|
أعراف المجتمع تقيد المرأة
صليبا جبرا طويل
الحوار المتمدن-العدد: 5088 - 2016 / 2 / 28 - 16:49
المحور:
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2016 - المرأة والتطرف الديني في العالم العربي
الصورة النمطية عن المرأة في مجتمعنا العربي تحتاج لاستئصال من جذورها. حصرها في جسد بلا عقل وروح، لن يساهم في تحررنا من عقليتنا القبلية، ولن يسعفنا على اصلاح تراجعنا الفكري البالي القابع في جحور العصور الغابرة المظلمة. رؤيتنا المستقبلية ستبقى مشوشة، ما لم نردم الفجوة بين الرجال والنساء، ونعلن مساواتهما الكاملة.
المرأة والرجل، يعيشا في عالم يلفه الجهل والأمية والفقر والمرض، والعصبية الطائفية، والأفكار الرائعة، أو الأفكار البالية، الخائبة الحزينة التي تهدف لاسترجاع الماضي بسيئاته. ليشطح بالتالي معتنقيها بعيدا عن الحضارة العالمية وانفتاحها، ظننا منهم أنها ابداعية، ليزداد عشقهم للعودة الى الماضي وإعادة استنساخ ظروفه التاريخية والاجتماعية ليبلغوا نشوة الوصول لأمجاد تجدد ذاتهم الهائمة في تيه الصحراء التي ابتلعت رمالها عبر قرون إبداعاتهم. منذ كنت طفلا وانا اسمع "ان للمرأة عقل بحجم عقل الدجاجة"، وان "في المرأة نجاسة -غير طاهرة- لا تستطيع ان تمارس بعض الطقوس الدينية بسببها ". كانت هذه التعابير في طفولتي تستفزني، فرأس أمي مقارنة بحجم رأس ابي متساويان تقريبا، وكلاهما كان يتمتع بنفس القدرات العقلية وان تنوعت فتدل على الابداع الذي كان كل منهما يتحلى بها. ما لم اعرفه حينها في ذلك السن هو سر النجاسة، بعد أن أدركت لاحقا معنى (غير طاهرة)، تساءلت لماذا هذا التميز والاجحاف بحق المرأة؟ اليس ما يخرج من اجسادهن مثله ككل افرازات جسم الانسان وإخراجاه، وفضلاته؟ لاحقا استنتجت ان هذا الاختلاف تعبير ثوري لجسد المرأة، وان جسدها يستعد منتظرا لبناء طفلا في رحمها تسعد به كل البشرية في هذا العالم .... في المرأة يكمن سر وجود البشرية واستمراره الذي خصها الله به واودعها اياه.... فمتى نتخلص من هذه المفاهيم المقززة؟ ومن أفكارنا السقيمة؟ ... لنرمي بها في سلة نفايات التاريخ.
مجمل القضية سببه ثقافة المجتمع الذكوري الذي لا ينتقي من الاختلافات سوى الاختلاف البيولوجي، فتهيمن الذكورة على فكره، لتحصره في اعضاءه التناسلية، فلا يري في المرأة سوى متعة جنسية. فنعتها بعورة ليسهل عملية فرض ملكيتها، وخوفه الغير مبرر حاصرها كي لا يفقدها. فبات جسد المرأة هو الساحة العامة لأمن المجتمع، وفرجها مصدر استقراره. صورة جنسية جاءت نتيجة دعارة فكرية. أما الاختلاف في القدرات العقلية فغيب تماما، فشرط الرجل جوانب استعمال العقل عندها، وحرمها من قدسية عمله، وعطله بأفكار هراءيه كي يدخلها في رعايته تحت سيادته لتصبح طيعة بلا إرادة او هوية او ذاكرة. لا استثني احدا من اقصى اليمين الى اقصى اليسار. ولا حتى الرافض والمؤيد لهذا الفكر. لكنني الوم المجتمع الصامت الذي يعرف القرار لكنه يتغاضى عن اتخاذه. لن استثنى معظم النساء أيضا صاحبات الحق المهدور، كيف لا يتساعدن من أجل قضية كرامتهن وحريتهن واجسادهن ومستقبلهن.
... تمضي بنا الأيام الخوالي ... ومرورا في حرب حزيران وما تبعها من ويلات، وصراعات، وحروب في الشرق الأوسط وصولا الى الربيع العربي، كان معظم نتائجها هبوط أرصدتنا في العلاقات الدولية ونجاح المستفيدين، والمنتفعين والمتآمرين على شعوب المنطقة. أرصدة دولنا في الفشل تعاظمت وارتفعت بشكل حاد فأزمت أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. معظم القوى السياسية الدينية وأحزابها اجزمت على ان أحد الأسباب الرئيسية الهامة التي أدت الى فشلنا هو الابتعاد عن الدين. فطفت على السطح أصوات أصحاب الحلول الدينية وكان أول أهدافها موجهة ضد المرأة وحملتها عواقب فشلنا، وظهرت مقولة: "لماذا نصلي ولا يستجاب لنا!". فكان الحل هو العودة الى الدين. أؤيد هذا الطرح، وكل طرح ديني يقف على أرضية صلبة، به تمنح الحرية لأتباعه دون وضع حدود وحواجز أو محللات ومحرمات. الله، سبحانه وتعالى ميّز الانسان عن كل خليقته بأن وهبها عقلا حرا يستعمله بإرادته وحريته ... نستنتج من هذا الطرح أن سبب انتكاستنا الفكرية ليس البعد عن الدين بل البعد عن تحقيق الحريات وخاصة المتعلقة بالمرأة أكثر منها المتعلق بالرجل، هذا الفكر فرضته الأفكار التكفيرية في العالم العربي وما وصل من تعسف بحق النساء العربيات اللواتي تم بيعهن في سوق النخاسة كما تباع الانعام – الفكر الجنسي يطفوا على السطح مجددا بشكل سبايا. من ليس لها الحق في اختيار شريك حياتها ليس لها حق على جسدها وعقلها، خاصة في مجتمع يلقن أبنائه منذ طفولتهم “ان الحب يأتي بعد الزواج". يوكد بعض الذكور ذلك بقولهم احببتها بعد ليلة الدخلة. مما يفسر انه في ليلة الدخلة فهم طباعها، ونفسيتها، وعقليتها الخ...من خلال مضاجعتها. جواب شخص عقيم الفهم والادراك. فما جمعه بها هو الجنس وليس الحب. بالتالي يكون الهدف من الزواج الانجاب والمتعة الجنسية، مما يحرم المرأة من الحب الابدي الذي تأملته في طفولتها. بذلك تنتقل من وصاية، وسيطرة، وطاعة الاب والاخ الى الزوج، كقطعة اثاث... الزواج شراكة يقام صرحها على أساس متين من الثقة والاحترام والتقدير والمحبة المتبادلة. المجتمع الذكوري يحافظ على هذه المكاسب التي شرعها المجتمع، والمرأة قد تستكين ونرضى بذلها...على المرأة أن تنتفض، أن تثور، أن تكسر القيود التي تكبل حريتها وتلغي قراراتها. عليها ان تحارب من اجل الانعتاق من عبوديتها من اجل تامين أكثر عدالة لأنباءها خاصة للإناث منهم.
هناك خلل في الوعي الجمعي، سببه رواسب التربية الخاطئة المميزة بين الجنسين منذ الطفولة، تستقر في اللاوعي، تسترجع لاحقا ليعيش الانسان تناقضاتها. الدولة تساهم بذلك وطقوس العبادة والمجتمع يساندانها، لتصبح قضية المرأة قضية وطنية مصيرية مهمة. يتبعه مراقبة تحركات المرأة ومحاسبة خطواتها خطوة خطوة... لباسها، مشيتها، حركتها، كلامها ...أليس من الأفضل تربيتها على تحمل المسؤولية، والشعور بالاستقلالية، كي تكون لها تجاربها الخاصة لتبني خبرتها الذاتية في الحياة وتستعد لمواجهتها... في عرفنا باتت المرأة صمام أمان المجتمع، وأصبحت كأسطوانة غاز ما لم نحكم اغلاقها جيدا ستقتلنا... أفكارنا الرجعية المحاصرة للمرأة قتلتنا ودفنت عقولنا المريضة في مستنقع التخلف... متى سنتقدم ونرتقي كباقي المجتمعات الإنسانية؟
تحجيم المرأة يعني وضع نصف المجتمع في دائرة الغائب، مما يسهل السيطرة على باقي افراده. تحجيمها بحجة الشرف لا يؤدي الى مثالية المجتمع وطوباويته. مجتمعاتنا المنغلقة فيها الكثير مما يدهش، لم تسعفنا مبادئنا ونظرياتنا السامية من علاجها. – يمكن الإبحار، والبحث في الانترنت عن ظاهرة الدعارة، وعدد اللقطاء، والانحرافات الجنسية وسفاح القربي الخ... في مجتمعاتنا. لا تصبوا حقارتكم على النساء.
كثيرات هن النساء الرائدات اللواتي غيرن وجه التاريخ وشاركن الرجال في ميادين الحياة العلمية والسياسية والأدبية والاقتصادية. قد يجيب شخصا ما أنهن حالات استثنائية، وجود مثل هذه الزمر بيننا لا يمكن ان يساهم في تحقيق أي تغير أو إنجاز نتطلع اليه ونتمناه منذ أجيال. أتمنى ان لا تتحكم هذه الزمر بمصير دولنا وشعوبها المتطلعة للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية الإنسانية.
التحية والتقدير والاحترام، لكل الماجدات المناضلات الداعيات الثائرات المبدعات - دون ذكر الأسماء، وهن كثيرات في العالم العربي- اللواتي يجاهدن لتحقيق مطالب النساء وحقوقهن، وحريتهن في هذا الصراع الحضاري في عالمنا العربي. عاجلا ام اجلا سينهار جدار الصمت وجدار الفصل بين الرجال والنساء، وتنطلق انتفاضات تنادي بالمساواة بين الرجال والنساء.
هنيئا للنساء الماجدات المتطلعات لغد مشرق ولمستقبل أفضل في عيدهن. وكل عام ونساء العالم والعرب خاصة بألف خير.
#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفساد لا يبني وطن
-
كافر انت!؟
-
استقلال العقل ضرورة حضارية
-
دين وأخلاق
-
العلمانية حل للإنسانية المفقودة
-
حوار المواطنة أهم من حوار الأديان
-
خطاب ديني وطني وَحْدَويّ
-
أخي العربي.. مثلك أنا
-
الإنسان صناعة الإنسان
-
الله والعقل واستمرار والوجود
-
النقد بابٌ للحريات وللتقدم
-
متدين، أم مؤمن؟!
-
الإعلام المرئي يحرض على الإرهاب
-
ماذا بعد ضرب داعش؟
-
داعش والأبجدية
-
مسلمون ومسيحيون معا
-
ما هذا الوطن؟؟؟
-
مهزلة فكر وثقافة
-
المراءون يغتالون الوطن
-
أيها العاطلون عن العمل اتحدوا
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
الانثى في الرواية التونسية
/ رويدة سالم
المزيد.....
|