الارهابيين, متوهم. البرجوازية العالمية تبتغي الارهاب في هذه المرحلة وباشكال مختلفة.. تهدف الى التقسيم وباشكال مختلفة ووفق توازن القوى. بدون نزول الطبقة العاملة المنظمة كقوة مؤثرة لا ارى نورا في الأفق.. ولا ارى تحسنا جذريا في الوضع الامني والقضاء على الارهاب وتحسن في الحياة الاجتماعية والمعاشية في العراق والمنطقة، وخصوصا في هذه المرحلة التي سميناها مرحلة انتقالية في كتاباتنا السابقة.