حركات التحرر الوطني في سياقها التاريخي
حافظ عليوي
2005 / 11 / 17 - 13:01
كانت الثورة الفرنسية مثابة المحرك الذي استطاع ان يحدث تغييران بنيوية عميقة في العالم ككل ، مثلت بالقضاء على النظام الاقطاعي والملكي القديم ، وادخال الاصلاحات الجذرية في المجتمع ، وتحقيق التطور الاقتصادي السريع . لهذا السبب اصطبغ الفكر القومي بالصبغة الثورية ، وعبّر عن طموح الشعوب للتخلص من النظام الاقطاعي الذي استمر 1.300 عام . ولهذا السبب بالذات نجح الفكر القومي الجديد باجتياح اقطار العالم واحتلال مكانة الفكر الديني الذي تراجع مع انحسار النظام الاقطاعي ، بعد ان عجز عن طرح برنامج اقتصادي وسياسي بديل للتطور الذي قدمته الثورة الفرنسية ب13 عاما ( عام 1776 ) .
وكانت الولايات المتحدة اول دولة تم تأسيسها حسب دستور ضمن الحرية والمساواة واعتبرها حقوقا طبيعية للانسان .
وقد أسهمت الثورة الفرنسية اسهاما كبيرا في تفكيك العلاقات الاقتصادية القديمة البالية التي ميزت الامبراطوريات في اوروبا والامبراطورية العثمانية في آسيا .
وكان اول واهم تطور تاريخي تأتّي عن توسعات نابليون ، تكوين نظام محمد علي باشا في بداية القرن التاسع عشر في مصر . وكان هذا النظام الجديد فاتحة لعهد من المعارك نحو الاستقلال ، تكللت بعد قرن ونصف بثورة الضباط الاحرار بقيادة جمال عبد الناصر (1952).
ولا بد من الاشارة في هذا السياق الى ان الفكر القومي لم يتطور في العالم العربي بشكل طبيعي ، بل اعتبر دخيلا عليه من الغرب الاستعماري . فقد تميز المجتمع العربي الاقطاعي حينذاك بالفكر الديني الذي حارب الفكر القومي العلماني بطبيعته . واكتسب الفكر الديني الذي حمل رايته مفكرون مثل جمال الدين الافغاني ، رواجا ونفوذا كبيرين في صفوف الشعب . ويعود ذلك لاخفاق الفكر القومي في تحقيق اهداف الثورة البرجوازية ، المتمثلة بالاستقلال السياسي والاقتصادي . فالاستعمار الغربي الذي قدم سنداً للتيارات القومية في معاركها ضد الامبراطوريات القديمة ، العثمانية والروسية والنمساوية ، لم يقصد من اصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية منح الاستقلال للشعوب ، بل تفكيك هذه الامبراطوريات ، بهدف استعمار بلدانها من جديد ، على اساس رأسمالي .
ومن هنا تعتبر تجربة محمد علي باشا في مصر نموذجا لفشل التجربة الاولى للحركات القومية العربية في مواجهة الاستعمار . وكانت احدى العقبات الجوهرية التي حرمت مصر من الاستقلال الاقتصادي ، غياب الطبقة البرجوازية المحلية وبوادر الاقتصاد الرأسمالي . فمحمد علي نفسه كان الباني الاصل ، وكان يعتمد على البيروقراطية العثمانية التي تغذّت من جباية الضرائب من المجتمع الريفي المصري . لذا كان على الدولة ان تأخذ دور البرجوازية في إحداث التطور الصناعي ، غير ان هذه الدولة افتقرت للموارد المالية اللازمة لذلك ، فاضطرت للاعتماد على القروض الخارجية ، الامر الذي أغرق البلاد في الديون وعمّق تبعيتها للغرب .
وكما ان الفكر القومي العربي الذي مال للنظام الرأسمالي ، لم يعتمد على الطبقة البرجوازية لانها كانت معدومة اصلا ، كذلك فان الفكر الديني الذي رأى في الرأسمالية استعمارا ، لم يرتكن على الاقطاعيين الكبار المواليين للغرب . وصب التياران ، القومي والديني ، جهودهما في كسب دعم الطبقة الوسطى التي استثنيت من أي نفوذ سياسي واية سيطرة على المرافق الاقتصادية الاساسية .
البرجوازية تنتقل للمرحلة الاستعمارية
بعد ان فرغت البرجوازية من توحيد المانيا وايطاليا في نهاية القرن التاسع عشر ، تفرغت دولها الصناعية الكبرى للسيطرة على العالم . وكانت هذه نقطة مفصلية في تاريخ النظام الرأسمالي ، تميزت بفقدان البرجوازية صفتها التقدمية التحررية ، وبداية احتدام الصراعات فيما بين الدول الاستعمارية الاوروبية .
وانعكس هذه التحول في انقلاب الفكر القومي البرجوازي على المضامين الاصلية للثورة الفرنسية التي حملت بشائر الحرية والمساواة والاخوة بين الشعوب ، وتبنيّه بدل نزعة الحقد والعنصرية واستثناء ثقافة ولغة وحضارة الآخر . واستخدمت الدول الصناعية هذه النزعات الرجعية لتجنيد مواطنيها في حملاتها العسكرية ضد دول صناعية اخرى ، في المنافسة على السيطرة على المستعمرات ، والتي انتهت الى حربين عالميتين مدمرتين في القرن العشرين ولم يكن مبررهما سوى ضمان ارباح الطبقة الرأسمالية .
وتجلى هذا لتراجع في المعاملة العنصرية التي تلقاها مواطنو المستعمرت ، سواء السود في افريقيا والهنود في الهند والعرب في الشرق الاوسط ، فقد اعتبرهم المستعمرون مخلوقات متدنية لا تستوعب ما يقدمه لها المجتمع العصري ولا تعرف ادارة شؤونها بنفسها .
واصطدم الفكر القومي الاستعماري الرجعي بشكل مباشر بالفكر القومي التقدمي الذي تمسكت به الشعوب المضطهدة . فلم يكن الاستعمار على استعداد لمنح الشعوب المضطهدة ما حققه لشعوبه من مجتمع ديمقراطي عصري واستقلال سياسي واقتصاد متطور . صحيح ان الاستعمار اسس بعض مشاريع البنية التحتية في المستعمرات مثل السكك الحديدة والصناعات المحدودة وشبكات الطرق والكهرباء والهوتف ، الا انه لم يفعل ذلك خدمة لسكان المستعمرات ، بل لإحكام سيطرته وتحسين استغلاله للموارد البشرية والطبيعية .
تأثير الثورة الروسية على حركة التحرر الوطني
فتح انتصار الثورة الروسية عام 1917 عهدا جديدا امام حركات التحرر استمر 70 عاما حتى انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1990 . وكانت هذه الثورة الاولى التي تمت بقيادة الطبقة العاملة التي سئمت من ويلات الحرب العالمية الاولى التي جلبت انهيار الاقتصاد الروسي وانتشار المجاعة ، مما دفع الشعب للثورة ضد القيصر .
وفيما أسفرت الحرب العالمية الاولى عن انتصار الاشتراكية في روسيا ، فقد ادت الازمة الاقتصادية الخطيرة التي نجمت عن انهيار سوق الاسهم الامريكية عام 1929 ، الى احتداد النزعات القومية في الدول الغربية المتطورة ، والى ازدياد البطالة فيها بسبب الركود الاقتصادي العالمي . وادى هذا الوضع الى شعور الطبقات الوسطى بعدم الاستقرار ، فسارعت ، حفاظا على مكانتها ، الى دعم التيارات الفاشية في المانيا وايطاليا التي تبنت برنامجا قوميا عنصريا معتمدا على تفوق عِرق على سائر الاعراق .
واتبعت الدول الرأسمالية سياسة الانغلاق الاقتصادي ، وحاولت عزل نفسها عن بقية دول العالم لاخراج نفسها من الازمة الاقتصادية . فانتهجت سياسة جمركية دفاعية من جهة ، وعسكرت الاقتصاد والمجتمع من جهة اخرى . ولكن العالم لم يخرج من محنته الاقتصادية الا بحرب عالمية ثانية دمّرت كل اوروبا واليابان .
وفيما كانت اوروبا تستعد لخوض حربها العالمية الثانية ، كانت المستعمرات تشهد نهضة قومية وبداية ظهور الحركات التحررية فيها ، كانت ابرزها الحركة الهندية بقيادة غاندي ، والحركات المناهضة للاستعمار البريطاني والفرنسي في سوريا ومصر .
في تلك الفترة شهدت فلسطين اول انتفاضة شعبية ضد الانتداب البريطاني الذي دعم الاستيطان الصهيوني ، امتدت بين الاعوام 1936 ـــ 1939 وانتهت دون ان تحقق اهدفها . ولم يكن الاخفاق نصيب الحركة التحررية الفلسطينية وحدها ، بل طال ايضا الحركات التحررية في نيكاراغولا ( ضد الاستعمار الامريكي ) والصين ( ضد الاستعمار الياباني ) والاقطار العربية ( ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي ) .
واغلقت الحرب العالمية الثانية عام 1939 المرحلة الاولى من حركات التحرر الوطني . وراحت المستعمرات تبحث عن سبل لنيل استقلالها من خلال دعم احد الاطراف الاستعمارية المشاركة في الحرب . واختارت القيادات العربية الرجعية ، ومن بينها الفلسطينية بقيادة الحاج امين الحسيني ، دعم المانيا النازية ضد بريطانيا ، سعياً للتخلص من الاستعمار البريطاني . وكان في هذا الرهان الخطير دليل على ضيق الافق وغياب المبدأ ، الامر الذي دفع الشعب الفلسطيني ثمنه بفقدان فلسطين عندما هزمت دول الحلفاء المانيا .
وكانت نهاية الحرب العالمية الثانية والانتصار الكبير الذي حققة الاتحاد السوفيتي فيها على المانيا القوية عسكريا وصناعيا ، عبارة عن نقطة تحول في الوضع العالمي . وتحول الاتحاد السوفيتي الى سند حقيقي للشعوب التي سعت الى تحرير نفسها من نير الاستعمار الرأسمالي . وبهذا دخلت البشرية الى عهد جديد يحكمه قطبان : الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي ، والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة .
وانعكس هذا التحول على العديد من المستعمرات ، فاستبدلت الفكر القومي البرجوازي الاصل ، بالبرنامج الاشتراكي الثوري بأشكاله المختلفة . وكانت اول واهم خطوة نحو نمو حركات التحرر الوطني في العالم ، الثورة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي ، تلتها الثورة في فيتنام ثم كوبا . وكانت الثورة الصينية التي اعتمدت دعم الفلاحين ، اول تجربة في بناء مجتمع اشتراكي في دولة مستعمّرة ، وشكلت بذلك نموذجا اتبعته حركات تحرر عديدة كوسيلة للخروج من التخلف الاقتصادي والاجتماعي .
وشهدت السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ، سلسلة من المعارك الناجحة نحو الاستقلال الوطني في بلدان كبيرة وذات تأثير ، كالهند ودول افريقية وآسيوية اخرى ، ويعود الفضل في ذلك للدعم السوفيتي الكبير . وتميزت هذه المرحلة بخروج البعثات الطلابية الى جامعات الاتحاد السوفيتي ، خلافا لما كان في القرن التاسع عشر عندما كانت المستعمرات تبعث طلابها الى جامعات باريس .
وخلافا للنظام الرأسمالي ، لم تكن للنظام الاشتراكي مصلحة في استعمار الدول التي كان يقدم لها السند . فالاتحاد السوفيتي لم يبحث في هذه الدول عن الارباح ، بل سعى لمنافسة النظام الرأسمالي الاستعماري من خلال تقوية الدول النامية للتخلص من الاستعمار ، وتلتحق بالمعسكر الاشتراكي . وكان سعي السوفييت الى توسيع الكتلة الاشتراكية من جهة ، وحرص الغرب الرأسمالي على مناطق نفوذه ومصادر الموارد والاسواق من جهة اخرى ، قد زاد حدة المنافسة بين الكتلتين ووصلت احيانا الى درجة هددت باندلاع حرب شاملة ، وعي الفترة المعروفة باسم " الحرب الباردة " .
لا يمكن فصل النهوض الوطني العربي في الفرة ذاتها ( ثورة الضباط الاحرار في مصر عام 1952 ، الثورة الجزائرية 1954 ـــ 1962 زيادة شعبية حزب البعث في سوريا ابتداء من عام 1954 وثورة عبد الكريم قاسم في العراق 1958 ) عن اتساع رقعة الثورات الاشتراكية . وبينما سار حزب الوفد المصري التابع للبرجوازية المصرية التقليدية ، على نهج الافكار البرجوازية الغربية ، فقد مزجت الشريحة القيادية العربية الجديدة بين عناصر ثلاثة هي الفكر القومي البرجوازي والدين الاسلامي والبرنامج الاشتراكي ، سعيا للتحرر وتحقيق الاصلاح لاقتصادي والاجتماعي .
وكانت فكرة الوحدة العربية التي دعا اليها مؤسس حزب البعث السوري ، ميشل عفلق ، معتمدة على النموذج السوفيتي . وكان اساس هذه الفكرة توحيد عدة شعوب في سوق اقتصادية اشتراكية كبيرة تخدم المشاركين فيها بالتساوي . ورغم عدم تبني الاحزاب القومية العربية الفكر الماركسي كرؤية شمولية للعالم ، الا انها اعتبرت الاتحاد السوفيتي حليفها الاستراتيجي في معركتها ضد الاستعمار الامريكي .
ونجح هذا التحالف في الحدّ من توسع السوق الرأسمالية داخل العالم الثالث وخاصة في الدول المؤطرة في دول عدم الانحياز ، وقلّص هذا فُرص استعمار الدول النامية من جديد .
وكانت هذه الاجواء الايجابية والانتصارات المتتالية التي حققتها الشعوب المضطهدة ضد الاستعمار ، سببا في استنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية ، بعد اختفاء استمر منذ النكبة حتى اواسط الستينات . واتسمت الحركة الوطنية الفلسطينية بروح ثورية ، تحديدا بسبب النفوذ الكبير الذي كان للجبهتين الشعبية والديمقراطية اللتين تبنتا الفكر الماركسي ، ورأتا بع عنصرا اساسيا في حركة المقاومة .
النزعة القومية الرجعية تبرز مجددا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي
اختتم انهيار الاتحاد السوفيتي المرحلة التاريخية الثانية في نمو حركات التحرر الوطني . فقد اصبحت الدول النامية دون السند العالمي الاستراتيجي حقلا مفتوحا للاستغلال الاستعماري . وعادت شعوب هذه الدول ، خاصة في القارة الافريقية ، الى الجمود الاقتصادي والاجتماعي والفقر ، وقُضي على الانجازات التي حققتها بدعم الاتحاد السوفيتي .
وشكّل غياب المحرك الثوري الاشتراكي تربة خصبة لنمو النزعات القومية مجددا ، هذه المرة بصيغتها الرجعية . فامتزج الفكر القومي بالفكر الطائفي ليس كوسيلة للوحدة بل من اجل رفض كل ماهو غريب ، وهو الوضع الذي يشابه الى حد بعيد المناخ الذي ساد اوروبا عشية الحرب العالمية الثانية . وتحولت النزعات القومية الى افضل وسيلة لتفكيك ما تبقى من النظام الاشتراكي ، واستخدم مبدأ " حق الشعوب في تقرير مصيرها " لتمزيق الاتحاد السوفيتي واليوغسلافي ، وتقليص نفوذ روسيا . وكانت الحرب الاخيرة في البلقان اكبر برهان على الطابع الرجعي الذي يمكن ان تلعبه النزعات القومية . فقد استغلت المانيا وامريكا مطالبة البان كوسوفو المسلمين بالاستقلال عن الاتحاد اليوغسلافي ، بهدف اضعاف الدولة الفدرالية الموحدة وتفكيكها ، ومن ثم ربط الدول " المستقلة " الجديدة بالمصالح الاستعمارية الغربية .
وشكّلت الحرب على يوغوسلافيا سببا في نمو النزعة القومية لدى الشعب الروسي المنتمي لنفس الدين والعرق السلافيين . وكان الوضع في روسيا مهيأً لنمو هذه النزعات بسبب الازمة الاقتصادية التي ساهم الغرب في تفاقمها بعد استيلائه على دول عديدة كانت جزءا من المحيط الاقتصادي الروسي .
ولم تكن الازمات الاقتصادية نصيب الدولة السوفييتية سابقا فحسب ، بل اصابت الدول الصناعية المتطورة . وادى انتشار البطالة والامراض الاجتماعية فيها بسبب تناقضات النظام الرأسمالي الجديد ، الى بروز النزعات القومية . وأصبح العمال الاجانب في هذه الدول ( مثل الاتراك والاكراد في المانيا ، والعرب في فرنسا ، والهنود والباكستانيين في بريطانيا ) ضحية سهلة للملاحقة والكراهية من السكان المحليين . اما في الدول النامية فقد تراجع الفكر القومي ازاء هذا الوضع ، وانفتح المجال لتأجج النزعات الطائفية ، واحيانا القبلية ايضا التي تؤدي في القارة الافريقية الى مذابح شنيعة .
النهضة القومية التقدمية مرهونة بمحرك ثوري جديد
لقد فرضت الولايات المتحدة على الشرق الاوسط الاطار العام لتسوية القضية القومية العربية ، بعد ان هزمت العراق في حرب الخليج . ووافق معظم الدول العربية في مؤتمر مدريد على مبادئ هذه التسوية . وصيغة مدريد بسيطة جدا ، فهي تُخضع المصالح القومية العربية للمصالح النفطية الامريكية ، وتكرّس دور اسرائيل كدولة نووية وشريكة استراتيجية لامريكا في الشرق الاوسط .
ورغم ان الاضطهاد القومي لا يزال قائما ، بل ازداد حدة ، الا ان الحركات الوطنية ، ومنا الفلسطينية والكردية ، وصلت الى طريق مسدود . وتقود المحاولات لحل المسألة القومية في الظروف التاريخية الراهنة وضمن موازين القوى الحالية ، الى انخراط النخب القيادية البرجوازية في النظام الرأسمالي ، الامر الذي يبقي الشعوب المضطهدة تحت رحمة الاستعمار .
في مواجهة هذا الاستحقاق وقع اليسار الفلسطيني ، والعربي عامة في خلل منهجي عندما أصر على طرح بديل للاتفاقات المجحفة مؤسس على الشرعية الدولية والدور الاوروبي ، وتحديدا فرنسا وروسيا ، ككفة مضادة للكفة الامريكية .
ان هذا البديل غير تاريخي لان الشرعية الدولية فقدت مضمونها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، كما ان الدول الاوروبية تدور في الفلك الامريكي كما تبين في حرب البلقان الاخيرة ، وهي تدعم بحماسة بالغة اتفاقات اوسلو وتموّل السلطة الفلسطينية . لهذا كان من الطبيعي ان يصل اليسار الفلسطيني الى طريق مسدود في محاولته اقناع البرجوازية الفلسطينية بتبني هذا البديل الوهمي .
ان نمو هذه الاوهام في صفوف الحركات اليسارية الفلسطينية والعربية يعود الى تخليها عن النظرة الماركسية الجدلية للقضية القومية التي تغير مضامينها حسب اختلاف الزمان والمكان ، كما اسلفنا .
ان الخطأ الرئيسي الذي ارتكبه اليسار الفلسطيني هو عزله القضية الوطنية الفلسطينية عن الثورة الاشتراكية . فقد نسي ابجدية الفكر والعمل الثوري الذي يربط مصير الشعوب المضطهدة بمصير الطبقة العاملة في العالم ، وخاصة في الدول الصناعية الكبيرة . ان النظام الامريكي الجديد لا يزال يفرض هيمنته المطلقة على العالم ، ولكنه يسبب ازمات اقتصادية كبيرة تزعزع الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسواد الاعظم من عمال العالم ، وبينهم عمال الدول الغنية نفسها .
البديل للنظام الرأسمالي الحالي هو النظام الاشتراكي ، وكل محاولة لعزل البرنامج الوطني عن البرنامج الاشتراكي ستوقع صاحبها في فخ الاستعمار . وكل برنامج وطني ، سواء في ايرلندا او كردستان او فلسطين او غيرها ، يبحث عن الحلول ضمن النظام الرأسمالي القائم ، قد انتهى او انه سوف ينتهي بالفشل ، لان هذا النظام الرأسمالي لا يتسع للشعوب المضطهدة .