الرأسمال الغربي والارهاب تؤامان متلاصقان في هذه المرحلة


سامان كريم
2016 / 1 / 31 - 21:48     

سؤال: قبيل البدأ بمفاوضات جنيف 3 حول الحرب في سوريا، صرح الرئيس الأمريكي أوباما بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتوقف عند حدود سوريا والعراق في تصديها لـ "داعش"، وأعلن بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستحارب "داعش" في ليبيا، من جانب أخر قامت الحكومة الفرنسية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية بأبلاغ الحكومة الجزائرية بانها ستشن عمليات عسكرية كبيرة ضد "داعش" في ليبيا، ومصادر عسكرية قالت بأن الدول الغربية تحضر لشن عمليات عسكرية في ليبيا.. "داعش" هو الشماعة لحكومات الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية لتحريك قواتها العسكرية لنشر القتل والدمار في الدول التي تختارها.. ومع بدأ المفاوضات لأيجاد حل للحرب في سوريا تعلن الولايات المتحدة عن توسيع نطاق الحرب ليشمل هذه المرة ليبيا وقد تمتد مستقبلا لتشمل دولا أخرى.. هل توسيع مناطق الحرب هو رسالة لمفاوضات جنيف 3؟؟..

سامان كريم: مفاوضات جنيف 3, عملية سياسية وعسكرية مستمرة في اطار الحرب العالمية الثالثة في سوريا. جنيف 3 فرصة للاستراحة, محاولة لادارة الحرب والازمة السورية. فرصة لغربلة مواقف الدول الكبرى والاقليمية والقوى المتصارعة الداخلة في ظل توازن القوى الحالي او الجديد على الارض السورية بين الارهابين والحكومة السورية واطراف اخرى من المعارضة الداخلية.. مفاوضات وعملية سياسية لعرض عضلات القوى الكبرى وفرض شروط القوي على ضعيف.
جنيف 3 هي جنيف روسي بإمتياز بعد تدخلها العسكري المباشر في سوريا وتغير قواعد اللعبة العسكرية فيها. جنيف روسي بامتياز يعني جنيف سوري وايراني ايضا, ونرى ذلك في تقدم الجيش في الشمال الغربي في محيط اللاذقية الى حد الحدود التركية وفي جنوبها درعا وفي المحيط الشرقي والجنوبي لحلب.. تقدم الجيش بمشاركة مباشرة من القوة الجوية الروسية يعني تعديل توازن القوى لصالح سورية ومحورها ضد الارهابين والقوى الاقليمية والدولية الداعمة لها من السعودية وقطر وتركيا. ونرى انعكاس هذا الامر بعد تلكؤ وفد الهيئة العليا للتفاوض الارهابي المنبثق عن مؤتمر الرياض، في إتخاذ القرار بالذهاب او عدم الذهاب لحضور جنيف 3، واخيرا تحت ضغوطات امريكية قرروا الذهاب يوم 30 من الشهر الكانون الثاني.
اجتماعات جنيف 3 لا ترتقى الى المفاوضات الجادة بين طرفين اي بالمعنى المألوف للمفاوضات بين معارضة بلد ما وحكومته. نحن امام اطراف دولية واقليمية ومحلية عدة يتفاوضون فيما بينهم وفق توازن القوى على ارض المعركة. المعارضة السورية هي تولدت في خضم اوضاع سياسية استثنائية دولية واقليمية متأزمة وصعبة, ناهيك عن تبنى أمريكا وحلفائها في المنطقة القوى الارهابية التي تصارع مع الحكومة السورية من اجل بناء دولتها الاسلامية. أما المعارضة بدون الارهابيين ليس لها قوة جماهيرية وحتى ليست لها ظهر دولي او إقليمي مؤثر مثلما لدى الارهابيين او الحكومة السورية.
مرحلة جنيف 3 وفق شواهد واقعية عدة, ذكرنا عدد منها اعلاه, هي مرحلة فرض فيها التراجع على امريكا والقوى المتحالفة الإقليمية معها تركيا والسعودية وقطر... خصوصا السعودية وتركيا. الاول لديها جبهات عدة حيث في حدودها الجنوبية في حالة حرب مع الحوثيين والصالحين, ولها فصائل وصرفت الاموال في ليبيا ناهيك عن تدخلها المباشر في سورية والفشل في فرض ارادتها في اجتماعات جنيف 3، حيث تمكن في فرض ارادتها مع امريكا وتركيا في جنفين الاول والثاني, اما بخصوص تركيا انعكس اسقاط الطائرة الروسية عليها بصورة سلبية, حيث منعت في تحليق طائراتها على الاراضي السورية على الاقل لحد هذه اللحظة, ودمرت او انهارت القوى التركمانية الاسلامية القريبة منها ووصل الجيش السوري الى حدودها تقريبا في محافظة اللاذقية.. وفق كل هذه المعطيات وغيرها نحن امام جولة من المصارعة الدبلوماسية والسياسية لغربلة المواقف وتحديد نقاط الضعف والقوى لكل الطرف من الاطرف، ليتسنى لهم اي لكل طرف ان يدخل حلبة المصارعة بحضور اقوى... هذه هي حالة جنيف 3.. بمعنى علينا ان لا ننتظر شيئا اكثر من واقع الحال على الارض. والقوى التي تحدد مصير الارض في التحليل النهائي: أمريكا وروسيا.
بخصوص ليبيا هناك مأسأة واقعية على الارض. امريكا وفرنسا بالتحديد حولا ليبيا الى مستنقع خطير والى متسشفى لولادة الارهابيين. حولوها لا بل سلموها للأرهابيين على طبق من ذهب. الارهاب متفشي في ليبيا ليس اقل من سوريا والعراق. حولوها الى جحيم تحت مسميات " الثورة" و"ضد الدكتاتورية" وهذه الترهات السخيفة. الجماهير التي عاشت في ظل نظام القذافي القمعي عاشت في جو من الامن والامان وعاشت في ظل اجواء اقتصادية رفاهية الى حد كبير على الاقل، وفي ظل اقتصاد الدولة ولعل هذه الميزة اي معيشة محترمة ودخل مناسب لاكثرية الجماهير فيها، هي التي لم تشتهيها امريكا وحلفائها وهي السبب التي دفعت بهم الى تحويلها الى حجيم والى منبع للارهاب والارهابيين.
براي قضية ليبيا هي قضية افريقيا واوروبا بكاملها. قضية افريقيا يعني تصدير الارهاب منها الى مصر وتونس والجزائر وبلدان الاخرى، كل البلدان التي ليس فيها نفوذ امريكي قوي ومؤثر وخصوصا مصر حيث امريكا مصرة على تحويلها الى ليبيا اخرى بسبب سقوط الاخوان... فرنسا اليوم في ورطة كبيرة دون أن تعرف حدود ورطتها في ظل تراجع دورها الدولي. اوروبية بمعنى ان اوروبا وعلى الاقل البلدان الكبرى منها بريطانيا وفرنسا والمانيا يدركون خطر الثورات وخطر الحركات العمالية الضخمة وخطر التحركات الطلابية او الشبابية حتى... عليه يحضرون انفسهم لدمج الحركات الاسلامية الارهابية من داعش والقاعدة وجماعات اخرى في تركيبة مجتمعاتهم... لتغير ملامح المجتمعات الاوربية واخراجها من الحالة الراقية الحضارية والتمدن التي تمتعت فيها منذا الثورة الفرنسية.. بدون دمج هذه الحركات الارهابية في مجتمعاتهم وبعد ذلك ووفق تقليد وقانون حقير لتعدد الثقافات تدمج او تقحم القوانين الاسلامية في دساتير تلك البلدان.. وهذا ما نراه بصورة مصغرة في بريطانيا وفرنسا والمانيا وبلدان اخرى.. حيث نرى مبادرة بريطانية "للتخفيف عن الطلاب المسلمين.. إمكانية تغيير مواعيد الامتحانات المقرر في يونيو/حزيران 2016، والتي تتزامن مع شهر رمضان"، ناهيك عن فتح وبناء عدد من المساجد الكبيرة في اوروبا من فرنسا الى المانيا وفنلند وبريطانيا.. بدون هذه التغيرات وبالتالي وفي التحليل الاخير بدون فرض التراجع على مستوى توقعات جماهير وعمال في اوروبا والتقليل من الحد االدنى للاجور وسلب عدد من الحقوق المدنية والسياسية ومنها منع حرية بناء النقابات والمنظمات عمالية.. ليس بامكان اوروبا ان تمر عبر الازمة الاقتصادية العالمية الخانقة بسلام.. الاسلام السياسي في هذه المرحلة خميرة لتحرير الرأسمال, "هبة من اللـه" لانقاذ الملكية الخاصة البرجوازية.. عليه تتمسك به البرجوازية العالمية برجعييها و"تقدمييها! " ويسارها ويمينها.
ليبيا لديها خصوصية مهمة هي فعلة امريكية واوروبية لجعل من الدين الاسلامي والاسلام السياسي جزء من تركيبة اساسية للثقافة العالمية, ناهيك عن هدفهم لبناء دولة اسلامية ان لم يتمكنوا في سوريا او في العراق تحقيق هذا الهدف "بإذن اللـه" في ليبيا ربما وهذه هي إحدى البدائل الحقيرة لهذه القوى البرجوازية الحقيرة والرجعية. الحرب على ليبيا كما يتحدث اوباما عنها هي حرب جوية فقط وليس برية.. هذا التهديد وفي هذه المرحلة بمعنى من المعاني يعني خروج امريكا من سورية جزئيا وتسليط الضوء على مكان اخرى اي ليبيا. لم تتمكن امريكا من الخروج في سوريا بدون وجود ازمة اخرى او حرب اخرى وذلك لبقاء ماء الوجه وستر فشلها المتكرر.. اما ليبيا والارهاب واوروبا اصبح مثلث جديد لتمرير سياسة احقر واشد فتكا من سابقتها.. وهي رسالة لها معنى واحد فقط وهي ان امريكا واوربا الرسمي او الحكومي مع الارهاب والقوى الارهابية. الرأسمال الغربي والارهاب تؤامان متلاصقان في هذه المرحلة.. ورسالتنا هي أسقاط الراسمال ومعه الارهاب