|
من الربيع العربي إلى التحالف الإسلامي
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5018 - 2015 / 12 / 19 - 15:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد أكدت النتائج المحققة فعلاً ، لما سمي بالربيع العربي ، أن من خطط ونفذ هذا الربيع ، لم تكن الديمقراطية تهمه بشيء ، وإنما كان همه ، في البلدان المستهدفة ، موجه ، تحت غطاء الخداع الديمقراطي ، لتحقيق عدة أهداف أهمها : 1 - الهيمنة على مصادر الطاقة والتحكم بأسواقها وبالاقتصاد العالمي . 2 - السيطرة على الجغرافيا السياسية المتميزة ، التي تتوسط أوربا وإفريقيا وآسيا ، وأهم المعابر الاستراتيجية الدولية . 3 - تدمير أهم الجيوش العربية ، وتقسيم البلدان العربية الأساسية ، عرقياً ، ومذهبياً . 4 - القضاء على نمط الاقتصاد الموجه ، ودمج الاقتصاد المحلي باقتصاد السوق العالمية . 5 -- إقامة سلطات تخضع لنظام العولمة ، واقتصاد السوق ، والتجارة العالمية الحرة .
أولى مؤشرات الخداع في لعبة ديمقراطية الربيع العربي ، هي أن الذين خططوا لها ، هم عتاة الإمبريالية العابثين طوال قرون وعقود بمصائر الشعوب ، وأن الذين أنيط بهم تنفيذ هذا المخطط ، هم أكثر الحكام العرب تخلفاً وعداء للديمقراطية في بلدانهم وفي العالم ، وأن الأداة المباشرة بالتطبيق لهذا الربيع ، هي الجماعات الإرهابية المسلحة ، الأكثر تخلفاً ، والأكثر دموية وتوحشاً . وبموجب مخططات الربيع العربي ، غزا الإرهاب الدولي القادم من أكثر من مئة دولة ، والمدعوم من أميركا والغرب الاستعماري ، ودول الخليج العربية ودول عربية رجعية أخرى ، وإسرائيل ، وتركيا ، غزا بلداناً عربية عدة في شمال أفريقيا والمشرق العربي ، ونشر فيها العنف الدموي ، وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي . وفجر الحروب المدمرة ، التي بلغت أوجها ، في ليبيا ن وسوريا ، والعراق ، واليمن . تحولت إلى كوارث وطنية وقومية وإنسانية .
وقد نشر المنتدى الاستراتيجي العربي في " دبي " بتاريخ ( 15 / 12 / 2015 ) بحثاً علمياً جاء فيه بالأرقام أن " ما تكبد ته الدول العربية من خسائر نتيجة " ثورات الربيع العربي " التي وقعت ( 2010 ـ 2014 ) تقدر بأكثر من ( 833 ) مليار دولار أميركي ، شاملة تكلفة إعادة البناء ، وخسائر الناتج المحلي ، والسياحة ، وتكلفة اللاجئين ، وخسائر أسواق الأسهم والاستثمارات . ويقدر عدد من سقطوا بين قتيل وجريح بسبب الحروب والعمليات الإرهابية ( 1.3 ) مليون شخص . وحجم الضرر في البنية التحتية ما يعادل ( 461 ) مليار دولار ، عدا الخسائر التي لحقت من أضرار تدمير المواقع الأثرية التي لا تقدر بثمن . أما نفقات اللاجئين فقد وصلت إلى ( 3 .48 ) مليار دولار .
حسب التطورات الحربية والسياسية الدولية الأخيرة ، المتمثلة بنمو وانتشار " داعش " في العراق وسوريا وإقامته الدولة الإسلامية ، وبالردود المتسارعة التي سوغت قيام وتدخل " التحالف الدولي الأميركي " الجوي ضد " داعش " في العراق وسوريا ، ومن ثم استدعى مشاركة روسيا الجوية واللوجستية النوعية ، وما سينتج عن احتدام الحرب في سوريا والعراق واليمن من خسائر جديدة ، لا أحد يستطيع أن يقدر كم ملياراً من الدولارات ستكون الخسائر الجديدة . ورغم أن هذه الخسائر مفجعة تحتاج إلى مختصين للتعاطي مع سبل معالجتها ، وأن مآ لات أنشطة الربيع العربي قد استقرت بوضوح بين أيدي غلاة الإرهابيين الأكثر تعصباً ووحشية ، إلاّ أن ماهو مفجع أكثر ، أن يصر البعض حتى الآن ، حسب معايير أيديولوجية غير مطابقة ، على أن ما حدث ويحدث باسم الربيع العربي هو " ثورة " دون أي حرج من التقاطع بذلك مع تجار الحروب والنزاعات الأهلية . وحسب معايير هذا المنطق فلا غرابة من أن يسوق هؤلاء الحرب المذبحة ، التي يشنها آل سعود على الشعب اليمني [، بأنها جزء من هذه الثورة ، لأنها تجري بأمر وقيادة داعمي " ثورات الربيع العربي " . وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى تصريح لرئيس سابق للمجلس الوطني السوري المعارض على شاشة " الميادين " ( 16 / 12 2016 ) الذي نفى فيه ، أن يكون تنظيم أحرار الشام الإرهابي إرهابياً .
* * *
على ضوء المتغيرات الدولية الأخيرة ، فيما يخص التغيير في البلدان العربية ، فإن ما سمي الربيع العربي قد انتهى . وانتهت معه عملية القرصنة للمطالب الشعبية المشروعة ، وانتهت لعبة الديمقراطية المزيفة ، وإشراقات الليبرالية الكاذبة . وحل محله ما سماه ولي و لي العهد السعودي " التحالف الإسلامي ضد الإرهاب " ، الذي يضم كما زعم ( 34 ) دولة إسلامية ، هي نفسها أو معظمها مشتركة في التحالف الأميركي الدولي وفي التحالف السعودي " عاصفة الحزم " ما يعني أنه ينبغي اً ن تسوق الشعارات والطروحات الإسلامية " السنية " بديلة لشعارات وطروحات الربيع العربي ، في مواجهة بقية المذاهب الإسلامية ، كعامل جذب أساس في تشكيل الحشود الشعبية الحالمة بالجنة ، التي ستزج في أتون الحروب الأكثر عبثية والأكثر تطرفاً .
بصرف النظر عن سيناريو وتفاصيل إعلان ولي و لي العهد ، أمام مؤتمر صحفي في منتصف الليل ، قيام " التحالف الإسلامي " ، فإن الجديد فيه ، هو التبشير بانتقال الحروب الجارية في الشرق الأوسط ، في سوريا والعراق باسم خديعة التغيير ، الديمقراطي ، وخديعة داعش ومقاومة الإرهاب ، إلى حروب أخرى تتميز ، بفقدان الخديعة الديمقراطية ، والخديعة الداعشية ، صلاحيات استكمال تحقيق مخطط الربيع العربي ، وخاصة في جانبه الجغرافي التقسيمي ، وإحلال قوى أخرى " إسلامية سنية " . وانتقال الحروب إلى حروب عرقية مذهبية ، تفضي إلى تساقط الكيانات القائمة ، وإعادة تشكيلها على الخلفيات العرقية والمذهبية ، وانتقال التحالف الأميركي الدولي بما فيه المملكة ، إلى التدخل البري ، دون موافقة مجلس الأمن أو الحكومات الشرعية القائمة .
الأمر الذي يتلاقى وينسجم مع ما أعلنه الرئيس الأميركي عن إرساله قوات عسكرية أميركية إلى سوريا " للمساعدة ضد داعش " ثم أعلن عن عزمه على إرسال قوات برية أخرى أكبر إلى سوريا والعراق . وكرر وزير دفاعه " كارتر " عن إرسال قوات أميركية بأعداد كبيرة إلى البلدين المذكورين . وهناك مخطط لدى الجهات الأميركية الحكومية والعسكرية والبرلمانية ، لإرسال ( 100 ) ألف جندي تشارك فيها أميركا بعشرة آلاف جندي ، لإرسالهم للتدخل البري في سوريا والعراق . وبعد إعلان ولي و لي العهد السعودي قيام " التحالف الإسلامي " سارع وزير الخارجية السعودي إلى التصريح مراراً " توجد مناقشات بين دول الخليج في التحالف " مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين بخصوص إرسال بعض القوات الخاصة إلى سوريا .. وهذه المناقشات مستمرة .. ليس هذا مستبعداً " و " الدول الخليجية سترسل قوات إلى سوريا " . كما صرح وزير خارجية الإمارات العربية " استعداد بلاده للمشاركة في قوات برية لمحاربة التنظيم الإرهابي الأخطر على مستوى العالم " .
وتشكل تصريحات أوباما ووزير دفاعه ، وتصريحات وزير الخارجية السعودي وزميله الإماراتي ، حول التدخل في سوريا ، تشكل كشفاً هاماً لمضمون وأهداف " التحالف الإسلامي " الذي سيحقق ولاشك ، إسناداً عسكرياً برياً لدى استباحة طيران التحالف الدولي الأميركي للأجواء السورية ،ويشارك بفعالية بمحاولة عزل وإفشال المشاركة الروسية لسوريا في حربها ضد الإرهاب . وفرض حلول عربية رجعية وغربية للأزمة السورية .
بيد أن لإعلان إقامة " الحالف الإسلامي " بالتوقيت الذي جرى فيه ، وبالطريقة التي أعلن عنه فيها ، يحمل خصوصية للعهد السعودي الجديد .. لا يمكن تجاهلها .. وتجاهل تداعياتها .
* * *
لقد تبين من ردود فعل عدد من الدول الإسلامية على إدراجها في لائحة التحالف الإسلامي السعودي دون الاتفاق المسبق معها ، ودون إعطائها الوقت لدراسة هذا التحالف واتخاذ موقف بشأنه حسب ، القناعات السياسية ، والقوانين والدساتير المعمول بها في بلدانها ، ومن بينها أكبر الدول الإسلامية " باكستان ، وإندونيسيا " ، تبين اضطراب المملكة السياسي وخلل في مركز القرار من طرف ، والحاجة لتقديم البرهان على من هو الذي يوجه الآن المملكة ، في خضم التجاذبات المتسارعة في المنطقة من طرف . وهذ يطرح الكثير من الأسئلة حول التحالف بالذات وغايا ته وأهدافه منها : = هل إعلان هذا التحالف المتزامن عن عمد مع محادثات " كيري " في موسكو ، ليستخدمه " كيري " من جملة أوراقه في المحادثات مع لافروف وبوتين لانتزاع توافق كما يرغب حول سوريا ؟ . = هل هو استعراض قوة سعودي مسبق للمحادثات الروسية الأميركية ، المتحور حكماً حول التحضير للحل السياسي للأزمة السورية ؟ . = هل هو رد فعل شعور مركز القرار في المملكة ، بأن اجتماع نيويورك " لدعم سوريا " الذي سيجري يوم الجمعة ( 2015 / 12 / 18 ) سوف ينسف مقررات مؤتمر المعارضة السورية تحت العباءة السعودية في الرياض ، ويقلص دور المملكة الإقليمي وفي الشأن السوري خاصة ؟ . = هل هو انعكاس لعدم استقرار المملكة بعهد الملك سلمان بن عبد العزيز ، وتخبطها ، وصراعات مراكز القوى فيها ، ومحاولة ولي و لي العهد القبض على الأمور والتحكم بكل شؤون المملكة ، من خلال اللعب عسكرياً وسياسياً في ملاعب الجزيرة العربية والمشرق العربي الساخنة ، تمهيداً للاستفراد بالسلطة في الداخل . أحد المؤشرات على ذلك ، أنه قام بدور الملك بإعلان " التحالف الإسلامي " والملك لم ينطق ببنت شفة ؟ . وهناك سؤال على هامش الأسئلة المتعلقة بالتحالف مباشرة ، وهو : هل يسمح وجود ملك ضعيف غير مقتدر بحكم عمره وأمراضه ، على إدارة البلاد ، بتكرار تجربة الملك خالد والملك فهد ؟ .. أم أن ولي و لي العهد محمد بن سلمان الشاب الطموح المغامر المتعلم ، سيختار تجربة مغايرة متأثرة بنماذج تاريخية في القفز إلى السلطة ، قد تقود ه إلى مغامرات حربية جديدة ، لتأكيد ريادة المملكة العربية والإقليمية بزعامته ، وسيكون جنرال المرحلة وإمبراطورها القادم ؟ .. لاسيما وهو يعرف حجوم مخزون بلاده من الطاقة ، ومن السلاح المتطور ، والرصيد المالي ، وأعداد ومقامات العملاء والخونة المأجورين بخدمة المملكة ، ويريد كما يبدو أن يستثمر هذه المخزونات .
ما مفاده أن إعلان محمد بن سلمان قيام التحالف الإسلامي بالطريقة إياها ، لم يكن بسبب دون آخر ، ولم يكن عبث شاب عديم الخبر البروتوكولية في العلاقات الدولية ، وإنما هو نتاج الشعور بالعظمة .. ونتاج تفاهة قادة الدول الإسلامية الذين يتنافسون على المنح السعودية ، الذين أعاد الأمير الشاب تشكيل أدوارهم ، بنقلهم من كراسي والده في تحالف " عاصفة الحزم " ضد اليمن ، وفي التحالف الدولي الأميركي ضد " داعش " ، إلى كراسي " تحالفه هو " التحالف الإسلامي العتيد ، وأخبر بعضهم بالهاتف أنهم أعضاء فيه . وهذا الأفق السعودي والعربي ليس مجرد خيار مطروح ، فهناك في دول الخليج وغير الخليج ، ومعهم المعارضون السوريون " الأشاوس "دعاة التدخل الخارجي ، ينادون بنقل عاصفة الحزم من اليمن .. أو أسوة باليمن .. إلى سوريا . ما مفاده أيضاً ، أن البلدان العربية التي اجتاحها " تحاف الربيع العربي " باتت معرضة لمزيد من الحروب بطابع عرقي ومذهبي هي وريثة الجماعات الإرهابية الدولية المسلحة ، ولمزيد من الخراب والدمار والضحايا البريئة . وما مفاده أيضاً وأيضاً ، أن أمام السوريين شتاء قاس آخر . وينبغي أن يرصوا الصفوف لملاقاة عواصفه وذئابه ، ولتجاوز هذا الشتاء .. إلى ربيع سوري مفعم بالحرية والاستقرار والفرح .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذين يرسمون خريطة سوريا الآن وغداً
-
سقوط قناع التحالف الأميكي الدولي
-
- الناتو - يزحف إلى دمشق .. وسوريا تقاتل
-
الحل السياسي بين الإرهاب والتدخل الخارجي
-
جلالة الشهيدة
-
داعش يغزو فرنسا
-
- فيينا 2 - والرهانات المتعاكسة
-
الجري وراء الحلول السياسية في زمن الحرب
-
مقومات الحل السياسي الوطني في سوريا
-
صانعو الحلول الوطنية المشرفة
-
فلسطين في القلب
-
سوريا موحدة جديدة قادمة
-
هل بدأت نهاية الإرهاب في سوريا ؟ ..
-
أيلول أسود بشع آخر
-
دفاعاً عن هوية المسجد الأقصى ووجوده
-
المؤتمر النقابي الدولي بدمشق .. توقيته وأهميته
-
لا بديل للوطن .. العودة للدار هي الحل
-
حرب البؤساء العادلة
-
بيان مجلس الأمن والتجربة السورية
-
أردوغان وسوريا المستعصية على الفتح
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|