أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماجد ع محمد - الفضائل المخبوءة














المزيد.....

الفضائل المخبوءة


ماجد ع محمد

الحوار المتمدن-العدد: 5061 - 2016 / 1 / 31 - 15:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"لا تخبئ الكلام فلن يرثه أحد ليقوله، ولا تؤجل الرسائل فقد تتغير العناوين وتموت حروفك"
يُحكى أن في إحدى القرى الصغيرة بمنطقة عفرين* كان هنالك رجلٌ مصاب بداء المعرفة المسبقة لكل شيء، ومتى ما طرح أحدهم موضوعاً أمامه حتى سبقه بالقول بأنه يعرفه من قبل، وفي إحدى المرات أرسل الرجل قريباً له الى البقالية لشراء علبة سجائر، حيث الطقس حينها كان ماطراً وما زاد الطين بلة هو وعورة جغرافية القرية المركونة لا تزالُ على كتف منحدرٍ قاسي، فتحدَّرَ الصبي وبعد المجهود الذي لاقاه في الطلوع والنزول، وقف بالباب وهو يلهث من أثر الركض ذهاباً وإيابا وقال لصاحب الحاجة: لم أجد ما طلبته من الدخان في المحل، فرد من فوره الرجل بكلمة أعرف، ومن شدة انزعاج الصبي الذي بلله المطر وأرهقه الصعود قال: ما دمت كنتَ تعرف فلماذا أرسلتني؟ فزمَّ الرجل شفتيه ولم يعرف بماذا يجيب.
ونحن بدورنا نتوجه بسؤالٍ مماثل الى من كانوا غير مبادرين إلى فعل ما هو خير للمجتمع، ضعفاء، غير مؤثرين على محيطهم الاجتماعي لا من قريب ولا من بعيد، ولا ظهرت على أغلبهم سيماء الإرشاد أو هيئة مَن يسعى إلى مد الجسور أمام الرعية، فأخفوا معارفهم وفضائلهم وقت الحاجة إليها يوم كانوا يلازمون ديارهم؟ ولكنهم ولمجرد أن غيَّروا أماكن سُكناهم حتى أظهروها للعلن ما لم يبدو عليهم من قبل، وصاروا أساتذة الفقه بكل الأشياء، وراحوا يُمطرون الناس بالنظريات والمواعظ ودروس يومية عن فنون العيشِ وحقوق الأوادم وما يحيطونهم من الكائنات، فلماذا يا ترى لم يوظِّف هؤلاء علومهم ومعارفهم وقدراتهم الاصلاحية في بلدانهم وقراهم وشوارعهم؟ فهل العشيرة قمعتهم لأنهم علَّموا أطفالها فك شيفرة القراءة والكتابة؟ أم الدولة صادرت مكانسهم يوم بادروا بكنس أزقتهم؟ عموماً فمن بعض محاسن المواقف والوقائع الراهنة هو أن ما يبدو طالحاً لدى بعضهم قد يمد غيرهم بثراءٍ تخييلي لا يوصف، وهم أغنى ربما لدى البعضِ من فيلق الصالحين من الناس، مع الإدراك بأن بعض التصورات قد تكون مصدر امتعاض متقطع لدى قسمٍ من المتابعين الرومانسيين، وربما تثير مكامن الشحناء لدى البعض الآخر، إذ من محاسن السيئات أنها قد تحرِّض على إشغال الفكر أكثر من المحاسن ذاتها، وهذا التعارض السلوكي يُحيلنا بدوره الى رجلٍ مهتمٍ بنسف الكثير مما جاء في الموروث الشعبي، ومنها رفضه القاطع لفحوى المثال المتعلق بالذيل الأعوج للكلب، إذ كانوا فيما مضى يقولون: بأن ذيل الكلب وضعوه في القالب أربعون سنة ولكنهم بعد إخراجه فوجئوا بوجود كوعٍ زائدٍ فيه، وأن ثمة طعجة أضيفت بعد القولبة الى الذيل، ويبدو أن الرجل معه بعض الحق فيما يتعلق بمغزى المقول، خاصةً وأن صائغَ المثل يقصد به معشر الأوادم وليس مجتمع الكلاب، إذ أن واحدنا قد يلاحظ التغيير العجيب على أقوال وتحركات بعض البشر لمجرد أنهم غادروا مراتعهم وغدوا ضيوفاً في مضارب الآخرين، فإمكانك مثلاً أن ترى مَن كان قبل فراقه لمسقط رأسه ممن انشهر بضرب الزوجة والأولاد ليل نهار، تتفاجأ به وقد غدا من المدافعين عن حقوق النسوة على المنابر، ومَن كان بشدة يُعارض الاختلاط بين الصبايا والشباب في بلدته، تسمع به مدافعاً عن حقوق المثليين في فضائه الجديد، وذلك خلال فترة أقل من فترة إيداع الذيل وإخراجه من القالب، علماً أن النفرَ نفسه عندما كان ببلده كان من السهل جداً أن يقدرَ المرءُ تقليم أظافر جبلٍ ولا يقدر على إزالة شائبٍ بسيطٍ فيه، باعتبار أن تحجُّره كان أزود من طبع الجبل قليلا، هذا فيما يتعلق بمجمل أفكاره ومعتقداته وآرائه، بينما في الموقع الجديد، فصار يطل على الناس ككائن سلس، لزج، سهل الانقياد كالخرفان، وقابلاً للتحريك بجميع الاتجاهات التي ترسمها له قوانين البلاد التي صار ضيفاً على مرابعها.
والسؤالُ الباحثُ عن الجواب على نار الحقيقة، فهل يا ترى هم فعلاً ممن رموا كل عاداتهم القبيحة على تخوم الدول، وبالتالي غيَّروا جواهرهم وتخلَّصوا من مكامنهم المناهضة للقيم الإنسانية المعاصرة؟ أم أن سُبل الاعتياش فقط هي التي أخضعت بعضهم للمثول لأعراف وقوانين المكان الجديد؟ وأنه لمجرد أن ينقطع باب الحاجات التي تدر عليهم من غير مجهود، قد يعودوا إلى ما كانوا عليه بنفس سرعة تقليبهم الأول، أي إلى سابق عهدهم في مزاولة عاداتهم القميئة، والمبنية أصلاً من مداميك الصلافة والتشدُّدِ والتخلف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عفرين: منطقة كردية تابعة لمحافظة حلب بأقصى شمال سوريا.



#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنيف
- افتحوا الأبواب
- التلاشي بين الإكراه والطواعية
- صلاح عمر: اللاجئين الجُدَدْ مشغولين بالإقامة ولم الشمل والقُ ...
- الطعنة
- بوادر تفكيك الأسَر
- الحدث الانساني ما بين التغاضي والاحتفاء
- لوثة الغريزة
- يوم يزعم الخاسر بأنه منتصر
- إثم المتقي
- التعكز الحضاري
- المُنهارُ وعوائد السقوط
- الذريعة ومنافعها
- أحمد سعيد: العلويون اختاروا النظام خوفاً على ذواتهم وليس حبا ...
- متعلقاً بأهدابها
- عندما نناهض ما ندعو إليه
- الأوهام وزارعيها
- دونك أو دونه
- ما بين الخنوع والإباحية
- أكثر ما يؤلم الحمار


المزيد.....




- لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن ...
- مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد ...
- لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟ ...
- إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا ...
- مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان ...
- لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال ...
- ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
- كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟ ...
- الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
- مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماجد ع محمد - الفضائل المخبوءة