النظام السوري امام خيارات صعبة


اسماء اغبارية زحالقة
2005 / 11 / 22 - 10:31     

الخطاب القومي الحماسي الذي ادلى به الرئيس السوري، بشار الاسد، يوم 10 تشرين ثان امام طلاب جامعة دمشق، الهب كما يبدو البعض، فراحوا يوجهون نداءات التضامن مع الوطن السوري الشقيق في مواجهة الهجمة الامبريالية الامريكية. فهل كان الحماس في موضعه؟ ام اننا امام نظام يتلوى ويناور وينادي بالصمود ويحذر من الفوضى، في محاولة لانقاذ نفسه والخروج من الزاوية التي حُشر فيها منذ تشكيل الامم المتحدة لجنة تحقيق في اغتيال الحريري، والتي تنوي اتهام عشرة مسؤولين سوريين بالضلوع في الاغتيال، بينهم شقيق وصهر الرئيس الاسد؟

في خطابه يرد الاسد على قرار الامم المتحدة الاخير رقم 1636 الذي ينص على تهديد ضمني بفرض عقوبات اقتصادية على دمشق اذا لم تطبق المواد الرئيسية لنص القرار. ويطالب القرار سورية ب"التعاون الكامل وغير المشروط" مع لجنة التحقيق التي يترأسها القاضي الالماني ديتليف ميليس، والتي من المحتمل ان تمهَل حتى 15/12 لاتمام مهامها. كما يطالب القرار سورية ب"التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للبنان مباشرة او غير مباشرة، والامتناع عن اي محاولة تهدف الى زعزعته واحترام بدقة سيادته ووحدة اراضيه واستقلاله السياسي" (الجزيرة نت).

القرار الذي اتخذ بالاجماع، اي بمشاركة الدول العربية، اعتبر انذارا قويا لسورية. وقد قال مصدر دبلوماسي غربي لصحيفة "الحياة" (2/11) ان "على سورية ان تدرك ان المسألة ليست لعبة، وان تتحمل النتائج في حال عدم تعاونها". ودعا المصدر الجهات المعنية الى شرح ما يعنيه القرار الدولي للقيادة السورية، كما فعل الرئيس المصري حسني مبارك حين زار دمشق مؤخرا.



من الخطاب

لاول وهلة بدا ان الخطاب السوري يتحدى الهيمنة الامريكية في المنطقة. فقد اكد الاسد على "خيار الصمود" بدلا من "الفوضى" اذا ما انهارت سورية، وانه "لن يخفض رأسه ورأس شعبه لاي شخص في العالم"، واعتباره قضية التحقيق في اغتيال رفيق الحريري قضية "سياسية وليست جنائية"، ورفضه "ابتزاز سورية" وعدم سماحه باي اجراء يمس امنها واستقرارها".

وفي الشأن اللبناني شدد اللهجة، واتهم لبنان بالتحول الى "ممر ومصنع للمؤامرات ضد دمشق". وفي تصعيد يُخشى من ان يؤدي الى فرز سياسي وانشقاقات داخل لبنان بين معارضين وموالين لسورية، سمى الاسد في خطابه رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، متهما اياه بانه "سمح بان يصبح لبنان قاعدة لاعداء سورية"، لانه "عبد مأمور لعبد مأمور" (في اشارة الى سعد الحريري رئيس تيار المستقبل الذي ينتمي اليه السنيورة).

ورغم ان الاسد ردد "الرفض القاطع للمساومة على الاستقلال في مقابل التبعية"، مشيرا للدور السوري في المقاومة بلبنان، العراق وفلسطين، الا ان قراءة دقيقة للخطاب تشير الى انه رفع لهجة خطابه بالضبط لكي يغطي على تنازلاته في هذه المحاور الثلاثة.



رسائل معتدلة

الصحافي ابراهيم حميدي من صحيفة "الحياة" (12/11) لفت الى ان الاسد تحدث عن "صمود" وليس عن "مواجهة"، وأبقى المقاومة كخيار اذا استمرت الضغوط على سورية ونظامها. وبما ان الاسد مقتنع ان القضية سياسية وان ميليس سيقول ان سورية "لم تتعاون" مع التحقيق، فقد راح يرسل رسائل سياسية معتدلة، لتخفيف الضغط الامريكي والدولي عليه. وتحدث الاسد صراحة "اذا كانت القضية قضية مساومات.. فليتفضلوا او ليساموا وليتفاوضوا فوق الطاولة"، وقبل ان يسمع الجواب راح يطرح اوراقه السياسية في الموضوع العراقي، اللبناني والفلسطيني، وبدا كمن يدير مفاوضات غير رسمية مع امريكا.

وفي القضايا الثلاث كان توجهه معتدلا، وسعى من خلاله للاعلان بان دمشق تريد ان تواصل "اللعبة الى الاخير"، عبر التأكيد على "التعاون الكامل" مع التحقيق، واقتراح ضرورة الاتفاق مع فريق التحقيق الدولي على الآليات القانونية والقضائية لاستجواب المسؤولين الستة. كما تنازلت دمشق في الموقع الذي سيتم استجواب الستة فيه بعد ان كانت اصرت على ان يكون التحقيق في سورية.

ولان الاسد يعرف ان القضية سياسية وليست جنائية، ونضيف - ولانه يفهم ان البضاعة الاهم التي يريدها الامريكان منه تتعلق بالعراق، فقد نادى لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين سورية والعراق. واكد لاول مرة استعداده للتعاون مع الحكومة العراقية في ضبط مشكلة الحدود. كما ندد الاسد صراحة بالعمليات الارهابية في العراق، دون ان يذكر كلمة "مقاومة". بذلك يكون الاسد قد انسجم مع المواقف العربية عموما.

ولفت حميدي ايضا ان كلمة "مقاومة" لم ترد ايضا في الشأن الفلسطيني، كما لم تذكر كلمة حماس ولا الجهاد، بل اعطى الاسد كل الدعم للرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن). ونقول، ان من هلّل لموقف بشار القومي من الامبريالية الامريكية، يجد نفسه امام شخصية تدعم في الوقت نفسه ابو مازن، حليف الولايات المتحدة.



رايس تبارك عزل سورية

ولا تكتمل معاني خطاب الاسد، دون قراءة خطاب وزيرة الخارجية الامريكية، كوندوليسا رايس، اثناء زيارتها لاسرائيل في 13 تشرين ثان. فقد باركت رايس "قرار الامم المتحدة عزل سورية"، معتبرة الامر جزء من "التغييرات والاصلاحات في الشرق الاوسط". وقالت انه "لا يمكن الحديث من جهة عن السلام، ومن الجهة الثانية تقوية الارهاب". وبنفس النغمة تطرقت رايس ايضا الى موضوع حماس المقبلة على المشاركة في الانتخابات للمجلس التشريعي، فقالت انه "لا مكان لمنظمات لها قدم في الارهاب وقدم ثانية في السياسة".

في نفس المناسبة تحدث رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئل شارون، فقال ان "على المجتمع الدولي ان يُفهم الاسد ان النهج المتطرف يضع علامة سؤال حول بقاء نظامه". ودعا لمواصلة الضغط على سورية. وذكر شارون العالم بان سورية وايران هما جزء من محور الشر، وبارك امريكا على دورها في احداث التحولات الجذرية في الشرق الاوسط، باتجاه تحويله الى "اكثر اعتدالا، ديمقراطية واستقرارا". (واي نت، 13/11)

المسألة جد اذن، وامريكا تحاول ان تفهم سورية ان اللعبة انتهت: اللعبة القومية، التي باسمها دعمت سورية مقاومة حزب الله ولا تزال تواصل التدخل في لبنان، وتدعم الفصائل الفلسطينية من حماس وجهاد، والاتهامات بدعم العمليات في العراق وتشكيل ممر لسيارات مفخخة اليه. امريكا لن تسمح بان تستمر سياسة امساك العصا من الوسط، وعلى النظام السوري ان يقرر حسب معادلة بوش: اما معنا واما ضدنا.

لامريكا استراتيجية فكرية محافظة تسعى لتغيير الكون وجعله "اكثر ديمقراطية"، وهي لن تسمح لسورية ان تعرقل الحلم الامريكي بدعم اي شكل من اشكال المقاومة. انها تريد الصمت التام، وتسعى لتركيع آخر دولة لا تزال تلتحف بالقومية وتسعى لان يكون لها موقف مستقل نوعا ما. ولكن امريكا تنظر الى سورية كجزء من تراث "الشرق الاوسط القديم".

الفوضى في العراق هي الاعلان اليومي عن فشل الاستراتيجية الامريكية، وهبوط شعبية بوش مع فضح اكاذيب الحرب على العراق تضرب اكثر بمصداقية الموقف الامريكي. واذا كان واضحا لنا ان الامريكان يسعون للهيمنة على العالم بكل الوسائل، بالحرب وب"الثورات الديمقراطية"، الا ان النظام السوري نفسه لا يخرج براء من الموضوع.

ان العامل الاساسي الذي يحدد سياسة النظام السوري، هو بقاء النظام. الطريق المسدود الحالي يثبت انه لم يعد بالامكان مواصلة الخطاب ضد الامبريالية والاحتلال لتبرير نهج سياسي اقتصادي اجتماعي يخدم نخبة قليلة على حساب شعب باكلمه. فهذا الموقف يضعف الشعب العربي والطبقة العاملة ويسمح للامبريالية والاحتلال بضرب النظام والشعب على حد سواء، كما حدث في العراق.

نهج الانغلاق القومي او التعصب الديني يبقي الشعوب العربية في موقف دفاعي. في حين ان الانظمة الرأسمالية نفسها تشهد ازمات داخلية، ودورنا ان نكشف ثغراتها. اقد تغير العالم اليوم، وبتنا نشهد هبات عمالية وشعبية في اماكن مختلفة من العالم، منها فرنسا والارجنتين وغيرها، تحتج على الظلم والاستبداد والسياسات الاقتصادية التي همشت الاغلبية لصالح الاقلية. على الشعوب العربية اذا ارادت التحرر ان تنفض عن نفسها الخطابات التي كانت ملائمة لما قبل 20 عاما، وتتواصل مع نضالات الطبقة العاملة وتبني حلفا عماليا امميا ضد الاستبداد العالمي بطبيعته.