سعدون الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 5191 - 2016 / 6 / 12 - 02:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حرب الخليج ( الملف السري)
تأليف:
- بيير سالينجر
- إريك لاورينت
ترجمة :
سعدون الركابي
الناشر: دار كيوان للطباعة و النشر
دمشق
الطبعة الأولى
2005
الحلقة الخامسة عشرة
الفصل الخامس
كانت اليابان - و بِسببِ تداور الوقت – أولُ قوةٍ صناعيةٍ و إقتصاديةٍ, تعرفُ بتفاصيلِ الغزو. و بينما كانت الولاياتُ المُتحدّة تغُطُّ في الظلام, كانت أوروبا لا زالت نائمة. كان المُراقبون اليابانيون يُتابعون لحظةً بلحظةٍ تطوُّرَ الأحداث. اليابانُ التي تفتقدُ الى الموادِ الأوليةِ, تعتمدُ بِنسبةِ ثمانون بالمئةِ على بترولِ الخليج. و الكارثةُ التي تحدثُ الآن, كانت تُعتبرُ شديدةَ الخطورةِ. فسعرُ البترول في سوقِ " البورصةِ " أو المُقايضةِ, و الذي يتمُّ التساومُ فيهِ على سعرِ كُلِّ شُحنةٍ على حِدة, إرتفعَ حالآ. و هذا الصعودُ الكبير لسعرِ البترول, إمتدَّ مِثل " النار في الهشيم " في الأسواقِ الماليةِ في الشرقِ الأدنى. إذ وصلت هذهِ الأسواق الى حافَّةِ الإنهيارِ و الفوضى, ثُمَّ جاءتها الضربةُ القاصمةُ في يوم 2 آب. بقيةُ مناطقِ العالم وقفت حائِرةً, سواء أ كان الأمرُ في نيويورك أو لندن أو زيورخ أو فرانكفورت أو باريس.
كان الملكُ حُسين نائِمآ في بلاطهِ, الذي بناهُ في وسطِ عَمّان, عِندما أيقضهُ جرسُ الهاتف الذي كان قد وُضِعَ بجانبِ سريرهِ. كانت الساعةُ تُشير الى السادسةِ فجرآ. كان الملكُ قد أعطى – و منذُ وقتٍ طويل – تعليماتهِ المُشدَّدة لوزرائهِ و مُعاونيهِ الرئيسيين, بأن لا يتمُ إزعاجهُ أو إيقاضهُ بالهاتف إلا في الحالاتِ الخطرةِ جدآ. على طرفِ الهاتف البعيد, كان يأتيهِ صوتٌ مبحوحٌ كأنَّهُ يبكي. لم يستطع الملكُ معرفةَ صاحبِ الصوتِ فورآ, إذ كان الصوتُ غامضآ و المُتكلِّمُ يبحثُ عن الكلماتِ و هوَ يصرخُ في الهاتف: " هل سمعت... هل سمعت..؟؟ " و بعد بُرهةٍ عرف الملكُ حُسين من هو صاحبُ الصوتِ, إنَّهُ الملك فهد. كان الملكُ السعودي يتّصلُ بهِ من جدَّة, " لفد تمَّ غزو الكويت – يُضيف فهد – و القواتُ العراقية تتواجدُ على بُعدِ بضعةِ كيلومتراتٍ من مدينةِ الكويت. يجب أن تتَّصلَ بصاحبكَ, يجب أن تتَّصلَ بصدّام حُسين حالآ. و أن تطلبَ منهُ أن يسحبَ قواتهُ الى الحدود, الى منطقةِ الحدود المُتنازع عليها... ". حاول الملكُ حُسين تهدِئةَ روع الملك فهد, و الذي رُبَّما كان قد تكلّمَ بالهاتفِ للتوِ معَ الأمير المُبعد, و وعدهُ بالتدَخُلِ الفوري. في الواقع, و في نفس هذهِ اللحظة, أي في حوالي الساعةِ السادِسةِ و الرُبع فجرآ, تَمَّ إيقاظُ وزيرِ الخارجيةِ الأُردني مروان القاسم, من قِبلِ القُليبي الذي إتصلَ بهِ من القاهرة, و أطلَعهُ على الإنقلابِ الذي قامَ بهِ العراق. كان الوزيرُ القاسم, قد عادَ مساءَ تِلكَ الليلةِ من القاهرة. فكّرَ الوزير, هل سيُخطِر الملك أم لا؟ و قرَّرَ الوزيرُ مروان أخيرآ, مُخالفةَ الوعد. إتصلَ بالبلاطِ, رغمَ خوفهِ من ردَّةِ فِعلِ الملك و الذي سيكون هوَ سببَها. و لكِنَّهُ دُهشَ عندما فاجئهُ الملك و هوَ يُجيبهُ ببرودٍ و حزنٍ قائِلآ: " لقد سمعتُ الخبر ".
في الساعةِ السادسةِ و النصف صباحآ, إتصلَ الملكُ بِبغداد. كانت لديهِ العديدُ من أرقامِ الهواتفِ التي يُمكنَهُ أن يجدَ صدّام حُسين من إحداها. حاولَ الأرقامَ جميعآ, و لكن عبثآ. لم يجد الرئيسَ العراقي على طرفِ أيٍّ منها, و لم يستطع التحدُّثَ إلا معَ طارق عزيز وزير الخارجية. و لم يعرف شيئآ عن مُحاولاتِ الملك الأُردني للحديثِ معهُ. إذ تحصَّنَ صدّام في موضعهِ الأمين الذي بناهُ و جهَّزهُ قُربَ العاصمةِ, مُحاطآ بأعضاءِ مجلسِ قيادةِ الثورةِ, و كذلكَ قادةِ جيشهِ. كان هو ينظرُ للغزو, بأنّهُ نجاحٌ حقيقيٌّ. إذ سيطرت قواتهُ – في واقعِ الأمر – على كُلِّ الإمارة. و هي الآن تُطهِّرها مِمّا تبقّى من أعشاشِ المُقاومةِ, في العاصمةِ الكويتيةِ خاصةً. مُستمعآ لبياناتِ الراديو الآتيةِ من خطِّ الجبهةِ, و كذلك التقاريرِ التي كانت تُجلبُ إليهِ بدونِ توقُّفٍ, كان صدّام حُسين لا يستطيعُ إخفاءَ سعادتهُ. فالبلدُ الذي وضع يديهِ عليهِ للتو, هو عُبارةٌ عن كنزٍ هائلٍ, إضافة إلى إنّهُ – و حسبَ رأيهِ – جزءٌ مُكمِّلٌ للأرضِ العراقيةِ. رُبما هو لم يُدرك, بأنَّهُ يُصحِّحُ ما هو في نظرهِ قد كان ظُلمَ و تعسُّفَ القوى الإستعماريةِ. و لكِنَّهُ في حقيقةِ الأمر, كان يتحدّى العالمَ كُلَّهُ.
في واشثنطن, كانت الساعةُ 23.30 من مساءِ الأول من آب, و لم يبقَ إلا نُصفُ ساعةٍ لإدراكِ التأريخ المصيري, أي يوم الثاني من آب. مُباشرةً بعدَ اللقاءِ معَ جورج بوش في الساعةِ 21, غادرَ برنت سكوكروفت و ريتشارد هاس الى غرفةِ العمليات. و هي قاعةُ مُؤتمراتٍ خاصةٍ كاملةِ التجهيز في الطابقِ الأرضي من البيت الأبيض. كانت هُناكَ عِدَّةُ قاعاتٍ في مُختلفِ الجوانبِ, تتدَلّى على جدرانِها خرائِطٌ كثيرةٌ و بِأحجامٍ كبيرةٍ, تُمثِّلُ مُختلفَ المناطقِ في العالم. كانت مئاتُ المعلوماتِ المُرسلةِ في كُلِّ صباحٍ الى البيتِ الأبيض, من مُختلفِ الأجهزةِ السريّةِ. يتُمُُّ تحليلُها و دراستُها على ضوءِ هذهِ الخرائطِ. غرفةُ العملياتِ هذهِ, مُزوَّدةٌ بنظامٍ معلوماتيٍ مُعقَّدٍ جدآ. إذ تمَّ حالآ ربطُ كُلٍ من البيت الأبيض و وزارةِ الدفاع و وزارةِ الخارجيةِ و وكالاتِ المُخابراتِ و مقرِ القيادةِ العامةِ, تمَّ ربطُهم بصلةِ " فيديو " " مُشفَّرةٍ ". الحضورُ كانوا – بالإضافةِ إلى سكوكروفت و هاس – كُلآ من: جون روبسن مُساعدُ وزير المالية و وليام وبستر و مساعدهُ ديك كيرو و الأميرال داف جرميه مُساعدُ قائدِ القيادةِ العامةِ و باول ولفوفيتس من وزارةِ الدفاع. تحدَّثَ الحضورُ من خلالِ الشاشةِ فيما بينهم, و تبادلوا و دقَّقوا الأخبارَ التي كانوا يستلمونها, و التي تُثبتُ ضخامةَ الهجومِ. كان برنت سكوكروفت يُديرُ هذهِ المُداخلاتِ و يطبعُ الإجتماعَ بلهجتهِ المُتوازنةِ و الدقيقةِ. كان يخرجُ في فتراتٍ مُنتظمةٍ, للإتصالِ بجورج بوش الذي بقيَ في شُققهِ. في الساعةِ الحاديةِ عشرة مساءآ, كان لهُ آخرُ إتصالٍ, بعدها ذهبَ الرئيسُ لينام. تَمَّ إتخاذُ العديدِ من الإجراءاتِ, من بينها الدعوةُ لإجتماعٍ عاجلٍ معَ الرئيس, و ذلك في الساعةِ الثامنةِ من صباحِ يومِ غد. كما تقرَّرَ أيضآ, تجميدَ جميعِ المُمتلكاتِ العراقيةِ, و بصورةٍ خاصةٍ الكويتيةِ منها, كي لا تقومُ الحكومةُ الجديدةُ التي تَمَّ إنشائها, بالإستيلاءِ عليها. و لكي تكونُ هذهِ العمليةُ ناجحةً تمامآ, فإنَّ ذلكَ يستوجبُ تنسيقآ تامّآ على مستوى العالمِ كُلِّهِ. في حقيقةِ الأمرِ, فإنَّ الكويتيين يُوزِّعون 10 بالمِئةِ من إنتاجِهم النفطي. إذ تُرسَلُ 2% من إنتاجهم – و لِسخريةِ الأقدار - كقروضٍ للعراق, في فترةِ الحربِ معَ إيران. بينما يتمُّ تحويلُ 85% غيرها نحو " صندوقِ الضماناتِ المُستقبليةِ ". و هذا الصندوقُ مكفولٌ من قبلِ مكتبِ الإنماء الكويتي " كيو " العملاق, و مقرُّهُ المركزي في لندن. و طِبقآ لجميعِ التقديرات, فإنَّ مجموعَ الإستثماراتِ المكفولةِ من " كيو ", يُقدَّرُ بين 100-120 مليار دولار. و تصلُ الإستثماراتِ الكويتيةِ في الولاياتِ المُتحدةِ الى أكثرِ من 10% من جميعِ الإستثماراتِ الأجنبيةِ فيها. إذ إستثمرت الإمارةُ في الولاياتِ المُتحدةِ ما بينِ 25-30 مليار دولار, بِشكلِ أسهُمٍ و مُمتلكاتٍ ثمينةٍ و مُمتلكاتٍ عُمرانيةٍ. و في إسبانيا, تُعتبرُ الكويت, أكبرُ مُستثمرٍ أجنبيٍ. بينما يحتَّلُ الكويتيون مراكزَ مُهمةً في مجالسِ إدارةِ الكثيرِ من الشركاتِ الكُبرى, الكثيرُ منها مُتخصِّصةٌ في مجالاتٍ فاعِلةٍ, مثلَ الإعلامِ و الدفاعِ و المُركَّباتِ العضويةِ ( مثلَ مُشتقاتِ البنزين ). في بريطانيا, يُعتبرُ " كيو " اللاعبُ الأساسي في الحياةِ الإقتصاديةِ و الماليةِ لبريطانيا العُظمى. إذ يمتلكُ الكثيرَ من الأسهمِ خاصةً في البنوكِ أو في شبكاتِ الفنادِقِ. ذاتَ مرَّةٍ, إشترت " كيو " 22 بالمِئةِ من أسهُمِ العملاقِ النفطي " شركةِ بريطانيا العُظمى النفطيةِ ". و لكنَّها إصطدمت معَ ردِّ الفعلِ العنيفِ للحكومةِ البريطانيةِ. فإضطرَّت الى بيعِ جزءٍ من أسهُمِها, و بقيت " كيو " مُحتفُظةً بحُصَّةِ 9.9 بالمِئةِ من أسهمِ الشرِكةِ العملاقة. في المانيا الغربية, تُعتبرُ " كيو " مُستثمِرآ في مُختلفِ المجالاتِ المُتقدِّمةِ في إقتصادِ ما خلف الراين ( نِسبةً الى نهرِ الراين ), مِثلَ دايملر- بنز و هوبكست. في اليابان, تُعتبرُ الأُمارةُ أيضآ, أكبرُ مُستثمرٍ أجنبيٍ, سواء بشكلِ مُمتلكاتٍ ثمينةٍ أو بِشكلِ أسهُمٍ في أسواقِ " البورصةِ ".لقد إخترقت " كيو " و مالكوها الماليون جميعَ البُلدانِ الرإسماليةِ بما فيها جنوبِ أفريقيا. و في بُضعِ ساعاتٍ, تمكَّن صدّام من تغييرِ مُعادلاتِ القوى, مُتربِّعآ على مُلكيةِ الحقولِ البتروليةِ الضخمةِ. إذ يُسيطرُ الآن على أكثرِ من خُمسِ البترولِ المُنتجِ في العالمِ كُلِّهِ. بينما تستطيعُ إستثماراتِ الإمارةِ تزويدهُ بغنيمةٍ ضخمةٍ و وسيلةِ ضغطٍ عظيمةٍ على الإقتصادياتِ الغربيةِ. و من أجلِ القضاءِ على هذا الخطرِ, تصرَّفَ المسؤولون الأمريكيون بسرعةٍ فائِقةٍ. إذ تمَّ إستدعاءُ أبرزِ الشخصياتِ الإقتصاديةِ و الماليةِ و القانونيةِ و السياسيةِ من القاطنين في واشنطن. و تمَّ إيقاضُهم في عزِّ الليل, و إستلموا أمرآ بأن يأتوا الى البيتِ الأبيضِ فورآ. معظمُهم كانوا مُحامينَ مُنتسبين الى وزارةِ العدل. كان الإستدعاءُ مُصاغآ بإسلوبٍ محليٍ. و لم يعرف أحدٌ لحظةَ حضورهِ الى الخدماتِ الأمنيةِ في مدخلِ رِئاسةِ البيت الأبيض, الأسبابَ الحقيقيةَ لهذا الإستدعاء. بعدَ بُضعِ دقائقٍ من ذلك, تمَّ وضعُ الطلب أمامهم. و هو صياغةُ وثيقةٍ قانونيةٍ, تتضمَّنُ كُلَّ الإجراءاتِ القانونيةِ الكفيلةِ بالتجميدِ التامِّ لكُلِّ المُمتلكاتِ العراقيةِ و الكويتيةِ في كُلِّ الولاياتِ الأمريكيةِ. كان إجراءٌ غيرَ ذي أثرٍ على بغداد. و لكِنَّهُ يهدفُ – و بصورةٍ خاصةٍ – لحمايةِ مصالحِ الحكومةِ الكويتيةِ الموجودةِ في المنفى الآن. و في الوقتِ الذي كان يعملُ فيهِ الخبراءُ في البيتِ الأبيضِ على صياغةِ القرارات, إتصلَ باول روبسون, بكُلِّ دولِ العالم, بالعواصمِ الأوربيةِ و الأسيويةِ, و بحكَّامِ البنوكِ المركزية المُهمَّةِ في العالم. و لقد تمَّ إيقاظُ الكثيرِ من هذهِ الشخصياتِ من النوم. و هكذا, فقد سمِعت – هذهِ الشخصياتُ – لأوَّلِ مرَّةٍ, بنبأِ الغزوِ من روبسون نفسهِ. لدى هذا المسؤولِ الأمريكي الرفيعِ المُستوى, الحقُّ بتجميدِ جميعِ الأسهُمِ و المُمتلكاتِ العراقيةِ و الكويتيةِ, قبل أن تستولي عليها الحكومةُ الجديدةُ في الكويت, في جميعِ أنحاءِ العالم, كما سيحدثُ ذلك في الولاياتِ المُتحدةِ. تمَّ إيقاظُ الرئيس جورج بوش في الساعةِ الرابعةِ و الربع فجرآ, إذ كانت جميعُ القراراتِ جاهزةً, فقامَ بتوقيعِها. و هكذا, فإنَّ قرارَ تجميدِ المُمتلكاتِ قد تمَّ وضعهُ موضعَ التنفيذِ فورآ. وكالةُ الإعلام, التابعة للبيتِ الأبيض, قامت بنشرِ هذا البيان في كُلِّ مكانٍ و إبلاغِ من يعنيهم الأمر. بعدَ وقتٍ قصير, قامت كُلٌّ من فرنسا و بريطانيا, بتجميدِ المُمتلكاتِ الكويتيةِ و العراقيةِ. بريطانيا, قرَّرَت التريُّثَ حتى يومِ 4 آب, بشأنِ تجميدِ المُمتلكاتِ العراقية. كانت إجتماعاتُ " غرفةِ العملياتِ " مُستمرةً بدونِ توقُّفٍ طيلةَ الليلِ. فبعدَ أن مرَّت لحظةُ الصدمةِ, ذلك إنَّهُ لم يكُن أحدٌ يعتقدُ بحقٍ, بأنَّ صدّام حُسين سيُغامرُ بتنفيذِ تهديداتهِ, تمَّ رسمُ الخطوطِ العريضةِ لقواعدِ بعضِ ردودِ الأفعال. الخيارُ العسكري لم يكُن مطروحآ بعد. و لكِنَّ الخياراتِ الدبلوماسيةَ قد تبلورت بوضوحٍ. إذ تمَّ الإتصالُ بالأميرِ و مُعاونيهِ, اللاجئين في جدَّة, مُنذُ لحظةِ وصولِهم الى المملكةِ. و لقد قامَ المسؤولون الأمريكيون بالتشاورِ معهم طيلةَ الوقتِ, و ذلك لغرضِ بلورةِ قرارٍ لمجلسِ الأمن, ثُمَّ دعوتهُ المُستعجلةَ للأنعقادِ. في منهاتن, حيثُ مقرِ الأُممِ المُتحدةِ, إزدحمت السياراتُ – التي كانت تصلُ هُناك يشكلٍ غير طبيعيٍ في مِثلِ هذهِ الساعةِ – و هي تجلبُ السفراءَ و وفودَهم الى البنايةِ الزجاجيةِ المُطِلَّةِ على ضِفَّةِ هودسون. في الساعةِ الرابعةِ و النصفِ فجر يوم 2 آب بتوقيتِ نيويورك, صدرَ أولُ قراراتِ أزمةِ الخليج, برقم 600. و الذي يطلبُ من بغداد, الإنسحابَ الفوري و غيرَ المشروطِ من الكويت, و العودةَ الى حالةِ ما قبلَ الغزو. اليمنُ فقط رفضت التصويت, في الوقت الذي إنضمَّت فيهِ كُلٌّ من فرنسا و بريطانيا و الإتحاد السوفيتي و الصين و حتى كوبا ( كوبا تخاف على نفسِها من مصيرٍ مُماثلٍ – المُترجِم ), إنضمَّت الى صوتِ الولاياتِ المُتحِدةِ. السفيرُ العراقي في الأُممِ المُتحِدةِ , صرَّحَ بأنَّ حكومتهُ كانت قد " إستجابت لِطلبِ المُساعدةِ الذي جاءَ من الشبابِ الثوريين الكويتيين "! إعتمدَ القرارُ على البندِ السابع من مِيثاقِ الأُممِ المُتحدةِ, و الذي ينُصُّ على تطبيقِ العُقوباتِ ضِدَّ البلدِ المُعتدي. و إذا ما فشلت هذهِ العقوبات, " يتُمُّ مُحاصرةُ هذا البلد أو إتِخاذُ إجراءاتٍ أُخرى, عن طريقِ الجوِ و البحرِ و البرِّ من قِبلِ قواتِ الحكوماتِ الأعضاءِ في الأُممِ المُتحدةِ ". كان كُلٌّ من برنت سكوكروفت و ريتشارد هاس و جميعُ الذين شاركوا في " مُباريات الماراثون " الليلي, و الذي إستمرَ من الساعةِ التاسعةِ من مساءِ يومِ 1 آب الى الساعةِ الخامسةِ من فجرِ يومِ 2 آب, يُدركونَ جيدآ, بأنَّهُ لم يبقَ لديهم إلا ثلاثُ ساعاتٍ كي يذهبوا الى بيوتهِم, لِيأخذوا حمّامآ مُنشِّطآ و لِيغيروا ملابسَهم. ذلك إنَّ الإجتماعَ الذي دَعى إليهِ الرئيسُ جورج بوش, سيبدأُ في البيتِ الأبيضِ في تمامِ الساعةِ الثامنةِ صباحآ. في الساعةِ العاشرةِ و النصفِ من صباحِ يومِ 2 آب, المُوافقةِ للساعةِ الحاديةِ عشرةِ من مساءِ يومِ 1 آب في واشنطُن, و في نهايةِ المُؤتمرِ الصحفي, ذهبَ كُلٌّ من وزيري خارجيةِ الولاياتِ المُتحدةِ و الإتحادِ السوفييتي الى مطارِ أركوتسك في سيبيريا. إذ غادرَ شيفارنادزة مُتجِهآ الى موسكو, بينما إتَّجهَ بيكر نحو العاصمةِ المنغوليةِ " أولان باتور ". أمّا مُساعدهُ دنيس روس, فلقد ذهبَ الى موسكو في طائِرةِ شيفارنادزه. أثناءُ الطيرانِ, تمَّ الإتصالُ بجيمس بيكر من واشُنطُن, و بالهاتفِ السِرِّي, و تمَّ إبلاغهُ بتفاصيلِ الغزو العراقي و إحتلالِ الكويت. في الوقتِ الذي تُواصلُ فيهِ طائِرتهُ طيرانها, مُتَّجِهةٌ نحو منغوليا, هذا البلدُ الحاجزُ ذو المليوني نسمةٍ, و هو يرقدُ نائِمآ بينَ الإتحادِ السوفييتي و الصين, و الذي يبدو إنَّهُ بعيدٌ عن الإضطراباتِ المجنونةِ التي تعصفُ بالعالمِ أو إنَّهُ لا يُريدُ الإقترابَ مِنها, إتَّجهَ بيكر الى مؤخرةِ الطائِرةِ, حيثُ يتواجدُ مُمثِّلوا وسائلِ الإعلامِ, كي يجلُبَ الخبرَ للصحفيين. ساعةٌ بعدَ ذلكَ, هبطَ شيفارنادزه في مطارِ موسكو, و لم يكُن على عِلمٍ بالأحداثِ. و حالما نزلَ من سُلَّمِ الطائِرة, و إذا بِأحدِ صحفيِّ وكالةِ تاس السوفييتية يُسرعُ إليهِ, قائِلآ: " ما هو موقفكم من الغزو "؟ و يتسائلُ شيفارنادزه: " أيُّ غزو "؟ فيُجيبُ الصحفي: " غزوُ العراقِ للكويت ". فيضطربُ الوزيرُ السوفييتي, ثُمَّ يستدركُ قائِلآ: " لستُ على إطلاعٍ بالأمر, سأتشاورُ معِ مُستشاريي ". ثُمَّ يلتفِتُ الى مُساعِدهِ " سركي تاراسنكو " مُعاتِبآ : " أ يُعجبُكَ ما يحدث "؟
إتَّجهَ روس فورآ الى السفارةِ الأمريكيةِ, و إتَّصلَ بالوزير بيكر. مُقترِحآ عليهِ كِتابة بيانٍ سوفيتيٍّ أمريكي مُشتركٍ. لا يُدينُ الغزوَ فقط, بل يُطالبُ بإجراءاتٍ مُشتركةٍ ضدَّ العراق. يوافق بيكر على الفُكرةِ, ثُمَّ يتَّصِلُ بالرئيسِ جورج بوش لطلبِ موافقتهِ. يُعجبُ الرئيسُ يالفكرةِ و يجدُها مُمتازةً, فيعطي موافقتهُ لبيكر. يتَّصلُ بيكر بروس الموجودِ في موسكو, قائِلآ: " أعِدّوا النصَّ و إحذروا أن يكونَ بيانآ جيدآ و واضِحآ ". قرَّرَ بيكر إختصارَ رحلتهِ إلى منغوليا و العودةَ الى موسكو, لِقراءةِ البيان المُشترك معَ شيفارنادزه. مُنِحَت لِ "روس ", مُهمةُ مُفاوضةِ هذا " السيناريو " معَ السوفييت. إذ يقولُ لِمُحدثهِ " سركي تاراسنكو ": " ستمنعُ مثلَ هذهِ المُبادرةِ نيَّةَ البُلدانِ العربيةِ الأُخرى للتحالفِ معَ العراق. و تُخيِّبَ أملَ صدّام حُسين بالإعتمادِ – كالعادةِ – على العداءِ بين الدولِ العُظمى ". تردَّدَ سركي في بدايةِ الأمر. و بعدَ التشاورِ معَ شيفارنادزه, أجابَ قائِلآ: " نحنُ موافقون تمامآ ". فردَّ مُساعدُ بيكر: " يجب أن يكونَ نصّآ واضِحآ لا لبسَ فيهِ, كما لا تنسى بأنَّ وزيرَ الخارجيةِ سيأتي الى موسكو – خِصِّيصآ – من أجلِ تلاوتهِ مع الوزير شيفرنادزة.. ".
أبو إياد, الرجُل الثاني في مُنظَّمةِ التحريرِ الفلسطينية, و مسؤولُ الأجهزةِ الأمنيةِ و المعلوماتِ السرِّيةِ فيها, كان نائِمآ في فيلَّتهِ الواقعةِ في حيٍّ على أطرافِ مدينةِ تونس. أمّا زوجتُهُ التي تسكُنُ عادةً في مدينةِ الكويت, فكانت قد جاءت لزيارتهِ قبلَ فترةٍ قصيرةٍ. لقد تمَّ إيقاضَهما في مُنتصفِ الليل, بنداءٍ من العاصمةِ الكويتيةِ. إذ يُخبرُهُما فيهِ أحدُ الأقرباء, بأنَّ هُناكَ معاركآ بالقُربِ من بيتهُما في مدينةِ الكويت. يلبسُ أبو إياد ملابسهُ و يذهبُ حالآ الى أبي عمّار الذي إعتادَ أن يسهرَ ليلآ حتى ساعةٍ مُتأخرةٍ في بيتهِ الواقعِ في حي " الصامدِ " في العاصمةِ التونسية. رئيسُ المُنظَّمةِ, كان على عِلمٍ بالأحداثِ. إذ تمَّ إخطارهُ من قِبلِ أفرادِ عائِلتِهِ الموجودينَ في مدينةِ الكويت. قرَّرَ الأثنان, أن يذهبا غدآ صباحآ في رحلةٍ الى أكثرِ من عاصِمةٍ عربيةٍ.
#سعدون_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟