|
سوريا والفيدرالية
مضر الحوراني
الحوار المتمدن-العدد: 5091 - 2016 / 3 / 2 - 23:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثرت التصريحات مؤخراً عن تقسيم سوريا أو إقامة جمهورية إتحادية قائمة على الفيدرالية كنظام بديل عن النظام المركزي الحالي القائم، ومن هذه التصريحات تصريح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف حول إقامة جمهورية فيدرالية كسبيل أمثل للحل في سوريا وتهديدات جون كيري حول الخطة البديلة في حال فشل وإنهيار الهدنة الحالية بأن الخطة (ب) ستتمثل في تقسيم سوريا. تباينت ردود الفعل حول هذا الموضوع من رافض ومستنكر لهذا الحل إلى من يرى بأن هذه التصريحات لاتعدوا كونها من قبيل الضغوط السياسية على الأطراف المتصارعة التي ترفض في أغلبيتها هذه الحلول التقسيمية وتسعى نحو سوريا موحدة. فماهو النظام الفيدرالي الذي طرحه الطرف الروسي بشكل عام و مبسط؟ إن النظام الفيدرالي نظام قائم على تقسيم السلطات والإختصاصات التنفيذية والتشريعية والقضائية بين حكومة إتحادية وحكومات إقليمية محلية وفق ناظم محدد ودقيق وهو الدستور الإتحادي الذي يقوم بتوزيع السلطات والمسؤوليات بين المركز والأطراف. إذن يتضمن النظام الفيدرالي تقسيم الدولة المركزية إلى مجموعة أقاليم محددة وفق الدستور ومحكومة بحكومات ومجالس نيابية وهيئات قضائية خاصة لاتتجاوز في إختصاصها وسلطاتها على الإقليم ما هو موضوع ومتفق عليه في الدستور الإتحادي ولا تتعدى ذلك إلى تحديد سياسات الدولة الإتحادية الخارجية التي تبقى رهناً لإتفاق الأقاليم وفق محددات الدستور، فقد تتمتع الأقاليم بصلاحيات داخلية وخارجية لكن هذه الصلاحيات لاتتيح لها التعدي على بقية الأقاليم المشكلة للدولة ولا تتعدى على القواعد المحددة لذلك في الدستور الإتحادي ولا على صلاحيات الدولة الإتحادية. وقد تتضمن الدولة الإتحادية محكمة دستورية مختصة بالحكم في الخروقات في حال حدوثها من قبل حكومات الإقليم أو حتى الخروقات الدستورية التي تقوم بها الحكومة الإتحادية في القرارات والقوانين والأحكام القضائية على حد سواء. النظام الفيدرالي نظام متبع في قسم كبير من دول العالم فعلى سبيل المثال دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر شكلاً من أشكال الدولة الفيدرالية وكذلك روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الإتحادية..إلخ يكفل النظام الفيدرالي حقوق الأقاليم المشكلة للدولة بشكل أكبر وأكثر موضوعية من النظم المركزية التي قد تغلّب مصلحة المركز على مصالح الأقاليم أو التي قد تقوم بإهمال بعضها على حساب البعض الآخروذلك وفق إيطار دستوري وقانوني يكفل لهذه الأقاليم العناية الذاتية بشؤونها بعيداً عن سيطرة المركز التي قد تكون غير عادلة وبنفس الوقت يمنعها من التعدي على مصالح بقيّة الأقاليم ومصالح الدولة الإتحادية في المجمل. طبعاً المفهوم الفيدرالي المذكور أعلاه هو مفهوم عام (مثالي) كأي مفهوم آخر ويخضع للتغيير والتحوير والتبديل وفق ما تمليه المصالح والإتفاقات بين الحكومات الإقليمية والحكومة الإتحادية ولكن ماهو ثابت فيه من الناحية الشكلية هو الدستور الإتحادي والحكومة الإتحادية والحكومات الإقليمية والمحلية وتقسيم السلطات فيما بينهم، وتبقى المسائل الفرعية والإختصاصية مسائل خاضعة للتبدل والتغيير والإتفاق. الفيدرالية قد تكون مفهوم جميل ومثالي يبعد شبح التسلط والدكتتورية هذا في الحالة العامة وذلك عندما تكون المؤثرات الخارجية في أضعف وأقل مستوى لها. ولكن الحالة السورية هي حالة مخالفة ومعاكسة تماماً لهذا الموضوع السيادي فمشروع الدولة الإتحادية والتقسيم ليس مشروعاً سورياً وإنما مشروع من الأطراف (الراعية) للصراع السوري. في حالتنا هذه يمثل هذا المشروع الحل الأمثل لهذه الدول حتى تقوم بتقاسم نفوذها ومصالحها على جغرافيا الدولة السورية بشكل يأمن ويسهل لها تقوية نفوذها ودعم مصالحها بعيداً عن التدخل المباشر من الدول المنافسة لها. لكن هل يمثل هذا الحل الحل الأمثل للقضية السورية فعلاً؟ وهل يضمن ذلك حداً ادنى من السيادة والإستقلال؟ شخصياً بعد كل هذه الحرب الشعواء التي مررنا بها وبعدما أضحت السيادة السورية ضرباً من أفلام الخيال والفنتازيا بعد تدخل الكبير والصغير بسياساتها والحل لمشكلتها التي في قسم كبير منها قد تم طبخه لا أعتقد أنه الحل الأمثل لأنه قد يسمح بمستوى أكبر وأعلى للتدخل فيها ويحولها إلى ملعب مفتوح يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه فيه وإن كان بشكل أكثر سلمية مما هو عليه الآن. كنا سابقاً نرفض اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت حدود الدول الحالية ولكننا الآن ندافع عن هذه الحدود الحالية باسم الوطنية والإستقلال وسيادة القرار. من يدري مستقبلاً هل سيدافع أبناؤنا عن اتفاقية لافروف كيري في وجه إتفاقيات و ومعاهدات مستقبلية تطرح تقسيمات جديدة في هذا المشرق المشؤوم؟ والسؤال الأهم هل ستدور الدوائر ونستطيع التقرير بأنفسنا ماهو الأصلح لنا؟ هل سننضج كفاية حتى لانسمح بأن نبقى كالخراف بحاجة إلى الرعيان وكلابهم حتى تقودنا على مذبح مصالح الدول مختلفة؟
#مضر_الحوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المؤامرة
-
عن الأخلاق
-
رأي في تقبل المختلف
المزيد.....
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
-
تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
-
هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه
...
-
حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما
...
-
هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
-
زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|