|
الاستعمال العشوائي للتعابير الجديدة إساءة للغة الغربية
منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 5111 - 2016 / 3 / 22 - 13:44
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
طُورت، أو أُدخلت، أو استُعيرت من لغات أجنبية، تعابير جديدة، أصبحت عربية، يستعملها الذي يعرف معناها الحقيقي والذي لا يعرف، المتعلم وغير المتعلم، وأصبح كثير منها كليشيهات ممجوجة.
ما نكتب وما نقرأ، وحتى ما نقول، مليء بهذه التعابير، ونستعملها كثيرا حتى لو كان بعضها غير ضروري ولا تؤدي المعنى المطلوب منها. وكثير منها دخل اللغة العربية من اللغة الإنجليزية، وترجم أو بقي كما هو، لأن له معنى محدد أو دلالة معينة، ولكن تعبيرات كثيرة يتم استعمالها بطريقة خاطئة ربما لأن كثيرا منها لم يدخل القواميس العربية بعد -- ولكن من منا يستعمل قاموس عربي على أية حال -- فلا يستطيع المثقف أن يتأكد من صحتها أو صحة استعمالها، فبمجرد أن يقرأها شخص أو يسمعها يدخلها في حديثة أو في ما يكتب وتصبح على كل لسان وكثيرا ما تشوه المعنى وتصبح في معظم الأحيان مبتذلة. أنا هنا لا ألوم الناس العاديين وإنما الكتاب والمثقفين. وسأعطي عدد محدود من الأمثلة.
دخلت اللغة العربية منذ سنوات قليلة كلمة "مقاربة" كترجمة لكلمة "(approach)" ومعناها طريقة معينة أو أسلوب أو إتجاه معين لبحث مسألة ما، وهي كلمة مفيدة ونشكر أول من ترجمها أو كونها وأدخلها إلى العربية. ولكن "مقاربة" الآن نادرا ما تستعمل بطريقة تدل على معناها الأصلي، وأظن أن الكثيرين يستعملونها كيفما اتفق وبشكل غير واضح. أحد الكتاب اختار العنوان التالي لمقاله: "ادب الرحلات على بساط الفكر والمقاربة." ما معنى هذا الكلام؟ وفي المقال يستعملها في جملة أخرى فيقول: "يحللها فكرياً وتقاربياً ومقارنياً واستنتاجياً." يظهر أن "تقاربيا" لها علاقة بكلمة مقاربة؟ هل هناك تشويه وتعقيد أكثر من هذا؟
لماذا انتشرت كلمة "أطياف"، جمع طيف، في كلامنا وكتاباتنا وأصبحت على لسان، القارئ والأمّي على حد سواء؟ هذه الكلمة لا تعطي أي معنى جديد أو محدد إذا استعملت بصيغة الجمع، فهي لا تعدو كونها الآن تعبير زائد من حشو الكلام، معناه ألوان أو مجموعات أو قطاعات. الكلمة المفيدة هي "طيف"(spectrum) التي سطونا عليها واستعملناها بصيغة الجمع لأننا لا نفقه معناها ولماذا طورت، فجردناها من معناها الأصلي. إذا قلت "الطيف السياسي،" وهو تعبير مهم جدا ومفيد وليس له مثيل، فأنت تقصد كل الأحزاب والمجموعات السياسية في بلد ما، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، بالضبط مثل الطيف الشمسي الذي يحتوي كل الألوان حسب طول الموجات المختلفة، من الأشعة تحت الحمراء إلى الأشعة فوق البنفسجية، وفي كل بلد هناك "طيف سياسي" واحد، فالتعبير "الأطياف السياسية" لا معنى له.
لماذا يصر كل من يتحدث عن مؤتمر لندن الأخير للدول المانحة على استعمال كلمة "مخرجات" المؤتمر وليس، بكل بساطة، "نتائج" المؤتمر، ولماذا يصر من يتحدث عن المدارس والمعاهد والجامعات على استعمال تعبير "مخرجات" التعليم؟ هل أصبحنا ندخل في مدارسنا مواد خام بشرية نسميها "مدخلات" وبعد سنوات نصنّعها وندفع بها إلى العمل ونسميها "مخرجات؟" هل هذه التعابير ترجمات لكلمة (input) و (output)؟ هل نحن نصنّع ماكينات وأدوات لا روح لها في مدارسنا وجامعاتنا؟ لماذا لا نسميهم خريجين؟ لماذا نقول "مخرجات الإجتماع" بدلا من" نتائجه؟"
أثناء المفاوضات بين الدول العظمى وإيران حول برنامج الأخيرة النووي، سمعنا بكلمة "ملف" وتدريجيا أصبح كل الإعلام العربي والكتاب يتحدثون عن "الملف النووي الإيراني" وبعدها انسحب التعبير على كل مشكلة يتم بحثها، ومن شدة غرامنا بهذا التعبير اختيرت كلمة "ملف،" مع ال التعريف، كعنوان لبرنامج تفاعلي أسبوعي يذاع على تلفزيون الأردن الوطني. المشرف على البرنامج يستضيف أحد المسئولين ليبحث معه، وبكل فخر، "الملف!!" واضح أن القصد هو المسألة أو المشكلة أو القضية، ولكن يظهر أن هذه الكلمات ليست جذابة، لأنها واضحة. أما الملف فتوحي ببعض الغموض المستحب. وكل أسبوع يبحثون "الملف. " هل هو ملف يخص أحد المرضى في مستشفى، يفصل تاريخ مرضه؟ أم هو ملف موظف في شركة أو طالب في مدرسة أو جامعة؟ لا شيء من هذا. إنه بشكل عام مشكلة تهم المواطنين جميعا وإطلاق كلمة ملف عليها مضحك.
نحن لا نختلف على استعمال التعبير الجديد لو أنه يضيف فكرة جديدة واضحة أو لو كان له معنى خاص، كأن تكون إيران أعدت ملف عن برنامجها النووي وهذا الملف سقط في يد المخابرات الأمريكية، أو في يد أسانج -- صاحب موقع ويكي ليكس الألكنروني -- أو إدوارد سنودن الذي هرب من ال (CIA) وكشف المستور. ألا تنفع كلمة "البرنامج النووي الإيراني" كما يوصف في كل وسائل الإعلام المشهورة؟ لماذا علينا أن نستبدل كلمة قضية، أو مشكلة، أو مسألة أو غيرها بكلمة ملف؟ ما هو المعنى الجديد التي تضيفه هذه الكلمة؟ هل لها دلالة خاصة؟
بعض الناس يستعملون كليشيهات أجنبية. لماذا علينا أن نترجم، أو نستعير، ما هب ودب من التعبيرات الأجنبية ونستعملها؟ يجب علينا أن نتمسك بالتعبيرات والمصطلحات العربية الأصيلة. كنا في الأردن ودول عربية أخرى نسمي الأمين العام للوزارة "وكيل وزارة." لماذا غيرناه؟ خلال عهده الميمون، غير القذافي كلمة وزير واستبدلها بكلمة "امين" فكان عنده "أمناء" بدل وزرا، مثل أمين الخارجية وأمين الصحة. بكل وضوح، أدخل القذافي هذا التغيير لأن الإدارة الأمريكية، و بريطانيا، تسمي وزراءها (secretaries). يجب علينا أن نفتخر بكلمة وزير التي نستعملها منذ العهد العباسى الأول، قبل أن تعرف الدول الغربية ما هي الحكومة. ما الخطأ في ذلك؟ هناك كلمات عربية تكاد لا تجد لها مثيلا في اللغات الأخري. من هذه الكلمات "عتاب" أو لوم صديق لصديقه. أنا لم أر كلمة بمعنى عتاب باللغة الإنجليزية، وكل ما نجد كلمات أو تعابير بمعنى "لوم"، وحتما "عتاب" اللطيفة لا تعني "لوم" القاسية. يجب علينا أن نفتخر بتعابير من هذا النوع. هناك أللآلاف من الكلمات العربية في اللغات الأجنبية وكل منها له دلالة معينة ومعني خاص ودقيق. الآن أصبحنا نرى أو نسمع التعبير "عمدة عمان" بدل من أمين العاصمة، الذي طوّرناه نحن.
صدق أو لا تصدق، حديثا أدخل التعبير "نرفع له القبعة" لإبداء الإعجاب بشخص ما. هذا التعبير إنجليزي بحت وليس له أي علاقة بثقافتنا، فنحن لا نلبس قبعات لنرفعها تعبيرا عن إعجابنا بأي شخص ونستعمل طرقنا الخاصة. لا أدري لماذا نقول "ارتسمت الإبتسامة على وجهه" بدل أن نقول ببساطة إبتسم أو أشرق وجهه أو محياة؟ ما هو المعنى الإضافي أو الفكرة الإبداعية التي تضيفها الكلمات الزائدة عن الحاجة؟ لماذا اختفت كلمة "مستوى" التي تعودنا عليها واستبدلت بكلمة "السوية؟" ما هو المعنى الجديد التي تضيفه هذه الكلمة؟ لماذا نستعمل التعبير "غيب الموت فلانا؟" هل نخاف أو نخجل من كلمة موت المجردة؟ نستطيع أن نقول: "فلان في ذمة الله." لماذا نصر دائما على تسمية المطرب "فنانا"، وهي كلمة عامة مغمغمة. نحن نهرب من التعابير العادية الواضحة. في اللغات الحية الأخرى التي نأخذ منها كلمات لنظهر أننا مثقفون، نجد الناس تسمي المغني مغني، والممثل ممثل، أكان صغيرا أو كبيرا، مشهورا أو مغمورا.
إنظر كيف نتحدث عن مجلس النواب. هل سمعت أحدا يتحدث عن المجلس أو نوابه دون أن يستعمل التعبير الممجوج "قبة البرلمان؟" هل نقصد إعطاء البرلمان هالة من القداسة؟ لا بأس. ما معنى ان "تصل المرأة إلى قبة البرلمان؟" هل هناك قبة للبرلمان بالمناسبة، وأن المرأة ستجلس فوقها؟
أنا لا أقصد أن التعبيرات أعلاه يجب أللا تستعمل، ففي بعض الأحيان يكون استعمالها مفيدا أو ضروريا ولكن أن تلغى الكلمات الأصيلة وتستعمل تعابير غريبة وكليشيهات لا تدل على ثقافة ولا تعطي معنى معين وأن نستعملها فقط لأن شخصا آخر استعملها هو إساءة للغة وتشويه أفكار النشء الجديد.
لا يزال الكثير من المذيعين العرب يستعملون كلمة "الأثير،" عندما يتحدثون عن البث الإذاعي، والأثير ماده خيالية افترض العلماء وجودها لتنقل أمواج الضوء في الكون، واكتشفوا لاحقا أن وجودها، على أية حال، ليس ضروريا لانتقال الضوء أو الأمواج الكهرومغناطيسية. ولكن كلمة أثير بقيت تستعمل في اللغة العربية كتعبير محبب لأن ليس لها معني واضح أو مفهوم. ولا يزال المذيعون العرب، من بين كل مذيعي العالم في جميع اللغات، مغرمون بهذه الكلمة المبهمة.
يظهر لي أن لا أحد من الذين يستعملون كلمة "أَرْيحيَّة" يفقه معناها، وأنها تستعمل كمرادفة لكلمة "راحة" أو "سهولة،" ولا يعلمون أن الإنسان ذا الأريحية هو الذي "يرتاح إلى بذل العطاء والأفعال الحميدة."
لا أدري إذا كنت أبالغ في ما كتبت أعلاه، ولكني أؤمن أننا يجب أن نكون واضحين ودقيقين في ما نكتب أو نقول، وأن نعلم ذلك لأولادنا، فالتعبير الدقيق عنصر إلهام للكبير والصغير، ويساعد على إغناء اللغة العربية وتقويتها وزيادة إحترامها بين الأمم، وفي النهاية علينا تشجيع الأصالة وليس التقليد، وعلى المثقفين أن يقرأوا بعناية وبأعين النقاد وأن لا يقبلوا ما يكتب أو يقال لهم على عواهنه.
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوطنية والمذهبية وتراجع الإسلام السياسي
-
لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة القضاء على داعش؟
-
مطلوب تطوير بعض المفاهيم الدينية
-
لماذا لا نحاول أن نفهم أفكار من نختلف معهم؟
-
كيف استفادت إسرائيل من تهديدات إيران وحزب الله
-
تاريخ العرب الحديث .. تجارب مدمرة وفشل ذريع
-
رمضان هذا العام .. فرصة لنسيان سنة مُرعبة
-
نجمُ الأُمّة الكرْدية يبزُغ في سماء المنطقة
-
بعد عاصفة الحزم .. ماذا على الدولة السعودية أن تفعل؟
-
فُرصَة أمريكا لفرض حلّ للقضية الفلسطينية
-
الهجمات الانتحارية وحصادها المُرّ
-
التقدم يعني التغيير
-
عِلّةُ ذلكَ الإخفاقِِ
-
إعلام الإرهاب يشكل خطرا على مصر
-
المؤامرات وجيل التكفير
-
آن الأوان لتطهير الدين من السياسة
-
عزوف الشعوب العربية عن القراءة
-
الوجوه المتعدّدة لرجب طيب أردوغان
-
الحملة الحالية ضد الفكر الإرهابي جاءت متأخرة
-
بان كي مون و أحمد إبن داود
المزيد.....
-
في روما.. يختبر السيّاح تجربة جديدة أمام نافورة -تريفي-
-
لغز مرض تسمم الحمل الذي حير العلماء
-
-بايدن قد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته- -
...
-
قلق على مصير الكاتب صنصال إثر -اختفائه- بالجزائر بظروف غامضة
...
-
هل نحن وحدنا في الكون؟ ماذا يقول الكونغرس؟
-
مشاهد لآثار سقوط صواريخ لبنانية في مستوطنة كريات أتا (صور +
...
-
-حزب الله-: إيقاع قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح
-
مشاهد لـRT من موقع الضربة الإسرائيلية لمنطقة البسطة الفوقا ف
...
-
مجموعة السبع ستناقش مذكرات التوقيف الصادرة عن الجنائية الدول
...
-
لماذا يضاف الفلورايد لمياه الصنبور وما الكمية الآمنة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|