|
حينما فتكت السّياسة بالدين.. تكلّم الشّهال
مريم مالك
الحوار المتمدن-العدد: 5133 - 2016 / 4 / 14 - 22:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فشلتُ في إقناعه بأنّني أناقش موضوعاً دينياً، وأنّ الجدل السّياسي لن يضفي على تفسير القاعدة الفقهية إلّا الشرذمة والتشتيت. لم يكن إختياري له قائماً إلا على أساس رمزيّته الدينية بالنسبة لطائفته، أضف إلى تصريحاته الناريّة التي يحسمها دائماً بأنها "شريعة ممنوع المساس بها". حينما تواصلت مع الشيخ داعي الإسلام الشّهال لإجراء حوار صحفي بموضوع عقائدي، لم أكن لأخلط الأوراق ببعضها البعض، فجلّ ما أردته من الرجل تفسيراً دينياً لوقائع تحصل بإسم الدين. ولكنني اصطدمت لأكثر من مرّة برغبته الملحّة في زجّ آرائه الدّينيّة بمواقفه السّياسيّة. الحوار مع الشيخ الشّهال، المتّهم بولائه لداعش، حول حقيقة موقفه من ما تسمى بالدولة الإسلامية بالعراق والشام "داعش" وممارساتهم، يشي بمغازلة مبطّنة للأخيرة على قاعدة سياسيّة تسقط الإعتبارات الفقهيّة. فيتنكّر بدايةً "لا أقبل إطلاق التهم جزافاً، وأنا لست مع داعش"، ويساير ثانيةً "لو كانت داعش شرّ فهناك من هو اكثر شراً"، فيصل الى تبرير الأسلوب الإجرامي "من ينتقد داعش هو من دفعها لهذه الممارسات"، حتى يبدي مناصرته المبطّنة "أنا مع قطع الرؤوس ولست مع الذّبح"!، فيختتم حواره موصياً: "أرجو أن تنقلي كلامي كما هو فالمقابلات المكتوبة قد يحصل فيها اجتزاء غير مرغوب فيه". حوارٌ أردته أن يكون دينياً يعبّر عن نظرة الشيخ العقائدية بما أطرح. أصرّيتُ على أنّني أناقشه كرجل دين، فأصرّ الشهال على عدم الفصل بين الدين والسّياسة، وواضب على تمرير الرسائل والاتهامات السياسية، من بوابة المسائل الفقهية. فكان الحوار التالي:
هل ترفضون تهمة مناصرة داعش؟ - "من يتّهمني (بكسّر راسو). فأنا لا اقبل ان يتهمني احد بالانتماء إلى داعش، وهذا مجرد إفتراء. لا لخطأ في داعش، بل لأنني أرفض إطلاق الأحكام جزافاً، ولا اسمح لأحد أن يتجرأ أن يوهم الآخرين بالإفتراء عليّ..."
أحاول مقاطعته لمعرفة رأيه بداعش، فتفشل المحاولات، ويكمل الشّهال: - "فلينظر من يتهمني الى اخطائه وظلمه وطغيانهم قبل أن يتفلسفوا ويصنّفوا الناس على هواهم.. من أراد إتهامي بالولاء لداعش فلينظر إلى نفسه مع من ينتسب..."
ولكن ما هو رأيكم بداعش؟ - "هؤلاء الذين يتهومنا بداعش، لنفترض أن داعش على شرّ، فهم أشرّ من داعش بعشرين ألف مرة.. بالحقيقة، انا لا أعاني من عقدة نقص، انا فقط لدي قناعات أطبقها... هؤلاء المجرمين يحاولون إرهابنا عن طريق افتراءات وفبركات. هؤلاء الذين يتهمونني هم مجموعة خونة، ولست مستعداً للاجابة على افتراءاتهم".
ولكن سماحة الشيخ، بعدتم قليلاً عن سؤالي، أنا أسأل عن رأيكم المباشر بداعش؟ وما يقومون به من ذبح؟ - "تكلمت قبل الآن وقلت أنّي لست مع الذبح..."
أُصِبتَ بصدمة لبرهة، من ما اعتقدته اعتدال في مواقف الشيخ. ليعود الشيخ ويرمي بصاعقة كلامه على مسمعي: - "عندنا في الدين الإسلامي، هناك أحكام فيها قصاص، والقصاص يكون بالقطع.."
حاولت استيضاح الأمر: أتقصد قطع يد السارق؟ أليس هناك إجتهادات على هذه الأحكام؟ فأعادني الشّيخ إلى تلك الصاعقة من جديد: - "لا لا، ليس فقط قطع اليد، بل أيضاً قطع الرأس، ولكن من دون ذبح. هناك حدود فيها قطع رأس، ولكن ليس هناك حدود فيها ذبح. يعني أنتم توافقون على قطع الرأس!! هذا ليس الموضوع المهم، لا تركّزي في قشور الموضوع وتتركي اللب".
قصد الشيخ الشهال، انّ الكلام عن الذبح وقطع الرؤوس، هو مجرّد الكلام في القشور، أمّا لبّ الموضوع فيتجسّد بالنّسبة إليه في: - "إذا أردنا الإعتبار ان داعش لديها الكثير من الأخطاء، فمن الذي دفعها إليها؟ لا تحولوا الصراع كأنه حول داعش وغير داعش، هناك حرب على المسلمين برعاية أميركية وبتنفيذ إيراني صفوي."
خضعتُ لتهرّب الشيخ من رأيه بداعش، وطلبت منه ان ينسى الأخيرة، ليخبرني عن الفرق بين الذبح وقطع الرأس، الذي يدّعي بأنه يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية؟ فأجاب من دون تردد: -"نعم هنالك فرق، في القطع يُوضع الرأس ويضرب بضربة واحدة تفصله عن الجسد، أمّا في الذبح فيكون هناك حزّ بطيء للرأس، وهناك فرق بين العمليتين. مع التأكيد أنه ليس في كل الأحكام."
طلبت منه ان يخبرني عن الظروف التي، وفق الدين الإسلامي، يصح فيها قطع الرأس، فإلتمس عدم تقبّلي للموضوع وجاوب محتدّاً: - "هذه شريعة، وحينما يكون الامر متعلقاً بالشريعة ممنوع النقاش والمساس بها."
وينفعل مجدّداً، دافعاً بالموضوع إلى الجدل السياسي: - ".. اما انا فلست مع اسلوب وطريقة داعش. ولكن القضية ليست هنا، القضية انه من يتكلم عن داعش هم من دفعوا داعش الى هذا..."
أقاطعه، النقاش ديني وأنا اود معرفة رأيك بحسب معتقدك الديني، بعيداً عن الجدل السياسي، فيقاطعتي بدوره: - "اتفضلي وجهي شوي السهام إلى من يرسلوا الآلاف ليقاتلوا في سوريا من منطلق حقد طائفي. اتفضلي اتكلمي شوي عنهم، لا تتكلمون سوى عن داعش وجبهة النصرة، وتتركون حزب الله الذي ينصر نظام يضرب شعبه بالكيماوي. كيف يسموا انفسهم حزب الله وهم ينصرون اعداء الله..."
هذه وجهات نظر سماحة الشيخ.. - "سلّطي الأضواء قليلا على اولئك المجرمين..."
الأمر فيه وجهات نظر، وانا أود إعادة البوصلة الى مكانها الرئيسي، النقاش ليس سياسي بل هو ديني ومذهبي... - "ولماذا؟؟ من قال لك انني اتكلّم من منطلق سياسة فقط؟ انا اتكلّم من منطلق ديني وسياسي معاً ، و(هذه اجوبتي تفضلي دوّنيها كما هي)... قلتِ هنالك داعش وقلتُ لكِ هناك من هم أسوء من داعش فلماذا لا تسألينني عنهم؟؟"
سماحة الشيخ، سؤالي ديني وواضح، سألتكم عن الظروف بحسب الدين الاسلامي التي تجيز قطع الرأس... يُذبح من لا يتفق مع نفس العقيدة، ألا يتعارض ذلك مع مبدأ الإكراه في الدين؟! - "اطلب منكِ أن تسألي مجمع فقهي، ويشرح لك عن الذبح، انا جاوبتك يلي عندي، قلت لك هناك قطع رأس وليس هناك ذبح، وانتهت القضية..."
ولكنني أسألكم عن الحكم بحد ذاته (سواء ذبح او قطع رأس)، وانا ليس بإمكاني التمييز بين الإثنين كما تميزون.. ألا يتعارض مع الإكراه في الدين؟ - "لا طبعا لا يتعارض، اذا تنفذ الحكم بناء على حدّ، ولكن الموضوع ليس بالمطلق.. لم نقل انه يحب ان نأتي بغير المسلم ونقطع رأسه. أسألكِ.. في القانون هناك سجن، هل يجوز السجن لجميع الناس؟ طبعاً لا، السجن فقط لمن يثبت عليه حكم يستحق السجن. كذلك الامر بالنسبة لقطع الرأس، بالدين الإسلامي موجود ولكنه يطبق على احكام محددة وعلى من يستحقها."
ولكن هناك اجتهادات، ويختلف المجتهدون بالامر؟ - "أنا بحسب اجتهادي لا أؤمن بالذبح بل أؤمن بالقطع. هناك قطع يد وقطع رقبة ولكن له أحكام وشريعة وقضاء."
حسناً، هل تكفّرون المذاهب الأخرى؟ - "هذا الموضوع فيه تفصيل، كل مذهب يخالف المذهب الآخر قد يصل إلى حد تكفيره.. ولكن لو لم يكن على خلاف معه ما كان تميز عنه.. قلت لك في الشرع عنه تفصيل، مش كلمة عالماشي"...
ولكنني أسألكم من منطلق عقيدتكم، هل تكفرون المذاهب الأخرى؟ - "فلتسألي حسن نصر الله هل يكفّر السنة... وقتها أجاوبك عن سؤالك"...
لم تنجح محاولاتي المتكررة في إقناع الشيخ الشهّال بأنّ الجدل بيننا لا يعدو كونه دينياً عقائديّاً، لا علاقة له بالخلافات السياسية، ولا يهدف أبداً إلى إسقاط موقف على حساب مواقف اخرى. جدلٌ حول مفردات العقيدة، وتطبيقاتها الحيّة، بعيداً عن الدوافع الخارجية التي أراد استحضارها كمبررٍ للعنف والجريمة. حتّى خضعتُ نهاية الأمر للقاعدة التي أؤمن بها، فالعقيدة المتطرّفة أكثر إلحاداً من الإلحاد نفسه وأقلّ تقبّلاً للآخر المختلف، فلو لم تسقطه بحد السياسة ستحاربه بحد السيف حتماً. لا عجب في ذلك، فإنه "سجن العقيدة"...
#مريم_مالك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيلون ماسك يكسر عتبة جديدة لصافي ثروته لم يصلها أحد من قبل..
...
-
فيديو من طائرات بدون طيار يُظهر آثار الغارات الإسرائيلية على
...
-
غارة جوية في السودان على سوق دارفور تخلف -مذبحة مروعة-
-
-أولادي بلا طحين أو خبز منذ 10 أيام-.. الفلسطينيون في غزة يو
...
-
-رسم الحياة.. رؤى من غزة-.. معرض فني في دير البلح يروي صمود
...
-
شاب يقتل أباه ويصيب أمه في الرأس.. خلفا حول ألعاب الفيديو ين
...
-
الولايات المتحدة تحذر.. روسيا قد تستخدم صاروخا قاتلا جديدا ض
...
-
هل سقط الأسد بمخطط أمريكي إسرائيلي؟
-
خامنئي: سقوط بشار الأسد لن يضعف إيران وما حدث في سوريا نتاج
...
-
ما مستقبل العلاقات الروسية التركية بعد سقوط الحكومة السورية؟
...
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|