|
طلب استقالة
ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 4979 - 2015 / 11 / 8 - 17:08
المحور:
كتابات ساخرة
أنا الموقّع أدناه سعيد بهيج الفرحان العامل لدى شركتكم أعرض ما يلي: أرجو الموافقة على قبول استقالتي من عملي لديكم للأسباب الوجيهة التالية: بعد أن تم رفع الدعم عن المشتقات النفطية بحجة أن الحكومة لا يمكنها الاستمرار بهذا النهج المدمّر للاقتصاد الوطني، وأنها سوف تعقلن الدعم، ما أدّى إلى ارتفاع شاهق بالأسعار. وأخصّ بالذكر هنا أجور النقل بمختلف أصنافها. وبات دوامي بالوظيفة يسبّب لي عجزاً مالياً مزمناً في ميزان نفقاتي. فأنا أقيم في ريف المحافظة حيث أجرة الراكب إلى مدينة جبلة (100) ليرة ومنها إلى اللاذقية (100) ليرة ومن مكان توقّف السرفيس إلى مقرّ عملي (30) ليرة. فيصبح المجموع (230) ليرة ذهاباً ومثلها إياباً. فيكون المجموع الكلي (460) ليرة. هذا على فرض أنني أدفع أجور النقل عن نفسي فقط. وأنتم تعلمون عادات شعبنا بأنه يتوجّب على الراكب أن يدفع عمّن يعرفه من الركاب كنوعٍ من التوجيب الزائف، وبالتالي فإنني أدفع (80%) من راتبي أجور نقل. ومن الطبيعي أن من يداوم في وظيفته تزداد نفقاته الأخرى (حلاقة ذقن يومياً، معجنة الأسنان، بويا للحذاء، أجور مكالمات خليوي، سندويش، قهوة، شاي..) وأحياناً يتطلّب الوضع الاجتماعي من الموظف زيارة زملائه المرضى أو حضور مناسبات الفرح والتعازي. وقد يدلّل نفسه بتناول وجبة إفطار صباحية جماعية (حلبيّة)، وما يترتب على ذلك من مصاريف إضافية أخرى. أي أن الراتب يطير برمّته (لا أكلنا ولا شربنا منه!). ناهيك عن أن الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة بعد أن انتهجت الحكومة نهج الليبرالية المشوّهة منذ سنوات، تحرّض المرء على الحديث بقضايا الفساد والقمع والظلم والاستبداد.. صحيح أن الأحكام العرفية رُفِعت نظرياً، لكنها باقية عملياً! وبالتالي فإن شبح الاعتقال والتسريح التعسّفي والمحاربة بلقمة العيش، ما زالت ماثلةً أمام كلّ من تسوّل له نفسه الاقتراب من بعبع السياسة. لن أتحدّث عن دوامي الطويل الذي يقارب عشر ساعات يومياً محسوب منه زمن الطريق طبعاً. ولن أستفيض في همومي عن تنقلاتي في ظروف المطر والبرد والقرّ.. ولا بُعدي عن عائلتي وخلافاتي مع زوجتي بسبب شكواها الدائمة من اكفهرار وجهي بسبب التعب والإرهاق.. وقلّة عنايتي واهتمامي بأفراد أسرتي. ولا عن منغّصات العمل الأخرى التي لا تعدّ ولا تحصى؛ مشاهداتي للرشاوى، علاقات التزلّف والابتزاز والنفاق ما بين العمال ورؤسائهم، انتهازية اللجان النقابية بسبب تعيينهم، حيث لا انتخابات ولا من يحزنون. السرقات التي تحصل في الشركة عينك عينك ولا من حسيبٍ لذلك.. لقد درستُ الموضوع مليّاً؛ صحيح أنني لا أملك في قريتي سوى دونم وحيد لا شريك له مزروع بالبرتقال، بعد أن قام المرحوم والدي بتوزيع الحصص الإرثية على أخوتي الثمانية. وهذه المساحة الصغيرة لا تشكّل دخلاً محرزاً يمكن الاعتماد عليه بحيث يبعد عني وعن عائلتي غائلة الجوع، وذلك بسبب التكاليف الباهظة للإنتاج. إلا أنني فكّرت بقلع صفّ أشجار منه وزراعة سكاكيب بقدونس ونعناع وبصل أخضر بدلاً منها. وبحسبة بسيطة تبين لي أنني أستطيع أن أجني من هذه البقعة التي لا تعبّي العين، حوالي (500) ليرة يومياً، أي ما يعادل أجور النقل التي أدفعها حالياً. وهي لا تتطلّب جهداً كبيراً ولا تشكّل 10% من تعبي في الشركة التي أعمل فيها حالياً. كل ذلك جعلني أضرب أخماسي بأسداسي وأقول: يا أخي مجنون يحكي وعاقل يسمع، هل أعمل مجّاناً لكم؟ شو ألله جابرني؟ ثم إلى متى سأبقى فأر اختبار للحكومة لقياس مدى قدرتي على تحمّل ارتكاباتها؟ يوم يرتفع سعر البنزين، ويوم الغاز، وآخر المازوت، وبعده الخبز، ويبدو أن الحبل على الجرّار.. والراتب يتقلّص يوم إثر آخر. إزاء ما سبق ذكره، ولأسبابٍ أخرى لا أتجرّأ على البوح بها، فقد قرّرت تقديم استقالتي والاستغناء عن هذه الوظيفة اللعينة والإقامة الدائمة في ربوع قريتي الجميلة؛ حيث النقاء والصفاء والسكينة ونظافة البيئة والبعد عن المخاطر الواردة في كتابي أعلاه. وكلّي ثقة بأنكم ستسارعون بالموافقة على طلبي وترتاحون من نقّي. لا سيما وأن الكثيرين غيري يلهثون لاحتلال موقعي الوظيفي مع هديّة ثمينة لسيادتكم. أملي بموافقتكم كبير بقدر أملي بأن قوى النهب والفساد سوف يأتي يوم ونربط رموزها الكبار على أعمدة الكهرباء في الساحات عشر ساعات يومياً للفرجة.. فأنا قلبي طيب ومسالم ولا أطيق الإعدامات.. ملاحظة هامة جداً: إذا ولا بدّ لم توافقوا على طلبي هذا، رجاءً تمزيقه ألف شقفة بالنتّافة. فقد يصل إلى من يتربّص بي وعينه محمرّة منّي، فيتمّ إنزالي إلى «بيت خالتي» التي لا أحبّها ولا أتحمّل حتى ذكرها.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يمكن القضاء على الإرهاب بمعزل عن الحلّ السياسي؟
-
حوارات نقابية
-
-داعش- والحب
-
ماذا حصدنا من الفيتو المزدوج؟
-
الصحافة السورية وملفات الفساد
-
هل العلمانية دواء للصراع الطائفي؟
-
يحدثُ في سورية
-
في الباص
-
عذراً.. لن أترشّح!
-
فوق الموتة.. عصّة قبر!
-
وصيّة
-
الصورة
-
المرآة
-
السردين
-
العاشق
-
دقائق بلا حياء.. ولا خوف
-
القطط الضامرة
-
مشوار
-
روسيا تزداد تعملقاً
-
أوباما.. يا بالع الموس عالحدّين!
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|