عبدالكريم الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 5056 - 2016 / 1 / 26 - 14:28
المحور:
الادب والفن
- بني سيصبح لك شأنٌ. قالها منذ أربعة عقود خلت.
أسرج دمعي مثقلاً بالخوف، أمتطي صهوة عدمي المحض، متأبطاً قلقي، يراودني شعور غريب أن أذهب لتلك المقهى التي كانت تسمى غرناطة؛ لعلّي أدرك كينونتي، أمشي كعجوز يتوكأ على خصلات شعر سوداء، تبرق في مفرق الشيب، متعثراً بخطواتي، يشاكسني الأمل، أبحث عن آثار خطاي في مدينة هرمة، ما زلت أذكر أول لقاء فيها، أذكر أنّها تقع بين مكتبة صغيرة ومحل لبيع العطور؛ أرتب الماضي، أمضي محتضناً ثروة من حنين، رأيته منتظراً قدومنا، لم يبصر غيري، كانوا أضغاث أحلام، سرّ بي أيما سرور، رسمنا هدأة أحلامنا على نغم ( البنفسج )، ننتظر طلوع الفجر، تشرق مواعيدنا في جادة مظلمة، حفظتُ الطريق جيداً، غير مبالٍ بمنعطفات الممنوع، مفتوناً بالأسماء وخمر القصائد وعطر وطن مصلوب على كتف المقابر؛ سلكت كلّ الدروب، مشمراً عن ساعديّ، متوضئاً بالأمل حتى انطفأت ناري لمّا حاصرتني ريح القضبان، حشد من السنين يمرّ، الجسد يرقص فزعاً على نغم سياط جلاد محترف، والقلب يخفق شوقاً ليشمّ روائح ورود الصباح، وبعد حين من الوجع خرجت أبحث عن الجهات، عارياً أتجول دون دليل؛ لأولد ثانية في جحيم الحروب، لا أعلم كيف عشت كلّ هذا الموت، كنت ملتاثاً بأغنية حزينة، تستدعي ماضياً أفل، مبتهجاً بحزني، أدور حيث الوهم دار، أقرع متاهات الروح؛ أعتلي سلالم المجهول، أتوسل ذكرى منسية؛ لعلّها توقظ الحياة، ليس ثمة من ملامح تشير إلى ذات الطريق الذي سلكته يوماً ما، الأزقة تمسّد شعر الخراب المنسدل على واجهات البيوت الأمامية، فبدا لي كلّ شيء معلقاً في هاوية الجحيم، يشاكسني أنين الموتى، خيط من الدمع ينسلّ من عيني، ألوذ بحزني منكسراً، مضطرباً، لمّا انبثق الطريق أمامي ساخراً، ملوحاً لي بالعطب, مزدحماً بالعويل وبخرافة (بني سيصبح لك شأنٌ )، عيون المارة منطفئة، تغرق في موجة ضحك حتى الإعياء، أنزوي جانباً، مندهشاً، أفتش عن طريق يخرجني إلى عنوان يحتضن ملامحي، يبدو أنّ الشوارع تلبس أقداماً غير قدميّ، لم تكن هناك مكتبة ولا محلاً لبيع العطور، لا شيء سوى رمادٍ ورائحة غائطٍ وبولٍ وبارود، ومحلاتٍ لبيع الملابس العسكرية.
#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟