الاصلاح الذي تفهمه الجماهير شكل والأصلاح الذي تطرحه القوى السياسية شكل مغاير ومضاد لمصلحة الجماهير
سامان كريم
2016 / 3 / 6 - 23:25
سؤال: اسبوعين متتالين نظم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تظاهرات باسم "ضد الفساد" الأولى كانت في ساحة التحرير والثانية كانت قرب المنطقة الخضراء.. التيار الصدري جزء من التحالف الشيعي وهو مشارك في العملية السياسية منذ أنشائها ولديه حقائب وزارية وأعضاء في البرلمان.. مالهدف من هذه التظاهرات خصوصا أنها جائت بعد مرور أكثر من ستة اشهر على التظاهرات الجماهيرية الأسبوعبة ضد الفساد.. وترافقت معها الأحتجاجات الطلابية في 7 جامعات, هل ترى صلة بين هذه الاحتجاجات اي الطلابية والجماهيرية؟؟
سامان كريم: الإطار العام للوضع السياسي في المنطقة تغير رويداً رويداً, على اثره تغيرت الاجواء السياسية في العراق. في بطن تلك التحولات والتغيرات التي نشعر بها ونلمسها, هو فقدان المشروع الامريكي السعودي التركي بريقه بمعنى ما, حول تفكيك المنطقة على اساس الطائفة الدينية والاديان. هذا المشروع السياسي لتفكيك المنطقة واعادة رسمها من جديد, لب او جوهر سياسة امريكا وحلفائها في المنطقة, جوبهت بمقاومة شديدة من قبل اطراف دولية وإقليمية من روسيا والصين الى سوريا وحزب الله وإيران واحزاب وميليشيات اخرى من ضمنها ميليشيات مقتى الصدر واخرون.. تراجع او إنتكاسة هذه السياسية لا يعني أنها وصلت الى درجة اللاعودة. بمعنى ان امريكا وتركيا السعودية لحد الان لديهم عزم لتمريرها ولكنهم يواجهون مقاومة شديدة.
تراجع هذا المشروع السياسي البرجوازي الخطير على المنطقة وعلى جماهيرها, جاء عبر ظهور وبروز وحضور قوى سياسية برحوازية اخرى التي طرحت مشروعها ازائه, وهو مشروع "برجوازي وطني" ولكن ليس على شاكلة الوطنية, او "البرجوازية الوطنية الكلاسيكية"، بل "الوطنية" بحلتها الجديدة في اطار صراع سياسي وعسكري وايدلوجي وثقافي واسع النطاق على الاقل على صعيد المنطقة. ظهور التيار الصدري وحضوره في الميدان في الاسابيع الماضية سواء كان في ساحة التحرير او امام بوابات المنطقة الخضراء او الى حد كبير في الجامعات العراقية من جامعة المثنى الى بغداد والبصرة والنجف وكربلاء.. يمكن فهمه في هذا الإطار. وكنوع رد فعل جماهيري بوجه السياسات الاقتصادية الليبرالية التي تبنتها الحكومات التي تلت الاحتلال. التيار الصدري منذ البداية لديه توجه سياسي ضبابي ولكن مشحون بتيار عروبي عراقي, واليوم جراء صمود الحكومة السورية واسقاط حكومة الاخوان في مصر وظهور المحور الروسي الصيني وإيران، وايضا المقاومة العنيدة في الجزائر بوجه المشاريع الامريكية.. كلها ادت الى بلورة سياساتها وتحديد بوصلتها السياسية كقوة او كإتجاه سياسي وطني بطعم ليبرالي ولكن ليس نيو ليبرالية, هذه صفة جميع التيارات التي تقاوم المشروع الامريكي وحلفائه في المنطقة.
لكن جماهير هذه القوة في العراق بالتحديد حيث الهوية "الوطنية" لها جذورها ومقوماتها في التاريخ الحديث, هي بمعنى ما تيار "وطني كلاسيكي" اي برجوازي وطني تحاول ان تسيطر الدولة على الاقتصاد او على الاقل على القطاعات الاساسية في الأقتصاد. خصوصا اذا نفهم التحالف الجديد بين الحزب الشيوعي العراقي والتيار الصدري الذي ظهر بصورة واضحة في حوار مع السيد رائد فهمي مع فضائية المدى في يوم 25 من الشباط الماضي الموافق ليوم الجمعة وبعد خطاب مقتدى الصدر مباشرة, وتتويج هذا التحالف في التظاهرة الاخيرة امام بوابات المنطقة الخضراء بحضور جاسم الحلفي وبجانبه عمامة وطنية!!. يجب فهم انشقاق شروق العبايجي عن التيار المدني الديمقراطي وتشكيل الحركة المدنية الوطنية في هذا الاطار، حيث سنرى العديد من هذه التيارات والمنظمات بتحالفاتهم وانشقاقاتهم ايضا في المستقبل القريب.
هذه لوحة سياسية عامة يجب ان نفهما اذا نريد ان نبني سياسة شيوعية تجاه هذه الاحتجاجات، وبراي هي جديدة وليس مرتبطة بتظاهرات عام 2011 كما يدعون. جديدة بالمعنى السياسي وليس بمعنى مطالب جماهيرية وهي قديمة طبعا. التظاهرات الطلابية توسعت وهذا يعني أنها ليست عفوية, بل منظمة بدقة وليس انتشارها فقط بل مطالبها ايضا منظمة ومطالبهم ضد "الفساد" و"حكومة تكنوقراط" و"الاصلاح" بصورة عامة. الاصلاح الذي تفهمه الجماهير شكل والأصلاح الذي تطرحه القوى السياسية البرجوازية شكل مغاير ومضاد لمصلحة الجماهير.
بطبيعة الحال طرح بعض او عدد من المطالب الطلابية ورفعت فعلا في عدد من الجامعات مثل الجامعة المستنصرية, خصوصا اذا ندرك واقع الحال الطلابي والشبابي في العراق جراء سلطة الاسلاميين وخنق الحريات المدينة والفردية والاجتماعية وبالتحديد في الجامعات, فرض الطائفية والتعليم الديني ووفتح المساجد واالحسينيات وفصل الجنسين وقمع حقوق المراة.. عليه رفعت عدد من الشعارات والمطالب منها زيادة او تحسين منحة الطلاب وتحسين الظروف الاقسام الداخلية وتخفيض اجور الجامعات وتغيير النظام التعليمي.. وبمشاركة التيار المدني يجب أن تطرح هذه المسائل ايضا ناهيك عن واقعية هذه المطالب. بطبيعة الحال نرى تحالف الحزب الشيوعي العراقي والتيار الصدري في هذه الاحتجاجات ايضا. لطلاب العراق مطالب فورية من تغير النظام التعليمي الى فصل الدين عن التربية والتعليم والجامعات اى ابعاد المساجد عن الجامعات الى مساواة بين الرجل والمراة وليس تفرقتهم على اساس الجنس, وحرية التنظيم والتظاهر, والدعم المالي الشهري بما يتناسب مع المعيشة الجامعية, وفتح صالات موسيقية ورياضية وعلمية.. هذه كلها مطالب طلابية وشبابية.. جزء بسيط منها طرح ورفع في هذه التظاهرات.. وزير التعليم العالي والبحث العلمي وافق على جزء من هذه المطالب حيث اعلن الوزارة اليوم الأحد 6 اذار (تبنيه مطالب الطلبة بصرف المنحة المالية، وتحسين وضع الاقسام الداخلية وتخفيض الاجور الدراسية وفقا لصلاحيات الجامعات، ودعا الاحزاب السياسية الى ابعاد "صراعاتها عن اروقة الجامعات") وهذه ايضا خطوة مناسبة. ولكن ان تنظيم وانتشار التظاهرات الطلابية اساساً, عمل مشترك لتيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي. حيث وصف السيد مقتدى الصدر طرد طلبة جامعة المثنى السيد الشهرستاني بـ"المشرف".
هذه التظاهرات جزء من الحملة السياسية التي يقودها الصدر وذيله التيار المدنى الديمقراطي والحزب الشيوعي. بوجه الاحزاب والقوى السياسية المعارضة لها خصوصا بوجه تيار المالكي, ولحلحلة المشاكل والعوائق التي تقف امام حركة الاسلام السياسي الشيعي في العراق والقوى السياسية الاخرى. ولو ان السيد الصدر يصف تحالفه "بالتخالف الشيعي" مع ذلك ان هذه الحركة تهدف الى بناء وتشكيل تيار وطني ليبرالي واسع يقوده الاسلام السياسي الشيعي العراقي ذو توجهات عروبية عراقية مرجعاً وفكرا وحتى توجهات عراقية عابرة لقوميات. وهذا التيار له نفوذه الجماهيري وفي صفوف القوى العراقية الاخرى مثل الوفاق الوطني وتحالف القوى العراقية.. الخ. هذه هي القضية.
بخصوص توحيد هذه الاحتجاجات هي اساسا موحدة وتقودها القوى السياسية انفة الذكر. لكن هناك تذمر واستياء طلابي وشبابي عام براي وهذا اساس لاي اعتراض واحتجاج جماهيري وطلابي وعمالي. تفعيل الاحتجاجات الطلابية هو جزء من تفعيل كل الاحتجاجات جماهيرية المطالبة بحقوقها من الحريات المدنية والسياسية والاجتماعية، الى ضمان العمل وضمان البطالة ورفع الاجور والغاء التمويل الذاتي ووقف الخصخصة, وتغير النظام التعليمي والجامعي والدعم الحكومي للطلاب الجامعات و.. الخ. في الجامعات تبدا في جامعة ما وعبر اشخاص عدة خمسة او ثلاثة من الطلاب معترضين لديهم رؤية سياسية حول حركتهم وكيفية تنظيمها. بعد ذلك تبدا الاتصالات مع جامعات اخرى او فروع اخرى ولكن اتصالات مدعومة بصلة اجتماعية قوية في البداية لضمان امن اعمالهم السياسية.. وهذا يتطلب جملة من المسائل العملية والسياسية. وبصراحة هذا عملنا ونحن غائبون عنه, علينا ان نبدا باتصالاتنا عبر تنظيماتنا وننضال في سبيل خلق اجواء اجتماعية متمدنة في الجامعات.