أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رفقة رعد - ذاكرة بطعم الجنون














المزيد.....

ذاكرة بطعم الجنون


رفقة رعد

الحوار المتمدن-العدد: 5085 - 2016 / 2 / 25 - 20:54
المحور: الادب والفن
    



لست ذلك المجنون الذي يمشي في الطرقات يحدث المنازل لكن يمكن لي ان افهم حديثه الغريب و حروفه المبعثرة في شوارع بغداد ، و يمكن لي ان ادرك ان الشعوب المتعبة لا يمكن لها ان تقاوم اغراء الجنون ، اغراء ان يكون لنا عالم خاص نخلقه بإنفسنا و نلونه بألواننا ، فنجعل الشبابيك تحدثنا و النافورات ترقص معنا و ثقوب الرصاص غمازات لحبيباتنا .
عندما كنت ادرس طلابي الفلسفة ، كنت اعلم ان وقع الكلمة كبير عليهم و هذا اول ما يجب ان يتعلموه ، ما هي الفلسفة؟ ، كنت اعتمد على مثال المجنون هذا ، فأقول لهم: لو كان لنا مجنون وسط مجتمع فماذا سوف تكون الاحكام عليه ، فيقول احدهم: العامة من الناس سيقولون (مخبل) ، وعلماء الاجتماع سيقولون معنف اجتماعياً ، و اطباء النفس سيقولون مريض نفسي ، بينما الفلسفة ستقول انه انسان تعب من تفاصيل الحياة فخلق له عالم متكامل يعيش به براحة اكبر ، لان الفلسفة هي الحكمة ، هي اخر ما يصل إليه الأنسان في بحثه عن الحقيقة و هذا ما توصل له المجنون المتحدث مع الأبواب ، فالظاهرية يمكن ان تفسر لغة جسده و افكاره بأن ما نراه هو ماهية الحقيقة . و تبقى الحقيقة نسبية فلما علينا ان نكن نحن العقلاء و هو لاعاقل ؟
اخر مرة رأيته كان منهمك بالحديث مع حائط جيراننا ، يتناقش معه بصوت عالي بكلام غير مفهوم ، و هذا ما جعلني اركز اكثر فيه ، فلم يعيرني اي انتباه كأني شبح ، أو متطفل يلغي وجوده بالأهمال . حديثه لم يكن عدائي وانما نبرة صوت هادئة تعكس ثقة بالنفس ، صوت متوازن العلو بتركيز كبير في نقطة واحدة اثناء الحديث ، الظاهر انه كره لغتنا الأم و استغنى عنها بلغة خاصة أو هي طريقة احتراسية استخباراتية لتجعلنا بعيدين عما يفقه و يعرف ، فليس من حكمة المجانين ان يكشفوا معارفهم للعامة ولا حتى للخاصة ، سر فلسفتهم يبقى بين انفسهم لتحافظ الحياة على جمالها ، فالأسرار اجمل من البوح ، ذلك الغموض الذي نختبره اجمل من الوضوح الذي يبحث عنه الاخرين ، فالمجنون ليس اخرين بل هو شعب لوحده ، دولة لها دستورها الخاص و لغتها ، مدينة فاضلة .
ملابسه استثنائية لم تعكس لي من اي حقبة اختارها ، فلم تكن كلاسيكية أو عصرية بل كانت خليط من بساطة اعترف انها جميلة رغم اتساخها ، فليس ضروري ان يبحث المجانين عن النظافة لتناقظها الذي اكتشفوه متأخراً ، فكان اتساخهم رد فعل طبيعي حينما راقبوا لسنوات طوال نظافة الملبس متسخي العقول، فكانت هذه النتيجة ببساطة .
حقيبته من قماش صديق للبيئة يتحلل بما فيه فلا يبقى لتاريخهِ من اثر ، و ربما يعاد تدويره فتعم الفائدة على الجميع في النهاية ، يحملها بطريقة جانبية ليس ثقيلة ولا خفيفة ولا يدل اي اثر ان في داخلها اي طعام ، وهذه ميزه اخرى للمجانين ان طعامهم قليل جداً ، فغالبا ما ينامون جوعى استخفافاً منهم بالجوع ذلك الذي لا يشبع ، من لا يشبع لا يتوقف ، و المجانين قرروا التوقف ، ووقع قلقهم تحت خانة الاختيار ، فأختاروا في الوقت الذي لم يتنسى للعقلاء ذلك .
الحياة هشه جداً عند المجانين، لان قيمتها ليس في مادة بل في لحظة راحة يعيشها احدهم مع حائط أو زقاق أو صديق وهمي يسروه عن اسرارهم العاقلة ، وهذا ما جعلني اتركه بهدوء في مكانه يكمل نقاشه ، حتى اني لم امر بينه و بين الحائط كي لا اشوش له افكاره و ذاكرته ...



#رفقة_رعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة بطعم الكتب
- أحلام يقظة شعوب الحرب
- عيد اكيتو واسراري للآلهة
- سبايا داعش نساء خارج الارض
- نازحة
- ذاكرة بطعم الالعاب
- صوت طفل الحرب
- الكلام النسوي ( حل لمشكلة العدم )
- نساء العراق بين فكي داعش والحروب
- ذاكرة بطعم العشب
- في الطريق إلى شارع المتنبي
- العدم في دقائقهِ الاولى
- الضياع بين اربع جدران
- نوايا السلاميات
- السلم وحتمية الانصياع للدولة عند اسبينوزا
- بعد صوت الباب
- ذاكرة بطعم الخبز
- خارج اطار مشروع السلام الدائم
- ذاكرة بطعم التمر
- أمنية فخارية


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رفقة رعد - ذاكرة بطعم الجنون