|
الأكثرية والأقلية، المفهوم الإشكالية الحل
محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 5019 - 2015 / 12 / 20 - 21:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأقلية والأكثرية - المفهوم الإشكالية الحل 17.12.2015 د. محمد أحمد الزعبي استيقظت صباح هذا آليوم ، قبل أن يكون الضوء الرباني ( النهار ) قد أفرغ كامل مافي جعبته من الضوء وبالتالي قد أضاء غرفتي ، الأمر الذي ألجأني إلى مصدر اصطناعي يقبع إلى جانبي ، استطعت من خلاله أن أرى كل ماحولي بما في ذلك عدة دراسات ثقافية كنت قد اسخرجتها من أحد المواقع الإلكترونية ، تدور حول مسألة الأقليات في الوطن العربي . لقد فتحت عيني تلك الدراسات المختلفة الطول والعرض والعمق على العلاقة بين ثورة آذار السورية ومسألة الأقلية والأكثرية ، فأطفأت سراجي كي أضع حدا لبصري في تشتيته بصيرتي بعيداً عن هذا الموضوع ، أي لكي أحصر تفكيري في تفهم هذه الإشكالية المعرفية التي طرحتها علينا ثورات الربيع العربي ، و من بينها ثورة آذار 2011 السورية العظيمة . 1. لاشك أن دراسة الظواهر الاجتماعية ومنها ظاهرة الأكثرية والأقلية ، وخاصة في البلدان النامية ومنها وطننا العربي ، تختلف اختلافا جذريا عن دراسة الظواهر الطبيعية من حيث أن الدارس أو الباحث في الظواهر الاجتماعية هو نفسه جزء من المشهد الإجتماعي الذي يدرسه ،وبالتالي فإن القارئ الفطن لا يحتاج إلى كبير عناء ، لكي يحكم من المكتوب على الكاتب ، وفيما إذا كان ينتمي إلى هذا الطرف أو ذاك . حتى في حالة حرص هذا الكاتب الشديد على توخّي الموضوعية والحيادية فيما يكتب ، أوالتخفي وراء بعض العبارات اللغوية التي يمكن أن تفضح أكثر مما تستر . وهو أمر إشكالي لانصادفه في دراسة الظواهر الطبيعية . وتزداد هذه الإشكالية ( دراسة الأقلية والأكثرية ) تعقيداً في البلدان النامية التي منها وطننا العربي ، حيث ماتزال العلاقات العشائرية والقبلية ، وما تزال الأمية السياسية والثقافية واللغوية تلعب دورا أساسيا فيها ، وبما في ذلك ماسوف نطلق عليه اسم " الأمية الديموقراطية " .
2. ولابد من الإشارة هنا إلى بعض الظواهر التي تقع على الحدالفاصل الواصل بين الظواهر الطبيعية والظواهر الاجتماعية ، وأعني بها العلاقة الإنسانية بين المريض والطبيب ، إذ لا يزال يدور في ذاكرتي مشهد تلك الطفلة البريئة التي أصابها من جملة ما أصاب سلاح بشار الأسد الكيماوي الذي قصف به غوطة دمشق وزهق أرواح مئات المواطنين والمواطنات الذين كان معظمهم من الأطفال النائمين في أحضان آمهاتهم فجر يوم الثلاثاء في 21 آب 2013 ، حيث كانت هذه الطفلة البريئة وهي تفيق من الإغماء تسأل الطبيب المعالج " عمو أنا عايشة ؟ " ، فيجيبها الطبيب " عمو إنت عائشة " . شاهدي هنا أن كلا من الطبيب والطفلة المريضة لم يكونا معنيين بمسألة " الأقلية والأكثرية " وإنما بالحياة نفسها كقيمة إنسانية ، قبل أن تكون قيمة سياسية أو اجتماعية ، وبالتالي قبل أن تكون مسألة أقلية وأكثرية ، رغم معرفتنا ببعض الأدوار اللاإنسانية التي لعبها ويلعبها بعض الأطباء هنا وهناك ، ولا سيما الأطباء الذين يعملون لمصلحة أجهزة الأمن .
3. يختلف وضع وبالتالي التعريف السوسيولوجي للأكثرية والأقلية بين بلد وآخر ، فالأكثرية في هذا البلد يمكن أن تتحول إلى أقلية في بلد آخر ، والخلافات بين الأكثرية والأقلية هنا ، يمكن أن تتحول إلى تعاون وتلاحم في بلد آخر يكون الطرفان معا فيه أقلية ( كما هي حال الأقليّتين العربية والإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال وليس الحصر ) . وبصورة عامة ، فإن مفهوم الأكثرية والأقلية ‘ ينطوي على عدة أبعاد أبرزها ، البعد الإثني ، والبعد الديني ، والبعد الطائفي ، وبما أن هذه الأبعاد متداخلة عملياً ( الأكراد كسنة ، المسيحيون والعلويون والدروز والإسماعيليون كعرب ) ، يصبح الباحث أمام إشكالية معقدة ، بل وتبدو في بعض الحالات عصية على الحل ولاسيما حين تدخل العشائرية / القبلية كبعد رابع ، ويدخل الإحصاء العددي كبعد خامس ( السنة والشيعة في العراق ) ، ويدخل الجهل والأمية كبعد سادس ، ويدخل التزوير لنتائج الإستفتاءات والانتخابات كبعد سابع ، فسيصبح الباحث أمام خلطة كيماوية عجيبة ، يصعب عليه فرز وتحديد وملاحقة تفاصيلها .
4. نظريا يبدو أن " الهروب إلى الأمام " يمثل حلاً صحيحا وعملياً ، وأعني به الهروب إلى حل " المواطنة والديموقراطية " اللذان يرى البعض فيهما حلا لهذه الإشكاليات المعقدة والمتداخلة بين مفهومي الأقلية والأكثرية . بيد أن كلا من المواطنة والديموقراطية تحتاجان - برأينا - إلى مواطنين ترقى مستوياتهم السياسية والأخلاقية والوطنية إلى مستواهما ، أي إلى مواطنين يؤمنون حقاً بمبدأي المواطنة والديموقراطية . إن غياب أو تغييب مثل هؤلاء المواطنين ، يعتبر غياباً أو تغييباً لكل من المواطنة والديموقراطية على حد سواء . ومن جهة أخرى ، فإن " الديموقراطية المشروطة " تعتبر برأينا ديكتاتورية مقنعة تقوم على رفض الآخر وعزله ، وبالتالي فهي نوع من الهروب إلى الوراء وليس إلى الأمام .
5. الحل العملي والممكن برأينا ، لحل إشكالية الأكثرية والأقلية هو العمل الوطني الصبور والمتأني والعقلاني والعلمي الهادف إلى خلق/ تكوين مواطن يعي ويطبق مفهوم المواطنة والديموقراطية ، أي القبول بالآخر المختلف . والتعامل معه على أنه إن لم يكن أخا له في الدين أو الجنس أو العرق أو الطائفة أو الجيل أو المستوى الثقافي ، فهو أخ له في الإنسانية ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (الحجرات 13 ) . إن تكوين مثل هذا المواطن الصالح والواعي ، إنما تقع مسؤوليته على الجماعة الاجتماعية كلها بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالأحزاب السياسية مروراً بالمدرسة والمسجد والكنيسة والنقابات المهنية ووسائل الإعلام المختلفة وأيضاً بالدستور ، الذي يحمي العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات للجميع دونما استثناء ، وتكون " الحرية " هي العمود الفقري الذي تستند إليه كافة هذه الجهات المسؤولة عن تكوين المواطن وعن كافة أشكال المواقف والسلوك ولا سيما مثلث المواطنة والديموقراطية والدستور ، والذي هو المثلث الذهبي لكل من الأكثرية والأقلية على حد سواء . 6. أما في سورية ، ولأنها محكومة بالحديد والنار من قبل آقلية طائفية منذ عام1970 ، إن لم نقل قبل , فإن مفهوم الأكثرية والأقلية ينطوي على بعد ثامن هو " النفاق " . من حيث أن من يمالؤون النظام ( الموالاة ) ، سواء أكان ارتزاقاً أو خوفا أو من وقع الحافر على الحافر ، فإنهم غالباً ما يجانبون الحقيقة في كتاباتهم حول التركيبة الديموًغرافية للشعب السوري ، أي أنهم يكذبون ويزورون ، و يرفعون النسب المئوية لهذا المكوّن الديموغرافي ، ويخفضونه لذاك ، بحيث تبدو سورية في كتاباتهم وإحصاءاتهم كما لو كانت مجرد بلد أقليات ، حيث لاتزيد نسبة المكون الأساسي لمجتمعها ( السنّة ) وفق أحدهم الـ 45% !!، وإذن فإن حكم عائلة الإسد هو حكم طبيعي ومشروع وليس حكم أقلية طائفية وصلت إلى الحكم عن طريق البسطار والدبابة ، والحماية الأجنبية ، التي بات يطلق عليها اليوم " المجتمع الدولي " !! ، ويبدو أن مقولة الرئيس جمال عبد الناصر ماأخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة ، هي ما يجب آن تتذكرها مرتزقة عائلة الآسد ومزوري الحقائق ، بل مايجب أن يتذكره بشار حافظ الأسد ، الذي يعرف أكثر من غيره الطريقة المخجلة والمضحكة التي وصل بواسطتها إلى كرسي الرئاسة . لقد همس في أذني ذات يوم اللواء أحمد سويداني (وكان قد قدم استقالته من رئاسة أركان الجيش السوري عام 1967 ) قائلاً : ( إن من رفع الحمار إلى أعلى البرج ، هو من سينزله عنه ) . وكان يشيربذلك إلى أنه هو من سيقوم بهذا الدور . لقد مات أبو وائل بعد أن قضى في سجون الأسد الأب أكثر من عقدين من الزمن ، والحمار مايزال قابعاً في أعلى البرج ، ومتسمراً فوق كرسي الرئاسة الذي ورّثه لحمار آخر بعد وفاته عام 2000 . ولكن وبعد ثورة آذار 2011 المجيدة ، لم يعد حمار أحمد سويداني هو من يجلس على هذا الكرسي ، وإنما دب روسيا العجيب ذو الرأسين ، الذي سوف نطلق عليه إسم " بوتنياهو " ( بوتين + نتنياهو ) .
وفي إطار تحديد النسب المئوية لمكونات الشعب السوري ( الأكثرية والأقليات ) سأورد هنا إحصائيتين ديموغرافيتين كانا الأقرب إلى الدقة والحقيقة من إحصاءات أخرى لآخرين ، وجدناهما ضمن مقالتين تتعلقان بموضوع الأقليات في الوطن العربي إحداهما لكاتب سوري ( الدكتور محمد بسام يوسف ) والثانية لأحد أساتذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية (الدكتور مسعود ضاهر ) ، وبما أن أرقامهما متقاربة ولكنها ليست متطابقة ، فقد ارتأينا أن نوردهما معاً ، وهما كما يلي :
أرقام الدكتور مسعود ضاهر 15.05.2005 أرقام الدكتور محمد بسام يوسف 3.6.2006 العلويون 10% 70 % عرب سنة الدروز 4% 8% أكراد سنة الإسماعيليون 1% 1% شركس سنة المسيحيون العرب 7% 1% العرب الشيعة وسواهم المسيحيون غير العرب 3% 8إلى 9 % علويون ( عرب ) الأكراد 4 % 2 إلى 3% دروز ( عرب ) التركمان 1% 8% مسيحيون ( عرب ) الشركس 1% أقل من 1% أقليات أخرى (اسماعيلية ’يزيدية) اليهود أقلية ضئيلة ( الأغلبية هاجروا) عدة آلاف من اليهود
هذا ويمثل اختلاف بعض هذه النسب بين الكاتبين للأقليات في سوريا ، دليلا على ماأشرنا إليه أعلاه ، من إشكالية التداخل بين فئات التركيبة الإجتماعية في سورية ، والتي تجعل من الصعب على الباحث تحديد نسبها المئوية وملاحقة تفاصيلها بدقة وربما بموضوعية ، من جهة ، وإشكالية كون الباحث جزء من المشهد الاجتماعي الذي يبحثه فيما يخص الظواهرالاجتماعية من جهة أخرى . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خاطرتان حول مايجري
-
مؤتمر فيينا 3 وخارطة طريق مقترحة
-
بشار الأسد والبراميل المتفجرة
-
في سوريا :؛ داعش أم دواعش ؟
-
مؤتمر فيينا 2 وتهميش الشعب السوري
-
رباعية فيينا والحل السوري
-
العلاقة الجدلية بين التفاهة والتوريث
-
بوتين بشار الفرزدق
-
الثورة السورية بين بوتين وأوباما
-
التدخل الروسي الصارخ والتدخل الأمريكي الصامت
-
نحن وهم
-
التغريبة السورية بين ىرأيين
-
التغريبة السورية بين رأيين
-
بين بشار وأوباما شعرة معاوية
-
العراق ، هوامش من التاريخ والمقاومة
-
الطفل والبرميل
-
الربيع العربي : المتهم البريء
-
التدليس في خطاب الرئيس
-
كلمة في مخرجات مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة
-
خواطر شاهد عيان ، عودة إلى حرب حزيران 1967
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|