وجهة نظر اخرى حول التدخل الروسي في سوريا
عواد احمد صالح
2015 / 10 / 24 - 11:08
هنالك نوع من البلبلة وغياب الرؤيا الواضحة لكيفية تحليل التدخل الروسي في سوريا او اتخاذ موقفف منه بين من يؤيد هذا التدخل ويعتبرة ايجابيا وبين من يدينه ويصف روسيا بالامبريالية بموازاة الامبريالية الاميركية ويعتبر ان لا نفغ من التدخل سوى تقوية النفوذ الاميركي بالمقابل وزيادة معاناة الجماهير في سوريا وبقاء نظام الاسد الاستبدادي . وجهة النظر الثانية تتبناها بعض الشخصيات ( اليسارية ) ومنظمات اقصى اليسار وهي تلتقي في الجوهر مع مواقف المحور الاميركي السعودي الخليجي التركي وبالتالي تتناغم بقصد اوبدونه لصالح المنظمات الارهابية المختلفة التي تتكون منها ما يسمى ( المعارضة السورية ) .
وقبل هذا وذاك فان كل عمل عسكري او سياسي من شأنه اضعاف وتقويض الارهاب ومنظماته وبنيته السياسية والعسكرية بمختلف اشكاله في اي مكان في الشرق الاوسط او العالم هو عمل ايجابي من اين ياتي من روسيا او من غيرها وبالطبع فان الجميع يعلم ان التحالف الاميركي لمحاربة داعش كان كذبة كبيرة فقد جاء بهدف احتوائها والمحافظة على بقائها لفترة زمنية طويلة لتحقيق مخططات اميركية بعيدة المدى سياتي الحديث عنها في سياق هذا المقال ....
**********
التدخل الروسي في سوريا تعبير واضح عن صراع محورين في الشرق الاوسط المحور الاول بقيادة الولايات المتحدة وحلفاؤها بريطانيا فرنسا تركيا السعودية قطر ودول الخليج الاخرى هذا المحور يشتغل وفق نظرية الفوضى الخلاقة الاميركية لتحقيق مصالح الدول الامبريالية عن طريق نشر الارهاب الطائفي ودعمة بكل الوسائل في سوريا والعراق وليبيا واليمن وحتى في مصر من اجل تحطيم الاستقلال الوطني للدول العربية غير الموالية للغرب وتقسيمها طائفيا ومذهبيا وتحطيم بنيتها الجيوسياسية والبشرية ونشر الفوضى والدمار ثم فتح اسواقها وامتصاص ثرواتها بثمن بخس البترول الليبي والعراقي يضخ بدون توقف وبأقل من 25 دولار للبرميل رغم ظروف عدم الاستقرار الامني للبلدين وضعف سلطة الدولة. والبترول المهرب من قبل الجماعات الارهابية من سوريا والعراق يباع الى تركيا بسعر عشرة دولارات للبرميل تركيا الاردوغانية التي يتدخل رئيسها اردوغان في الشٲ-;-ن السوري بقوة من اجل اهداف اقتصادية واحلام امبراطورية وبدوافع اميركية ورشاوي خليجية اثر فشله في الانظمام الى الاتحاد الاوربي الامبريالي.
ان استراتيجية الولايات المتحدة ورؤيتها لهذا التحالف ابقاء داعش والمنظمات المشابهة لها لمدة عشرين سنة حتى تتحقق اهداف نظرية الفوضى الخلاقة ..في بلقنة المنطقة وتقسيمها طائفيا واثنيا وجغرافيا وخلق دويلات- كانتونات طائفية هزيلة وتابعة واعادة شعوبها الى بربرية القرون الوسطى. ..
المحور الثاني هو المحور الروسي الصيني الايراني السوري حزب الله اللبناني والعراق ضمن هذا المحور بشكل محدود لان النظام القائم في بغداد هو صنيعة اميركية ولا يقوى على الخروج من فلك الهيمنة الاميركية .
ان تدمير سوريا وتقسيمها الى مناطق طائفية وقومية يضر بمصلحة الراسمالية الروسية والصينية اللتان تعرفان ان نشر الارهاب وعدم الاستقرار وتدمير الدول سيضرهما اقتصاديا وامنيا واستراتيجيا وهناك اهداف للاستراتيجية الروسية في سوريا صارت معلومة للجميع. من بينها استعراض قوة روسيا العسكرية والمحافظة على المصالح الروسية في سوريا التي تعتمد اساسا على استيراد السلاح الروسي وبعض موانئها تضم قواعد للاسطول الروسي وتحجيم نفوذ اميركا وحلفاؤها الذين لعبوا ادوارهم الخبيثة لصالح تقوية ودعم الارهابيين بالمال والسلاح تحت مسمى (المعارضة المعتدلة ).
اذن فالصراع بين روسيا واميركا التي فشلت فشلا ذريعا في العراق وسوريا وكل الشرق الاوسط يدخل في اطار صراع تقاسم مناطق النفوذ بين الدول الكبرى وبناء على ذلك من مصلحة روسيا ايجاد موطيء قدم لها في سوريا يبدأ من خلال تقويض واضعاف او القضاء على المنظمات الارهابية اذا تمكنت من ذلك وتثبيت مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية وفي جانب اخر بهدف القضاء على الارهابيين الشيشان وغيرهم الذين يهددون امنها الان وفي المستقبل .
وفي الجانب الاهم فان تدخل روسيا في الصراع الدائر بزخم كبير سيؤدي الى اضعاف النفوذ الاميركي وخلق محور وقطب موازي يبعث برسالة للعالم مفادها ان عصر الهيمنة الاميركية والقطب الواحد والتفرد بالقرار السياسي عالميا قد انتهى تماما ومن وجهة نظر مصالح شعوب المنطقة التواقة للامن والاستقرار اذا استطاع الروس تقويض الارهاب ومرتكزاته في سوريا ونوعا ما في العراق فهي حالة ايجابية وفي صالح شعوب المنطقة...وربما ستظهر معطيات جديدة سياسية وعسكرية. تكون ذات منحى ايجابي بهذا القدر او ذاك ..فالتدخل الروسي غير المسبوق في سوريا ليس سيئا كما يروج الاعلام الغربي والخليجي المغرض. بل هو بقدر ما يقوض البنى العسكرية واللوجستية للمنظمات الارهابية بقدر ما يقلل من تاثير النفوذ الاميركي وبقدر ما يحجم الادوار الرجعية والحقيرة التي تلعبها الدول الخليجية قطر والسعودية وباقي الجوقة الخليجية ...فهو ايجابي وسيغير معادلات الصراع في المنطقة لصالح ارساء قدر معين من الامن والاستقرار.هذا اذا علمنا ان روسيا ليس لديها تاريخ استعماري وهي ليست دولة امبريالية كما يصفها البعض مقارنة بالامبريالية الاميركية او البريطانية او الفرنسية ذوات التاريخ العريق في استرقاق الشعوب ونهب ثرواتها .
ان الشعارات اليسراوية القائلة بمساواة نظام الاسد بداعش والنصرة واحرار الشام وجيش الفتح وغيرهم من المنظمات الارهابية الاكثر اجراما في التاريخ وبمساواة روسيا الموصوفة امبريالية مع الامبريالية الاميركية هي شعارات عدمية ورمادية وبعيدة عن المنطق والجدل اولئك اليساريين المهرة في توصيف الشعارات ينتظرون من كادحي سوريا وعموم جماهيرها المنهكة والتي مزقتها الحرب الارهابية على مدار اكثر من ثلاث سنوات والتي شردت وقتلت مئات الالاف وهي ما تزال عزلاء من كل قوة مادية ومعنوية في سياق فوضى حرب مدمرة قل ما شهد التاريخ لها مثيلا - ينتظرون منها ان تغير معادلات الصراع وان تهزم الارهاب ونظام الاسد الاستبدادي وفي ظل معطيات الصراع الدولي الحالية بين الاقطاب المتصارعة انما يبنون تحليلاتهم على الرمال والاوهام فليس بمقدور هذه الجماهير اليائسة المدمرة والمشردة ان تفعل شيئا وليس هناك قطب ثالث يساري ثوري مسلح يستطيع ووفق امكانيات قوية مفترضة ان يكون بديلا مفترضا لطرفي الصراع .. نظام الاسد الاستبدادي والمعارضة الارهابية الرجعية الظلامية .
ووفقا لهذا التحليل يكتسب التدخل الروسي اهمية بالغة اذا ساعد على استعادة وحدة سوريا كدولة وكيان بشري وجغرافي وارث حضاري وثقافي يتسم بكثير من عناصر الحداثة والمدنية ، ولا ضير من بقاء النظام الحالي في سوريا لمرحلة تاريخية معينة او لفترة انتقالية فهو رغم كل التحفظات علية ورغم مساوئة الكثيرة افضل من اي نظام ديني طائفي ارهابي سلفي سافر سيمزق وحدة سوريا ويدمر كيانها الجغرافي والسياسي والبشري لصالح اعتى الافكار الدينية والطائفية ولصالح القوى الرجعية الخليجية والامبريالية الاميركية والغربية .