خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4982 - 2015 / 11 / 11 - 15:06
المحور:
الادب والفن
الفنانة هبة محمد جودون والمشهورة "بهبه نورا ",اويس خميس عبدالله,زينب الحاج علي "باحسن",لول جيلاني علي,فاطمة علي علمي "هلذى", كانوا ضمن فرقة وابري(الفجر) Waaberi كفرقة وطنية أندرجت تحت سقف وزارة الإعلام والثقافة والتراث في الصومال, ناهيك أن البعض منهم إلى جانب عمله مع فرقة وابري ساهم مع فرق صومالية أخرى مثال فرقة إفتين(النور) Iftiin الفنانة لول جيلاني علي, و الحركة الفنية في جمهورية جيبوتي كما هو الأمر مع الفنانة فاطمة علي علمي, عند بداياتها الفنية وقبل الانتقال إلى جمهورية الصومال الديمقراطية عام 1984.
وكل من الفنانات هبة محمد جودون وزينب الحاج علي, كن من أبرز الفنانات المطربات في فرقة وابري, وبدوره فإن الفنان أويس خميس عبدالله, كان من أبرز فناني الفرقة على صعيد الفن التراثي كمطرب وعازف موسيقي.
الفنانة زينب الحاج علي, لم تعتزل بصورة علنية إلى أني ضممتها إلى هذه المجموعة انطلاقا من مبرر أنها كانت قد ذكرت قصة قديمة كانت مرت بينها وبين الشيخ علي صوفي, وأنها وجدته في إحدى الأفراح الذي كانت تحييه, وأنها تجمدت عند رؤيته واقفاً أمامها(بمعنى أصابها الخجل والخوف). والفنان الذي لا يقدم فنه وجمهوره على مؤاثرات جانبية ويخجل من رسالته لمجرد الخجل من رجل دين أو غيره, يكون قد أعلن اعتزاله ضمنيا, وقد وردت تلك الرؤية في حوار نشر في موقع الصومال اليوم منذ سنوات.بينما عادت الفنانة لول جيلاني علي, إلى بعض الأعمال الفنية المحدودة بعد تصريحها السابق بالاعتزال كمحاولة دعم إحدى الفنانات الجدد والتي امت بإداء أغنياتها, في الحين الذي ظهرت فيه الفنانة لول جيلاني وهي في قطيعة من شكل الزي الذي كانت تظهر به في ظل مرحلة عطائها السابق.
مسيرة العطاء
قدمت هذه النخبة من الفنانين خلال مسيرتها الفنية والثقافية أعمال غنائية طربية,مشاركات كورال جماعي في الصومال وخارجه,مسرحيات غنائية, أستطاعوا من خلالها تشكيل وجدان المجتمع الصومالي وشاركوا في صياغة قضاياه الثقافية والوطنية, وعبر اصواتهم وأدائهم تشكل وجدان جمعي فني وثقافي أكد حضور الهوية الصومالية, ومن خلال أعمالهم الفنية انتشرت روائع الأدب الصومالي وتم الاشارة إلى تجسيد العادات والتقاليد الصومالية التي أكدوا عليها.
ورغم الرعاية الرسمية المحدودة لهؤلاء الفنانين وغيرهم, إلى أن دورهم الفني والثقافي والتضحيات التي جسدوها كانت بحجم قامة الوطن وما يمثل, ناهيك عن زجهم عنوتاً في بعض الأعمال التي فرضت عليهم وعظموا فيها النظام الحاكم وخلطوا فيه بين الولاء للوطن والسلطة, وتلك مأساة المبدعين في ظل الأنظمة الشمولية, إلى أنهم كانوا رائعين قياسا مع مرحلتهم التاريخية, وبدورهم كانوا قد تأثروا بانهيار الدولة الصومالية والتي كانوا يشكلون بجزء عضوي من منظومتها الثقافية, وعانوا من واقع التشرد الذي شمل الكثير من الصوماليين.
إشكاليتهم التاريخية
هذه المجموعة المشار لها والكثيريين غيرهم من الفنانين والفنانات الصوماليين, لم ينالوا قسط من التعليم العالي والذي كان بامكانه أن يرفع من أدائهم وشانهم الاجتماعي الحياتي, وهو ما ساهم في إخضاعهم لنظام سياسي وقسوة الحياة مقارنتا مع ما يمثلوه وما يجب أن يكون عليه عند مغادرتهم لوطنهم, وانحصر دخلهم المالي على العائدات البسيطة من حفلاتهم الفنية بين أوساط الجمهور الصومالي في المهجر وبعض الأعمال البسيطة التي في بلدانهم الجديدة في الغرب, هم ليسوا كمثال غيرهم في الكثير من بلدان العالم والتي ينعم فنانييها بحق صيانة ملكية أعمالهم الفنية والحصول على العائد المالي من أعمالهم, لاسيما وأن الجمهور الصومالي ينسخ أعمالهم مجاناً وبذلك يفقدون حق ملكيتهم الفنية.
الأمر الآخر, إن افتقادهم للمعرفة المتقدمة ساهم بدور كبير في ترسيخ تقليدية أدائهم الفني وتواضعه حتى على المستوى الصومالي, وبذلك لم يستطيعوا أن يمثلوا كإضافاة جديدة للوسط الفني والذي كان يأمل أن يدفعوه نظرا لقدم تجربتهم وخبراتهم إلى الأجيال الجديدة والتي كانت ستشكل كاستمرار لمسيرتهم فنيا وثقافيا, وانطلاقا من ذلك لم يستطيعوا أن يساهموا في البيئة الجديدة التي حلوا عليها وظلوا في اطار دائرتهم الاجتماعية الصومالية, رغم وجود كم كبير من فرص استيعاب إبداعاتهم في هذه البيئة, ناهيك عن عدم قدرتهم على صياغة حركة فنية واضحة الملامح في أوساط الصوماليين, ومن دلالات ذلك استخدامهم الموسيىقى التسجيلية ممثلة ب DJ, الخالي من أي تذوق فني والمصاحب للصخب عادتاً.لم تتلمذ أجيال جديدة على أياديهم, والغالبية منهم ظلوا يرددون أغانيهم القديمة وأنقطعوا عن الواقع الحداثة التي يشهدونها, وفي المحصلة فإن غياب العلم والوعي سيؤذي إلى النهايات التي أنتهى لها الفنانين المعتزلين.
البيئة الفنية فاسدة
وقد حرك هذا الواقع الاجتماعي لدى البعض من الفنانين وازع الكرامة, حيت يصاحب جلسات وأعمال هذا الوسط تعاطي مضغ مادة القات المنشطة وشرب الكحوليات, خاصة وأنهم أصبحوا متقدمين في السن وهو ما يصاحبه إحراجهم اجتماعيا وحدوث تواجدهم مع متعاطي هذه الممارسات والتي تتم عادتاً من قبل أفراد هم في عمر أبنائهم, بالإضافة إلى تعرضهم لضغوظ الاجتماعية خاصة مع تقدمهم في السن, وفي ظل مراجعاتهم الشخصية لمسيرتهم الفنية الطويلة والتي تؤكد لضمائرهم أنهم لم يقدموا شيئ يذكر بعد مغادرتهم لصومال وجيبوتي, إلى تاريخهم الفني, وأنهم يمثلون كمجرد أسرى لسمعة اجتماعية فنية سبقت واقعهم الراهن.
تحدث كل من محمود عبدلاهي جمعالي(زلفا), هبة محمد جودون,اويس خميس عبدالله,لول جيلاني علي,فاطمة علي علمي, في تصريحات لهم عن عامل الدين وأن البعض منهم يرغب في الحفاظ على آواخر أيامه بالعبادة والعودة إلى الطريق المستقيم وتقوى الله بمعزل عن البيئة التي ظلوا ينتمون لها لمدة عقود من الزمن, وتحدث الفنان اويس خميس عن عدم بركة الأموال التي تحصل عليها سابقاً وأنها كانت تنفذ منه سريعاً, والأمر يختلف معه بعد مغادرته الحياة الفنية والبركة التي حلت عليه, وبدورها صرحت الفنانة فاطمة علي, عن تعرض الفنانة لمضايقة الرجال, وتلك الأعراض أو الوقائع تتم وتحضر نظرا لطبيعة الاسراف المالي لبعض الفنانين أو للمضايقات الاجتماعية التي يتعرضون لها من قبل أفراد تقلديين أو منحلين أخلاقياً, إلى أن ما هو جدير بالاشارة أن ما أتخذوه من مبررات, تدينهم كفنانيين في المقام الأول وهي ظلت حاضرة وستظل قائمة في تجربة الوسط الفني, ومنها الذاتي والاجتماعي, وكلاهما وغيره من معضلات يمكنها أن تعترض الحركة الفنية الصومالية يمكن حلها وتجاوزها.
تبريرات مغادرة الفن
ماذا وراء الأمر؟ الإحساس بالفشل وعدم القدرة هؤلاء الفنانين على الاستمرار نظرا لتقدمهم في السن وغياب ما يمكن أن يقدموه, يدفعهم لإعلان الاعتزال, وبدلاً أن يصارحوا جمهورهم ومعجبيهم بحقيقة الأمر, يهربون لمسوغات وتبريرات هزيلة, منها أخبرنا الدعاة بأن الفن لا يتماشى مع الدين الاسلامي, ونرغب في تعلم ديننا, فما الذي كان قد منعهم من تعلم الدين فيما مضى من حياتهم الطويلة؟! هل نزل عليهم الاسلام مؤخراً؟!
كل ما قام به الفنانين هؤلاء وغيرهم ولا يمت للاسلام بصلة, كان بدوافع ذاتية منهم وليس له صلة بالفن, الفن يتكون من كلمة,لحن,أداء موسيقي ويمكن للفنان أن يتخذ ما يتناسب مع قناعته الفكرية والاجتماعية ويتجنب غير ذلك, فليس هناك زي معين للفنان أو هيئة معينة إنسانية معينة, وبتالي المجتمع الصومالي لم يفرض عليهم نسق اجتماعي معين لطريقة عيشهم, بل أنهم هم من كرسوا أنساق ما على المجتمع بغض النظر عن ترحيب بها أو رفضها من قبل المجتمع وفئاته المتعددة, وما فات هؤلاء الفنانين إدراك أن الفنان هو ممثل لواقعه الاجتماعي وما يطرئ عليه من تغيرات على شتى الأصعدة الحياتية, وفي المقابل ايصال رسالة ذاتية للجمهور الفني عن طبيعة واقعه الحياتي وما تفرضه عليه رسالته الفنية في وجود التباين بينهما, خاصة وأن الفنان في المقام الأول يجسد واقع اجتماعي.
وستظل كل الأعمال التي تركها الفنانين والفنانات الصوماليات ملكاُ للمجتمع الصومالي وبمعزل عن تصريحاتهم والتي لن تؤخذ في الاعتبار, فما قدموه يظل حق عام للمجتمع ولا يمكن النيل منه اطلاقا, فهو يجسد الاجتماع والتاريخ الصومالي الحديث ويتجاوز المبررات الواهية لصحابها, والذين لهم قدرا كبيرا من التقدير في الذاكرة الجمعية, ونأمل أن تستفيد الأجيال الجديدة من مواقفهم المعلنة, حتى لا يعلن البعض في القادم بدورهم عن امكانية ورود تبريرات هزيلة وتسيئ إليهم في المقام الأول.
وسيظل الفن حاجة إنسانية ملحة في ظل الوجود الانساني ومشكلاُ أساسياً للوجدان الاجتماعي, فأي تبريرات ستعيق استمراريته؟!
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟