|
نظرة الى دراسة إستطلاعية
عبدالحميد برتو
باحث
(Abdul Hamid Barto)
الحوار المتمدن-العدد: 4983 - 2015 / 11 / 12 - 01:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في البدء أود القول: إن المادة الموسومة بـ"الفساد.. من ابتدأه.. ومن أشاعه؟ دراسة استطلاعية" للأستاذ د. قاسم حسين صالح أثارت إهتمامي على الطريقة المعروفة؛ المكتوب يقرأ من عنوانه. وبالتحديد أقول: إن الذي أثار إهتمامي في المقال أولاً إشارته الى كون المادة دراسة إستطلاعية، فمثل هذا النوع من الدراسات، خاصة إذا كانت تتصدى لقضية راهنة، فإنها تكتسب أو تتصف في العادة بطبيعة بناءة، قد تنافس الكثير من أنماط الدراسات الأخرى، ليس في جمالية وإغراء موضوعها حسب، بل بتلك الخلاصات المتوقعة، التي يُفترض أن تتوصل إليها، وتمكن الآخرين من ذات الإختصاص أو الإختصاصات الأخرى لإعادة بناءٍ موضوعة ما، أو أن توظف لمزيد من الإطلاع أو لإستنباط التوجهات والحلول بصدد قضية عامة.
لاشك في أن الكاتب دؤب وجدي في سعيه العلمي، وهذا التقدير يأتي إنطلاقاً من الإطلاع على المتوفر من نتاجاته، وهو في الغالب يلمس وينظر ويعالج العديد من القضايا والزوايا العامة، التي يتجنب الآخرون الإحتكاك بها، وهو واضح في إنحيازاته بالمعنى الإيجابي لمفهوم الإنحيار. ولكن أظن أن الكاتب قد يوافقني فيما أذهب إليه، بصدد الإعتقاد بأنه إستخدم كلمة "دراسة استطلاعية" قد جاءت بمعناها الزمري أو الواسع جداً، وليس بالمعنى الوضعي أو الإصطلاحي، فالمقال "الدراسة" لا يمتلك جوانب أساسية من خصائص ومستلزمات الدرسات الإستطلاعية، خاصة تلك التي لا يمكن تجاهلها على أي حال.
يبدو لي أن الباحث إستخدم عيّنة مغلقة، تتكون من شركائه في وسائل الإتصال الجماهيري والبريد الآلكتروني، أو ربما تتكون من مجموعة مختارة بتعمد من زملائه وأصدقائه، أو ربما غير ذلك، ولا شك أن الإستاذ على إطلاع كامل بالممارسة العلمية والمهنية لما نشير إليه والى أهميته، خاصة ما يتعلق منها بإعطاء وصف دقيق لعيّنته وأفضلياتها ومبررات إختيارها.
ولكن عدم وضوح طبيعة العيّنة وظروفها وشروطها من جانب آخر لم تحول دون قيادة الباحث للمادة، دون إكراه أو تعسف، نحو الوجهة الأكثر أهمية فيما يتعلق بمسألة أو حالة الفساد في العراق، فقد وجهها الى الجانب الذي لم ينل العناية المطلوبة في أحسن الأحوال، أي نحو التعرف على وجهة نظر الناس في ظاهرة الفساد القائمة، التي لم يشهد تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها نظيراً لها.
طرح الكاتب على الذين أستطلعت آراؤهم ثلاثة أسئلة مهمة، ومن المفيد هنا إعادتها كما وردت لأهميتها: 1 ـ من هو المسؤول الأول أو الأكبر عن شيوع الفساد في العراق؟. حدد جهة واحدة فقط. 2 ـ حدد ثلاثة أسماء من المسؤولين تعتقد أنهم أكبر ثلاثة فاسدين. 3 ـ ما هي أسباب الفساد من وجهة نظرك؟.
وكانت نتيجة السؤال الأول: ـ الأحزاب الدينية في السلطة ـ سلطة الإحتلال بعد سقوط النظام ـ الأحزاب المشاركة في العملية السياسية ـ حزب البعث في النظام السابق
إن تلك الأجوبة ذات دلالة مهمة للغاية، وأفترض أن التسلسل الوارد في المقال مؤشر على أعلى النسب الى أقلها، ولكن مع الأسف فإن غياب ذكر نسبة كل طرف في العينة قد قلل أو غيب الأهمية الإحصائية ودلالاتها السياسية والبحثية، ولا أظن أن الباحث لم يلتفت الى ذلك، وربما كان دافعه لعدم الإشارة الى النسب المئوية محدودية أعداد أعضاء العينة.
وبالنسبة الى السؤال الثاني حول أكبر الفاسدين أشار الكاتب الى أنهم جاؤوا على أساس تنازلي، وكان نوري المالكي على رأس قائمة أسماء الفاسدين، حسب تقدير الأشخاص الذين جرى إستطلاع آرائهم. وإفتقدت قائمة الأسماء النسب التي حصدها كل منهم أيضاً. وما إنطبق على السؤالين الأولين إنطبق على السؤال الثالث، ولكن ذلك لم يفقد التشخيصات الواردة دقتها وملموسيتها، التي تعكس وعي الناس حول أسباب الفساد والعناصر التي تقف خلفه.
يُعد إدراج منتخبات من أجوبة أفراد العينة، التي تحمل مضموناً مميزاً، والذي لجأ إليه الباحث أمراً مهماً، وكذلك الحال بالنسبة لتدوين أبرز الإستنتاجات. وفي الجزء الأخير من المادة قدم الباحث تحليلاً سيكولوجياً حول المحركات أو الظواهر الإجتماعية، التي وفرت المناخ الضروري لتفاعل العوامل السلبية المشجعة والممهدة للفساد نفسياً، ولكن مما يُضعف أهميتها أن المادة بأكملها تفتقر الى الأرقام والمعالجة الإحصائية، التي من دونها قد تجعل المادة الحيوية المقدمة، أو قد يُنظر إليها، وكأنها أقرب الى محاولات إسقاط التقديرات الشخصية على الموضوع المطروح أكثر من أنها خلاصة لجهد علمي يعتمد البحث والفحص الى جانب الإحصاء الإجتماعي ووسائله. وأخيراً، تظل الموضوعة المطروحة هامة، وتستحق المزيد والمزيد من الجهد الفردية والمشترك، وفي كل الأحول كانت المادة ممتعة ومثمرة.
#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)
Abdul_Hamid_Barto#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين القرم ودمشق الشام
-
التظاهرات نشاط سياسي حقق منجزاً
-
ملاحظات موجزة حول كتاب آرا خاجادور
-
بوتين و نيمتسوف
-
أعداد النازحين واللاجئين أكبر مما نتوقع
-
عراقيو بوهيميا يتضامنون مع شعبهم
-
الإقامة بين العنوان والمتن
-
آرا خاجادور ونبض سنينّه
-
من الكوفة الى الأنبار
-
شكري بلعيد يُقدم الدليل
-
الإحساس بالإضطهاد الطائفي
-
موسوعة الوراقة والورّاقين
-
وداعاً أبا عواطف
-
جيفارا: قوة المثل الثوري
-
الفيلسوف مدني صالح وعطرالأرض
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|