علاء مازن
الحوار المتمدن-العدد: 5065 - 2016 / 2 / 4 - 23:14
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ليعود اليمن سعيداً
كان يسمى اليمن قديما باليمن السعيد لما قام فيه من ممالك عظيمة سخرت خيرات أرضه ووظفت جهد أبناء شعبه لتُنشئ صرحاً عمرانياً لا يضاهى ولتقدم للإنسانية منجزات مادية وثقافية مهمة جعلت من اليمن مركزاً للصناعة وقبلة للتجارة بالبخور والتوابل والذهب والعاج , تلك السلع التي كانت تجيء من الهند وإفريقيا لتذهب لبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين ومدن اليونان وأراضي الرومان فتحمل معها أسماء حواضر اليمن الفذة كشارة للجودة وعلامة للإبداع فكانت سبأ وحمير وقتبان وحضرموت ومعين وكندة ونجران أسماء ومعاني تملئ العين والنظر بمسامعها الطيبة أينما حلت منتجاتها .
أما اليوم فالحال تغير لكن نحو الأسوأ فأصبح الوضع مأساوياً فالدولة ضعيفة والأزمات عديدة , التعليم في تراجع , والخدمات متردية , والسلطة منهارة , والأرض مقسمة بين القوى المختلفة
ويتلاعب بمستقبل اليمن صراع دموي وحرب شبه أهلية تتدخل فيها القوى الإقليمية بكل جرأة وجسارة في ظل سيادة مهشمة وفساد مستشري وقوى تقاسم الدولة سيادتها بل وتعلوا بسلطانها الضيق فوق سلطانها .
فاليمن اليوم منقسم أكثر من أي يوم مضى و خريطته مبعثرة أيما تبعثر فهناك صراعات معقدة متداخلة يلعب فيها المذهب والقبيلة والحزب والمليشيات أدواراً خطيرة .
فاليمنيون إلى اليوم مرتبطين بولائات تتناسب مع العصور الوسطى ولا تتلائم مع العصر الحديث فهم منقسمون حسب المنطقة كشماليين وجنوبيين , وحسب التجمعات القبلية بين تجمع بكيل وتجمع حاشد وتجمع مذحج , وحسب المذهب كسنة وشيعة زيدية .
والأنكى من ذلك والأمر أن هذه التصنيفات والتقسيمات مع الزمن ازدادت سلبياتها على حساب إيجابياتها و ترسخت و تكيفت مع التحديات الجديدة بشكل بشع لتبقى وتستمر ومع كل أزمة يظهر للعيان دورها المتعاظم بشكل فاضح مع أن هذه القوى -من المفترض- أن تكون قد تلاشت أو حتى انصهرت في عباءة الدولة اليمنية بولادتها الحقيقية -بشقيها الشمالي والجنوبي- بعد خروج الاستعمار الانجليزي 1967م أو حتى بعد وحدة شطري اليمن 1990م لكنها للأسف بقيت وازداد دورها السلبي بسب تقصير السلطة في تلبية حاجات المجتمع اليمني فالمواطن المسكين يبحث عن حاجاته التي أهملتها الدولة واستغلها أرباب الانتماءات الضيقة فيتم إعلاء الانتماء الضيق على حساب الانتماء الأكبر الممثل بالوطن لأجل توفير مستلزمات الحياة الأمن والوظيفة والمكانة والمال للمواطن الضعيف .
ونتج عن ذلك عدة تجليات منها الأزمة السياسية التي تحدث اليوم ففي اليمن الآن صراع تعددت أقطابه وتكاثرت أطرافه فهناك جنوبيون يريدون الانفصال ويعملون لأجله وكثير منهم متأثر بالأفكار الماركسية وهم مقربون من الإمارات ويتمركزون في عدن وباقي مناطق الجنوب , وهناك أنصار الله (الحوثيين) الذين تبنوا الفكر الخميني الاثناعشري بعدما تولت إيران تدريبهم وتسليحهم وتثقيفهم ومركزهم في صعده في الشمال , وهناك قوميون يستلهمون أفكار الناصرية والبعثية وهم يبحثون عن ظهير ولا يجدون -بعدما كانت مصر ناصر وعراق صدام ذلك الظهير- , وهناك جهاديون مبعثرون في الأطراف يدينون بالولاء لداعش , ولا ننسى الجهاديون الآخرين المناوئون لهم التابعون للقاعدة وهم أيضا مبعثرون في المناطق البعيدة , وهناك حزب التجمع اليمني للإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين المتمركز في تعز والذي كان له في صنعاء نفوذ كبير لولا انه -خرج أو أخرج- منها , وهناك قرابة 30 فرقة عسكرية تعمل لحساب المخلوع علي عبد الله صالح وتتمسك بسلطانه البائد , وهناك قرابة 12 فرقة عسكرية تدين بالولاء للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي التائه بين عدن والمنفى وهناك سلفيون يعملون مع السعودية ويحظون بدعمها وكان مركزهم دماج لولا أنهم خسروها , هذا بالإضافة للمقاومة الشعبية وقوات القبائل التي تعمل ضد الحوثيين وصالح وهي خليط غير متجانس ولا محترف ولا ننسى الطرق الصوفية ومشايخ البهرة (الإسماعيلية) وتجار السلاح والمهربين والعصابات والفارين من العدالة وقادة القبائل الصغيرة الذين يعملون على الأرض غير آبهين بسلطان الدولة فاقدة الهيبة , فيبيعون ولائهم للأطراف التي ذكرناها ولغيرها بأثمان بخسة إذا ما قورنت بثمن شرف الوطن الحزين .
كل هذا التشرذم الذي نراه اليوم يقع وزره على عاتق السلطة الحاكمة في شقه الأكبر -مع عدم إهمال الظروف الدولية الصعبة والمؤامرات التي لا تغيب- فالسلطة الحاكمة بشخصياتها وكوادرها المتعاقبة هي من جلبت التدخل الخارجي بسبب تعددت أزماتها وكثرة ديونها وتراخي قبضتها الأمنية فلم تستطع أن تعترض على نفوذ أو تدخلات أمريكا والسعودية وبريطانيا وإيران والإمارات وإسرائيل وداعش والقاعدة والشركات الكبرى داخلها ولم تصلح التعليم وتطوره لتزيل من أذهان اليمنيين مفهوم العصبية القبلية والأحقاد المذهبية ولم تسمح بعملية سياسية سليمة بعيدة عن العنف نقية من المال السياسي , فأصبحت اليمن أنموذجاً للدولة الفاشلة بكل المعايير والحال يزداد سوءاً مع الوقت وكل مرة تتفجر أزمة جديدة تنذر اليمنيين , فتمرد في الجنوب انفصالي وتمرد للقاعدة ديني , وتمرد الحوثيين سياسي , واغتيالات وعمليات خطف سياح ومواطنين لا تتوقف....
وكمراقب وباحث أرى أن الحل الوحيد الفعال الممكن في الفترة القادمة -طبعاً بعد القضاء على تمرد الحوثيين- لأجل تلافي انهيار مؤسسات الدولة اليمنية قيام السلطة اليمنية الشرعية الممثلة بعبد ربه منصور هادي بحشد دعم الثوار و المثقفين خلفها و طلب دعم الدول الصديقة و الاستعانة بالمنظمات الدولية و المؤسسات الحقوقية و الإنسانية الوطنية و الدولية لتسهيل ودفع العملية السياسية لإنجاز انتخابات حرة ونزيهة للوصول لبرلمان حزبي جديد وحكومة تكنوقراط وطنية للقيام بـ:
1-هيكلة الجيش ومحاسبة القيادات الفاسدة والمتمردة ومن ثم تحديث الجيش وتحيده .
2-إعادة تقسيم المحافظات والإدارات وإعطاء كل منطقة هامشاً من الحرية في الشؤون المحلية أكبر للجم الدعوات الانفصالية والتمردات .
3-ترشيد الإنفاق ومراقبة الاستفادة من خيرات البلاد النفطية والزراعية وتنشيط الصيد البحري والموانئ التجارية .
4-إصلاح التعليم ومراجعة مناهجه للتخلص من كل ما يرتبط بالتطرف والعصبيات .
5-البدء بعملية سحب الأسلحة من أيدي المواطنين بالتدرج وفق خطة إستراتيجية تمتد لمدة طويلة -لتلافي مقاومتها بشدة .
6-إتباع سياسة خارجية تقوم على الحياد والبعد عن الاستقطابات والتحالفات .
7-مراقبة ومنع أجهزة الاستخبارات و السفارات و الشخصيات الأجنبية من العمل للتجنيد وخلق الروابط الهدامة داخل اليمن .
لعل وعسى أن يسهم كل هذا بوقوف اليمن على قدميه من جديد فيعود اليمن سعيداً كما كان .
علاء مازن 4/2/2016
#علاء_مازن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟