|
شاهندة مقلد
رفعت السعيد
الحوار المتمدن-العدد: 5188 - 2016 / 6 / 9 - 21:46
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
“لن أنسى أبدا ما كتبه أبى فى الأوتوجراف الخاص بى إذ قال “ابنتى العزيزة، اتقى الله فى كل كبيرة وصغيرة، لا تفعلى سرا ما تخشينه علنا ودافعى عن رأيك حتى الموت”
قائمقام عبدالحميد مقلد
كان القائمقام عبدالحميد مقلد ضابطا وطنى الاعتقاد وفدى الانتماء، والأسرة ذات ثراء يكفى لكى نصفها بأنها من أغنياء الفلاحين، فجدها لأبيها هو الشيخ على مقلد عمدة كمشيش، وجدها لأمها البكباشى محمد خالد الضابط فى سلاح الحدود، الأم متعلمة، والأب القائمقام مثقف على عادة ضباط هذا الزمان، يقرأ كثيرا، ويتحدث فى السياسة دون خوف، ولا يخفى احترامه لحزب الوفد وسياساته، وهو عاشق للموسيقى وعازف ممتاز على العود، وبسبب وفديته كان يطارد دوما فى فترات ابتعاد الوفد عن الحكم وهى فترات طويلة، وهكذا تعين على الضابط الوفدى أن ينقل من مكان سيء إلى مكان أسوأ مصطحبا معه زوجته وأبناءه الستة بين أسوان – منفلوط – أسيوط – الفيوم – قنا – دير مواس – طلخا وبلدات أخرى وصل عددها إلى أربعة عشر، وكان التقرير الذى منحته حكومة الوفد للضابط العاشق للوفد أن نقلته مأمورا لمركز سمنود مسقط رأس النحاس باشا.
من المدرسة الإعدادية حصلت شاهندة على الشهادة ثم لم تكمل الدراسة، الأب مات وسنها ستة عشر عاما، وبعدها فقدت الزهو بأنها “بنت البيه المأمور”، ويتفتح إدراك شاهندة على حرب فلسطين عام 1948 (ولدت فى عام 1938) وعندما ألغى النحاس باشا معاهدة 1936 شاركت فى المظاهرات بحماس، وكانت تلاحظ أنه عندما تلتهب أى مظاهرة يقوم “البيه المأمور” برفع سماعة التليفون لكى لا يتلقى أى أوامر بفض المظاهرة.
وعندما قامت ثورة 23، تحرر الأب بعض الشيء من قيود الوظيفة ووجه برقية إلى محمد نجيب يقول فيها «مادام الدستور رائدكم، وصالح الأمة مقصدكم فإلى الإمام والله يرعاكم. بكباشى عبد الحميد مقلد. «مأمور مركز سمنود». وعندما خاضت الثورة معركة الإصلاح الزراعى كان اول من ايدها من ضباط البوليس فنقل مأمورا لمركز طلخا حيث أعتى الأسر الاقطاعية (البدراوى باشا وسراج الدين باشا).
ويظل الضابط الثائر على علاقة بكمشيش فهى بلدته لكنها ايضا بلدة أسرة من كبار الاقطاعيين عائلة الفقى واستنادا إلى علاقة الأسرة بأنور السادات استطاعت عائلة الفقى تهريب مساحات كبيرة من الأرض من الإصلاح الزراعى عبر عقود بيع وهمية، وبدأت المعارك بين الفلاحين المتمسكين بالأرض وبين عائلة الفقى وكان «البيه المأمور» مع الفلاحين ووصل الأمر إنه كان يهرب لهم السلاح فى سيارته الحكومية لكى يردوا على ترويع عائلة الفقى لهم. وفى أحيان كثيرة كان يستخدم شاهندة فى تهريب الذخيرة والسلاح. وكالعادة لجأ الاقطاعيون إلى السادات الذى رتب نقل المأمور إلى بنى سويف وفى محاولة لتبرير النقل منحوه ترقية.
ونعود إلى شاهندة وهى تلميذة فى ثالثة اعدادى بمدرسة شبين الكوم وهناك التقت بمدرسة يسارية هى «أبلة وداد متري» والمدرسة اليسارية تفيض حماسا وحيوية. شاهندة أحبت ابلة وداد، لكن همسات من زميلاتها تقول «ابلة وداد شيوعية» جعلت شاهندة تتعلق بها وتطاردها لتعرف ما هى الشيوعية. ابلة اعطتها كتاب «أصل العائلة» لكنها لم تفهم حرفا من الكتاب المعقد فأعطتها كتابا آخر أكثر تعقيدا. ولاحظ صلاح ذلك فاعطاها كتابا للاقتصاد السياسى من تأليف ليونيتيف. واستطاعت أن تقرأ وتفهم إلى حد ما.
وهكذا نأتى إلى صلاح حسين ابن عمتها. هذه العمة التى كانت لها حكاية تناقلتها الأسرة جيلا بعد جيل فقد سافرت إلى القاهرة مع بعض الكبار لشراء جهازها وفساتينها استعدادا للزواج. كانت القاهرة تغلى بثورة 1919. وجدت اناسا يجمعون تبرعات لتمويل رحلة سعد زغلول والوفد المصرى المرافق له لحضور مؤتمر الصلح. تبرعت بكل ما معها من نقود وعادت دون أن تشترى شيئا. وكان صلاح كأمه يفيض حماسا وثورية، سافر إلى فلسطين عام 1948 ليحارب الصهيونية. ثم سافر إلى القنال عام 1951 ليحارب الانجليز وفى 1956 شكل كتيبة من فلاحى كمشيش ليحاربوا العدوان الثلاثي، وعاش مع الفلاحين ليدافع عنهم ولينثر فى صفوفهم الوعى بحقوقهم. شاهندة تعلقت بصلاح،كان يكبرها بعشر سنوات وتزوجته رغم أنف الجميع. ومع «ابلة وداد» اصبح صلاح وشاهنده ماركسييين على الطريقة الكمشيشية اى يعيشان مع فلاحى كمشيش ويناضلان معهم يوما بيوم. والتهب النضال الفلاحى ضد عائلة الفقى ودوى الرصاص وسقط ثلاثة بلطجية استأجرتهم عائلة الفقى قتلي. ومرة أخرى يظهر السادات ويقرر اعتقال 27 فلاحا وأن ينفى صلاح والفقى إلى الاسكندرية. وعائلة الفقى لا تسكت.. بعد سلسلة من المعارك يسقط صلاح شهيدا. ويشعل استشهاده معركة تصفية الاقطاع، أما شاهندة فقد جعلت من كمشيش رمزا للنضال الفلاحى ومن يوم اغتيال صلاح عيدا سنويا يؤكد تواصل النضال الفلاحي. ويعلو صوت شاهنده ليجتذب الكثيرين وتقرر لجنة تصفية الاقطاع استعادة الأرض المهربة وفرضت الحراسة على أملاك عائلة الفقى وتم القبض على كبارها. الأرض وزعت على الفلاحين وقصر الفقى صودر وأصبح قصرا للثقافة ومركز اعلاميا. وسلمت شاهندة مفاتيح بيتها إلى لجنة من الفلاحين ليستخدمه الفلاحون متى شاءوا واسموه بيت الشعب. وتمتد سيرة كمشيش عابرة للقارات وفى 1966 يزور جون بول سارتر مصر ويطلب زيارة كمشيش ويذهل من وعى الفلاحين ويصرح سارتر وهو يغادر مصر قائلا «اغادركم وقد تأثرت بفلاحى كمشيش وعمال مصنع كيما»، وتمضى شاهندة لتجعل من ذكرى استشهاد صلاح عيدا لليساريين فتمتلئ كمشيش بزائرين شعراء ومسرحيين وموسيقى وأغانى وندوات .
وفى خطاب عبد الناصر فى عيد أول مايو 1967 قال «صلاح حسين استشهد بعد 14 سنة من الثورة وده معناه أن لسه فيه رجعية» وإذ تأتى النكسة تشكل شاهنده كتيبة من 50 من فلاحى كمشيش وسافرت معهم إلى بورسعيد.
وبعد رحيل عبد الناصر يأتى السادات. ويقرر الانتقام من كمشيش وحوصرت القرية، وهدم النصب التذكارى لصلاح حسين، وصدر قرار من وزير الداخلية بابعاد 20 شخصا منهم ثلاثة نساء وعلى رأس الجميع شاهنده إلى خارج القرية، ويبقى المبعدون مشتتين لخمس سنوات حتى صدر حكم من محكمة القضاء الإدارى بعدم دستورية قرار النفي. وفى 1975 وعقب المظاهرات الشهيرة اعتقلت شاهندة وتتوالى مرات الاعتقال ثلاث مرات وفى المرة الرابعة هربت شاهندة. وكرد على هروبها يعتقل ابنها الأكبر ناجى لكنها تواصل نضالها وهى هاربة. ومع تأسيس التجمع تأتى شاهندة ومعها كمشيش . وتصبح شاهندة أول أمينة للحزب فى المنوفية. وتواصل شاهندة معارك الفلاحين فى صفوف اتحاد الفلاحين (تحت التأسيس) ومعاركها فى صفوف حزب التجمع.
#رفعت_السعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هيكل واليسار
-
سيادة الرئيس.. أنقذنا من عبث الحكومة
-
عن حلم الديمقراطية
-
كى تحيا مصر
-
الفضائيات والفضائيون.. إلى أين؟
-
إلى الرئيس إليك درساً من عرابى
-
حذار.. حذار من جوعى
-
جولن أو أردوغان الإسلام أو التأسلم
-
فهمى- أمريكا- الزواج
-
قطر وإسرائيل
-
محلب.. أمريكا.. الإخوان
-
قانون الرئاسة.. غير قانونى
-
عن التحرش ورئيس الجامعة
-
أخطأت يا سيادة الرئيس
-
أكثر من تحذير للرئيس القادم
-
عن الإخوان ومدارسهم
-
رفعت السعيد ولماذا 86.. وحدها؟
-
هل الإخوان جماعة إرهابية؟
-
منى مينا.. والعمدة إيفا
-
الإخوان.. والأقباط «2»
المزيد.....
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|